وفي رواية غير الترمذي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ رَدِيفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ
(( يَا غُلَامُ أَوْ يَا غُلَيِّمُ أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِنَّ فَقُلْتُ بَلَى فَقَالَ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ تَعَرَّفْ إِلَيْهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ وَإِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ قَدْ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ فَلَوْ أَنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ جَمِيعًا أَرَادُوا أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا))
[رواه الترمذي]
هذا الحديث الشريف ورد في باب المراقبة، و المراقبة أن تشعر أن الله سبحانه و تعالى يراقبك، واللهُ سبحانه و تعالى يقول:
﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (1)﴾
[سورة النساء]
ويقول الله عز وجل:
﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)﴾
[سورة الفجر]
و الإنسان إذا شعر أنه مراقب من إنسان انضبط أيما انضباط،
فإذا كان الذي يراقبه لا يغيب عنه لحظة، لا في حله و لا في ترحاله،
لا في جلوته و لا في خلوته ـ
عندئذ يجب أن يكون الانضباط أشد.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما، سيدنا العبّاس من أصحاب رسول الله، و ابنُه من أصحاب رسول الله، فإذا ورد صحابيٌّ و أبوه تقول: رضي الله عنهما، قال: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا "
معنى يوما يعني ساعة من يوم،
و ليس معنى يوما أنه قضى خلف النبي يوما بكامله،
يعني ساعة من يوم،
واليوم من معانيها الدور، "
فَقَالَ يَا غُلَامُ "
و الغلام بين الطفولة وسن البلوغ،
كل من لم يبلغ يسمى غلاما،
فالصبي من حين يُفطم إلى سن البلوغ يسمى غلاما،
و كان ابن عباس رضي الله عنه
كانت سنه عشرا، فهو غلام،
فقال عليه الصلاة و السلام:
((يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ))
أي
إذا حفظت اللهَ في جوارحك،
إذا غضّت هذه العين عن محارم الله،
وإذا استنكفت هذه الأذن أن تسمع ما يغضب اللهَ عز وجل،
وإذا انطلقت هذه اليدُ فيما يرضي الله، وإذا انطلقت رجلُ الإنسان إلى مكان فيه خير، إلى مجلس علم، إلى مسجد، إلى إصلاح بين اثنين،
إذا كانت هذه الجوارح من عين و أذن و لسان و يد ورجل،
إذا انطلقت هذه الجوارح،
إذا انطلقت هذه الجوارح إلى طاعة الله عز وجل،
أي إذا حفظت أمر الله عز وجل،
و لم تخترقه
عندئذ تولى الله سبحانه و تعالى حفظها من التلف و العطب،
لذلك هذا الذي عاش سبعا و تسعين عاما، متمتعا بأعلى درجة من الصحة،
سئل مرة:
ما هذه الصحة يا سيدي ؟
فقال: يا بني حفظناها في الصغر فحفظها اللهُ علينا في الكِبر "
من عاش تقيا عاش نقيا،
((احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ))
احفظه في كسب المال،
أي
راعِ أمره في كسب المال يحفظ لك المال،
راع أمره في اختيار الزوجة يحفظ لك سعادتك الزوجية،
من تزوج المرأة لجمالها أذلّه الله،
و من تزوجها لمالها أفقرها الله،
ومن تزوجها لحسبها زاده لله دناءة، فعليك بذات الدين تربت يداك "
إذا حفظت الله،
أي حفظت أمر الله في شأن زواجك
حفظ الله لك هذا الزواج من أن يتصدّع، من أن يصاب من الشقاء الزوجي،
إذا حفظت الله عز وجل في كسب المال حفظ الله لك هذا المال،
إذا حفظته في عينك حفظ الله لك عينك، إذا حفظته في سمعك حفظ الله لك سمعك،
إذا حفظته في قوتك حفظ الله لك قوتك ومتّعك بها، حتى الموت،
إذا حفظت الله في أيِّ شيء حفظك الله سبحانه و تعالى،
و كان جزاء طاعته جزاء مقدَّما في الدنيا قبل الآخرة،
((احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ))
من أبلغ كلمات النبي عليه الصلاة و السلام،
احفظ الله في تعاملك مع الزبائن،
لا تغشهم، لا تدلِّس عليهم،
لا تستعل عليهم، لا تستغلهم،
لا توهمهم أن هذه البضاعة لن تجدها بعد اليوم من أجل أن تأخذ سعرا عاليا،
إذا حفظت الله عز وجل في علاقتك بزبائنك،
أي راعيت في هذه العلاقة أمر الله عز وجل، حفظك الله سبحانه و تعالى من أن يدخل عليك رجل يجعلك ترتعد خوفا منه، طبعا،
إذا حفظت الله يحفظك في بيعك و شرائك، في زواجك، في حواسك، في جوارحك، في كسب المال، في إنفاق المال، في كل حركاتك و سكناتك،
إذا حفظت الله فإنه يحفظك،
هل هناك قانون أوضح و أسهل من هذا القانون،
ربنا عز وجل واضح
جعل بينك و بينه قواعد ثابتة،
يتبع