إِنّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً * يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً * وَفُتِحَتِ السّمَآءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً * وَسُيّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً * إِنّ جَهَنّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً * لّلطّاغِينَ مَآباً * لاّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً * لاّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً * إِلاّ حَمِيماً وَغَسّاقاً * جَزَآءً وِفَاقاً * إِنّهُمْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً * وَكَذّبُواْ بِآيَاتِنَا كِذّاباً * وَكُلّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً * فَذُوقُواْ فَلَن نّزِيدَكُمْ إِلاّ عَذَاباً
يقول تعالى مخبراً عن يوم الفصل وهو يوم القيامة أنه مؤقت بأجل معدود لا يزاد عليه ولا ينقص منه ولا يعلم وقته على التعيين إلا الله عز وجل كما قال تعالى: {وما نؤخره إلا لأجل معدود} {يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجاً} قال مجاهد: زمراً زمراً، قال ابن جرير: يعني تأتي كل أمة مع رسولها، وكقوله تعالى: {يوم ندعو كل أناس بإمامهم} وقال البخاري {يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجاً} حدثنا محمد، حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما بين النفختين أربعون» قالوا: أربعون يوماً ؟ قال «أبيت» قالوا: أربعون شهراً ؟ قال «أبيت» قالوا: أربعون سنة ؟ قال «أبيت» قال «ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل ليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظماً واحداً وهو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامة»
{وفتحت السماء فكانت أبواباً} أي طرقاً ومسالك لنزول الملائكة {وسيرت الجبال فكانت سراباً} كقوله تعالى: {وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب} وكقوله تعالى: {وتكون الجبال كالعهن المنفوش} وقال ههنا: {فكانت سراباً} أي يخيل إلى الناظر أنها شيء وليست بشيء وبعد هذا تذهب بالكلية فلا عين ولا أثر، كما قال تعالى: {ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفاً * فيذرها قاعاً صفصفاً * لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً}، وقال تعالى: {ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة} وقوله تعالى: {إن جهنم كانت مرصاداً} أي مرصدة معدة {للطاغين} وهم المردة العصاة المخالفون للرسل {مآباً} أي مرجعاً ومنقلباً ومصيراً ونزلاً. وقال الحسن وقتادة في قوله تعالى: {إن جهنم كانت مرصاداً} يعني أنه لا يدخل أحد الجنة حتى يجتاز بالنار فإن كان معه جواز نجا وإلا احتبس، وقال سفيان الثوري: عليها ثلاث قناطر
وقوله تعالى: {لا بثين فيها أحقاباً} أي ماكثين فيها أحقاباً وهي جمع حقب وهو المدة من الزمان، وقد اختلفوا في مقداره فقال ابن جرير عن ابن حميد عن مهران عن سفيان الثوري عن عمار الدهني عن سالم بن أبي الجعد قال: قال علي بن أبي طالب لهلال الهجري: ما تجدون الحقب في كتاب الله المنزل ؟ قال: نجده ثمانين سنة كل سنة اثنا عشر شهراً كل شهر ثلاثون يوماً كل يوم ألف سنة، وهكذا روي عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو وابن عباس وسعيد بن جبير وعمرو بن ميمون والحسن وقتادة والربيع بن أنس والضحاك، وعن الحسن والسدي أيضاً سبعون سنة كذلك، وعن عبد الله بن عمرو: الحقب أربعون سنة كل يوم منها كألف سنة مما تعدون،رواهما ابن أبي حاتم
وقال بشير بن كعب: ذكر لي أن الحقب الواحد ثلثمائة سنة، كل سنة اثنا عشر شهراً، كل سنة ثلثمائة وستون يوماً كل يوم منها كألف سنة، رواه ابن جرير وابن أبي حاتم، ثم قال ابن أبي حاتم: ذكر عن عمرو بن علي بن أبي بكر الأسفيدي، حدثنا مروان بن معاوية الفزاري عن جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {لا بثين فيها أحقاباً} قال: فالحقب شهر، الشهر ثلاثون يوماً والسنة اثنا عشر شهراً، والسنة ثلثمائة وستون يوما، كل يوم منها ألف سنة مما تعدون، فالحقب ثلاثون ألف ألف سنة، وهذا حديث منكر جداً، والقاسم هو والراوي عنه وهو جعفر بن الزبير كلاهما متروك. وقال البزار: حدثنا محمد بن مرداس، حدثنا سليمان بن مسلم أبو العلاء قال: سألت سليمان التيمي: هل يخرج من النار أحد ؟ فقال: حدثني نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «والله لا يخرج من النار أحد حتى يمكث فيها أحقاباً» قال: والحقب بضع وثمانون سنة كل سنة ثلثمائة وستون يوماً مما تعدون، ثم قال: سليمان بن مسلم بصري مشهور، وقال السدي {لا بثين فيها أحقاباً} سبعمائة حقب، كل حقب سبعون سنة، كل سنة ثلثمائة وستون يوماً، كل يوم كألف سنة مما تعدون، وقد قال مقاتل بن حيان: إن هذه الاَية منسوخة بقوله تعالى: {فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذاباً}
وقال خالد بن معدان: هذه الاَية وقوله تعالى: {إلا ما شاء ربك} في أهل التوحيد رواهما ابن جرير ثم قال: ويحتمل أن يكون قوله تعالى: {لابثين فيها أحقاباً} متعلقاً بقوله تعالى: {لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً} ثم يحدث الله لهم بعد ذلك عذاباً من شكل آخر ونوع آخر ثم قال: والصحيح أنها لا انقضاء لها كما قال قتادة والربيع بن أنس، وقد قال قبل ذلك: حدثني محمد بن عبد الرحيم البرقي، حدثنا عمرو بن أبي سلمة عن زهير عن سالم: سمعت الحسن يسأل عن قوله تعالى: {لابثين فيها أحقاباً} قال: أما الأحقاب فليس لها عدة إلا الخلود في النار، ولكن ذكروا أن الحقب سبعون سنة كل يوم منها كألف سنة مما تعدون، وقال سعيد عن قتادة: قال الله تعالى: {لابثين فيها أحقاباً} وهو ما لا انقطاع له وكلما مضى حقب جاء حقب بعده. وذكر لنا أن الحقب ثمانون سنة وقال الربيع بن أنس {لا بثين فيها أحقاباً} لا يعلم عدة هذه الأحقاب إلا الله عز وجل، وذكر لنا أن الحقب الواحد ثمانون سنة، والسنة ثلثمائة وستون يوماً، وكل يوم كألف سنة مما تعدون، رواهما أيضاً ابن جرير
وقوله تعالى: {لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً} أي لا يجدون في جهنم برداً لقلوبهم ولا شراباً طيباً يتغذون به ولهذا قال تعالى: {إلا حميماً وغساقاً} قال أبو العالية: استثنى من البرد الحميم ومن الشراب الغساق، وكذا قال الربيع بن أنس، فأما الحميم فهو الحار الذي قد انتهى حره وحموّه والغساق هو ما اجتمع من صديد أهل النار وعرقهم ودموعهم وجروحهم فهو بارد لا يستطاع من برده ولا يواجه من نتنه، وقد قدمنا الكلام على الغساق في سورة ص بما أغنى عن إعادته ـ أجارنا الله من ذلك بمنه وكرمه ـ قال ابن جرير وقيل المراد بقوله: {لا يذوقون فيها برداً} يعني النوم كما قال الكندي
بردت مراشفها علي فصدني عنها وعن قبلاتها البرد
يعني بالبرد النعاس والنوم. هكذا ذكره ولم يعزه إلى أحد. وقد رواه ابن أبي حاتم من طريق السدي عن مرة الطيب ونقله عن مجاهد أيضاً. وحكاه البغوي عن أبي عبيدة والكسائي أيضاً. وقوله تعالى: {جزاء وفاقاً} أي هذا الذي صاروا إليه من هذه العقوبة وفق أعمالهم الفاسدة التي كانوا يعملونها في الدنيا، قاله مجاهد وقتادة وغير واحد. ثم قال تعالى: {إنهم كانوا لا يرجون حساباً} أي لم يكونوا يعتقدون أن ثم داراً يجازون فيها ويحاسبون {وكذبوا بآياتنا كذاباً} أي وكانوا يكذبون بحجج الله ودلائله على خلقه التي أنزلها على رسله، فيقابلونها بالتكذيب والمعاندة. وقوله: {كذاباً} أي تكذيباً، وهو مصدر من غير الفعل، قالوا: وقد سمع أعرابي يستفتي الفراء على المروة: الحلق أحب إليك أو القصار ؟ وأنشد بعضهم
لقد طال ما ثبطتني عن صحابتي وعن حوج قصارها من شفائيا
وقوله تعالى: {وكل شي أحصيناه كتاباً} أي وقد علمنا أعمال العباد كلهم وكتبناها عليهم وسنجزيهم على ذلك إن خيراً فخير وإن شراً فشر، وقوله تعالى: {فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذاباً} أي يقال لأهل النار: ذوقوا ما أنتم فيه فلن نزيدكم إلا عذاباً من جنسه وآخر من شكله أزواج، قال قتادة عن أبي أيوب الأزدي عن عبد الله بن عمرو قال: لم ينزل على أهل النار آية أشد من هذه الاَية {فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذاباً} قال: فهم في مزيد من العذاب أبداً، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن محمد بن مصعب الصوري، حدثنا خالد بن عبد الرحمن، حدثنا جسر بن فرقد عن الحسن قال: سألت أبا برزة الأسلمي عن أشد آية في كتاب الله على أهل النار قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ {فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذاباً} قال: «أهلك القوم بمعاصيهم الله عز وجل» جسر بن فرقد ضعيف الحديث بالكلية
إِنّ لِلْمُتّقِينَ مَفَازاً * حَدَآئِقَ وَأَعْنَاباً * وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً * وَكَأْساً دِهَاقاً * لاّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ كِذّاباً * جَزَآءً مّن رّبّكَ عَطَآءً حِسَاباً
يقول تعالى مخبراً عن السعداء وما أعد لهم تعالى من الكرامة والنعيم المقيم فقال تعالى: {إن للمتقين مفازاً} قال ابن عباس والضحاك: متنزهاً. وقال مجاهد وقتادة: فازوا فنجوا من النار. والأظهر ههنا قول ابن عباس لأنه قال بعده {حدائق} والحدائق البساتين من النخيل وغيرها {وأعناباً وكواعب أتراباً} أي وحوراً كواعب، قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد {كواعب} أي نواهد، يعنون أن ثديهن نواهد لم يتدلين لأنهن أبكار عرب أتراب أي في سن واحد كما تقدم بيانه في سورة الواقعة. قال ابن أبي حاتم: حدثنا عبد الله بن أحمد بن عبد الرحمن الدستكي، حدثني أبي عن أبي سفيان عبد الرحمن بن عبد الله بن تيم، حدثنا عطية بن سليمان أبو الغيث عن أبي عبد الرحمن القاسم بن أبي القاسم الدمشقي عن أبي أمامة أنه سمعه يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «إن قمص أهل الجنة لتبدو من رضوان الله وإن السحابة لتمر بهم فتناديهم يا أهل الجنة ماذا تريدون أن أمطركم ؟ حتى إنها لتمطرهم الكواعب الأتراب» وقوله تعالى: {وكأساً دهاقاً} قال ابن عباس: مملوءة ومتتابعة. وقال عكرمة: صافية، وقال مجاهد والحسن وقتادة وابن زيد {دهاقاً} الملأى المترعة، وقال مجاهد وسعيد بن جبير هي المتتابعة. وقوله تعالى: {لا يسمعون فيها لغواً ولا كذاباً} كقوله: {لا لغو فيها ولا تأثيم} أي ليس فيها كلام لاغ عار عن الفائدة ولا إثم كذب، بل هي دار السلام وكل ما فيها سالم من النقص وقوله: {جزاءً من ربك عطاء حساباً} أي هذا الذي ذكرناه جازاهم الله به وأعطاهموه بفضله ومنه وإحسانه ورحمته عطاء حساباً أي كافياً وافياً شاملاً كثيراً، تقول العرب: أعطاني فأحسبني أي كفاني ومنه حسبي الله أي الله كافيّ
رّبّ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرّحْمَـَنِ لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً * يَوْمَ يَقُومُ الرّوحُ وَالْمَلاَئِكَةُ صَفّاً لاّ يَتَكَلّمُونَ إِلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرّحْمَـَنُ وَقَالَ صَوَاباً * ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقّ فَمَن شَآءَ اتّخَذَ إِلَىَ رَبّهِ مَآباً * إِنّآ أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَلَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً
يخبر تعالى عن عظمته وجلاله وأنه رب السموات والأرض وما فيهما وما بينهما وأنه الرحمن الذي شملت رحمته كل شيء، وقوله تعالى: {لا يملكون منه خطاباً} أي لا يقدر أحد على ابتداء مخاطبته إلا بإذنه كقوله تعالى: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} وكقوله تعالى: {يوم يقوم الروح والملائكة صفاً لا يتكلمون} اختلف المفسرون في المراد بالروح ههنا ما هو ؟ على أقوال (أحدها) ما رواه العوفي عن ابن عباس أنهم أرواح بني آدم (الثاني) هم بنو آدم قاله الحسن وقتادة. وقال قتادة: هذا مما كان ابن عباس يكتمه (الثالث) أنهم خلق من خلق الله على صور بني آدم وليسوا بملائكة ولا بشر، وهم يأكلون ويشربون، قاله ابن عباس ومجاهد وأبو صالح والأعمش (الرابع) هو جبريل قاله الشعبي وسعيد بن جبير والضحاك، ويستشهد لهذا القول بقوله عز وجل: {نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين} وقال مقاتل بن حيان: الروح هو أشرف الملائكة وأقرب إلى الرب عز وجل وصاحب الوحي. (الخامس) أنه القرآن، قاله ابن زيد كقوله: {وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا} الاَية. (والسادس) أنه ملك من الملائكة بقدر جميع المخلوقات، قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: {يوم يقوم الروح} قال: هو ملك عظيم من أعظم الملائكة خلقاً
وقال ابن جرير: حدثني محمد بن خلف العسقلاني، حدثنا رواد بن الجراح عن أبي حمزة عن الشعبي عن علقمة عن ابن مسعود قال: الروح في السماء الرابعة هو أعظم من السموات ومن الجبال ومن الملائكة يسبح كل يوم اثني عشر ألف تسبيحة، يخلق الله تعالى من كل تسبيحة ملكاً من الملائكة يجيء يوم القيامة صفاً وحده وهذا قول غريب جداً. وقد قال الطبراني: حدثنا محمد بن عبد الله بن عرس المصري، حدثنا وهب الله بن روق بن هبيرة، حدثنا بشر بن بكر، حدثنا الأوزاعي، حدثني عطاء عن عبد الله بن عباس: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن لله ملكاً لو قيل له التقم السموات السبع والأرضين بلقمة واحدة لفعل. تسبيحه سبحانك حيث كنت» وهذا حديث غريب جداً، وفي رفعه نظر، وقد يكون موقوفاً على ابن عباس، ويكون مما تلقاه من الإسرائيليات، والله أعلم. وتوقف ابن جرير فلم يقطع بواحد من هذه الأقوال كلها والأشبه عندي والله أعلم أنهم بنو آدم
وقوله تعالى: {إلا من أذن له الرحمن} كقوله: {يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه} وكما ثبت في الصحيح «ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل» وقوله تعالى: {وقال صواباً} أي حقاً ومن الحق لا إله إلا الله كما قاله أبو صالح وعكرمة، وقوله تعالى: {ذلك اليوم الحق} أي الكائن لا محالة {فمن شاء اتخذ إلى ربه مآباً} أي مرجعاً طريقاً يهتدي إليه ومنهجاً يمر به عليه. وقوله تعالى: {إنا أنذرناكم عذاباً قريباً} يعني يوم القيامة لتأكد وقوعه صار قريباً لأن كل ما هو آت آت {يوم ينظر المرء ما قدمت يداه} أي يعرض عليه جميع أعماله خيرها وشرها. قديمها وحديثها كقوله تعالى: {ووجدوا ما عملوا حاضراً} وكقوله تعالى: {ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر} {ويقول الكافر ياليتني كنت تراباً} أي يود الكافر يومئذ أنه كان في الدار الدنيا تراباً، ولم يكن خلق ولا خرج إلى الوجود، وذلك حين عاين عذاب الله ونظر إلى أعماله الفاسدة قد سطرت عليه بأيدي الملائكة السفرة الكرام البررة، وقيل إنما يود ذلك حين يحكم الله بين الحيوانات التي كانت في الدنيا فيفصل بينها بحكمه العدل الذي لا يجور، حتى إنه ليقتص للشاة الجماء من القرناء فإذا فرغ من الحكم بينها قال لها: كوني تراباً فتصير تراباً فعند ذلك يقول الكافر {يا ليتني كنت تراباً} أي كنت حيواناً فأرجع إلى التراب، وقد ورد معنى هذا في حديث الصور المشهور، وورد فيه آثار عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو وغيرهما.
آخر تفسير سورة النبأ. ولله الحمد والمنة. وبه التوفيق والعصمة