1051 - وعن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم
فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا متفق عليه وفي رواية فنظر إلى القمر ليلة أربع عشرة
1052 - وعن بريدة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله رواه البخاري
[الشَّرْحُ]
هذه الأحاديث في بيان فضيلة صلاة الفجر وصلاة العصر فمنها الحديث الأول أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من صلى الفجر فهو في ذمة الله عز وجل يعني في عهده وأمانة فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء يعني لا تغدوا ولا تعملوا عملا سيئا فيطالبكم الله تعالى بما عهد به إليكم وهذا دليل على أن صلاة الفجر كالمفتاح لصلاة النهار بل لعمل النهار كله وأنها كالمعاهدة مع الله بأن يقوم العبد بطاعة ربه عز وجل ممتثلا لأمره مجتنبا لنهيه ومن فضائل صلاة الفجر والعصر 1 - أن الله سبحانه وتعالى وكل بالعباد ملائكة معقبات يتعاقبون فينا
يحفظوننا من أمر الله عز وجل يجتمعون في صلاة الفجر وفي صلاة العصر ثم يصعد الذين باتوا فينا إلى الله عز وجل فيسألهم وهو أعلم كيف تركتم عبادي يسألهم ذلك إظهارا لشرف العباد وتنويها بفضلهم وليس خفاء عليه لأنه يعلم السر وأخفى لكن لإظهار فضيلتهم يسألهم كيف تركتم عبادي فيقولون أتيناهم وهم يصلون وتركناهم وهم يصلون لأنهم يأتون في أول الليل وأول النهار فيتعاقبون في صلاة الفجر وصلاة العصر هؤلاء ينزلون وهؤلاء يصعدون وقيد الله سبحانه وتعالى وقت صعودهم ونزولهم بهاتين الصلاتين لفضلهما لأن صلاة العصر هي الصلاة الوسطى وصلاة الفجر هي الصلاة المشهودة 2 - ومن ذلك أيضا ما رواه جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر ليلة الرابع عشر فقال صلى الله عليه وسلم إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر يعني يوم القيامة يراه المؤمنون في الجنة كما يرون القمر ليلة البدر ليس المعنى أن الله مثل القمر لأن الله ليس كمثله شيء بل هو أعظم وأجل عز وجل وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه لكن المراد من المعنى تشبيه الرؤية بالرؤية فكما أننا نرى القمر ليلة
البدر رؤية حقيقية ليس فيها اشتباه فإننا سنرى ربنا عز وجل كما نرى هذا القمر رؤية حقيقية بالعين دون اشتباه واعلم أن ألذ نعيم وأطيب نعيم عند أهل الجنة أسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم هو النظر إلى وجه الله فلا شيء يعدله ولهذا قال عز وجل للذين أحسنوا الحسنى وزيادة فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها النظر إلى وجه الله الحسنى اسم تفضيل مؤنث يقابله أحسن في المذكر فالزيادة زيادة على الأحسن وهي النظر إلى وجه الله عز وجل فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ذكر أننا نرى ربنا كما نرى القمر ليلة البدر فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا والمراد من قوله استطعتم ألا تغلبوا على صلاة أي على أن تأتوا بهما كاملتين ومنها أن تصلي في جماعة إن استطعتم ألا تغلبوا على هذا فافعلوا وفي هذا دليل على أن المحافظة على صلاة الفجر وصلاة العصر من أسباب النظر إلى وجه الله عز وجل ويا لها من قيمة عظيمة حافظ على صلاة الفجر وصلاة العصر تنظر إلى وجه الله يوم القيامة في جنات النعيم 3 - من فضائل صلاة العصر خاصة أن من تركها فقد حبط عمله لأنها عظيمة وقد استدل بهذا بعض
العلماء على أن من ترك صلاة العصر كفر لأنه لا يحبط الأعمال إلا الردة كما قال تعالى {ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعلمون} وقال تعالى {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} فيقول بعض العلماء صلاة العصر خاصة من تركها فقد كفر وكذلك من ترك بقية الصلوات عموما فقد كفر وهذا القول ليس ببعيد من الصواب لأن حبوط العمل لا يكون إلا بالكفر والردة ففي هذا دليل على عظم شأن هذه الصلاة صلاة العصر ولذلك نص الله على المحافظة عليها من بين سائر الصلوات فقال {حافظوا على الصلوات والصلوات الوسطى} يعني صلاة العصر {وقوموا لله قانتين}
* * *