[color=black][color=black][size=24][size=24]وَمَآ أَنفَقْتُمْ مّن نّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مّن نّذْرٍ فَإِنّ اللّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * إِن تُبْدُواْ الصّدَقَاتِ فَنِعِمّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيْرٌ لّكُمْ وَيُكَفّرُ عَنكُم مّن سَيّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
يخبر تعالى بأنه عالم بجميع ما يفعله العاملون من الخيرات من النفقات والمنذورات، وتضمن ذلك مجازاته على ذلك أوفر الجزاء للعاملين لذلك ابتغاء وجهه ورجاء موعوده، وتوعد من لا يعمل بطاعته، بل خالف أمره، وكذب خبره، وعبد معه غيره، فقال {وما للظالمين من أنصار} أي يوم القيامة ينقذونهم من عذاب الله ونقمته
وقوله: {إن تبدوا الصدقات فنعما هي} أي إن أظهرتموها فنعم شيء هي
وقوله: {وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم} فيه دلالة على أن إسرار الصدقة أفضل من إظهارها، لأنه أبعد عن الرياء إلا أن يترتب على الإظهار مصلحة راجحة من اقتداء الناس به، فيكون أفضل من هذه الحيثية، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة» والأصل أن الإسرار أفضل لهذه الاَية، ولما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «سبعة يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يرجع إليه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله رب العالمين، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه»، وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا العوام بن حوشب، عن سليمان بن أبي سليمان، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: قال «لما خلق الله الأرض جعلت تميد، فخلق الجبال فألقاها عليها، فاستقرت، فتعجبت الملائكة من خلق الله الجبال فقالت: يا رب هل في خلقك شىء أشد من الجبال ؟ قال نعم الحديد. قالت: يا رب فهل من خلقك شىء أشد من الحديد ؟ قال: نعم النار، قالت: يارب فهل من خلقك شيء أشد من النار ؟ قال: نعم الماء. قالت: يارب فهل من خلقك شيء أشد من الماء ؟ قال: نعم الريح ؟ قالت: يارب فهل من خلقك شيء أشد من الريح ؟ قال: نعم ابن آدم يتصدق بيمينه فيخفيها من شماله». وقد ذكرنا في فضل آية الكرسي عن أبي ذر، قال: قلت يا رسول الله، أي الصدقة أفضل ؟ قال «سر إلى فقير أو جهد من مقل» رواه أحمد ورواه ابن أبي حاتم من طريق علي بن يزيد عن القاسم، عن أبي أمامة، عن أبي ذر، فذكره وزاد، ثم شرع في هذه الاَية {إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم} الاَية، وفي الحديث المروي «صدقة السر تطفى غضب الرب عز وجل» وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا الحسين بن زياد المحاربي مؤدب محارب، أنا موسى بن عمير عن عامر الشعبي في قوله: {إن تبدو الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم} قال: أنزلت في أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما، أما عمر فجاء بنصف ماله حتى دفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم «ما خلفت وراءك لأهلك يا عمر ؟» قال: خلفت لهم نصف مالي، وأما أبو بكر فجاء بماله كله يكاد أن يخفيه من نفسه، حتى دفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم «ما خلفت وراءك لأهلك يا أبا بكر ؟» فقال: عدة الله وعدة رسوله، فبكى عمر رضي الله عنه وقال: بأبي أنت وأمي يا أبا بكر، والله مااستبقنا إلى باب خير قط إلا كنت سابقاً، وهذا الحديث روي من وجه آخر عن عمر رضي الله عنه، وإنما أوردناه ههنا لقول الشعبي: إن الاَية نزلت في ذلك، ثم إن الاَية عامة في أن إخفاء الصدقة أفضل، سواء كانت مفروضة أو مندوبة، لكن روى ابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسيره هذه الاَية، قال: جعل الله صدقة السر في التطوع تفضل علانيتها فقال بسبعين ضعفاً، وجعل صدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها فقال بخمسة وعشرين ضعفاً
وقوله: {ويكفر عنكم من سيئاتكم} أي بدل الصدقات ولا سيما إذا كانت سراً، يحصل لكم الخير في رفع الدرجات ويكفر عنكم السيئات وقد قرى ويكفر بالجزم عطفاً على محل جواب الشرط وهو قوله: {فنعماهي} كقوله: {فأصدّق وأكن} وقوله: {والله بما تعلمون خبير} أي لا يخفى عليه من ذلك شيء وسيجزيكم عليه
لّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـَكِنّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلاّ ابْتِغَآءَ وَجْهِ اللّهِ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ * لِلْفُقَرَآءِ الّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ التّعَفّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ * الّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللّيْلِ وَالنّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
قال أبو عبد الرحمن النسائي: أنبأنا محمد بن عبد السلام بن عبد الرحيم، أنبأنا الفريابي حدثنا سفيان عن الأعمش، عن جعفر بن إياس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كانوا يكرهون أن يرضخوا لأنسابهم من المشركين، فسألوا فرخص لهم، فنزلت هذه الاَية {ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء، وما تنفقوا من خير فلأنفسكم، وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله، وما تنفقوا من خير يوفّ إليكم وأنتم لا تظلمون}. وكذا رواه أبو حذيقة وابن المبارك وأبو أحمد الزبيدي وأبو داود الحضرمي عن سفيان، وهو الثوري به، وقال ابن أبي حاتم: أنبأنا أحمد بن القاسم بن عطية، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن يعني الدشتكي، حدثني أبي عن أبيه، حدثنا أشعث بن إسحاق عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر بأن لا يتصدق إلا على أهل الاسلام، حتى نزلت هذه الاَية {ليس عليك هداهم} إلى آخرها، فأمر بالصدقة بعدها على كل من سألك من كل دين، وسيأتي عند قوله تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم} الاَية، حديث أسماء بنت الصديق في ذلك
وقوله: {وما تنفقوا من خير فلأنفسكم} كقوله {من عمل صالحاً فلنفسه} ونظائرها في القرآن كثيرة
وقوله {وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله} قال الحسن البصري: نفقة المؤمن لنفسه ولا ينفق المؤمن إذا أنفق إلا ابتغاء وجه الله، وقال عطاء الخراساني: يعني إذا عطيت لوجه الله فلا عليك ما كان عمله. وهذا معنى حسن وحاصله أن المتصدق إذا تصدق ابتغاء وجه الله، فقد وقع أجره على الله، ولا عليه في نفس الأمر لمن أصاب ألبرّ أو فاجر أو مستحق أو غيره، وهو مثاب على قصده، ومستند هذا تمام الاَية {وما تنفقوا من خير يوفّ إليكم وأنتم لا تظلمون} والحديث المخرج في الصحيحين من طريق أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «قال رجل لأتصدقنّ الليلة بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية، فأصبح الناس يتحدثون: تصدق على زانية، فقال: اللهم لك الحمد على زانية، لأتصدقن الليلة بصدقة فوضعها في يد غني، فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على غني، قال: اللهم لك الحمد على غني، لأتصدقن الليلة بصدقة، فخرج فوضعها في يد سارق فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على سارق، فقال: اللهم لك الحمد على زانية وعلى غني وعلى سارق، فأتي فقيل له: أما صدقتك فقد قبلت، وأما الزانية فلعلها أن تستعفف بها عن زنا، ولعل الغني يعتبر فينفق مما أعطاه الله، ولعل السارق أن يستعف بها عن سرقته»
وقوله {للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله} يعني المهاجرين الذين انقطعوا إلى الله وإلى رسوله وسكنوا المدينة، وليس لهم سبب يردون به على أنفسهم ما يغنيهم و {لا يستطيعون ضرباً في الأرض} يعني سفراً للتسبب في طلب المعاش والضرب في الأرض هو السفر، قال الله تعالى: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} وقال تعالى: {علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله} الاَية
وقوله {يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف} أي الجاهل بأمرهم وحالهم يحسبهم أغنياء من تعففهم في لباسهم وحالهم ومقالهم، وفي هذا المعنى الحديث المتفق على صحته عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ليس المسكين بهذا الطواف الذي ترده التمرة والتمرتان، واللقمة واللقمتان، والأكلة والأكلتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنىً يغنيه ولا يفطن له فيتصدق عليه، ولا يسأل الناس شيئاً». رواه أحمد من حديث ابن مسعود أيضاً
وقوله {تعرفهم بسيماهم} أي بما يظهر لذوي الألباب من صفاتهم، كما قال تعالى: {سيماهم في وجوههم} وقال {ولتعرفنهم في لحن القول} وفي الحديث الذي في السنن «اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله» ثم قرأ { إن في ذلك لاَيات للمتوسمين}
وقوله: {لايسألون الناس إلحافاً} أي لا يلحون في المسألة ويكلفون الناس ما لا يحتاجون إليه، فإن سأل وله ما يغنيه عن المسألة، فقد ألحق في المسألة، قال البخاري: حدثنا ابن أبي مريم، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شريك بن أبي نمر أن عطاء بن يسار وعبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري، قالا: سمعنا أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان، ولا اللقمة واللقمتان، إنما المسكين الذي يتعفف، اقرؤا إن شئتم يعني قوله {لا يسألون الناس إلحافاً} وقد رواه مسلم من حديث إسماعيل بن جعفر المديني، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن عطاء بن يسار وحده، عن أبي هريرة به، وقال أبو عبد الرحمن النسائي: أخبرنا علي بن حجر، حدثنا إسماعيل، أخبرنا شريك وهو ابن أبي نمر عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة به، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان، واللقمة واللقمتان، إنما المسكين المتعفف، اقرؤوا إن شئتم {لا يسألون الناس إلحافًا} وروى البخاري من حديث شعبة، عن محمد بن أبي زياد، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، وقال ابن أبي حاتم: أخبرنا يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهب، أخبرني ابن أبي ذئب، عن أبي الوليد، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «ليس المسكين بالطواف عليكم فتطعمونه لقمة لقمة، إنما المسكين المتعفف الذي لا يسأل الناس إلحافاً» وقال ابن جرير: حدثني معتمر عن الحسن بن مالك، عن صالح بن سويد، عن أبي هريرة، قال: ليس المسكين بالطواف الذي ترده الأكلة والأكلتان، ولكن المسكين المتعفف في بيته لا يسأل الناس شيئاً تصيبه الحاجة، اقرؤوا إن شئتم {لا يسألون الناس إلحافاً} وقال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا أبو بكر الحنفي، حدثنا عبد الحميد بن جعفر عن أبيه، عن رجل من مزينة أنه قالت له أمه: ألا تنطلق فتسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يسأله الناس ؟ فانطلقت أسأله فوجدته قائماً يخطب، وهو يقول «ومن استعف أعفه الله، ومن استغنى أغناه الله، ومن يسأل الناس وله عدل خمس أواق، فقد سأل الناس إلحافاً» فقلت بيني وبين نفسي: لناقة لهي خير من خمس أواق، ولغلامه ناقة أخرى فهي خير من خمس أواق، فرجعت ولم أسأل، وقال الإمام أحمد: حدثنا قتيبة، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الرجال عن عمارة بن عرفة، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبيه، قال: سرحتني أمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله، فأتيته فقعدت، قال: فاستقبلني فقال «من استغنى أغناه الله، ومن استعف أعفه الله، ومن استكف كفاه الله، ومن سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف، قال: فقلت ناقتي الياقوتة خير من أوقية، فرجعت فلم أسأله، وهكذا رواه أبو داود والنسائي عن قتيبة، زاد أبو داود وهشام بن عمار كلاهما عن عبد الرحمن بن أبي الرجال بإسناده نحوه، وقال ابن أبي حاتم، حدثنا أبي، حدثنا أبو الجماهر، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الرجال، عن عمارة بن غزية، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد، قال: قال أبو سعيد الخدري، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من سأل وله قيمة أوقية فهو ملحف». والأوقية أربعون درهماً، وقال أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا سفيان عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن رجل من بني أسد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن سأل أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافاً، وقال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا وكيع، حدثنا سفيان عن حكيم بن جبير، عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد، عن أبيه، عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من سأل وله ما يغنيه، جاءت مسألته يوم القيامة خدوشاً أو كدوحاً في وجهه» قالوا: يا رسول الله وما غناه ؟ قال «خمسون درهماً أو حسابها من الذهب». وقد رواه أهل السنن الأربعة من حديث حكيم بن جبير الأسدي الكوفي، وقد تركه شعبة بن الحجاج، وضعفه غير واحد من الأئمة من جراء هذا الحديث، وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، حدثنا أبو حسين عبد الله بن أحمد بن يونس، حدثني أبي، حدثنا أبو بكر بن عياش عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، قال: بلغ الحارث رجلاً كان بالشام من قريش، أن أبا ذر كان به عوز فبعث إليه ثلاثمائة دينار، فقال: ما وجد عبد الله رجلاً أهون عليه مني، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «من سأل وله أربعون فقد ألحف» ولاَل أبي ذر أربعون درهماً وأربعون شاة وماهنان، قال أبو بكر بن عياش، يعني خادمين، وقال ابن مردويه: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم، أخبرنا إبراهيم بن محمد، أنبأنا عبد الجبار، أخبرنا سفيان عن داود بن سابور، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال «من سأل وله أربعون درهماً فهو ملحف وهو مثل سف الملة» يعني الرمل، ورواه النسائي عن أحمد بن سليمان، عن أحمد بن آدم، عن سفيان وهو ابن عيينة بإسناده نحوه قوله {وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم} أي لا يخفى عليه شيء منه وسيجزي عليه أوفر الجزاء وأتمه يوم القيامة أحوج ما يكون إليه
وقوله {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} هذا مدح منه تعالى للمنفقين في سبيله وابتغاء مرضاته في جميع الأوقات من ليل ونهار، والأحوال من سر وجهر، حتى أن النفقة على الأهل تدخل في ذلك أيضاً، كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لسعد بن أبي وقاص حين عاده مريضاً عام الفتح، وفي رواية عام حجة الوداع «وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا ازددت بها درجة ورفعة حتى ما تجعل في فيّ أمرأتك». وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر وبهز، قال: حدثنا شعبة عن عدي بن ثابت، قال: سمعت عبد الله بن يزيد الأنصاري يحدث عن أبي مسعود رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال «إن المسلم إذا أنفق على أهله نفقة يحتسبها كانت له صدقة»، أخرجاه من حديث شعبة به، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا سليمان بن عبد الرحمن، حدثنا محمد بن شعيب، قال: سمعت سعيد بن يسار عن يزيد بن عبد الله بن عريب المليكي، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: نزلت هذه الاَية {والذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم} في أصحاب الخيل. وقال حبش الصنعاني عن ابن شهاب، عن ابن عباس في هذه الاَية، قال: هم الذين يعلفون الخيل في سبيل الله، رواه ابن أبي حاتم ثم قال: وكذا روي عن أبي أمامة وسعيد بن المسيب ومكحول، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، أخبرنا يحيى بن يمان عن عبد الوهاب بن مجاهد، عن ابن جبير، عن أبيه، قال: كان لعلي أربعة دراهم، فأنفق درهماً ليلاً ودرهماً نهاراً ودرهماً سراً ودرهماً علانية، فنزلت {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية}، وكذا رواه ابن جرير من طريق عبد الوهاب بن مجاهد، وهو ضعيف، ولكن رواه ابن مردويه من وجه آخر عن ابن عباس، أنها نزلت في علي بن أبي طالب، وقوله {فلهم أجرهم عند ربهم} أي يوم القيامة على ما فعلوا من الإنفاق في الطاعات {ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} تقدم تفسيره