يقول الله تعالى في سورة الفيل مخاطبا محمدا صلى الله عليه وسلم .. ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ) بعض المستشرقين يقول هذا قصور في التعبير ... ( أَلَمْ تَرَ) هل رأى محمد عليه السلام عام الفيل .. لقد ولد في عام الفيل .. إنه لم ير .. لو قال الله سبحانه وتعالى ألم تعلم .. لقلنا علم عن غيره .. فالعلم قد تحصل عليه أنت .. وقد تحصل عليه عن طريق من علمه من غيرك من البشر .. ولكن الله سبحانه وتعالى حين يقول ألم تر .. يقول المستشرقون في هذا .. إن التعبير قد خان محمدا عليه السلام .. فهو لم ير .. وقوله ألم تر مجافاة لحقيقة واقعة ثابتة . ولكن الذي فات هؤلاء إن هذه قضية من قضايا الإيمان .. ما يقول الله سبحانه وتعالى للإنسان المؤمن .. هو رؤية صادقة .. والقرآن هو كلام متعبد بتلاوته لا يتغير ولا يتبدل ... فعندما يقول الله ( ألم تر ) .. معناها أن الرؤية مستمرة لكل مؤمن بالله .. ذلك لأن الرؤية هنا رؤيا معجزة كبرى ... والله يريدها أن تثبت في عقولنا .. كما تثبت الرؤية تماما .. لماذا ؟ لأن قضية الإيمان الكبرى هنا هي إن الله سبحانه وتعالى في معجزة قد خلق من الضعف قوة .. وهذه لا يستطيع أن يفعلها إلا الله . أنا أستطيع أن أعين شخصا ضعيفا .. على أن يحمل حملا ثقيلا .. بأن أحمل عنه هذا الحمل .. ولكني لا أستطيع ولا أقدر أن أجعل هذا الرجل الضعيف قويا .. بحيث يقوم هو بنفسه بحمل هذا الحمل الثقيل .. ولكن الله سبحانه وتعالى وحده هو الذي يستطيع أن يخلق من هذا الضعف الذي لا حول له وقوة قويا يهزم أقوى أقوياء العالم .. وأقوى ملوك الدنيا .. وهو إنسان ضعيف لا حول له ولا قوة .. هذه هي إحدى معجزات الله ... ومن هنا فإن الذي حدث في عام الفيل ... أن طيرا أبابيل تمسك في مناقيرها حجارة صغيرة جاءت .. وهزمت جيشا من الأفيال ..أقوى جيش في العالم .. في ذلك الوقت ... ولو انني عقلا ومنطقا قلت لإنسان أن طيرا ... أو مجموعة من العصافير قد هزمت فيلا لسخر منى ... ذلك أن الفيل يستطيع أن يهلك مئات الطيور دون أن يصاب بأذى ... بل أن الطير يقف على ظهر الفيل ... فلا يحس الفيل به .. فكيف يكون هذا الطير يأتي وكونه يفنى هذا الجيش العظيم .. فقد استخدم الله أضعف مخلوقاته .. ليهزم خلقا من أقوى مخلوقاته .. وهذه معجزة لا يمكن أن تتم إلا على يد الله سبحانه وتعالى . بل إن البعض العلماء قد أخذ يتشكك في هذه الناحية من كثرة ما تناولها المستشرقون .. فادعى أو قال بعضهم إن الذي فتك بجيش أبرهة هو الأمراض والجراثيم التي سلطها الله على هذا الجيش .. وأنا لا أتفق مع هذا المعنى .. فعام الفيل حدث عند مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ... ورسول الله بعث في الأربعين من عمره .. أي أنه في ذلك الوقت كان هناك من هم في سن الخامسة والخمسين .. والستين .. والخامسة والستين .. والسبعين .. ومن هم فوق ذلك .. ممن رأوا عام الفيل .. رأي العين .. ولو أنها لم تجعل هذا الجيش عصفا مأكولا .. وهو ما يحتاج إلى أسابيع بالنسبة لأي جسم حيواني .. أو بشرى .. لكان هؤلاء الناس قد ماتوا وقالوا إن ما يقوله محمد غير صحيح .. لقد شهدنا عام الفيل .. ولم نر طيرا تأتى ... ولم نرها تفنى أعظم جيش بأحجار صغيرة تحملها في مناقيرها .. ولم نر هذا الجيش يتحول إلى عصف مأكول في لحظات .. فلأن أحدا لم يستطع أن يكذب هذه الواقعة ... وقت نزولها ممن رأوها .. دليل على أنها حدثت كما رويت في القرآن الكريم .. وليست محتاجة إلى تفسير لأن الله سبحانه وتعالى قادر على كل شيء ... ومن هنا فإنه في القضايا الإيمانية يكون كلام الله سبحانه وتعالى هو الرؤية الدائمة التي تتمثل أمامنا .. والتي تتكرر باستمرار في الحياة .. فكم من قوي خذله الله وجعل نهايته على يد أضعف الضعفاء . كلام الله سبحانه وتعالى بالنسبة للؤمن .. هو يقيني بمثابة الرؤية الدائمة .. ولذلك قال لله سبحانه وتعالى (أَلَمْ تَرَ) حاضر متجدد مستمر يحدث وسيحدث على مر السنين إلى يوم الساعة .. إنه قضية الحق ينصر الله المظلوم علي الظالم .. مهما كانت قوة الظالم , ومهما كان ضعف المظلوم .. تلك قضية إيمانية كبرى يجب أن تراها في قلبك إذا كنت مؤمنا .. وتراها رؤية اليقين ( أَلَمْ تَرَ) .. هذا هو الإيمان .. وهذه هي الحكمة في استخدام كلمة ( أَلَمْ تَرَ) .. تجعل المؤمن يحس بقوة الله وقدرة الله في كل ما يحدث .. بالنسبة للحق والباطل .. وقضايا الحق .. وقضايا الباطل .. حتى قيام الساعة ..