1047 - عن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من صلى البردين دخل الجنة متفق عليه البردان الصبح والعصر
1048 - وعن زهير بن عمارة بن روبية رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها يعني الفجر والعصر رواه مسلم
[الشَّرْحُ]
قال المؤلف رحمه الله في كتابه رياض الصالحين باب فضل صلاة الصبح وصلاة العصر هاتان الصلاتان تميزتا بفضل ليسا في غيرهما أما الفجر فقد قال الله تبارك وتعالى أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرءان الفجر إن قرءان الفجر كان مشهودا يشهده الله وملائكته وهذه فضيلة عظيمة واختصت أيضا بأنها مفصولة عن الصلوات الخمس منفردة بوقتها فبينها وبين صلاة العشاء نصف الليل الأخير وبينها وبين صلاة الظهر نصف النهار الأول لأن وقت العشاء ينتهي بنصف الليل ولا يمتد إلى طلوع الفجر فإذا انتصف الليل خرج وقت صلاة العشاء وبقي
هذا النصف إلى الفجر ليس وقتا لصلاة مفروضة لكنه وقت التهجد لمن وفقه الله عز وجل أما من طلوع الشمس إلى زوال الشمس فليس أيضا وقتا لصلاة مفروضة وإنما هو وقت لصلاة مطلقة كصلاة الضحى وما أشبه ذلك فتميزت بأنها مشهودة وبأنها منفردة بوقتها لا يتصل بها ما قبلها ولا تتصل بما بعدها أما صلاة العصر فتميزت بأنها الصلاة الوسطى فإن الصلاة الوسطى بنص الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم هي صلاة العصر وتميزت بأن الله تعالى نوه بفضلها وشرفها حيث خصها بالذكر بعد أن عمم فقال {حافظوا على الصلوات} هذا عام {والصلاة الوسطى} يعني صلاة العصر فخصها بالذكر لفضيلتها وهناك فضائل وميزات اشتركت فيها صلاة الفجر وصلاة العصر منها ما أشار إليه المؤلف رحمه الله في هذا الباب 1 - أن من صلى البردين دخل الجنة والبردين هما صلاة الفجر وصلاة العصر لأن الفجر يأتي في براد الليل في آخره والعصر تأتي في براد النهار في آخره ولذلك قال قال صلى الله عليه وسلم من صلى البردين دخل الجنة 2 - وكذلك أخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها يعني صلاة الفجر وصلاة العصر
ففي الأول إثبات دخول الجنة وفي الثاني انتفاء دخول النار فيكون هذا كقوله تعالى {فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز} نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من المحافظين على الصلوات والصلاة الوسطى وأن يحرمنا على النار ويدخلنا الجنة إنه على كل شيء قدير
1049 - وعن جندب بن سفيان رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى الصبح فهو في ذمة الله فانظر يا ابن آدم لا يطلبنك الله من ذمته بشيء رواه مسلم
1050 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم الله وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي فيقولون تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون متفق عليه
1051 - وعن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم
فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا متفق عليه وفي رواية فنظر إلى القمر ليلة أربع عشرة
1052 - وعن بريدة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله رواه البخاري
[الشَّرْحُ]
هذه الأحاديث في بيان فضيلة صلاة الفجر وصلاة العصر فمنها الحديث الأول أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من صلى الفجر فهو في ذمة الله عز وجل يعني في عهده وأمانة فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء يعني لا تغدوا ولا تعملوا عملا سيئا فيطالبكم الله تعالى بما عهد به إليكم وهذا دليل على أن صلاة الفجر كالمفتاح لصلاة النهار بل لعمل النهار كله وأنها كالمعاهدة مع الله بأن يقوم العبد بطاعة ربه عز وجل ممتثلا لأمره مجتنبا لنهيه ومن فضائل صلاة الفجر والعصر 1 - أن الله سبحانه وتعالى وكل بالعباد ملائكة معقبات يتعاقبون فينا
يحفظوننا من أمر الله عز وجل يجتمعون في صلاة الفجر وفي صلاة العصر ثم يصعد الذين باتوا فينا إلى الله عز وجل فيسألهم وهو أعلم كيف تركتم عبادي يسألهم ذلك إظهارا لشرف العباد وتنويها بفضلهم وليس خفاء عليه لأنه يعلم السر وأخفى لكن لإظهار فضيلتهم يسألهم كيف تركتم عبادي فيقولون أتيناهم وهم يصلون وتركناهم وهم يصلون لأنهم يأتون في أول الليل وأول النهار فيتعاقبون في صلاة الفجر وصلاة العصر هؤلاء ينزلون وهؤلاء يصعدون وقيد الله سبحانه وتعالى وقت صعودهم ونزولهم بهاتين الصلاتين لفضلهما لأن صلاة العصر هي الصلاة الوسطى وصلاة الفجر هي الصلاة المشهودة 2 - ومن ذلك أيضا ما رواه جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر ليلة الرابع عشر فقال صلى الله عليه وسلم إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر يعني يوم القيامة يراه المؤمنون في الجنة كما يرون القمر ليلة البدر ليس المعنى أن الله مثل القمر لأن الله ليس كمثله شيء بل هو أعظم وأجل عز وجل وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه لكن المراد من المعنى تشبيه الرؤية بالرؤية فكما أننا نرى القمر ليلة
البدر رؤية حقيقية ليس فيها اشتباه فإننا سنرى ربنا عز وجل كما نرى هذا القمر رؤية حقيقية بالعين دون اشتباه واعلم أن ألذ نعيم وأطيب نعيم عند أهل الجنة أسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم هو النظر إلى وجه الله فلا شيء يعدله ولهذا قال عز وجل للذين أحسنوا الحسنى وزيادة فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها النظر إلى وجه الله الحسنى اسم تفضيل مؤنث يقابله أحسن في المذكر فالزيادة زيادة على الأحسن وهي النظر إلى وجه الله عز وجل فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ذكر أننا نرى ربنا كما نرى القمر ليلة البدر فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا والمراد من قوله استطعتم ألا تغلبوا على صلاة أي على أن تأتوا بهما كاملتين ومنها أن تصلي في جماعة إن استطعتم ألا تغلبوا على هذا فافعلوا وفي هذا دليل على أن المحافظة على صلاة الفجر وصلاة العصر من أسباب النظر إلى وجه الله عز وجل ويا لها من قيمة عظيمة حافظ على صلاة الفجر وصلاة العصر تنظر إلى وجه الله يوم القيامة في جنات النعيم 3 - من فضائل صلاة العصر خاصة أن من تركها فقد حبط عمله لأنها عظيمة وقد استدل بهذا بعض
العلماء على أن من ترك صلاة العصر كفر لأنه لا يحبط الأعمال إلا الردة كما قال تعالى {ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعلمون} وقال تعالى {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} فيقول بعض العلماء صلاة العصر خاصة من تركها فقد كفر وكذلك من ترك بقية الصلوات عموما فقد كفر وهذا القول ليس ببعيد من الصواب لأن حبوط العمل لا يكون إلا بالكفر والردة ففي هذا دليل على عظم شأن هذه الصلاة صلاة العصر ولذلك نص الله على المحافظة عليها من بين سائر الصلوات فقال {حافظوا على الصلوات والصلوات الوسطى} يعني صلاة العصر {وقوموا لله قانتين}
* * *