الحمد لله بجميع ما حمد به الحامدون على كل نعمة وصل إليها من كرامته الواصلون لدى خلقه كلهم من نحن به عارفون أو جاهلون ومن أولى بالحمد من منعم من بحر أنعمه أنعم المنعمون فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السموات والأرض وعشيا وحين تظهرون وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من لم يزل عبده ولا رأى إلا رفده ولا خاف إلا وعيده ولا رجا إلا وعده عسى بكلمة الإخلاص أن نحصل على الإخلاص ولات حين مناص إلا للموحدين وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي عبده حتى أتاه اليقين ورسوله الذي جاء بالحق وصدق المرسلين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين رضوان الله عليهم أجمعين خصوصا على الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي الأئمة الهداة المهتدين وعلى التابعين لهم بإحسان الى يوم الدين اللهم ونحن من جملة عبادك المفتقرين إلى نوالك الباسطين أكفهم لسؤالك منتظرين ما تذكرنا به من إحسانك وتغمرنا به من أفضالك الهم فأجرنا بما تجير به المنكسرين واغننا بما تغني به المفتقرين وأشركنا في دعاء الداعين وأشرك في صالح دعائنا إخواننا فيك من المسلمين معاشر الإخوان الحاضرين بظواهر الأبدان احضروا ببواطن القلوب عسى تمطر سحائب الرضوان بتفسير شيء من القرآن نستدعي به كرم الكريم ورحمة الرحمن الرحيم يقول الله عز وجل في كتابه المبين التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين سبب نزول هذه الآية أنه لما نزل قبلها إن الله إشترى من المسلمين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة قال رجل يا رسول الله وإن زنا وإن شرب الخمر وإن سرق ونزل بعدها التائبون فكأنه تعالى يقول الجنة حاصلة للمؤمن ولو أتى الكبائر وغشى الفواحش ولكن إذا تاب لأن المؤمن إذا عمل الذنوب فلا بد له ولو عند موته أن يتوب وهذا من كرم الله تعالى بعبده المؤمن أنه إذا تاب إليه قبل موته قبل الله توبته كما في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر كريم إذا يممت بالصدق بابه فإنك لا تلقى على الباب حاجبا وإن كنت ذا ذنب فتب منه واعتذر كأنك لم تذنب إذا جئت تائبا مصير من مات على غير توبة فأما من مات على غير توبة من أهل الكبائر فقل أن يسلم من العقوبة لكنه لا يخلد مع الكافرين وفي الجملة من دخل النار ولو ساعة من نهار فقد ذاق العذاب الأليم وليجرب العاصي بنار الدنيا فهي جزء من سبعين جزءا من نار جهنم هل له طاقة أن يضع فيها أصبعه أو شيئا من لحظة واحدة فالواجب على العبد العاصي أن يبادر الى التوبة قبل هجوم أجله وانقطاع أمله إذا كنت يا عاصي على النار لا تقوى فبادر إلى التوبة واستعمل القوى ونح أسفا من أجل ذنبك دائما فما في غدي يغني نواح ولا شكوى وقد روي في أثر أن أكثر استغاثة أهل النار من سوف كانوا يقدمون على المعصية ويؤخرون التوبة ويقولون سوف نتوب فاحتفظهم الموت على شر حالة فألقوا في نار الجحيم ونعوذ بالله منها تفسير آية من سورة التوبة قال ابن جرير في قوله تعالى التائبون أي الراجعون عما يكرهه الله ويسخطه إلى ما يحبه ويرضاه وعن الحسن في قوله تعالى التائبون قال تابوا إلى الله من الذنوب كلها وقيل تابوا من الشرك وبرئوا من النفاق والتائبون على ثلاث طبقات فأدناهم التائبون من الكفر وأوسطهم التائبون من المعصية وأعلاهم التائبون من الغفلة وأما العابدون فقال ابن جرير الذين ذلوا لله خشية وتواضعا له وجدوا في خدمته وقال قتادة العابدون قوم أخذوا من أبدانهم في ليلهم وعدادهم وعن ابن عباس إنهم المقيمون الصلاة وقال الحسن هم الذين عبدوا الله باتباع أمره والعابدون أيضا على ثلاث طبقات أدناهم الموحدون وأوسطهم المطيعون وأعلاهم المتبتلون وأما الحامدون فعن ابن عباس إنهم الذين يحمدون الله على كل حال وقال الحسن الحامدون على الإسلام والحامدون أيضا على ثلاث طبقات أدناهم القائم بالحمد الواجب كقراءة سورة الحمد في المكتوبة وأوسطهم الحامد في كل موضع يشرع فيه الحمد كالفراغ من الآكل والشرب والعطاس وأعلاهم الحامدون على كل حال مثلما كان نوح عليه السلام فسماه الله عبدا شكورا وأما السائحونففيهم أربعة أقوال قيل هم الغزاة وقيل المهاجرون وقيل طلاب العلم وقال الأكثرون هم الصائمون وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم السائحون هم الصائمون وقال ابن عباس رضي الله عنهما كلما ذكر في القرآن من السياحة فهو الصيام وقال الحسن الصائمون شهر رمضان وقالت عائشة رضي الله عنها سياحة هذه الأمة الصيام وهو مروي عنه صلى الله عليه وسلم قال سياحة أمتي الصيام وأما الراكعون الساجدون فقال الحسن هم المصلون الصلوات المكتوبات وأما الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر فقال ابن جرير الذين يأمرون الناس بالحق ونهوهم عن كل قول او فعل نهى الله عنه والناهون عن المنكر عن الشرك وعنه الآمرون بالمعروف قال إما انهم لم يأمروا الناس بحسنة حتى كانوا من أهلها والناهون عن المنكر قال إما انهم لم ينهوا عن المنكر حتى انتهوا عنه وقال أبو العلية كل ما في القرآن من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهي من عبادة الأوثان والشياطين وقال عطاء الأمرون بالمعروف بفرائض الله وحده وتوحيده والناهون عن المنكر ترك فرائض الله وحدوده وعن الشرك به وأما الحافظون لحدود الله فقال إبن عباس يعني القائمين على طاعة الله وهو شرط شرطه الله على أهل الجهاد إذ وفوا له بشرطه وفى لهم بشرطهم أي أن بعض المجاهدين يرتكبون المحرمات من زنا وشرب خمر وغير ذلك فإذا أنكر عليهم قالوا نحن مجاهدون والجهاد يطهرنا فردت الآية عليهم أي كونوا مع الجهاد في سبيل الله حافظين لحدود الله ثم قال تعالى وبشر المؤمنين أي المصدقين بوعد الله لهم وقيل معناه وبشر من فعل التوبة وسائر هذه الأفعال وإن لم يكن من المجاهدين عباد الله فصححوا الأعمال تلحقوا بالرجال واحذروا الرجاء الكاذب فإنه محال أترجو أن تكون من الرجال بقول او بفعل أو بحال وأنت من المفاسد في جميع الأوامر والنواهي غير خال ومن طلب الوصول بغير سير على نهج فذاك من المحال اللهم يا ذا الجلال والإكرام والعزة التي لاترام يا بديع السموات والأرض ويا من بيده القبض والبسط نسألك أن تتوب علينا وعلى العاصين وان تجعلنا من عبادك المتقين وان تجنبنا أفعال الفاسقين وأن تختم لنا بخير ولجميع المسلمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين