الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه يجب على العبد في عبوديته وكما يحبه الرب ويرتضيه أنعم بما لا يحصره الحساب ولا يحصيه ولا يسعه الكتاب ولا يحويه كم ذنب قد غفره ولولا الغفران لحاق العذاب بجانبه أحمده على اللاحق والسابق من أياديه حمدا يوجب المزيد من كرم الحق لحامديه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أزاحم بها على باب الجنة داخليه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اصطفاه الله من خلقه فسبحان مصطفيه وارتضاه لتبليغ رسالته فتعالى جد مرتضيه فشمر عن ساق الجد في مجاهدة أعداء الله ومعانديه حتى اتسق قمر الإيمان في فلك الإسلام ووضح الحق لناظريه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وحزبه ومحبيه خصوصا على الإمام أبي بكر الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته وصديقه ومواليه وعلى الإمام أمير المؤ منين عمر بن الخطاب ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومصافيه وعلى الإمام أمير المؤمنين عثمان بن عفان صهر رسول الله ومواسيه وعلى الإمام علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومواخيه وعلى سائر الصحابة وتابعيه قال الله تعالى في كتابه أمرا لعباده المؤمنين بالتقوى بقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون جاء في التفسير معناه أن يطاع فلا يعصى وأن يذكر فلا ينسى وقال عمر رضي الله عنه لكعب الأحبار يا كعب حدثني عن التقوى فقال يا أمير المؤمنين هل أخذت طريقا ذا شوك قال نعم قال فما صنعت قال حذرت وشمرت قال فكذلك التقوى وقال النبي صلى الله عليه وسلم لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع مالا بأس به حذر إلى ما به بأس ليس التقوى أحصن جنة يحصن بها الخائفون وخشية الله أوثق عروة يمسك بها المتمسكون وأداء فريضة الله واجتناب محارم الله أنجح وسيلة توسل بها إلى الله المتوسلون طوبى لمن كانت الجنة مثابه وهي مثاب المتقين وشراب الرحيق والتنسيم والكافور والزنجبيل شرابه وهو شراب الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وهم رفقاؤه وأصحابه إنما يجازي بمثل هذا الجزاء من هو من المتقين الذين أقاموا الدين بشرائطه المشروعة واقتدوا في الملة الإسلامية بآياتها المتبوعة فإذا صلى أحضر قلبه مع بدنه في تذكر وتدبر أذكاره وأحسن أدبه بين يدي عالم أسراره وإذا تصدق أخرج الطيب من كسبه لا يريد عليه جزاء إلا ابتغاء وجه ربه وإذا حج أخلص النية لله في قصده قبل الخروج من أهله وأنفق إلى مرجعه من طيب المال وحله واجتنب الحرام لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من حج بمال حرام فقال لبيك قال الله له لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك حتى ترد ما في يديك وإذا صام صان نظره عما لا يحل له عليه النظر وصان لسانه عن الكلام الزور والهذر وصان سمعه عن يحرم الاستماع إليه وصان لسانه عن تمزيق أعراض المسلمين فكم أفسدت الغيبة من أعمال الصالحين وكم أحبطت من أجور العاملين وكم جلبت من سخط رب العالمين فالغيبة فاكهة الأرزلين وسلاح العاجزين مضغة طالما لفظها المتقين نغمة طالما مجها أسماع الأكرمين فرحم الله إمرءا لم يفسد عبادة يهديها إلى حضرة العزيز الرحيم بلقمة حرام تعقب طعام الزقوم وشراب الحميم فهي كلمة ما استحلاها إلا طبع لئيم وفي البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله في أن يدع طعامه وشرابه في هذا الحديث دليل على أن العامل يكون بصلاح ظاهره معمورا وقد سقط عن عين الله حتى ما يزن عنده نقيرا فإذا كان يوم القيامة ظهر للخلائق من أمره ما كان مستورا وظهرت مخبآت الصدور على صفحات الوجوه رقما مسطورا وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا ليت شعري ماذا أقول إذا ما وقفت في القامة مكبلا مأسورا ثم قدمت للحساب ذليلا وأتيت كتابا مسطرا منشورا وأتي بالأعمال توزن بالذر فما غادروا هناك فقيرا وبدا لي من فوق وجهي سوء فعلي محررا مسطورا ثم نودي علي هذا فلان كان لله عاصيا مستورا فضحته اليوم الذنوب وحساب محرر تحريرا وأتى بالسعير أسمع منها تغيظا وزفيرا ما احتيالي في ذلك الموقف المهول ومن ذا يذود عني السعيرا ليس لي غير حسن ظني بربي خائفا من عذابه مستجيرا وتعطف بجبر كسري فقد أصبح قلبي مما جنا مسكورا صفة جهنم روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى بحهنم يوم القيامة تقاد بسبعين ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال يؤتى بجهنم يوم القيامة وهي تمايل على الخزنة حتى توقف عن يمين العرش ويلقى عليها الذل فيوحي الله إليها ما هذا الذل فتقول يا رب إني أخاف أن يكون لك في نقمة فيوحي الله إليها إنما خلقتك نقما وليس لي فيك نقمة فتزفر زفرة لا تبقى دمعة في عين إلا جرت ثم تزفر أخرى فلا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا صعق إلا نبيكم نبي الرحمة يقول يا رب أمتي أمتي عباد الله فاستجيروا بالله من شر هذه النار التي لا يرحم ولا يغاث باكيها واسألوه الإقالة من ذنوبكم قبل ان لا يقال غيره وتوبوا إلى الله من قريب واستحيوا ممن هو عليكم رقيب واحذروا أن يأتيكم الموت وأنتم على المعصية مصرون ولا تخلدوا إلى الدنيا فإنكم عنها منقلبون وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون وأكثروا من ذكر الله تعالى واستغفاره واسألوه أن يرزقكم الفوز بالجنة والنجاة من ناره واغتنموا العمل الصالح في نهار العمر وليله وتمسكوا بما في أيديكم من حواشي ذيله وتزودوا ما أطقتم من البر فستجدونه يوم توفيه الأجر واستحيوا من الله حق الحياء فهو رقيب عليكم في كل ما أنتم له عاملون فإنكم على بساط كرمه قاعدون وفي بحار نعمه عائمون وإلى دار جزائه صائرون ولكريم عفوه وجميل صفحه آملون فاذكروه يذكركم واشكروه يزدكم واتقوا الله لعلكم تفلحون اتقوه حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون اللهم يا من ليس في الوجود سواه يا من عليه يعتمد ومن فضله يسأل وإليه يستند يا أحد يا صمد يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد يا كثير الخير يا دائم المعروف يا من الملائكة في خدمته صفوف وعلى طاعته عكوف يا جار المستجير ومن هو على كل شيء قدير يا غياث الملهوف يا من بيده القبض والبسط وبيده تقوم السموات والأرض يا من امتدت لمسألته أكف السائلين وخرت لعبادته وجوه الساجدين وعجت بتلبيته أصوات الملبين وطمحت إلى معروفه أبصار الآملين يا عالم السر والنجوى يا من إليه المشتكى يا من عنت له الوجوه وخشعت له الأصوات يا من يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات يا من إذا انتهت الشكوى إليه فقد بلغت المنتهى يا فالق الحب والنوى اللهم نشكو إليك ما نحن فيه من طاعتك مقصرون وعلى معصيتك مصرون وبعظمتك جاهلون وبحكمك مغترون وعن القيام بما يلزمنا في حقك عاجزون اللهم اجعلنا من الذين يعاملونك بما تحب وتعاملهم بما يحبون وينصرفون عما تكره وتصرف عما يكرهون وألحقنا بالذين وجهوا إليك وجوههم وأخلصوا لك أعمالهم ولم يعتمدوا على أحد إلا عليك ولم يستندوا إلا إليك ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار واختم لنا بخير ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين وصل على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين تسليما كثيرا إلى يوم الدين