الحديث النبوي الشريف: «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء» .
وقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء: 15]
العذاب: عقوبة على مخالفة، لكن قبل أنْ تُعاقبني عليها لا بُدَّ أن تُعلِّمني أن هذه مخالفة أو جريمة (وهي العمل الذي يكسر سلامة المجتمع) ، فلا جريمة إلا بنصٍّ ينصُّ عليها ويُقنّنها، ويُحدِّد العقاب عليها، ثم بعد ذلك يجب الإعلام بها في الجرائد الرسمية لكي يطلع عليها الناس، وبذلك تُقام عليهم الحجة إنْ خالفوا أو تعرَّضوا لهذه العقوبة.
لذلك حتى في القانون الوضعي نقول: لا عقوبة إلا بتجريم، ولا تجريم إلا بنصٍّ، ولا نصَّ إلا بإعلام.
فإذا ما اتضحت هذه الأركان في أذهان الناس كان للعقوبة معنى، وقامت الحجة على المخالفين، أما أنْ نعاقب شخصاً على جريمة هو لا يعلم بها، فله أن يعترضَ عليك من منطلق هذه الآية.
أما أنْ يُجرَّم هذا العمل، ويُعلَن عنه في الصحف الرسمية، فلا
(14/8418)
حجة لمَنْ جهله بعد ذلك؛ لأن الجهل به بعد الإعلام عنه لا يُعفِي من العقوبة.
فكأن قول الله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء: 15] يجمع هذه الأركان السابقة: الجريمة، والعقوبة، والنص، والإعلام، حيث أرسل الله الرسول يُعلِّم الناس منهج الحق سبحانه، ويُحدّد لهم ما جرمه الشرع والعقوبة عليه.
لذلك يقول تعالى في آية أخرى: {وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر: 24]
ويقول: {يَا أَهْلَ الكتاب قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ على فَتْرَةٍ مِّنَ الرسل أَن تَقُولُواْ مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ. .} [المائدة: 19]
إذن: قد انقطعت حجتكم برسالة محمد البشير النذير صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.
وقد وقف العلماء أمام هذه القضية فقالوا: إن كانت الحجة قد قامت على مَن آمن برسالة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، فما بال الكافر الذي لم يؤمن ولم يعلم منهج الله؟ وكأنهم يلتمسون له العذر بكفره.
نقول: لقد عرف الإنسان ربه عَزَّ وَجَلَّ أولاً بعقله، وبما ركّبه فيه خالقه سبحانه من ميزان إيماني هو الفطرة، هذه الفطرة هي المسئولة عن الإيمان بقوة قاهرة وراء الوجود، وإنْ لم يأتِ رسول، والأمثلة كثيرة لتوضيح هذه القضية: