بقى أن نتكلم عن ختم فاتحة الكتاب. بقولنا آمين أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي علمه جبريل عليه السلام أن يقول بعد قراءة الفاتحة آمين، فهي من كلام جبريل لرسول الله صلى الله عليه وسلم وليست كلمة من القرآن.
وكلمة آمين معناها استجب يا رب فيما دعوناك به من قولنا: "اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم" أي أن الدعاء هنا له شيء مطلوب تحقيقه. وآمين دعاء لتحقيق المطلوب .. وكلمة آمين اختلف العلماء فيها .. أهي عربية أم غير عربية.
وهنا يثور سؤال .. كيف تدخل كلمة غير عربية في قرآن حكم الله بأنه عربي..؟ نقول أن ورود كلمة ليست من أصل عربي في القرآن الكريم. لا ينفي أن القرآن كله عربي. بمعنى أنه إذا خوطب به العرب فهموه .. وهناك ألفاظ دخلت في لغة العرب قبل أن ينزل القرآن .. ولكنها دارت على الألسن بحيث أصبحت عربية وألفتها الأذان العربية..
فليس المراد بالعربي هو أصل اللغة العربية وحدها .. وإنما المراد أن القرآن نزل باللغة التي لها شيوع على ألسنة العرب. وما دام اللفظ قد شاع على اللسان قولا وفي الآذان سمعها. فإن الأجيال التي تستقبله لا تفرق بينه وبين غيره من الكلمات التي هي من أصل عربي .. فاللفظ الجديد أصبح عربيا بالاستعمال وعند نزول القرآن كانت الكلمة شائعة شيوع الكلمة العربية.
واللغة ألفاظ يصطلح على معانيها. بحيث إذا أطلق اللفظ فهم المعنى. واللغة التي نتكلمها لا تخرج عن اسم وفعل وحرف .. الاسم كلمة والفعل كلمة والحرف كلمة .. والكلمة لها معنى في ذاتها ولكن هل هذا المعنى مستقل في الفهم أو غير مستقل .. إذا قلت محمد مثلا فهمت الشخص الذي سمى بهذا الاسم فصار له معنى مستقل .. وإذا قلت كتب فهمت أنه قد جمع الحروف لتقرأ على هيئة كتابة .. ولكن إذا قلت ماذا وهي حرف ليس هناك معنى مستقل .. وإذا قلت "في" دلت على الظرفية ولكنها لم تدلنا على معنى مستقل. بل لابد أن تقول الماء في الكوب .. أو فلان على الفرس .. غير المستقل في الفهم نسميه حرفا لا يظهر معناه إلا بضم شيء له .. والفعل يحتاج إلي زمن، ولكن الاسم لا يحتاج إلي زمن..
إذن الاسم هو ما دل على معنى مستقل بالفهم وليس الزمن جزءا منه .. والفعل ما دل على فعل مستقل بالفهم والزمن جزء منه .. والحرف دل على معنى غير مستقل .. ما هي علامة الفعل هي أنك تستطيع أن تسند إليه تاء الفاعل .. أي تقول كتبت والفاعل هو المتكلم .. ولكن الاسم لا يضاف إليه تاء الفاعل فلا تقول محمدت .. إذا رأيت شيئا يدل على الفعل أي يحتاج إلي زمن .. ولكنه لا يقبل تاء الفاعل فإنه يكون اسم على فعل.
آمين من هذا النوع ليست فعلا فهي اسم مدلولة مدلول الفعل .. معناه استجب .. فأنت حين تسمع كلمة "آه" أنها اسم لفعل بمعنى أتوجع .. وساعة تقول "أف" اسم فعل بمعنى أتضجر .. وآمين اسم فعل بمعنى استجب .. ولكنك تقولها مرة وأنت القارئ، وتقولها مرة وأنت السامع. فساعة تقرأ الفاتحة تقول آمين .. أي أنا دعوت يا رب فاستجب دعائي .. لأنك لشدة تعلقك بما دعوت من الهداية فأنك لا تكتفي بقول اهدنا ولكن تطلب من الله الاستجابة. وإذا كنت تصلي في جماعة فأنت تسمع الإمام، وعندما قلت آمين فأنت شريك في الدعاء .. ولذلك فعندما دعا موسى عليه السلام أن يطمس الله على أموال قوم فرعون ويهلكهم قال الله لموسى:
{قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون "89" }
(سورة يونس)
أي الخطاب من الله سبحانه وتعالى موجه إلي موسى وهارون. ولكن موسى عليه السلام هو الذي دعا .. وهارون أمن على دعوة موسى فأصبح مشاركا في الدعاء.