إسلام زيد بن سعنة رضي الله عنه
6 - حدثنا أحمد بن علي الأبار البغدادي قال : ثنا محمد بن أبي السري [ ص: 203 ] العسقلاني قال : ثنا الوليد بن مسلم قال : ثنا محمد بن حمزة بن يوسف بن عبد الله بن سلام ، عن أبيه ، عن جده قال : لما أراد الله تعالى هدى زيد بن سعنة ، قال زيد بن سعنة : ما من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفتها في وجه محمد - صلى الله عليه وسلم - حين نظرت إليه ، إلا اثنتين لم أخبرهما منه : يسبق حلمه جهله ، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلما ، فكنت ألطف له لأن أخالطه فأعرف حلمه من جهله .
قال زيد بن سعنة : فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما من الحجرات ومعه علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فأتاه رجل على راحلته كالبدوي ، فقال : يا رسول الله ، إن بصرى قرية بني فلان قد أسلموا ودخلوا في الإسلام ، وكنت حدثتهم إن أسلموا أتاهم الرزق ، وأصابتهم سنة وشدة وقحوط من الغيث ، فأنا أخشى يا رسول الله أن يخرجوا من الإسلام طمعا كما دخلوا فيه طمعا ، فإن رأيت أن ترسل إليهم بشيء تعينهم به فعلت ، فنظر إلى رجل إلى جانبه أراه عليا ، فقال : يا رسول الله ، [ ص: 204 ] ما بقي منه شيء ، قال زيد بن سعنة : فدنوت إليه ، فقلت : يا محمد ، هل لك أن تبيعني تمرا معلوما من حائط بني فلان إلى أجل كذا وكذا ، فقال : " لا يا يهودي ، ولكني أبيعك تمرا معلوما إلى أجل كذا وكذا ، ولا يسمي حائط بني فلان " قلت : نعم ، فبايعني فأطلقت همياني فأعطيته ثمانين مثقالا من ذهب في تمر معلوم إلى أجل كذا وكذا ، فأعطاها الرجل ، فقال : " أعجل عليهم وأعنهم بها " ، قال زيد بن سعنة : فلما كان قبل محل الأجل بيومين أو ثلاثة أتيته فأخذت بمجامع قميصه وردائه ، ونظرت إليه بوجه غليظ ، فقلت له : ألا تقضيني يا محمد حقي ، فوالله ما علمتكم يا بني عبد المطلب لمطل ، ولقد كان لي بمخالطتكم علم ، ونظرت إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وإذا عيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير ، ثم رماني ببصره ، وقال : يا عدو الله تقول لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أسمع ، وتصنع به ما أرى ، فوالذي بعثه بالحق ، لولا ما أحاذر قوته لضربت بسيفي رأسك . ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينظر إلى عمر في سكون وتؤدة وتبسم ، ثم قال : " يا عمر ، أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا ، أن تأمرني بحسن الأداء ، وتأمره بحسن التباعة ، اذهب به يا عمر فأعطه حقه وزده عشرين صاعا من تمر مكان ما رعته " .
قال زيد : فذهب بي عمر - رضي الله عنه - فأعطاني حقي وزادني عشرين صاعا من تمر ، فقلت : ما هذه الزيادة يا عمر ؟ فقال : أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أزيدك مكان ما رعتك ، قلت : وتعرفني يا عمر ؟ قال : لا ، من أنت ؟ قلت : أنا زيد بن سعنة ، قال : الحبر ؟ قلت : الحبر ، قال : فما دعاك أن فعلت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما فعلت وقلت له ما قلت ؟ قلت : يا عمر ، لم يكن من علامات النبوة شيء [ ص: 205 ] إلا قد عرفت في وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين نظرت إليه ، إلا اثنتين لم أخبرهما منه : يسبق حلمه جهله ، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلما ، فقد اختبرتهما ، فأخبرك يا عمر أني قد رضيت بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبيا ، وأشهدك أن شطر مالي - فإني أكثرها مالا - صدقة على أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فقال عمر : أو على بعضهم ، فإنك لا تسعهم ، قلت : وعلى بعضهم ، فرجع عمر وزيد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال زيد : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وآمن به وصدقه وبايعه وشهد معه مشاهد كثيرة ، ثم توفي زيد - رضي الله عنه - في غزوة تبوك مقبلا غير مدبر ، رضي الله عنه .
.