كيف كان العرب قبل الدعوة – كانوا عبيدا عند الروم وفارس وكيف أصبحوا بعد الدعوة صاروا ولاة أمراء سادة قادة أعزة ,
إن ما كانوا عليه من سوء الحال ما كان أسوأ حالا منهم ، فأما جوعهم فلم يكن يشبه الجوع وأما المنازل فإنما هي ظهر الأرض
ولقد ظهرت نصرة الله والتأييد للذين فروا بدينهم وهاجروا ونزلوا ارض الحبشة عند النَّجَاشِيُّ وَكانوا عِنْدَهُ بِخَيْرِ دَارٍ ، وَعِنْدَ خَيْرِ جَارٍ ،
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ابْنَةِ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَتْ : لَمَّا نَزَلْنَا أَرْضَ الْحَبَشَةِ ، جَاوَرْنَا بِهَا خَيْرَ جَارٍ ، النَّجَاشِيَّ ، أَمِنَّا عَلَى دِينِنَا ، وَعَبَدْنَا اللَّهَ لَا نُؤْذَى ، وَلا نَسْمَعُ شَيْئًا نَكْرَهُهُ ، فائْتَمَرت قُرَيْش فبعَثُوا رَجُلَيْنِ جَلْدَيْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ ، وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ إِلَى النَّجَاشِيِّ وَلَم يَتْرُكُوا مِنْ بَطَارِقَتِهِ بِطْرِيقًا إِلا أَهْدَوْا لَهُ هَدِيَّةً ، ثم قَالا لِكُلِّ بِطْرِيقٍ مِنْهُمْ : إِنَّهُ قَدْ صَبَا إِلَى بَلَدِ الْمَلِكِ مِنَّا غِلْمَانٌ سُفَهَاءُ ، فَارَقُوا دِينَ قَوْمِهِمْ وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِكُمْ ، وَجَاءُوا بِدِينٍ مُبْتَدَعٍ لَا نَعْرِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتُمْ ، وَقَدْ بَعَثَنَا إِلَى الْمَلِكِ فِيهِمِ أشْرَافُ قَوْمِهِمْ لِنَرُدَّهُمِ إلَيْهِمْ ، فَإِذَا كَلَّمْنَا الْمَلِكَ فِيهِمْ ، فَتُشِيرُوا عَلَيْهِ بِأَنْ يُسْلِمَهُمِ إلَيْنَا وَلا يُكَلِّمَهُمْ ، فَإِنَّ قَوْمَهُمْ أَعَلَى بِهِمْ عَيْنًا ، وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ ، فَقَالُوا لَهُمَا : نَعَمْ ، ثم أْهدُوا لِلنَّجَاشِيِّ هَدَايَا مِمَّا يُسْتَطْرَفُ مِنْ مَتَاعِ مَكَّةَ ،فقَرَّبَا هَدَايَاهُمِ إلَى النَّجَاشِيِّ فَقَبِلَهَا مِنْهُمَا ، ثُمَّ كَلَّمَاهُ ، فَقَالا لَهُ : أَيُّهَا الْمَلِكُ ، إِنَّهُ قَدْ صَبَا إِلَى بَلَدِكَ مِنَّا غِلْمَانٌ سُفَهَاءُ ، فَارَقُوا دِينَ قَوْمِهِمْ ، وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِكَ ، وَجَاءُوا بِدِينٍ مُبْتَدَعٍ لَا نَعْرِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ ، وَقَدْ بَعَثَنَا إِلَيْكَ فِيهِمِ أشْرَافُ قَوْمِهِمْ مِنْ آبَائِهِمْ ، وَأَعْمَامِهِمْ وَعَشَائِرِهِمْ ، لِتَرُدَّهُمِ إلَيْهِمْ ، فَهُمْ أَعَلَى بِهِمْ عَيْنًا ، وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ وَعَاتَبُوهُمْ فِيهِ . قَالَتْ : وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ ، وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مِنْ أَنْ يَسْمَعَ النَّجَاشِيُّ كَلامَهُمْ ، فَقَالَتْ بَطَارِقَتُهُ حَوْلَهُ : صَدَقُوا أَيُّهَا الْمَلِكُ ، قَوْمُهُمْأَعَلَى بِهِمْ عَيْنًا ، وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ ، فَأَسْلِمْهُمِ إلَيْهِمَا ، فَلْيَرُدَّاهُمِ إلَى بِلادِهِمْ وَقَوْمِهِمْ ، قَالَت : فَغَضِبَ النَّجَاشِيُّ ، فَغَضِبَ النَّجَاشِيُّ ، ثُمَّ قَالَ : لَا هَا اللَّهِ ، ايْمُ اللَّهِ إِذَنْ لَا أُسْلِمُهُمْ إِلَيْهِمَا ، وَلا أُكَادُ قَوْمًا جَاوَرُونِي ، وَنَزَلُوا بِلادِي ، وَاخْتَارُونِي عَلَى مَنْ سِوَايَ حَتَّى أَدْعُوَهُمْ فَأَسْأَلَهُمْ مَاذَا يَقُولُ هَذَانِ فِي أَمْرِهِمْ ، فَإِنْ كَانُوا كَمَا يَقُولانِ أَسْلَمْتُهُمِ الَيْهِمَا وَرَدَدْتُهُمِ الَى قَوْمِهِمْ ، وَإِنْ كَانُوا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مَنَعْتُهُمْ مِنْهُمَا ، وَأَحْسَنْتُ جِوَارَهُمْ مَا جَاوَرُونِي, ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَدَعَاهُمْ فَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولُهُ اجْتَمَعُوا ، ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : مَا تَقُولُونَ لِلرَّجُلِ إِذَا جِئْتُمُوهُ ؟ قَالُوا : نَقُولُ وَاللَّهِ مَا عَلَّمَنَا ، وَمَا أَمَرَنَا بِهِ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، كَائِنٌ فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَائِنٌ . فَلَمَّا جَاءُوهُ ، وَقَدْ دَعَا النَّجَاشِيُّ أَسَاقِفَتَهُ ، فَنَشَرُوا مَصَاحِفَهُمْ حَوْلَهُ ، سَأَلَهُمْ فَقَالَ : مَا هَذَا الدِّينُ الَّذِي فَارَقْتُمْ فِيهِ قَوْمَكُمْ ، وَلَمْ تَدْخُلُوا فِي دِينِي وَلا فِي دِينِ أَحَدٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمَمِ ؟
فَكَانَ الَّذِي كَلَّمَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، فَقَالَ لَهُ : أَيُّهَا الْمَلِكُ ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ ، وَصِدْقَهُ ، وَأَمَانَتَهُ ، وَعَفَافَهُ ، " فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ ، وَنَعْبُدَهُ ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنَ الحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ ، وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ ، وَالدِّمَاءِ ، وَنَهَانَا عَنِ الْفَوَاحِشِ ، وَقَوْلِ الزُّورِ ، وَأَكْلِ مَالَ الْيَتِيمِ ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، وَأَمَرَنَا بِالصَّلاةِ ، وَالزَّكَاةِ ، وَالصِّيَامِ " ، قَالَ : فَعَدَّدَ عَلَيْهِ أُمُورَ الْإِسْلامِ ، فَصَدَّقْنَاهُ وَآمَنَّا بِهِ وَاتَّبَعْنَاهُ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ ، فَعَبَدْنَا اللَّهَ وَحْدَهُ ، فَلَمْ نُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا ، وَحَرَّمْنَا مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا ، وَأَحْلَلْنَا مَا أَحَلَّ لَنَا ، فَعَدَا عَلَيْنَا قَوْمُنَا ، فَعَذَّبُونَا وَفَتَنُونَا عَنْ دِينِنَا لِيَرُدُّونَا إِلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ ، وَأَنْ نَسْتَحِلَّ مَا كُنَّا نَسْتَحِلُّ مِن َالخَبَائِثِ ، فَلَمَّا قَهَرُونَا وَظَلَمُونَا ، وَشَقُّوا عَلَيْنَا ، وَحَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ دِينِنَا ، خَرَجْنَا إِلَى بَلَدِكَ ، وَاخْتَرْنَاكَ عَلَى مَنْ سِوَاكَ ، وَرَغِبْنَا فِي جِوَارِكَ ، وَرَجَوْنَا أَنْ لَا نُظْلَمَ عِنْدَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ ، : فَقَالَ لَهُ النَّجَاشِيُّ : هَلْ مَعَكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ عَنِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ؟ فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ : نَعَمْ ، فَقَالَ لَهُ النَّجَاشِيُّ : فَاقْرَأْهُ عَلَيَّ ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ صَدْرًا مِنْ كهيعص : فَبَكَى وَاللَّهِ النَّجَاشِيُّ حَتَّى أَخْضَلَ لِحْيَتَهُ ، وَبَكَتْ أَسَاقِفَتُهُ حَتَّى أَخْضَلُوا مَصَاحِفَهُمْ حِينَ سَمِعُوا مَا تَلا عَلَيْهِمْ ، ثُمَّ قَالَ النَّجَاشِيُّ : إِنَّ هَذَا وَاللَّهِ وَالَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى لَيَخْرُجُ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ ، انْطَلِقَا فَوَاللَّهِ لَا أُسْلِمُهُمِ الَيْكُمِ ابَدًا ، وَلا أُكَادُ ، قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ : فَلَمَّا خَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ ، قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ : وَاللَّهِ لانَبِّئَنَّهُمْ غَدًا عَيْبَهُمْ عِنْدَهُمْ ، ثُمَّ أَسْتَأْصِلُ بِهِ خَضْرَاءَهُمْ ، قَالَتْ : فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ - وَكَانَ أَتْقَى الرَّجُلَيْنِ فِينَا - : لَا تَفْعَلْ فَإِنَّ لَهُمِ ارْحَامًا ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ خَالَفُونَا . قَالَ : وَاللَّهِ لاخْبِرَنَّهُ أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَبْدٌ ، قَالَتْ : ثُمَّ غَدَا عَلَيْهِ الْغَدَ ، فَقَالَ لَهُ : أَيُّهَا الْمَلِكُ ، إِنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ قَوْلًا عَظِيمًا ، فَأَرْسِلِ الَيْهِمْ فَاسْأَلْهُمْ عَمَّا يَقُولُونَ فِيهِ ، قَالَتْ : فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ يَسْأَلُهُمْ عَنْهُ ، قَالَتْ : وَلَمْ يَنْزِلْ بِنَا مِثْلُهُ ، فَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : مَاذَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى إِذَا سَأَلَكُمْ عَنْهُ ؟ قَالُوا : نَقُولُ وَاللَّهِ فِيهِ مَا قَالَ اللَّهُ ، وَمَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا كَائِنًا فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَائِنٌ ، فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ ، قَالَ لَهُمْ : مَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ؟ فَقَالَ لَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : نَقُولُ فِيهِ الَّذِي جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا : هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ، وَرُوحُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ ، قَالَتْ : فَضَرَبَ النَّجَاشِيُّ يَدَهُ إِلَى الْأَرْضِ ، فَأَخَذَ مِنْهَا عُودًا ، ثُمَّ قَالَ : مَا عَدَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ مَا قُلْتَ هَذَا الْعُودَ ، فَتَنَاخَرَت ْبَطَارِقَتُهُ حَوْلَهُ حِينَ قَالَ مَا قَالَ ، فَقَالَ : وَإِنْ نَخَرْتُمْ وَاللَّهِ اذْهَبُوا ، فَأَنْتُمْ سُيُومٌ بِأَرْضِي -وَالسُّيُومُ : الْآمِنُونَ - مَنْ سَبَّكُمْ غُرِّمَ ، ثُمَّ مَنْ سَبَّكُمْ غُرِّمَ ، فَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي دَبْرًا ذَهَبًا ، وَأَنِّي آذَيْتُ رَجُلًا مِنْكُمْ - وَالدَّبْرُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ : الْجَبَلُ - رُدُّوا عَلَيْهِمَا هَدَايَاهُمَا ، فَلا حَاجَةَ لَنَا بِهَا ، فَوَاللَّهِ مَا أَخَذَ اللَّهُ مِنِّي الرِّشْوَةَ حِينَ رَدَّ عَلَيَّ مُلْكِي ، فَآخُذَ الرِّشْوَةَ فِيهِ وَمَا أَطَاعَ النَّاسَ فِيَّ ، فَأُطِيعَهُمْ فِيهِ: فَخَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ مَقْبُوحَيْنِ مَرْدُودًا عَلَيْهِمَا مَا جَاءَا بِهِ ، وَأَقَمْنَا عِنْدَهُ بِخَيْرِ دَارٍ مَعَ خَيْرِ جَارٍ .-