منتدى الأصدقاء
{وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }يونس25
And God calls to the House of Peace and guides whom He wills to a Straight Path} Younis 25
نحن سعداء للمشاركة في (منتدى الأصدقاء)
We are pleased to join in ( Forum Friends )
يشرفنا تسجيلك
We are honored register you
إدارة المنتدى
Management of Forum

منتدى الأصدقاء
{وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }يونس25
And God calls to the House of Peace and guides whom He wills to a Straight Path} Younis 25
نحن سعداء للمشاركة في (منتدى الأصدقاء)
We are pleased to join in ( Forum Friends )
يشرفنا تسجيلك
We are honored register you
إدارة المنتدى
Management of Forum

منتدى الأصدقاء
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى الأصدقاء
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

( أهلا وسهلا بكم في منتدى الأصدقاء Welcome to the forum Friends >> الرجاء تسجيل الدخول للتعرف على فضائل الأعمال التي يحبها الله Please log in to learn about the virtues of Business loved by God

المواضيع الأخيرة
» تعديل شاشة الكمبيوتر - الوضع الصحيح من المصنع - LG
خواطر--يتبع—22-- ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (98) I_icon_minitimeالأحد نوفمبر 05, 2017 2:53 pm من طرف abubaker

»  إن كلمة “الله” هي علم على واجب الوجود. --- آية الكرسي
خواطر--يتبع—22-- ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (98) I_icon_minitimeالأحد يوليو 30, 2017 4:44 am من طرف abubaker

»  إن كلمة “الله” هي علم على واجب الوجود. --- آية الكرسي
خواطر--يتبع—22-- ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (98) I_icon_minitimeالأحد يوليو 30, 2017 4:44 am من طرف abubaker

»  إن كلمة “الله” هي علم على واجب الوجود -- آية الكرسي -- تابع ----
خواطر--يتبع—22-- ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (98) I_icon_minitimeالأحد يوليو 30, 2017 4:33 am من طرف abubaker

»  وكلمة (الله) عَلَمٌ على واجب الوجود؛ مَطمورة فيه كُلُّ صفات الكمال؛ / الرعد - ؛ فشاءتْ رحمتُه سبحانه أنْ سَهَّل لنا أن نفتتح أيَّ عمل باسمه الجامع لكل صفات الجمال والكمال (بسم الله الرحمن الرحيم). ولذلك يُسَمُّونه (عَلَمٌ على واجب الوجود).
خواطر--يتبع—22-- ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (98) I_icon_minitimeالأحد يوليو 30, 2017 4:18 am من طرف abubaker

» أما أسماء الله فحسنى؛ لأنها بلغتْ القمة في الكمال، ولأن الأسماء والصفات التي تنطبق عليها موجودة في الخالق الأعلى سبحانه
خواطر--يتبع—22-- ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (98) I_icon_minitimeالأحد يوليو 30, 2017 4:06 am من طرف abubaker

» وكلمة(اللهُ) عَلَم على واجب الوجود بكل صفات الكمال له - طه
خواطر--يتبع—22-- ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (98) I_icon_minitimeالأحد يوليو 30, 2017 3:57 am من طرف abubaker

» فاعمل لوجهه يكْفك كل الأوجه وتريح نفسك أن تتنازعك قوى شتى ومختلفة، ويُغنيك عن كل غنى.
خواطر--يتبع—22-- ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (98) I_icon_minitimeالأحد يوليو 30, 2017 3:51 am من طرف abubaker

» أتدرون ما هذان الكتابان فريق في الجنة وفريق في السعير
خواطر--يتبع—22-- ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (98) I_icon_minitimeالثلاثاء يوليو 18, 2017 3:21 pm من طرف abubaker

ازرار التصفُّح
 البوابة
 الرئيسية
 قائمة الاعضاء
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 بحـث
التبادل الاعلاني

 

 خواطر--يتبع—22-- ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (98)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
abubaker

abubaker


ذكر
عدد المساهمات : 18649
تاريخ التسجيل : 23/12/2010
العمر : 74
الدولـة : jordan

خواطر--يتبع—22-- ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (98) Empty
مُساهمةموضوع: خواطر--يتبع—22-- ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (98)   خواطر--يتبع—22-- ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (98) I_icon_minitimeالخميس أغسطس 20, 2015 3:48 am


ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (98)

{ذَلِكَ} أي: ما حدث لهم من العذاب الذي تستبشعه أنت {جَزَآؤُهُم} أي: حاق بهم العذاب عَدْلاً لا ظُلْماً، فإياك حين تسمع آيات العذاب هذه أن تأخذَك بهم رَأْفة أو رحمة؛ لأنهم أخذوا جزاء عملهم وعنادهم وكفرهم، والذي يعطف قلوب الناس على أهل الإجرام هو تأخير العقاب.
فهناك فَرْقٌ بين العقوبة في وقت وقوع الجريمة، وهي ما تزال بشعةً في نفوس الناس، وما تزال نارها تشتعل في القلوب، فإنْ عاقبتَ في هذا الجو كان للعقوبة معنىً، وأحدثتْ الأثر المرجوّ منها وتعاطفَ الناس مع المظلوم بدلَ أنْ يتعاطفوا مع الظالم.
فحين نُؤخِّر عقوبة المجرم في ساحات المحاكم لعدة سنين فلا شَكَّ أن الجريمة ستُنْسَى وتبرد نارها، وتتلاشى بشاعتها، ويطويها النسيان، فإذا ما عاقبتَ المجرم فلن يبدو للناس إلاَّ ما يحدث من عقوبته، فترى الناس يرأفون به ويتعاطفون معه.
إذن: قبل أن تنظر إلى: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ العذاب. .} [النساء: 56]
وإلى: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القيامة على وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً} [الإسراء: 97]
انظر إلى ما فعلوه، واعلم أن هذا العذاب بعدل الله، فأحذر أنْ تأخذك بهم رحمة، ففي سورة النور يقول تعالى: {وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ الله إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ المؤمنين} [النور: 2]
ثم يوضح سبحانه وتعالى حيثية هذا العذاب: {بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ

(14/8764)

بِآيَاتِنَا. .} [الإسراء: 98] والآيات تطلق على الآيات الكونية، أو على آيات المعجزات المؤيّدة لِصِدْق الرسول، أو آيات القرآن الحاملة للأحكام. . وقد وقع منهم الكفر بكل الآيات، فكفروا بالآيات الكونية، ولم يستدلوا بها على الخالق سبحانه، ولم يتدبّروا الحكمة من خَلْق هذا الكون البديع، وكذلك كفروا بآيات القرآن ولم يُؤمنوا بما جاءتْ به.
وهذا كله يدلُّ على نقص في العقيدة، وخَلَل في الإيمان الفطري الذي خلقه الله فيهم، وكذلك كذَّبوا بمعجزات الرسول، فدلَّ ذلك على خَلَل في التصديق.
ومن باطن هذا الكفر ومن نتائجه أنْ قالوا: {أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً} [الإسراء: 98] وهذا القول منهم تكذيبٌ لآيات القرآن التي جاءتْ على لسان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لتخبرهم أنهم مبعوثون يوم القيامة ومُحاسَبُون، وهم بهذا القَوْل قد نقلوا الجدل إلى مجال جديد هو: البعث بعد الموت.
وقوله: {عِظَاماً وَرُفَاتاً. .} [الإسراء: 98] الرفات: هو الفُتَات وَزْناً ومعنىً، وهو: الشيء الجاف الذي تكسّر؛ لذلك جاءت لترتيب هكذا: عظاماً ورُفَاتاً؛ لأن جسم الإنسان يتحلّل وتمتصُّ الأرض عناصر تكوينه، ولا يبقى منه إلا العظام، وبمرور الزمن تتكسّر هذه العظام، وتتفتتْ وتصير رفاتاً، وهم يستبعدون البعث بعد ما صاروا عظاماً ورفاتاً.
وقوله تعالى: {أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ. .} [الإسراء: 98] والهمزة هنا استفهام يفيد الإنكار، فلماذا ينكر هؤلاء مسألة البعث بعد الموت؟
نقول: لأن الكافر عنده لَدَدٌ في ذات إيمانه، ومن مصلحة آماله وتكذيب نفسه أنْ ينكر البعث، وعلى فَرْض أنه سيحدث فإنهم

(14/8765)

سيكونون في الآخرة سادة، كما كانوا سادةً في الدنيا. وهؤلاء القوم يفهمون الحياة على ظاهرها، فالحياة عندهم هي الحركة الحسية التي يمارسونها، وبها يعيشون حياتهم هذه، ولا يدركون أن لكل شيء حياةً تناسبه.
فمثلاً: علماء الجيولوجيا والحَفْريات يقولون: إن الأشياء المطمورة في باطن الأرض تتغّير بمرور الزمن، وتتحول إلى موادّ أخرى، إذن: ففيها حركة وتفاعل أو قُلْ فيها حياة خاصة بها تناسبها، فليست الحياة قاصرة على حركتنا في الحياة الدنيا، بل للحياة معنى آخر أوسع بكثير من الحياة التي يفهمها هؤلاء.
فالإنسان الحيّ مثلاً له في مظهرية أموره حالتان: حالة النوم وحالة اليقظة، فحياته في النوم محكومة بقانون، وحياته في اليقظة محكومة بقانون، هذا وهو ما يزال حياً يُرزَق، إذن: عندما نخبرك أن لك قانوناً في الموت وقانوناً في البعث فعليك أنْ تُصدِّق.
ألم تَرَ النائم وهو مُغْمَض العينين يرى الرؤيا، ويحكيها بالتفصيل وفيها حركة وأحداث وألوان، وهو يدرك هذا كله وكأنه في اليقظة؟ حتى مكفوف البصر الذي فقد هذه الحاسة، هو أيضاً يرى الرؤيا كما يراها المبصر تماماً ويحكيها لك، يقول: رأيتُ كذا وكذا، كيف وهو في اليقظة لا يرى؟
نقول: لأن للنوم قانوناً آخر، وهو أنك تدرك بغير وسائل الإدراك المعروفة، ولك في النوم حياة مستقلة غير حياة اليقظة. أَلاَ ترى الرجلين ينامان في فراش واحد، وهذا يرى رؤيا سعيدة مفرحة يصحو منها ضاحكاً مسروراً، والآخر إلى جواره يرى رؤيا مؤلمة

(14/8766)

مُحزِنة يصحو فيها مُكدّراً محزوناً، ولا يدري الواحد منهم بأخيه ولا يشعر به، لماذا؟
لأن لكل منهما قانونه الخاص، وحياته المستقلة التي لا يشاركه فيها أحد.
وقد ترى الرؤيا تحكيها لصاحبك في نصف ساعة، في حين أن العلماء توصلوا إلى أن أقصى ما يمكن للذهن متابعته في النوم لا يتجاوز سبع ثوان، مما يدلُّ على أن الزمن في النوم مُلْغي، كما أن أدوات الإدراك ملغاة، إذن: فحياتك في النوم غير حياتك في اليقظة، وكذلك في الموت لك حياة، وفي البعث لك حياة، ولكل منهما قانون يحكمها بما يتناسب معها.
وقد يقول قائل عن الرُّؤَى: إنها مجرد تخيُّلات لا حقيقةَ لها، لكن يَرُدّ هذا القول ما نراه في الواقع من صاحب الرُّؤْيا الذي يحكي لك أنه أكل طعاماً، أو شرب شراباً ما يزال طَعْمه في فمه، وآخر ضُرِب، ويُريك أثر الضرب على ظهره مثلاً، وآخر يصحو من النوم يتصبَّب عَرقاً، وكأنه كان في عراك حقيقي لا مجرد منام.
فالحق سبحانه وتعالى يريد أنْ يُوضّح لنا أننا في النوم لنا حياة خاصة وقانون خاص، لنأخذ من هذا دليلاً على حياة أخرى بعد الموت.
والعلماء قالوا في هذه المسألة بظاهرة المتواليات، والمراد بها: إذا كانت اليقظة لها قانون، والنوم له قانون ألطف وأخفّ من قانون اليقظة، فبالتالي للموت قانون أخفّ من قانون النوم، وللبعث قانون أخف من قانون الموت.

(14/8767)

وقد حَسَم القرآن الكريم هذه القضية في قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ. .} [القصص: 88]
أي: كلُّ ما يُقَال له شيء في الوجود هالك إلا الله تعالى فهو الباقي، والهلاك ضدّه الحياة، بدليل قوله تعالى: {لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ ويحيى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ. .} [الأنفال: 42] إذن: لكل شيء مهما صَغُر في كَوْن الله حياة خاصة تناسبه قبل أنْ يعتريه الهلاك.
ولذلك نعجب حينما يطالعنا العلماء بأن في علبة الكبريت هذه التي نضعها في جيوبنا قوة تجاذب بين ذراتها، تصلح هذه القوةَ لتسيير قطار حول العالم لمدة ست سنوات، سبحان الله. . أين هذه القوة؟ إنها موجودة لكِنّنا لا نشعر بها ولا ندركها، إنما الباحثون في معاملهم يمكنهم ملاحظة مثل هذه الحركة وتسجيلها.
وأقرب من ذلك ظاهرة الجاذبية التي تعلَّمناها منذ الصِّغَر والتي تعتمد على ترتيب الذرّات ترتيباً مُعيناً، ينتج عنه المُوجَب والسالب، فيتم التجاذب فكانوا يضعون لها بُرادَة الحديد في أنبوبة، ويُمَرِّرون عليها قضيباً مُمغْنَطاً، فنرى برادة الحديد تتحرك في نفس اتجاه القضيب.
إذن: في الحديد حركة وحياة بين ذراته، حياة تناسبه بلغتْ من الدقة مَبْلَغاً فوق مستوى إدراكك.
إذن: نستطيع القول بأن للعظام وللرفات حياةً، ولك أيها المنكر وجود حتى بعد أنْ صِرْتَ رُفاتاً، فشيء منك موجود يمكن أن يكون

(14/8768)

نواةً لخلْقِك من جديد، وبمنطق هؤلاء المنكرين أيهما أهوَنْ في الخَلْق: الخَلْق من شيء موجود، أم الخَلْق ابتداءً؟
وقد رد عليهم الحق سبحانه بقوله: {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الأرض مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ} [ق: 4]
أي: في علمه سبحانه عدد ذرات كل مِنّا، وكم في تكوينه من مواد، لا ينقص من ذلك شيء، وهو سبحانه قادر على جمع هذه الذرات مرة أخرى، وليس أمره تعالى متوقفاً على العلم فقط، بل عنده كتاب دقيق يحفظ كل التفاصيل، ولا يغيب عنه شيء.
وقال تعالى كذلك في الرد عليهم: {أَفَعَيِينَا بالخلق الأول بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} [ق: 15] أي: في خَلْط وشَكٍّ وتردُّد.
وقد ناقشنا مِنْ منكري البعث الشيوعيين الذي قتَّلوا في أعدائهم، وأخذوا أموالهم مُعاقبةً لهم على ما اقترفوه من ظلم الناس، فكنت أقول لهم: فما بال الذين ماتوا من هؤلاء، ولم يأخذوا حظّهم من العقاب؟ وكيف يذهبون هكذا ويُفلتون بجرائمهم؟ لقد كان الأَوْلَى بكم أنْ تؤمنوا بالآخرة التي يُعاقب فيها هؤلاء الذين أفلتوا من عقاب الدنيا، حتى تتحقق عدالة الانتقام.
وقوله تعالى: {أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً} [الإسراء: 98]
إنهم يستبعدون البعث من جديد؛ لذلك فالحق سبحانه وتعالى يجاري هؤلاء ويتسامح معهم، فيقول: {وَهُوَ الذي يَبْدَؤُاْ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ. .} [الروم: 27]
فإعادة شيء كان موجوداً أسهلُ وأهونُ من إيجاده مِنْ لا شيء،

(14/8769)

والحديث هنا عن بَعْث الإنسان، هذا المخلوق الذي أبدعه الخالق سبحانه، وجعله سيد هذا الكون، وجعل عمره محدوداً، فما بالكم تنشغلون بإنكار بعث الإنسان عن باقي المخلوقات وهي أعظم الخَلْقِ في الإنسان، وأطول منه عُمراً، وأثبت منه وأضخم.
فلا تَنْسىَ أيها الإنسان أن خَلْقك أهونُ وأسهلُ من مخلوقات أخرى كثيرة هي أعظم منك، ومع ذلك تراها خاضعة لله طائعة، لم تعترض يوماً ولم تنكر كما أنكرت، يقول تعالى: {لَخَلْقُ السماوات والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الناس. .} [غافر: 57]
فمَنْ ينكر بَعْث الإنسان بعد أن يصير رفاتاً عليه أن يتأمل مثلاً الشمس كآية من آيات الله في الكون، وقد خلقها الله قبل خَلْق الإنسان، وستظل إلى ما شاء الله، وهي تعطي الضوء والدفء دون أنْ تتوقف أو تتعطّل، ودون أن تحتاج إلى صيانة أو قطعة غيار، وهي تسير بقدرة الخالق سبحانه مُسخَّرة لخدمتك، ما تخلَّفتْ يوما ولا اعترضتْ. فماذا يكون خَلْقك أنت أيها المنكر أمام قدرة الخالق سبحانه؟
والحق سبحانه يقول: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ الله الذي خَلَقَ السماوات والأرض ... } .

(14/8770)

أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا (99)

قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ. .} [الإسراء: 99]

(14/8770)

إذا جاءت همزة الاستفهام بعدها واو العطف وبعدها نفي، فاعلم أن الهمزة دخلتْ على شيء محذوف، إذن: فتقدير الكلام هنا: أيقولون ذلك ويستبعدون البعث ولم يَرَوْا أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على أنْ يخلق مثلهم.
وقوله تعالى: {مِثْلَهُمْ} أي: يخلقهم هم ويُعيدهم من جديد؛ لأن الخَلْق إنشاء جديد، فهُمْ خَلْق جديد مُعَادٌ، فالمثلية هنا في أنهم مُعَادون، أو يكون المراد {مِثْلَهُمْ} أي: ليسوا هم، بل خَلْق مختلف عنهم على اعتبار أنهم كانوا في الدنيا مختارين، ولهم إرادات، أما الخلق الجديد في الآخرة وإنْ كان مثلهم في التكوين إلا أنه عاد مقهوراً على كل شيء لا إرادةَ له؛ لأنه الآن في الآخرة التي سينادي فيها الخالق سبحانه: {لِّمَنِ الملك اليوم لِلَّهِ الواحد القهار} [غافر: 16]
وقوله تعالى: {وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لاَّ رَيْبَ فِيهِ فأبى الظالمون إِلاَّ كُفُوراً} [الإسراء: 99] أي: أن القيامة التي كذَّبوا بها وأنكروها واقعة لا شكّ فيها، لكن هؤلاء معاندون مُصِرُّون على الكفر مهما أتيتَ لهم بالأدلة، ومهما ضربتَ لهم الأمثلة، فإنهم مُصمِّمون على الإنكار؛ لأن الإيمان سيسلبهم ما هم فيه من السيادة وما يدعونه من العظمة، الإيمان سيُسوّي بينهم وبين العبيد، وسيُقيّد حريتهم فيما كانوا فيه من ضلال وفساد.
لكن هؤلاء السادة والعظماء الذين تأبَّوْا على الإيمان، وأنكروا البعث خوفاً على مكانتهم وسيادتهم وما عندهم من سلطة زمنية، ألم تتعرَّضوا لظلم من أحد في الدنيا؟ ألم يعتَدِ عليكم أحد؟ ألم يسرق

(14/8771)

منكم أحد ولم تتمكنوا من الإمساك به ومعاقبته؟ لقد كان أَوْلَى بكم الإيمان بالآخرة حيث تتحقق عدالة العقاب وتنالون حقوقكم مِمَّنْ ظلمكم، أو اعتدى عليكم.
ثم ينتقل السياق القرآني إلى موضوع جديد، حيث يقول تعالى: {قُل لَّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي ... } .

(14/8772)

قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا (100)

قوله تعالى: {قُل} أمر من الحق سبحانه وتعالى أنْ يقولَ لأمته هذا الكلام، وكان يكفي في البلاغ أن يقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لأمته: لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي. . لكن النبي هنا يحافظ على أمانة الأداء القرآني، ولا يحذف منه شيئاً؛ لأن المتكلم هو الله، وهذا دليلٌ على مدى صدق الرسول في البلاغ عن ربه.
ومعنى {خَزَآئِنَ} هي ما يُحفظ بها الشيء النفيس لوقته، فالخزائن مثلاً لا نضع بها التراب، بل الأشياء الثمينة ذات القيمة.
ومعنى: {خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي. .} [الإسراء: 100] أي: خَيْرات الدنيا من لَدُن آدم عليه السلام وحتى قيام الساعة، وإنْ من شيء يحدث إلى قيام الساعة إلا عند الله خزائنه، فهو موجود بالفعل، ظهر في عالم الواقع أو لم يظهر: {وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ} [الحجر: 21] أي: أنه موجود في عِلْم الله، إلى حين الحاجة إليه.
لذلك لما تحدَّث الحق سبحانه عن خلق الآيات الكونية في السماء والأرض قال: {قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بالذي خَلَقَ الأرض فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ العالمين وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا

(14/8772)

وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا في أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ} [فصلت: 9 - 10]
نلاحظ أن قوله تعالى {وَبَارَكَ فِيهَا} جاءت بعد ذِكْر الجبال الرواسي، ثم قال: {وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا. .} [فصلت: 10] كأن الجبال هي مخازن القوت، وخزائن رحمة الله لأهل الأرض. والقوت: وهو الذي يتمّ به استبقاء الحياة، وهذا ناشئ من مزروعات الأرض، وهذه من تصديقات القرآن لطموحات العلم وأسبقية إخبار بما سيحدث، فهاهو القرآن يخبر بما اهتدى إليه العلم الحديث من أن العناصر التي تُكوّن الإنسان هي نفس عناصر التربة الزراعية التي نأكل منها.
لكن، كيف تكون الجبال مخازن القوت الذي جعله الله في الأرض قبل أن يُخْلَق الإنسان؟
نقول: إن الجبال هي أساس التربة التي نزرعها، فالجبل هذه الكتلة الصخرية التي تراها أمامك جامدة هي في الحقيقة ليست كذلك؛ لأن عوامل التعرية وتقلبات الجو من شمس وحرارة وبرودة، كل هذه عوامل تُفتِّت الصخر وتُحدِث به شروخاً وتشققات، ثم يأتي المطر فيحمل هذا الفُتات إلى الوادي، ولو تأملتَ شكل الجبل وشكل الوادي لوجدتهما عبارة عن مثلثين كل منهما عكس الآخر، فالجبل مثلث رأسه إلى أعلى، وقاعدته إلى أسفل، والوادي مثلث رأسه إلى أسفل وقاعدته إلى أعلى.
وهكذا، فكُلُّ ما ينقص من الجبل يزيد في الوادي، ويُكوِّن التربة الصالحة للزراعة، وهو ما يسمى بالغِرْيَن أو الطمى؛ لذلك حَدَّثونا أن مدينة دمياط قديماً كانت على شاطئ البحر الأبيض، ولكن بمرور الزمن تكوَّنت مساحات واسعة من هذا الغِرْيَن أو الطمي الذي حمله النيل من إفريقيا ففصل دمياط عن البحر، والآن وبعد بناء السد وعدم تكوُّن

(14/8773)

الطمي بدأت المياة تنحت في الشاطئ، وتنقص فيه من جديد.
إذن: فقوله تعالى عن بداية خلق الأرض: {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا. .} [فصلت: 10] كأنه يعطينا تسلسلاً لخَلْق القُوت في الأرض، وأن خزائن الله لا حدودَ لها ولا نفادَ لخيراتها.
ثم يقول تعالى: {إِذاً لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإنفاق وَكَانَ الإنسان قَتُوراً} [الإسراء: 100]
أي: لو أن الله تعالى ملَّك خزائن خيراته ورحمته للناس، فأصبح في أيديهم خزائن لا تنفد، ولا يخشى صاحبها الفقر، لو حدث ذلك لأمسك الإنسان وبخِلَ وقَتَر خوف الفقر؛ لأنه جُبِل على الإمساك والتقتير حتى على نفسه، وخوف الإنسان من الفقر ولو أنه يملك خزائن رحمة الله التي لا نفادَ لها ناتج عن عدم مقدرته على تعويض ما أَنفق؛ ولأنه لا يستطيع أنْ يُحدِث شيئاً.
والبخل يكون على الغير، فإنْ كان على النفس فهو التقتير، وهو سُبَّة واضحة ومُخزِية، فقد يقبل أن يُضَيِّق الإنسانُ على الغير، أما أنْ يُضيق على نفسه فهذا منتهى ما يمكن تصوّره؛ لذلك يقول الشاعر في التندُّر على هؤلاء:
يُقتِّر عِيسَى عَلَى نَفْسِه ... وَلَيْسَ بِبَاقٍ وَلاَ خَالِد
فَلَوْ يستطيعُ لتَقتِيرِه ... تنفَّسَ مِنْ مَنْخرٍ وَاحِدِ

(14/8774)

ويقول أيضاً:
لَوْ أنَّ بيتَكَ يَا ابْنَ يوسف كُلُّه ... إبرٌ يَضِيقُ بِهاَ فَضَاءُ المنْزِلِ
وأَتَاكَ يُوسُفُ يَستعِيرُكَ إبْرةً ... لِيَخيطَ قدَّ قميِصِهِ لَمْ تفْعَلِ
فالإنسان يبخل على الناس ويُقتِّر علَى نفسه؛ لأنه جُبِل علَى البخل مخافة الفقر، وإنْ أُوتِي خزائن السماوات والأرض.
ثم يقول الحق سبحانه: {وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ... } .

(14/8775)

وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا (101)

وقد سبق أن اقترح كفار مكة على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عدة آيات ذُكرَتْ في قوله تعالى: {وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرض يَنْبُوعاً أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأنهار خِلالَهَا تَفْجِيراً أَوْ تُسْقِطَ السمآء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بالله والملائكة قَبِيلاً أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ ترقى فِي السمآء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً} [الإسراء: 90 - 93]
فأراد الحق سبحانه أنْ يُلفِت نظره أن سابقيهم من اليهود أتتهم تسع آيات ونزلت عليهم دون أنْ يطلبوها، ومع ذلك كفروا، فالمسألة كلها تعنّت وعناد من أهل الكفر في كل زمان ومكان.
ومعنى {بَيِّنَاتٍ. .} [الإسراء: 101] أي: واضحات مشهورات بَلْقَاء

(14/8775)

كالصبح، لأنها حدثت جميعها على مَرْأىً ومشهد من الناس.
والمراد بالآيات التسع هنا هي الآيات الخاصة بفرعون؛ لأن كثيرين يخلطون بين معجزات موسى إلى فرعون، ومعجزاته إلى بني إسرائيل.
إذن: فقوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ. .} [الإسراء: 101] هي الآيات التي أُرسِل بها إلى فرعون وقومه وهي: العصا التي انقلبتْ حية، واليد التي أخرجها من جيبه بيضاء مُنورة، وأَخْذ آل فرعون بالسنين ونَقْصٍ من الأموال والأنفس والثمرات، ثم لما كذَّبوا أنزل الله عليهم الطوفان، والجراد، والقُمّل، والضفادع، والدم، هذه تسع آيات خاصة بما دار بين موسى وفرعون.
أما المعجزات الأخرى مثل العصا التي ضرب بها الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً، ونتق الجبل فوقهم كأنه ظُلَّة، وإنزال المنِّ والسَّلْوى عليهم، فهذه آيات خاصة ببني إسرائيل.
وقوله تعالى: {فَسْئَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. .} [الإسراء: 101] والأمر هنا لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، لكن كيف يسأل بني إسرائيل الذين جاءهم موسى عليه السلام وقد ماتوا، والموجود الآن ذريتهم؟ نقول: لأن السؤال لذريتهم هو عَيْن سؤالهم، لأنهم تناقلوا الأحداث جيلاً بعد جيل؛ لذلك قال تعالى مُخاطباً بني إسرائيل

(14/8776)

المعاصرين لرسول الله: {وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سواء العذاب وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِي ذلكم بلاء مِّن رَّبَّكُمْ عَظِيمٌ} [إبراهيم: 6]
والنجاة لم تكُنْ لهؤلاء، بل لأجدادهم المعاصرين لفرعون، لكن خاطبهم الحق بقوله {أَنجَاكُمْ} لأنه سبحانه لو أهلك أجدادهم لما وُجِدُوا هم، فكأن نجاة السابقين نجاةٌ للاحقين.
ويسأل رسول الله بني إسرائيل لأنهم هم الأمة التي لها ممارسة مع منهج الله ووحيه، ولها اتصال بالرسل وبالكتب المنزَّلة كالتوراة والإنجيل، أما مشركو قريش فليس لهم صِلَة سابقة بوَحْي السماء؛ لذلك لما كذَّبوا رسول الله خاطبه بقوله:
{قُلْ كفى بالله شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الكتاب} [الرعد: 43]
لأن الذي عنده عِلْم من الكتاب: اليهود أو النصارى عندهم عِلْم في كتابهم وبشارة ببعثة محمد، وهم يعرفونه ويعرفون أوصافه وزمن بعثته، بل ويعرفونه كما يعرفون أبناءهم، بل وأكثر من معرفتهم لأبنائهم، كما قال واحد منهم.
وسؤال رسول الله لبني إسرائيل سؤالَ حُجَّةٍ واستشهاد؛ لأن قومه سألوه وطلبوا أنْ يظهر لهم عدة آيات سبق ذِكْرها لكي يؤمنوا به، فأراد أنْ يُنبّههم إلى تاريخ إخوانهم وسابقيهم على مَرِّ

(14/8777)

العصور، وقد أنزل الله لهم الآيات الواضحات والمعجزات الباهرات ومع ذلك كفروا ولجُّوا ولم يؤمنوا، فقوم فرعون رَأَوْا من موسى تسع آيات وكفروا، وقوم صالح: {وَآتَيْنَا ثَمُودَ الناقة مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا. .} [الإسراء: 59] ولَيْتهم كذَّبوا وكفروا بهذه الآية فحَسْب، بل واعتدَوْا عليها وعقروها.
لذلك قال تعالى: {وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بالآيات. .} [الإسراء: 59] أي: التي اقترحوها {إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأولون. .} [الإسراء: 59] وما دام كذَّب بها الأولون فسوف يُكذِّب بها هؤلاء؛ لأن الكفر مِلَّة واحدة في كل زمان ومكان.
إذن: مسألة طلب الآيات واقتراح المعجزات ليستْ في الحقيقة رغبة في الإيمان، بل مجرد عناد ولَجَج ومحاولة للتعنُّت والجدَل العقيم لإضاعة الوقت.
ثم يقول تعالى: {فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ} [الإسراء: 101] أي: بعد أنْ رأى الآيات كلها: {إِنِّي لأَظُنُّكَ ياموسى مَسْحُوراً} [الإسراء: 101] فاتهمه بالسحر بعد أنْ أراه كُلَّ هذه الدلائل والمعجزات.
وكلمة {مَسْحُوراً} [الإسراء: 101] اسم مفعول بمعنى سحره غيره، وقد يأتي اسم المفعول دالاً على اسم الفاعل لحكمة، كما في قوله تعالى: {وَإِذَا قَرَأْتَ القرآن جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة حِجَاباً مَّسْتُوراً} [الإسراء: 45]
والحجاب يكون ساتراً لا مستوراً، لكن الحق سبحانه جعل الحجاب نفسه مستوراً مبالغة في السَّتْر، كما نبالغ نحن الآن في استعمال الستائر، فنجعلها من طبقتين مثلاً.

(14/8778)

ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: {ظِلاًّ ظَلِيلاً} [النساء: 57]
فالظل نفسه مُظلَّل، ونستطيع أن نلاحظ هذه الظاهرة إذا جلسنا في الحرِّ تحت شجرة، فسوف نجد الهواء تحتها رَطباً بارداً، لماذا؟ لأن أوراق الشجر مُتراكمة يُظلّل بعضها بعضاً، فتجد أعلاك طبقات متعددة من الظل، فتشعر في النهاية بجو لطيف مُكيف تكييفاً ربانياً.
إذن: قوله {مَسْحُوراً} تفيد أنه سحَر غيره، أو سحره غيره؛ لأن المسحور هو الذي أَلَمَّ به السحر، إما فاعلاً له، أو مفعولاً عليه. وهذه الكلمة قالها كفار مكة لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فقالوا: {إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً} [الإسراء: 47] والمسحور بمعنى المخبول الذي أثّر في السحر، فصار مخبولاً مجنوناً، وهذا كذب وافتراء على رسول الله من السهل رَدُّه وضَحْده.
فإنْ كان ساحراً، فكيف يسحره غيره؟! ولماذا لم يسحركم كما سحر الذين آمنوا به؟ لماذا تأبَّيتم أنتم على سحره فلم تؤمنوا؟ وإنْ كان مسحوراً مَخْبُولاً، والمخبول تتأتّى منه حركات وأقوال دون أنْ تَمُرّ على العقل الواعي الذي يختار بين البديلات، فلا يكون له سيطرة على إراداته ولا على خُلقه، فهل عهدكم بمحمد أنْ كان مَخبولاً؟ هل رأيتم عليه مثل هذه الصفات؟
لذلك رَدَّ الحق سبحانه عليهم هذا الافتراء بقوله تعالى:
{ن والقلم وَمَا يَسْطُرُونَ مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ وَإِنَّكَ لعلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 1 - 4]
والمجنون لا يكون على خُلُق أبداً.

(14/8779)

وسوف يناقض فرعون نفسه، فبعد أنْ اتهم موسى بالسحر، ثم كانت الغَلَبة لموسى، وخَرَّ السحرة ساجدين، قال: {إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الذي عَلَّمَكُمُ السحر. .} [طه: 71] وهذا دليل على التخبُّط والإفلاس.
ثم يقول الحق سبحانه: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هؤلاء إِلاَّ رَبُّ السماوات والأرض بَصَآئِرَ. .} .

(14/8780)

قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (102)

أي: قال موسى لفرعون، والتاء في {عَلِمْتَ} مفتوحة أي: تاء الخطاب، فهو يُكلِّمه مباشرة ويُخاطبه: لقد علمتَ يا فرعون عِلْمَ اليقين أنني لستُ مسحوراً ولا مخبولاً، وأن ما معي من الآيات مما شاهدته وعاينته من الله رب السماوات والأرض، وأنت تعلم ذلك جيداً إلا أنك تنكره، كما قال تعالى: {وَجَحَدُواْ بِهَا واستيقنتهآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً. .} [النمل: 14]
إذن: فعندهم يقينٌ بصدق هذه المعجزات، ولكنهم يجحدونها؛ لأنها ستزلزل سلطانهم، وتُقوِّض عروشهم.
وقوله تعالى: {بَصَآئِرَ. .} [الإسراء: 102] أي: أنزل هذه الآيات بصائر تُبصّر الناس، وتفتح قلوبهم، فيُقبلوا على ذلك الرسول الذي جاء بآية معجزة من جنس ما نبغَ فيه قومه.
ثم لم يَفُتْ موسى عليه السلام وقد ثبتتْ قدمه، وأرسى قواعد دعوته أمام الجميع أنْ يُكلِّم فرعونَ من منطلق القوة، وأن يُجابهه واحدة بواحدة، فيقول: {وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يافرعون مَثْبُوراً} [الإسراء: 102] فقد سبق أنْ قال فرعون: {إِنِّي لأَظُنُّكَ ياموسى مَسْحُوراً} [الإسراء: 101] فواحدة بواحدة، والبادي أظلم.

(14/8780)

والمثبور: الهالك، أو الممنوع من كُلِّ خير، وكأن الله تعالى أطْلعَ موسى على مصير فرعون، وأنه هالكٌ عن قريب. وعلى هذا يكون المجنون على أية حال أحسن من المثبور، فالمجنون وإنْ فقد نعمة العقل إلا أنه يعيش كغيره من العقلاء، بل ربما أفضل منهم، لأنك لو تأملتَ حال المجنون لوجدته يفعل ما يشاء ويقول ما يشاء دون أنْ يتعرّض له أحد أو يُحاسبه أحد، وهذا مُنْتَهى ما يتمناه السلاطين والحكام وأهل الجبروت في الأرض، فماذا ينتظر القادة والأمر إلاَّ أن تكون كلمتهم نافذة، وأمرهم مُطَاعاً؟ وهذا كله ينعَم به المجنون.
وهنا يقول قائل: ما الحكمة من بقاء المجنون على قَيْد الحياة، وقد سلبه الله أعظم ما يملك، وهو العقل الذي يتميز به؟
نقول: أنت لا تدري أن الخالق سبحانه حينما سلبه العقل ماذا أعطاه؟ لقد أعطاه ما لو عرفته أنت أيُّها العاقل لتمنيتَ أنْ تُجَنَّ!! أَلاَ تراه يسير بين الناس ويفعل ما يحلو له دون أنْ يعترضه أحد، أو يؤذيه أحد، الجميع يعطف عليه ويبتسم في وجهه، ثم بعد ذلك لا يُحاسَب في الآخرة، فأيُّ عِزٍّ أعظم من هذا؟
إذن: سَلْب أيّ نعمة مساوية لنعم الآخرين فيها عطاء لا يراه ولا يستنبطه إلا اللبيب، فحين ترى الأعمى مثلاً فإياك أنْ تظنّ أنك أفضل منه عند الله، لا ليس مِنّا مَنْ هو ابنٌ لله، وليس مِنّا مَنْ بينه وبين الله نسب، نحن أمام الخالق سبحانه سواء، فهذا الذي حُرِم نعمة البصر عُوِّض عنها في حواس أخرى، يفوقك فيها أنت أيها المبصر بحيث تكون الكِفَّة في النهاية مُسْتوية.

(14/8781)

واسمع إلى أحد العِمْيان يقول:
عَمِيتُ جَنِيناً والذكَاءُ مِنَ العَمَى ... فجئتُ عَجِيبَ الظَّنِّ للعِلْم مَوْئِلاً
وَغَاب ضِيَاءُ العَيْن للقلْبِ رافداً ... لِعِلْمٍ إذَا مَا ضيَّع الناسُ حَصّلا
فحدِّث عن ذكاء هؤلاء وفِطْنتهم وقوة تحصيلهم للعلم ولا حرج، وهذا أمر واضح يُشاهده كُلُّ مَنْ عاشر أعمى. وهكذا تجد كُلَّ أصحاب العاهات الذين ابتلاهم الخالق سبحانه بنقص في تكوينهم يُعوِّضهم عنه في شيء آخر عزاءً لهم عما فَاتهم، لكن هذا التعويض غالباً ما يكون دقيقاً يحتاج إلى مَنْ يُدرِكه ويستنبطه.
وكذلك نرى كثيرين من هؤلاء الذين ابتلاهم الله بنقْصٍ ما يحاولون تعويضه ويتفوقون في نواحٍ أخرى، ليثبتوا للمجتمع جدارتهم ويُحدِثوا توازناً في حياتهم ليعيشوا الحياة الكريمة الإيجابية في مجتمعهم.
ومن ذلك مثلاً العالم الألماني (شاخْت) وقد أصيب بِقصَرٍ في إحدى ساقيْه أعفاه من الخدمة العسكرية مع رفاقه من الشباب، فأثَّر ذلك في نفسه فصمَّم أنْ يكون شيئاً، وأنْ يخدُمَ بلده في ناحية أخرى، فاختار مجال الاقتصاد، وأبدع فيه، ورسم لبلاده الخُطّة

(14/8782)

التي تعينها في السِّلْم وتعويضها ما فاتها في الحرب، فكان (شاخْت) رجل الاقتصاد الأول في ألمانيا كلها.
ويجب أن نعلم أن التكوين الإنساني وخَلْق البشر ليس عملية ميكانيكية تعطي نماذج متماثلة تماماً، إبداع الخالق سبحانه ليس ماكينة كالتي تصنع الأكواب مثلاً، وتعطينا قِطَعاً متساوية، بل لا بُدَّ من الشذوذ في الخَلْق لحكمة؛ لأن وراء الخلق إرادة عليا للخالق سبحانه، ألا ترى الأولاد من أب واحد وأم واحدة وتراهم مختلفين في اللون أو الطول أو الذكاء. . الخ؟!
يقول تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السماوات والأرض واختلاف أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ. .} [الروم: 22]
إنها قدرةٌ في الخَلْق لا نهاية لها، وإبداعٌ لا مثيلَ له فيما يفعل البشر.
وهناك ملْمح آخر يجب أن نتنبه إليه، هو أن الخالق سبحانه وتعالى جعل أصحاب النقص في التكوين وأصحاب العاهات كوسائل إيضاح، وتذكُّر للإنسان إذا ما نسى فضْل الله عليه، لأنه كما قال تعالى: {كَلاَّ إِنَّ الإنسان ليطغى أَن رَّآهُ استغنى} [العلق: 6 - 7]
فالإنسان كثيراً ما تطغيه النعمة، ويغفل عن المنعم سبحانه، فإذا ما رأى أصحاب الابتلاءات انتبه وتذكّر نعمة الله، وربما تجد المبصر لا يشعر بنعمة البصر ولا يذكرها إلا إذا رأى أعمى يتخبَّط في الطريق، ساعتها فقط يذكر نعمة البصر فيقول: الحمد لله.
إذن: هذه العاهات ليستْ لأن أصحابها أقلُّ مِنّا، أو أنهم أهوَنُ

(14/8783)

على الله. . لا، بل هي ابتلاء لأصحابها، ووسيلة إيضاح للآخرين لِتلفِتهم إلى نعمة الله.
لكن الآفة في هذه المسألة أنْ ترى بعض أصحاب العاهات والابتلاءات لا يستر بَلْوَاه على ربه، بل يُظهِرها للناس، وكأنه يقول لهم: انظروا ماذا فعل الله بي، ويتخذ من عَجْزه وعاهته وسيلةً للتكسُّب والترزّق، بل وابتزاز أموال الناس وأَخْذها دون وَجْه حق.
وفي الحديث الشريف: «إذَا بُلِيتم فاستتروا» .
والذي يعرض بَلْواه على الناس هكذا كأنه يشكو الخالق للخَلْق، ووالله لو ستر صاحب العاهة عاهته على ربه وقبلها منه لساقَ له رزقه على باب بيته. والأدْهَى من ذلك أن يتصنّع الناس العاهات ويدَّعوها ويُوهِموا الناس بها لِيُوقِعوهم، وليبتزّوا أموالهم بسيف الضعف والحاجة.
نعود إلى قصة موسى وفرعون لنستنبط منها بعض الآيات والعجائب، وأوّل ما يدعونا للعجب أن فرعون هو الذي ربَّى موسى منذ أنْ كان وليداً، وفي وقت كان يقتل فيه الذكور من أبناء قومه، لنعلم أن الله يحول بين المرء وقلبه، وأن إرادته سبحانه نافذة. فقد وضع محبة موسى في قلب فرعون وزوجته فقالت: {قُرَّةُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ عسى أَن يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً} [القصص: 9]

(14/8784)

فأين ذهب عداوتُه وبُغْضه للأطفال؟ ولماذا أحبَّ هذا الطفلَ بالذات؟ ألم يكُنْ من البديهي أنْ يطرأ على ذِهْن فرعون أن هذا الطفل ألقاه أهله في اليَمِّ لينجو من القتل؟ ولماذا لم تطرأ هذه الفكرة البديهية على ذِهْنه؟ اللهم إلا قوله تعالى: {وَاعْلَمُواْ أَنَّ الله يَحُولُ بَيْنَ المرء وَقَلْبِهِ. .} [الأنفال: 24]
لقد طمس الله على قلب فرعون حتى لا يفعل شيئاً من هذا، وحال بينه وبين قلبه لِيُبيِّن للناس جهل هذا الطاغية ومدى حُمْقه، وأن وراء العناية والتربية للأهل والأسرة عنايةُ المربّي الأعلى سبحانه.
لذلك قال الشاعر:
إذَا لَمْ تُصَادِفْ مِنْ بَنيكَ عِنَايةً ... فَقدْ كذبَ الرَّاجِي وَخَابَ المؤملُ
فمُوسَى الذِي رَبَّاهُ جِبْريلُ كافِرٌ ... وَمُوسَى الذِي رَبَّاه فِرْعَوْنُ مُرْسَلُ
ثم يقول الحق سبحانه: {فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ الأرض. .} .

(14/8785)

فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا (103)

{فَأَرَادَ} أي: فرعون. {أَن يَسْتَفِزَّهُم} كلمة «استفزَّ» سبق الكلام عنها في قوله تعالى: {واستفزز مَنِ استطعت مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ. .} [الإسراء: 64] فالاستفزاز هو الإزعاج بالصوت العالي، يقوم المنَادَى ويخفّ من مكانه، وهذا الصوت أو هذه الصَّيْحة يُخرجها الفارس أو اللاعب كما نرى في لعبة الكراتيه مثلاً لِيُزعِج الخصم ويُخيفه، وأيضاً فإن هذه الصيحة تشغَل الخَصْم، وتأخذ

(14/8785)

جزءاً من تفكيره، فيقِلّ تركيزه، فيمكن التغلُّب عليه. ومن الاستفزاز قَوْل أحدِنا لابنه المتكاسل: فِزْ. أي: انهض وخِفّ للقيام.
إذن: المعنى: فأراد فرعون أنْ يستفزّهم ويخدعهم خديعة تُخرِجهم من الأرض، فتخلو له من بعدهم، وهذا دليلٌ على غباء فرعون وتغفيله وحماقته، فما جاء موسى إلا ليأخذ بني إسرائيل، كما جاء في قوله تعالى: {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فقولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ العالمين أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بني إِسْرَائِيلَ} [الشعراء: 16 - 17]
فكأن غباء فرعون أعان القدر الذي جاء به موسى عليه السلام ولكن كان لله تعالى إرادة فوق إرادة فرعون، فقد أراد أن يُخرج بني إسرائيل وتخلو له الأرض، وأراد الحق سبحانه وتعالى أن يستفزّه هو من الأرض كلها ومن الدنيا، فأغرقه الله تعالى وأخذه أَخْذَ عزيز مقتدر، وعاجله قبل أنْ يُنفذ ما أراد.
كما يقولون في الأمثال عند أهل الريف للذي هدَّد جاره بأنْ يحرق غلّته وهي في الجرن، فإذا بالقدر يعالجه (والغلة لسه فريك) أي: يعاجله الموت قبل نُضْج الغلة التي هدد بحرقها، فأغرقه الله ومَنْ معه جميعاً.
ثم يقول الحق سبحانه: {وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسكنوا الأرض. .} .

(14/8786)

وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (104)

قوله تعالى: {مِن بَعْدِهِ} أي: من بعد موسى {اسكنوا الأرض} أغلب العلماء قالوا: أي الأرض المقدسة التي هي بيت المقدس، التي قال تعالى عنها: {يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ. .} [المائدة: 21] فكان ردّهم على أمر موسى بدخول بيت المقدس: {إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حتى يَخْرُجُواْ مِنْهَا. .} [المائدة: 22]
وقالوا: {إِنَّا لَنْ نَّدْخُلَهَآ أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فاذهب أَنتَ وَرَبُّكَ فقاتلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: 24]
لكن كلمة {الأرض} هنا جاءت مجرّدة عن الوَصْف {اسكنوا الأرض} دون أنْ يُقيِّدها بوصف، كما نقول: أرض الحرم، أرض المدينة، وإذا أردتَ أنْ تُسكِنَ إنساناً وتُوطّنه تقول: اسكن أي: استقر وتوَطّن في القاهرة أو الإسكندرية مثلاً، لكن اسكن الأرض،

(14/8787)

كيف وأنا موجود في الأرض بالفعل؟! لا بُدَّ أن تُخصِّص لي مكاناً اسكن فيه.
نقول: جاء قوله تعالى {اسكنوا الأرض} هكذا دون تقييد بمكان معين، لينسجم مع آيات القرآن التي حكمتْ عليهم بالتفرُّق في جميع أنحاء الأرض، فلا يكون لهم وطن يتجمعون فيه، كما قال تعالى: {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأرض أُمَماً. .} [الأعراف: 168]
والواقع يُؤيد هذا، حيث نراهم مُتفرقِّين في شتَّى البلاد، إلا أنهم ينحازون إلى أماكن مُحدَّدة لهم يتجمَّعون فيها، ولا يذوبون في الشعوب الأخرى، فتجد كل قطعة منهم كأنها أمة مُستقلة بذاتها لا تختلط بغيرها.
وقوله تعالى: {فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الآخرة جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً} [الإسراء: 104] والمراد بوَعْد الآخرة: هو الإفساد الثاني لبني إسرائيل، حيث قال تعالى عن إفسادهم الأول على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: {وَقَضَيْنَآ إلى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الكتاب لَتُفْسِدُنَّ فِي الأرض مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الديار وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً} [الإسراء: 4 - 5]
فقد جاس رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ خلال ديارهم في المدينة، وفي بني قريظة وبني قَيْنُقاع، وبني النضير، وأجلاهم إلى أَذْرُعَات بالشام، ثم انقطعت الصلة بين المسلمين واليهود فترة من الزمن.
ثم يقول تعالى عن الإفسادة الثانية لبني إسرائيل: {فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الآخرة لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ المسجد كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً} [الإسراء: 7]

(14/8788)

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://abubaker.jordanforum.net
 
خواطر--يتبع—22-- ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (98)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» {ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا(98)}
» {وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا(49)}
» {وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا(49)}}الإسراء
»  {قَالُوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ(82)}
» {قَالُوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ(82)}}المؤمنون

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الأصدقاء :: ;"> >>> خواطر دينية <<<
 ::  قسم إيمانيات وأخرى ( إيمانيات ومعاني وغير ذلك )
-
انتقل الى: