http://www.nabulsi.com/blue/ar/art.php?art=686&id=55&sid=600&ssid=602&sssid=604العقيدة الاسلامية - اسماء الله الحسنى 2008 - الدرس (004-100)أ : اسم الله المولى 1
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2007-05-13
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من أسماء الله الحسنى ( المولى ):
أيها الإخوة الكرام، مع اسم من أسماء الله الحسنى، ومع اسم ( المولى ).
اسم ( المولى ) ورد مطلقاً ومضافاً
هذا الاسم ورد في القرآن الكريم، ورد مطلقاً وورد مضافاً، فالله عز وجل يقول:
﴿ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40) ﴾
( سورة الأنفال )
وفي آية ثانية:
﴿ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78) ﴾
( سورة الحج )
ورد مضافاً:
﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11) ﴾
( سورة محمد )
وقوله تعالى:
﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51) ﴾
( سورة التوبة)
الحاجة إلى التدين:
أيها الإخوة الكرام، أريدَ بهذا الاسم العلمية، وأريدَ به الدلالة على كمال الوصفية، وهذا الاسم ينقلنا إلى موضوع دقيق، وهو الحاجة إلى التدين.
الحاجة إلى التدين حاجة في أصل فطرة الإنسان، لماذا ؟ لأن الإنسان خلق ضعيفاً، هكذا خلقه الله عز وجل.
نقاط مهمة في خلق الإنسان:
1 – الضعف:
ضعفُ الإنسان لصالحه:
وهذه نقطة ضعف في أصل خلقه، ولكنها لصالحه تماماً ؛ كهذه الوصلة الضعيفة في الآلات الغالية جداً، لو جاء تيار كبير لساحت، وانقطع التيار، وسلم الجهاز، فطبيعة ضعف الإنسان لصالحه، لأن الإنسان خلق ضعيفاً، ولو خلق قوياً لاستغنى بقوته، فشقي باستغنائه، خلق ضعيفاً ليفتقر في ضعفه، فيسعد بافتقاره، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ (15) ﴾
( سورة فاطر)
الإنسان بكامل قوته، وبكامل جبروته أحياناً، وبكامل طغيانه قطرة دم لا ترى بالعين تتجمد في بعض أوعيته أو في دماغه فيصاب بالشلل، وفي مكان آخر يصاب بالعمى، وفي مكان ثالث يصاب بفقد الذاكرة، فالإنسان ضعيف، وقد خُلِق ضعيفاً ليفتقر بضعفه، فيسعد بافتقاره، ولو خلق قوياً لاستغنى بقوته، فشقي باستغنائه، لذلك أحياناً يغتني الإنسان أو يقوى فينسى ربه، قال تعالى:
﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى (7) ﴾
( سورة العلق )
مع أنه ضعيف، ومع أنّ أي خلل في جسمه يجعل حياته جحيماً، أحياناً قد يقوى بماله أو بمنصبه أو بعلمه المادي فيطغى، لذلك:
﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28)﴾
(سورة المدثر)
إذاً: من فضل الله علينا، ومن نعمته العظمى أننا ضعاف، ومع الضعف الافتقار إلى الله، ومع الافتقار إلى الله سعادة وأيّ سعادة، قال تعالى:
﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُم أَذِلَّةٌ ﴾
( سورة آل عمران الآية: 123 )
أما في حُنين:
﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْض بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ﴾
( سورة التوبة )
أيها الإخوة الكرام، الآية:
﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28) ﴾
( سورة النساء )
هكذا خلق، وهذا الضعف في أصل خلقه لصالحه.
أذكركم مرة ثانية، الضعف في الإنسان تماماً كالقطعة تسمى بالمصطلح الأجنبي الفيوز، قطعة في آلة غالية جداً، عظيمة النفع، معقدة التركيب، هذه القطعة الضعيفة إذا جاء تيار قوي من شأنه أن يحرق الآلة تسيح هذه الوصلة الضعيفة، فيسلم الجهاز، وكذلك الإنسان، هذا أول بند في نقاط ضعف الإنسان.
2 – العَجَل:
نقطة ثانية:
﴿ وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا (11) ﴾
(سورة الإسراء)
معنى الجزع:
يريد الشيء السريع، يريد المتعة الآنية، لذلك يعيش معظمُ الناس لحظتهم، يستمتعون، وينسون آخرتهم، ينسون مغادرة الدنيا، فلذلك البطولة لا أن تعيش الماضي، أو أن تتغنى بالماضي، ولا أن تعيش الحاضر، لكن البطولة والعقل والذكاء أن تعيش المستقبل، ماذا في المستقبل ؟ في المستقبل مغادرة الدنيا، وأخطر حدث في حياة الإنسان المغادرة، وما من إنسان أشد عقلاً مِن هذا الذي يعد لهذه الساعة التي لا بد منها، الإنسان عجول، يحب البيت الواسع، والمركبة الفارهة، والزوجة الجميلة، ولو أضر هذا بآخرته.
﴿ وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا (11) ﴾
(سورة الإسراء)
لذلك حينما يختار الإنسان هدفاً بعد الموت يرقى عند الله، لأنه عاكس طبعه، ومعظم الناس يبحثون عن متع آنية، وعن مكاسب وقتية، يعيشون لحظتهم، ولا يعيشون مستقبلهم والكيّس العاقل من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني.
إذاً: البطولة أن تعيش المستقبل، وأخطر حدث في المستقبل مغادرة الدنيا.
3 – الهلع:
نقطة ضعف ثالثة في حياة الإنسان، قال تعالى:
﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ﴾
( سورة المعارج )
هكذا خلق.
معنى الهلع:
معنى ( هلوعًا ) جاء شرحه بعد قليل:
﴿ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا ﴾
( سورة المعارج )
إذا شعر الإنسان أن فيه ورما بسيطا إلى أن يتأكد ما إذا كان ورماً حميداً أم خبيثاً لا ينام الليل، هذا شأن أيّ إنسان، إن شعر أن في قلبه خللا، والحياة منوطة بالقلب، لذلك لا ينام الليل.
طبيعة الإنسان أنه خلق هلوعا، إذا مسه الشر كان جزوعا، ولولا أنه هلوع لما تاب تائب إلى الله، ولولا أنه هلوع لما اقتيد الإنسان إلى باب الله عز وجل، ولولا أنه هلوع لما اصطلح مع الله، لأنه هلوع فالله عز وجل جعله بهذه الصفة لتسهل توبته، وتسهل عودته إلى الله، وليصطلح مع الله.
(( إذا رجع العبد إلى الله نادى منادٍ في السماوات والأرض أن هنئوا فقد اصطلح مع الله ))
[ ورد في الأثر ]
أيها الإخوة الكرام،
﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ﴾
( سورة المعارج )
الهلوع:
﴿ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا ﴾
( سورة المعارج )
ثلاث نقاط ضعف هي موضع قوة الإنسان:
الإنسان حريص على سلامته وعلى رزقه، فأيُّ شبح مصيبة لاحَ له في الأفق يهدد سلامته، أو يهدد رزقه انخلع قلبه له، إذاً: الله عز وجل يسوقه إلى بابه، يسوقه إلى التوبة، يحمله على التوبة، يقوده إلى الصلح مع الله عز وجل، فهذه نقاط ثلاث لصالح الإنسان، أن الإنسان عجول وضعيف وهلوع.
﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ﴾
( سورة المعارج )
فهو حريص على ما في يديه، لماذا ؟ لأن هذا الحرص يرفع مقامه عند الله إذا أنفقه، أنت حريص على المال، فإذا أنفقته ترقى عند الله، مع أن المال محبَّب، قال تعالى:
﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ (14) ﴾
( سورة آل عمران)
لأن هذه الأشياء محببة إلينا فبإنفاقها يرقى الإنسان، إذاً: هذه نقاط أساسية في أصل خلق الإنسان لصالحه، هذه النقاط الثلاث نقاط الضعف في أصل خلقه هي سبب كبير في حاجته إلى التدين، وأيّ إنسان بحاجة إلى التدين، حتى الذي يعتقد اعتقادات خاطئة، حتى الذي يعبد الحجر والشمس والقمر، ويعبد أشياء من دون الله، الدافع الأساسي للتدين أنه ضعيف، خلق الإنسان ضعيفا، فالبطولة وأنت بحاجة ماسة إلى التدين أن تعبد الإله الحقيقي، أن تعبد خالق السماوات والأرض، أما الذين عبدوا من دونه وثناً وشمساً وقمراً وحجراً هم يبحثون عن شيء يطمئنهم، هم ضعاف، حتى الإنسان غير المؤمن في منصب رفيع في العالم الغربي يلجأ إلى فلكي ليرسم له مستقبله، الإنسان ضعيف، وهذه نعمة كبرى لصالح المؤمن.
الإنسان محتاجٌ إلى مولى:
أيها الإخوة الكرام، دققوا في قوله تعالى:
﴿ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40) ﴾
( سورة الأنفال)
أنت بحاجة إلى مولى، بحاجة إلى مرجع، بحاجة إلى مربٍّ، بحاجة إلى سند، بحاجة إلى من يدعمك، بحاجة إلى من تتوكل عليه، بحاجة إلى من يطمئنك، بحاجة إلى جهة قوية تحتمي بها من شرور أعدائك، هذا شيء طبيعي جداً في الإنسان، إلا أن المؤمن وصل إلى الإله الحقيقي، وصل إلى خالق السماوات والأرض، وصل إلى مَن بيده كل شيء، وصل إلى من بيده مصائر الخلائق، والله عز وجل ما أمرك أن تعبده إلا بعد أن طمأنك:
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ (123) ﴾
( سورة هود)
متى أمرك أن تعبده ؟ بعد أن طمأنك، فلابد أن تعتقد أن الله هو المعطي وحده، وهو المانع، وهو الخافض، وهو الرافع، وهو المعز، وهو المذل، وهو الناصر، وهو المغني، وهو الرازق، هذا التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، التوحيد ألا ترى مع الله أحداً، التوحيد أن ترى يد الله تعمل وحدها، التوحيد أن تتجه إلى الله، فلذلك التوحيد يقود إلى طاعة الله عز وجل، وهو نعم المولى، هو عليم، لا تحتاج مع الله إلى إيصال، ولا إلى حلف يمين، هو يعلم، وبعضهم قال: الحمد لله على وجود الله، هو يعلم هو معك، أعداءك بيده، أقرب الناس إليك بيده، فإذا أحبك الله سخر لك أعداءك ليخدموك، وإذا تخلى الله عنك ـ لا سمح ولا قدر ـ يتطاول عليك أقرب الناس إليك، فهذه كلمة دقيقة جداً: ليس إلا الله، وهذا معنى: لا إله إلا الله.
وكما بينت في لقاءات سابقة أنه لا ينبغي أن تقول: الله ضار، الله ضار نافع، يضر لينفع، ومانع معطٍ، يمنع ليعطي، وخافض رافع، يخفض ليرفه، ومذل معز، يذل ليعز، إذاً: أسماء الله تعالى كلها حسنى، والذي يبدو لك من شدة و جبروت هي لصالح المؤمن:
﴿ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147) ﴾
( سورة الأنعام)
مثلٌ للتوضيح: تصور ابنا له أب محترم جداً، عالم أخلاقي، وضعه المادي جيد جداً، وهذا الأب حريص على ابنه حرصاً لا حدود له، هيأ له غرفة خاصة، تابع تربيته الأخلاقية، تربيته الإيمانية، تربيته الدينية، تربيته العلمية، تربيته الاجتماعية، تربيته النفسية، تربيته الجسمية، تربيته الجنسية، تابعه ووضعه في أفضل المدارس، هيأ له أفضل المدرسين، اهتم بصحته، اهتم بعاداته، وتصور ابنا ماله أب، وأمه مشغولة عنه بالأسواق، وهو في الأزقة ومداخل البنايات، من مخفر إلى مخفر، من مكان إلى مكان، عنده تُهَمٌ كثيرة جداً، تُهَمٌ أخلاقية، و تُهَمٌ مالية، وعنده سرقات، وله إضبارة واسعة، وازن بين هاذين الشابين، شاب بأعلى درجات الانضباط والكمال، وشاب بأسوأ درجات التفلت والانحلال.
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ
اسمعوا الآية:
﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11) ﴾
( سورة محمد)
لك مرجع، لك كتاب تقرأه، هذا حرام، هذا حلاب، لك إله تدعوه في الليل، لك إله عظيم تسأله فيجيبك، تستغفره فيغفر لك، تتوب إليه فيتوب عليك، لك مرجع، في حياتك منظومة قيم، هناك شيء حلال وشيء حرام، شيء ممكن وشيء غير ممكن، شيء مباح وشيء مكروه، شيء واجب وشيء مستحسن، أنت تعيش بمنظومة قيم، وهذا من فضل الله علينا.
﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11) ﴾
( سورة محمد)
يصعد صعوداً حاداً، ويسقط سقوطاً مريعاً، يأتيه المال من كل جهة فينفقه بلا وعي، مع الكبر والغطرسة، فيسحقه الله عز وجل، ويدمر ماله، الفرق كبير جداً.
﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18) ﴾
( سورة السجدة)
﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) ﴾
( سورة القلم )
﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61) ﴾
( سورة القصص )
نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ
أيها الإخوة، من نعم الله الكبرى أن يكون الله عز وجل وليك، قال تعالى:
﴿ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40) ﴾
( سورة الأنفال)
آية واحدة تملأ قلبك طمأنينة:
﴿ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾
( سورة البقرة الآية: 216 )
إذا فتح الله عليك باب الحكمة في المنع عاد المنع عين العطاء، فربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك فعَنْ صُهَيْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ ؛ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ))
[ أخرجه مسلم]
لذلك أيها الإخوة، قال تعالى:
﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11) ﴾
( سورة محمد )
الله عز وجل يتولى أمرنا، وقد تضيق علينا الدنيا، وأحيانا تشح السماء، فيقيم المسلمون صلاة الاستسقاء، ويلجؤون إلى الله، أحياناً يأتي شبح مرض، هذا المرض سبب توبة نصوح، أحياناً يأتي شبح فقر، هذا الفقر يسوقنا إلى باب الله، بطولتك أن تفهم حكمة الله في المصائب، البطولة أن ترى حكمة الله في أفعاله، لأن الله عز وجل حكيم.
كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، وحكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق.
نعم المولى، فهو عليم، حكيم، قدير، وقعت في ورطة ـ لا سمح الله ولا قدر ـ إن دعوته أولاً فهو موجود، ثانياً يسمعك، ثالثاً قادر على أن يلبيك، رابعاً يحبك، فهو موجود وسميع، وقدير ورحيم.
تولِّي الله حفظ ونصرَ أنبيائه:
1 – موسى عليه السلام:
لذلك قال تعالى:
﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴾
( سورة الشعراء )
فرعون من ورائهم، والبحر من أمامهم.
﴿ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾
( سورة الشعراء )
2 – يونس عليه السلام:
سيدنا يونس كان في بطن الحوت:
﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) ﴾
( سورة الأنبياء الآية: 88 )
قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا
شيء آخر:
﴿ قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا ﴾
( سورة التوبة الآية: 15 )
أنت حينما تطيع الله عز وجل وحينما تعبده دقق ينشأ لك حقاً عليه ألا يعذبك، لذلك:
﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ﴾
( سورة المائدة: 18 )
لو أن الله قبِل دعواهم لما عذبهم، لأن الله لا يعذب أحبابه.
هذا ما يتمتّع به المؤمن الذي تولاّه الله:
1 – الأمن:
المؤمن يتمتع بأمن لا يتمتع به أحد على الإطلاق، والدليل:
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) ﴾
( سورة الأنعام )
لو أن الآية: أولئك الأمن لهم، أي لهم ولغيرهم، هذه البلاغة عبارة قصر وحصر.
﴿ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) ﴾
( سورة الأنعام )
2 – الحكمة:
يتمتع المؤمن بالحكمة:
﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا (269) ﴾
( سورة البقرة)
3 – الرضى:
يتمتع المؤمن بالرضى، فلذلك حينما يسوق الله الإنسانَ إلى بابه عن طريق مصيبة، أو شبح مصيبة، أو ضيق، أو عدو جاثم على صدره، أو شبح فقر، أو شبح مشكلة، فهذه في الفهم الإيماني نعمة باطنة:
﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾
( سورة لقمان: 20)
إذا كنت ضمن العناية المشددة فأنت في نعمة كبرى:
وأقول لكم هذه الكلمة: حينما يتابعك الله عز وجل، وحينما يخضعك لتربيته فأنت في خير عميم، وأنت في نعمة كبرى، إذا كنت ضمن العناية المشددة فأنت في نعمة كبرى، لكن المصيبة الكبيرة أن يتابع الله نعمه عليك، وأنت تعصيه، المصيبة الكبيرة أن تكون خارج العناية الإلهية:
﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا (11) ﴾
( سورة محمد )
أحياناً يشدد عليهم أحياناً يضيق عليهم أحياناً يسلط عليهم عدوهم.
﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِف طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾
( سورة القصص )
الآن دققوا:
﴿ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ﴾
( سورة القصص )
لذلك إذا كنت ضمن العناية المشددة فالله يتولى أمرك، وإذا تولى الله أمرك فأنت في نعمة كبرى، في متابعة من ضمن الله عز وجل.
إذا أخطأت جاء العقاب، أو أسرفت في الإنفاق جاء التقتير، أو استعليت على إنسان جاء التأديب الذي من نوع هذه المعصية فصار تحجيما، كإنسان تطاول عليك، لأن الإنسان حينما يتطاول على غيره الله يؤدبه من جنس الذنب.
الخاتمة:
الخلاصة: مادمت خاضعاً للعناية الإلهية فأنت في نعمة كبرى، لأن الله مولاك، نعم المولى ونعم النصير، هو مولانا، وعلى الله فليتوكل المتوكلون.
﴿ اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ﴾
( سورة البقرة الآية: 257 )
فيا أيها الإخوة الكرام، هذا الاسم ( المولى ) من أقرب الأسماء للإنسان، ولي أمرك، يتولى شؤونك، ينعم عليك، يقتر عليك، يرفعك، يخفضك، يملأ قلبك طمأنينة، أو يملأ قلبك خوفاً، يتولى أمر جسمك، وأمر نفسك، وأمر مستقبلك، وأمر إيمانك، وأمر عقيدتك، وأمر علاقاتك، هذا التولي نعم المولى ونعم النصير.
هذا الاسم أيها الإخوة الكرام، مرة ثانية، من أقرب الأسماء للإنسان، ولأن الإنسان عنده نقاط ضعف ثلاث ؛ خلق هلوعا، وكان عجولا، وخلق ضعيفاً، نقاط الضعف تستوجب أن يكون له سند قوي يلجأ إليه، يحتمي به، يستعيذ به، يتوكل عليه، يعتمد عليه، وهذا هو التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد.
والحمد لله رب العالمين