فإذا انتقلنا إلي قوله تعالى: "الرحمن الرحيم" فمن موجبات الحمد أن الله سبحانه وتعالى رحمن رحيم .. يعطي نعمة في الدنيا لكل عباده عطاء ربوبيه، وعطاء الربوبيه للمؤمن والكافر .. وعطاء الربوبية لا ينقطع إلا عندما يموت الإنسان..
والله لا يحجب نعمه عن عبيده في الدنيا .. ونعم الله لا تعد ولا تحصى ومع كل التقدم في الآلات الحاسبة والعقول الإلكترونية وغير ذلك فإننا لم نجد أحدا يتقدم ويقول أنا سأحصي نعم الله .. لأن موجبات الإحصاء أن تكون قادرا عليه .. فأنت لا تقبل على عد شيء إلا إذا كان في قدرتك أن تحصيه .. ولكن مادام ذلك خارج قدرتك وطاقاتك فأنك لا تقبل عليه .. ولذلك لن يقبل أحد حتى يوم القيامة على إحصاء نعم الله تبارك وتعالى لأن أحدا لا يمكن أن يحصيها.
ولابد أن نلتفت إلي أن الكون كله يضيق بالإنسان، وأن العالم المقهور الذي يخدمنا بحكم القهر والتسخير يضيق حين يرى العاصين .. لأن المقهور مستقيم على منهج الله قهرا .. فحين يرى كل مقهور الإنسان الذي هو خدمته عاصيا يضيق.
وأقر الحديث القدسي لتعرف شيئا عن رحمة الله بعباده .. يقول الله عز وجل:
ما من يوم تطلع شمسه إلا وتنادي السماء تقول يا رب إ إذن لي أن اسقط كسفا على ابن آدم، فقد طعم خيرك ومنع شكرك. وتقول البحار يا رب إ إذن لي أن اغرق ابن آدم فقد طعم خيرك ومنع شكرك. فيقول الله تعالى دعوهم دعوهم لو خلقتموهم لرحمتوهم أنهم عبادي فإن تابوا إلي فأنا حبيبهم، وأن لم يتوبوا فأنا طبيبهم" رواه الإمام احمد بن حنبل في مسنده"تلك تجليات صفة الرحمن وصفة الرحيم .. وكيف ضمنت لنا بقاء كل ما يخدمنا في هذا الكون مع معصية الإنسان .. أنها كلها تخدمنا بعطاء الربوبية وتبقى في خدمتنا بتسخير الله لها لأنه رحمن رحيم..
بعض الناس قد يتساءل هل تتكلم الأرض والسماء وغيرها من المخلوقات في عالم الجماد والنبات والحيوان؟ نقول نعم أن لها لغة لا نعرفها نحن وإنما يعرفها خالقها .. بدليل أنه منذ الخلق الأول أبلغنا الحق تبارك وتعالى أن هناك لغة لكل هذه المخلوقات .. واقرأ قوله جل جلاله:
{ثم استوى إلي السماء وهي دخان فقال لها وللأرض آتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين"11" }
(سورة فصلت)
إذن فالأرض والسماء فهمت عن الله .. وقالت له سبحانه وتعالى "أتينا طائعين" ألم يعلم الله سليمان منطق الطير ولغة النملة؟ ألم تسبح الجبال مع داود؟ إذن كل خلق الله له ادراكات مناسبة له .. بل له عواطف .. فعندما تكلم الله سبحانه وتعالى عن قوم فرعون .. قال:
{كم تركوا من جنات وعيون "25" وزروع ومقامٍ كريمٍ "26" ونعمة كانوا فيها فاكهين "27" كذلك وأورثناها قوماً آخرين "28" فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين"29" }
(سورة إبراهيم)
إذن فالسماوات والأرض لهما انفعال .. انفعال يصل إلي مرحلة البكاء .. فهما لم تبكيا على فرعون وقومه .. ولكنهما تبكيان حزنا عندما يفارقهما الإنسان المؤمن المصلي المطبق لمنهج الله .. ولقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (إذا مات المؤمن بكى عليه موضعان .. موضع في الأرض وموضع في السماء .. أما الموضع في الأرض هو مكان مصلاه الذي أسعده وهو يصلي فيه. وأما الموضع في السماء فهو مصعد عمله الطيب).
يتبع---