منتدى الأصدقاء
{وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }يونس25
And God calls to the House of Peace and guides whom He wills to a Straight Path} Younis 25
نحن سعداء للمشاركة في (منتدى الأصدقاء)
We are pleased to join in ( Forum Friends )
يشرفنا تسجيلك
We are honored register you
إدارة المنتدى
Management of Forum

منتدى الأصدقاء
{وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }يونس25
And God calls to the House of Peace and guides whom He wills to a Straight Path} Younis 25
نحن سعداء للمشاركة في (منتدى الأصدقاء)
We are pleased to join in ( Forum Friends )
يشرفنا تسجيلك
We are honored register you
إدارة المنتدى
Management of Forum

منتدى الأصدقاء
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى الأصدقاء
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

( أهلا وسهلا بكم في منتدى الأصدقاء Welcome to the forum Friends >> الرجاء تسجيل الدخول للتعرف على فضائل الأعمال التي يحبها الله Please log in to learn about the virtues of Business loved by God

المواضيع الأخيرة
» تعديل شاشة الكمبيوتر - الوضع الصحيح من المصنع - LG
تفسير سورة التوبة - من آية 113 - إلى نهاية الآية 123   I_icon_minitimeالأحد نوفمبر 05, 2017 2:53 pm من طرف abubaker

»  إن كلمة “الله” هي علم على واجب الوجود. --- آية الكرسي
تفسير سورة التوبة - من آية 113 - إلى نهاية الآية 123   I_icon_minitimeالأحد يوليو 30, 2017 4:44 am من طرف abubaker

»  إن كلمة “الله” هي علم على واجب الوجود. --- آية الكرسي
تفسير سورة التوبة - من آية 113 - إلى نهاية الآية 123   I_icon_minitimeالأحد يوليو 30, 2017 4:44 am من طرف abubaker

»  إن كلمة “الله” هي علم على واجب الوجود -- آية الكرسي -- تابع ----
تفسير سورة التوبة - من آية 113 - إلى نهاية الآية 123   I_icon_minitimeالأحد يوليو 30, 2017 4:33 am من طرف abubaker

»  وكلمة (الله) عَلَمٌ على واجب الوجود؛ مَطمورة فيه كُلُّ صفات الكمال؛ / الرعد - ؛ فشاءتْ رحمتُه سبحانه أنْ سَهَّل لنا أن نفتتح أيَّ عمل باسمه الجامع لكل صفات الجمال والكمال (بسم الله الرحمن الرحيم). ولذلك يُسَمُّونه (عَلَمٌ على واجب الوجود).
تفسير سورة التوبة - من آية 113 - إلى نهاية الآية 123   I_icon_minitimeالأحد يوليو 30, 2017 4:18 am من طرف abubaker

» أما أسماء الله فحسنى؛ لأنها بلغتْ القمة في الكمال، ولأن الأسماء والصفات التي تنطبق عليها موجودة في الخالق الأعلى سبحانه
تفسير سورة التوبة - من آية 113 - إلى نهاية الآية 123   I_icon_minitimeالأحد يوليو 30, 2017 4:06 am من طرف abubaker

» وكلمة(اللهُ) عَلَم على واجب الوجود بكل صفات الكمال له - طه
تفسير سورة التوبة - من آية 113 - إلى نهاية الآية 123   I_icon_minitimeالأحد يوليو 30, 2017 3:57 am من طرف abubaker

» فاعمل لوجهه يكْفك كل الأوجه وتريح نفسك أن تتنازعك قوى شتى ومختلفة، ويُغنيك عن كل غنى.
تفسير سورة التوبة - من آية 113 - إلى نهاية الآية 123   I_icon_minitimeالأحد يوليو 30, 2017 3:51 am من طرف abubaker

» أتدرون ما هذان الكتابان فريق في الجنة وفريق في السعير
تفسير سورة التوبة - من آية 113 - إلى نهاية الآية 123   I_icon_minitimeالثلاثاء يوليو 18, 2017 3:21 pm من طرف abubaker

ازرار التصفُّح
 البوابة
 الرئيسية
 قائمة الاعضاء
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 بحـث
التبادل الاعلاني

 

 تفسير سورة التوبة - من آية 113 - إلى نهاية الآية 123

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
abubaker

abubaker


ذكر
عدد المساهمات : 18649
تاريخ التسجيل : 23/12/2010
العمر : 74
الدولـة : jordan

تفسير سورة التوبة - من آية 113 - إلى نهاية الآية 123   Empty
مُساهمةموضوع: تفسير سورة التوبة - من آية 113 - إلى نهاية الآية 123    تفسير سورة التوبة - من آية 113 - إلى نهاية الآية 123   I_icon_minitimeالجمعة مارس 15, 2013 4:37 pm

[color=black][size=24]مَا كَانَ لِلنّبِيّ وَالّذِينَ آمَنُوَاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوَاْ أُوْلِي قُرْبَىَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيّنَ لَهُمْ أَنّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ * وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ إِلاّ عَن مّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيّاهُ فَلَمّا تَبَيّنَ لَهُ أَنّهُ عَدُوّ للّهِ تَبَرّأَ مِنْهُ إِنّ إِبْرَاهِيمَ لأوّاهٌ حَلِيمٌ



قال الإمام أحمد: حدثنا عبدالرزاق، حدثنا معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية، فقال «أي عم، قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله عز وجل» فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فقال: أنا على ملة عبد المطلب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «لأستغفرن لك ما لم أنه عنك» فنزلت {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم} قال ونزلت فيه {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء} أخرجاه. وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن آدم، أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق عن أبي الخليل عن علي رضي الله عنه قال: سمعت رجلاً يستغفر لأبويه وهما مشركان، فقلت: أيستغفر الرجل لأبويه وهما مشركان ؟ فقال: أو لم يستغفر إبراهيم لأبيه ؟ فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} الاَية، قال لما مات فلا أدري، قاله سفيان أو قاله إسرائيل أو هو في الحديث لما مات، (قلت): هذا ثابت عن مجاهد أنه قال لما مات. وقال الإمام أحمد: حدثنا الحسن بن موسى، حدثنا زهير، حدثنا زبيد بن الحارث اليامي عن محارب بن دثار عن ابن بريدة عن أبيه قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن في سفر، فنزل بنا ونحن قريب من ألف راكب، فصلى ركعتين ثم أقبل علينا بوجهه وعيناه تذرفان، فقام إليه عمر بن الخطاب وفداه بالأب والأم وقال: يا رسول الله مالك ؟ قال «إني سألت ربي عز وجل في الاستغفار لأمي فلم يأذن لي فدمعت عيناي رحمة لها من النار، وإني كنت نهيتكم عن ثلاث: نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها لتذكركم زيارتها خيراً. ونهيتكم عن لحوم الأضاحي بعد ثلاث فكلوا وأمسكوا ما شئتم، ونهيتكم عن الأشربة في الأوعية فاشربوا في أي وعاء شئتم ولا تشربوا مسكراً»

وروى ابن جرير من حديث علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة، أتى رسم قبر فجلس إليه فجعل يخاطب ثم قام مستعبراً، فقلنا يا رسول الله إنا رأينا ما صنعت. قال: «إني استأذنت ربي في زيارة قبر أمي فأذن لي واستأذنته في الاستغفار لها فلم يأذن لي» فما رئي باكياً أكثر من يومئذ. وقال ابن أبي حاتم في تفسيره: حدثنا أبي، حدثنا خالد بن خداش، حدثنا عبد الله بن وهب عن ابن جريج عن أيوب بن هانىء عن مسروق عن عبد الله بن مسعود، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً إلى المقابر فاتبعناه فجاء حتى جلس إلى قبر منها، فناجاه طويلاً ثم بكى فبكينا لبكائه، ثم قام فقام إليه عمر بن الخطاب فدعاه ثم دعانا، فقال «ما أبكاكم ؟» فقلنا بكينا لبكائك. قال: «إن القبر الذي جلست عنده قبر آمنة، وإني استأذنت ربي في زيارتها فأذن لي» ثم أورده من وجه آخر، ثم ذكر من حديث ابن مسعود قريباً منه، وفيه «وإني استأذنت ربي في الدعاء لها فلم يأذن لي وأنزل علي {ما كان للنبي والذين آمنوا} الاَية، فأخذني ما يأخذ الولد للوالد، وكنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها فإنها تذكر الاَخرة»

حديث آخر : في معناه. قال الطبراني: حدثنا محمد بن علي المروزي، حدثنا أبو الدرداء عبد العزيز بن منيب، حدثنا إسحاق بن عبد الله بن كيسان، عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أقبل من غزوة تبوك واعتمر، فلما هبط من ثنية عسفان أمر أصحابه أن استندوا إلى العقبة حتى أرجع إليكم، فذهب فنزل على قبر أمه فناجى ربه طويلاً، ثم إنه بكى فاشتد بكاؤه وبكى هؤلاء لبكائه، وقالوا ما بكى نبي الله بهذا المكان إلا وقد أحدث الله في أمته شيئاً لا تطيقه، فلما بكى هؤلاء قام فرجع إليهم فقال: «ما يبكيكم ؟» قالوا يا نبي الله بكينا لبكائك، فقلنا لعله أحدث في أمتك شيء لا تطيقه، قال: «لا، وقد كان بعضه، ولكن نزلت على قبر أمي فسألت الله أن يأذن لي في شفاعتها يوم القيامة فأبى الله أن يأذن لي فرحمتها وهي أمي فبكيت، ثم جاءني جبريل فقال: {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه، فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه} فتبرأ أنت من أمك كما تبرأ إبراهيم من أبيه، فرحمتها وهي أمي ودعوت ربي أن يرفع عن أمتي أربعاً فرفع عنهم اثنتين وأبى أن يرفع عنهم اثنتين، ودعوت ربي أن يرفع عنهم الرجم من السماء والغرق من الأرض وأن لا يلبسهم شيعاً وأن لا يذيق بعضهم بأس بعض، فرفع الله عنهم الرجم من السماء والغرق من الأرض وأبى الله أن يرفع عنهم القتل والهرج» وإنما عدل إلى قبر أمه لأنها كانت مدفونة تحت كداء وكانت عسفان لهم، وهذا حديث غريب وسياق عجيب، وأغرب منه وأشد نكارة ما رواه الخطيب البغدادي في كتاب السابق واللاحق بسند مجهول عن عائشة في حديث فيه قصة، أن الله أحيا أمه فآمنت ثم عادت، وكذلك ما رواه السهيلي في الروض بسند فيه جماعة مجهولون: إن الله أحيا له أباه وأمه فآمنا به. وقد قال الحافظ ابن دحية في هذا الاستدلال، بما حاصله أن هذه حياة جديدة كما رجعت الشمس بعد غيبوبتها، فصلى علي العصر، قال الطحاوي: وهو حديث ثابت يعني حديث الشمس، قال القرطبي: فليس إحياؤهما يمتنع عقلاً ولا شرعاً، قال وقد سمعت أن الله أحيا عمه أبا طالب فآمن به، (قلت) وهذا كله متوقف على صحة الحديث فإذا صح فلا مانع منه، والله أعلم

وقال العوفي عن ابن عباس في قوله: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} الاَية، أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يستغفر لأمه فنهاه الله عز وجل عن ذلك، فقال «إن إبراهيم خليل الله قد استغفر لأبيه» فأنزلالله {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة عدها إياه} الاَية، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في هذه الاَية، كانوا يستغفرون لهم حتى نزلت هذه الاَية، فأمسكوا عن الاستغفار لأمواتهم ولم ينهوا أن يستغفروا للأحياء حتى يموتوا، ثم أنزل الله {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه} الاَية، وقال قتادة في الاَية: ذكر لنا أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : قالوا: يا نبي الله إن من آبائنا من كان يحسن الجوار ويصل الأرحام ويفك العاني ويوفي بالذمم أفلا نستغفر لهم ؟ قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم «بلى والله إني لأستغفر لأبي كما استغفر إبراهيم لأبيه» فأنزل الله {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} حتى بلغ قوله {الجحيم} ثم عذر الله تعالى إبراهيم عليه السلام، فقال: {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه} الاَية، قال: وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «قد أوحى الله إليّ كلمات فدخلن في أذني وقرن في قلبي: أمرت أن لا أستغفر لمن مات مشركاً، ومن أعطى فضل ماله فهو خير له، ومن أمسك فهو شر له، ولا يلوم الله على كفاف»

وقال الثوري عن الشيباني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: مات رجل يهودي وله ابن مسلم فلم يخرج معه، فذكر ذلك لابن عباس فقال: فكان ينبغي له أن يمشي معه ويدفنه ويدعو له بالصلاح ما دام حياً، فإذا مات وكله إلى شأنه، ثم قال: {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه ـ إلى قوله ـ تبرأ منه} لم يدع. ويشهد له بالصحة ما رواه أبو داود وغيره عن علي رضي الله عنه، لما مات أبو طالب قلت يا رسول الله: إن عمك الشيخ الضال قد مات، قال: «اذهب فواره ولا تحدثن شيئاً حتى تأتيني» فذكر تمام الحديث، وروي أنه صلى الله عليه وسلم لما مرت به جنازة عمه أبي طالب قال: «وصلتك رحمة يا عم» وقال عطاء بن أبي رباح: ما كنت لأدع الصلاة على أحد من أهل القبلة،ولو كانت حبشية حبلى من الزنا، لأني لم أسمع الله حجب الصلاة إلا عن المشركين، يقول الله عز وجل: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} الاَية

وروى ابن جرير، عن ابن وكيع عن أبيه عن عصمة بن زامل عن أبيه، قال: سمعت أبا هريرة يقول رحم الله رجلاً استغفر لأبي هريرة ولأمه، قلت ولأبيه. قال لا. قال إن أبي مات مشركاً، وقوله: {فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه} قال ابن عباس: ما زال إبراهيم يستغفر لأبيه حتى مات، فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه، وفي رواية لما مات تبين له أنه عدو لله، وكذا قال مجاهد والضحاك وقتادة وغيرهم رحمهم الله، وقال عبيد بن عمير وسعيد بن جبير: إنه يتبرأ منه يوم القيامة حتى يلقى أباه، وعلى وجه أبيه القترة والغبرة، فيقول: يا إبراهيم إني كنت أعصيك وإني اليوم لا أعصيك، فيقول أي رب ألم تعدني أن لا تخزني يوم يبعثون، فأي خزي أخزى من أبي الأبعد، فيقال انظر إلى ما وراءك فإذا هو بذيخ متلطخ، أي قد مسخ ضبعاً ثم يسحب بقوائمه ويلقى في النار. وقوله: {إن إبراهيم لأواه حليم} قال سفيان الثوري وغير واحد: عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود، أنه قال الأواه الدعاء، وكذا روي من غير وجه: عن ابن مسعود، وقال ابن جرير: حدثني المثنى، حدثنا الحجاج بن منهال، حدثني عبد الحميد بن بهرام، حدثنا شهر بن حوشب عن عبد الله بن شداد بن الهاد، قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم جالس قال: رجل يا رسول الله ما الأواه ؟ قال: «المتضرع» قال: {إن إبراهيم لأواه حليم} ورواه ابن أبي حاتم: من حديث ابن المبارك عن عبد الحميد بن بهرام به، ولفظه قال الأواه المتضرع الدعاء. وقال الثوري عن سلمة بن كهيل عن مسلم البطين عن أبي الغدير، أنه سأل ابن مسعود عن الأواه فقال هو الرحيم، وبه قال مجاهد وأبو ميسرة عمر بن شرحبيل والحسن البصري وقتادة وغيرهما أي الرحيم أي بعباد الله

وقال ابن المبارك عن خالد عن عكرمة عن ابن عباس، قال: الأواه الموقن بلسان الحبشة، وكذا قال العوفي عن ابن عباس أنه الموقن، وكذا قال مجاهد والضحاك، وقال علي بن أبي طلحة ومجاهد عن ابن عباس: الأواه المؤمن، زاد علي بن أبي طلحة عنه: هو المؤمن التواب، وقال العوفي عنه هو المؤمن بلسان الحبشة. وكذا قال ابن جريج هو المؤمن بلسان الحبشة

وقال الإمام أحمد: حدثنا موسى، حدثنا ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد عن علي بن رباح عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل يقال له ذو البجادين «إنه أواه» وذلك أنه رجل كان إذا ذكر الله في القرآن رفع صوته بالدعاء، ورواه ابن جرير. وقال سعيد بن جبير والشعبي: الأواه المسبح، وقال ابن وهب عن معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية عن جبير بن نفير عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: لا يحافظ على سبحة الضحى إلا الأواه، وقال شفي بن مانع عن أبي أيوب، الأواه الذي إذا ذكر خطاياه استغفر منها، وعن مجاهد الأواه الحفيظ الوجل يذنب الذنب سراً ثم يتوب منه سراً، ذكر ذلك كله ابن أبي حاتم رحمه الله. وقال ابن جرير: حدثنا ابن وكيع، حدثنا المحاربي عن حجاج عن الحكم عن الحسن بن مسلم بن بيان، أن رجلاً كان يكثر ذكر الله ويسبح، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال «إنه أواه»

وقال أيضاً: حدثنا أبو كريب، حدثنا ابن هانىء، حدثنا المنهال بن خليفة عن حجاج بن أرطاة عن عطاء عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم دفن ميتاً فقال: «رحمك الله إن كنت لأواها» يعني تلاء للقرآن، وقال شعبة عن أبي يونس الباهلي، قال سمعت رجلاً بمكة وكان أصله رومياً وكان قاصاً يحدث عن أبي ذر، قال: كان رجل يطوف بالبيت الحرام ويقول في دعائه: أوه أوه فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: «إنه أواه» قال: فخرجت ذات ليلة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدفن ذلك الرجل ليلاً ومعه المصباح، هذا حديث غريب رواه ابن جرير. وروي عن كعب الأحبار أنه قال: سمعت {إن إبراهيم لأواه} قال كان إذا ذكر النار قال: أوه من النار، وقال ابن جريج عن ابن عباس {إن إبراهيم لأواه} قال: فقيه. قال الإمام أبو جعفر بن جرير: وأولى الأقوال قول من قال إنه الدعاء وهو المناسب للسياق، وذلك أن الله تعالى لما ذكر أن إبراهيم إنما استغفر لأبيه عن موعدة وعدها إياه، وقد كان إبراهيم كثير الدعاء حليماً عمن ظلمه وأناله مكروهاً، ولهذا استغفر لأبيه مع شدة أذاه له في قوله {أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم ؟ لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني ملياً * قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفياً} فحلم عنه مع أذاه له ودعا له واستغفر، ولهذا قال تعالى: {إن إبراهيم لأواه حليم}





وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتّىَ يُبَيّنَ لَهُم مّا يَتّقُونَ إِنّ اللّهَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * إِنّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مّن دُونِ اللّهِ مِن وَلِيّ وَلاَ نَصِيرٍ



يقول تعالى مخبراً عن نفسه الكريمة وحكمه العادل: إنه لا يضل قوماً بعد إبلاغ الرسالة إليهم، حتى يكونوا قد قامت عليهم الحجة، كما قال تعالى: {وأما ثمود فهديناهم} الاَية، وقال مجاهد في قوله تعالى: {وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم} الاَية، قال بيان الله عز وجل للمؤمنين في ترك الاستغفار للمشركين خاصة، وفي بيانه لهم من معصيته وطاعته عامة، فافعلوا أو ذروا. وقال ابن جرير: يقول الله تعالى وما كان الله ليقضي عليكم في استغفاركم لموتاكم المشركين بالضلال بعد إذ رزقكم الهداية ووفقكم للإيمان به وبرسوله، حتى يتقدم إليكم بالنهي عنه فتتركوا، فأما قبل أن يبين لكم كراهة ذلك بالنهي عنه فلم تضيعوا نهيه إلى ما نهاكم عنه فإنه لا يحكم عليه بالضلال، فإن الطاعة والمعصية إنما يكونان من المأمور والمنهي، وأما من لم يؤمر ولم ينه فغير كائن مطيعاً أو عاصياً فيما لم يؤمر به ولم ينه عنه

وقوله تعالى: {إن الله له ملك السموات والأرض يحيي ويميت ومالكم من دون الله من ولي ولا نصير} قال ابن جرير، هذا تحريض من الله تعالى لعباده المؤمنين في قتال المشركين وملوك الكفر، وأن يثقوا بنصر الله مالك السموات والأرض ولا يرهبوا من أعدائه، فإنه لا ولي لهم من دون الله ولا نصير لهم سواه، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن أبي دلامة البغدادي، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، حدثنا سعيد عن قتادة عن صفوان بن محرز عن حكيم بن حزام قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه إذ قال لهم: «هل تسمعون ما أسمع ؟» قالوا ما نسمع من شيء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إني لأسمع أطيط السماء وما تلام أن تئط وما فيها من موضع شبر إلا وعليه ملك ساجد أو قائم» وقال كعب الأحبار: ما من موضع خرم إبرة من الأرض إلا وملك موكل بها يرفع علم ذلك إلى الله، وإن ملائكة السماء لأكثر من عدد التراب، وإن حملة العرش ما بين كعب أحدهم إلى مخه مسيرة مائة عام





لَقَدْ تَابَ الله عَلَىَ النّبِيّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأنصَارِ الّذِينَ اتّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مّنْهُمْ ثُمّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رّحِيمٌ



قال مجاهد وغير واحد: نزلت هذه الاَية في غزوة تبوك، وذلك أنهم خرجوا إليها في شدة من الأمر في سنة مجدبة وحر شديد وعسر من الزاد والماء، قال قتادة: خرجوا إلى الشام عام تبوك في لهبان الحر على ما يعلم الله من الجهد، أصابهم فيها جهد شديد حتى لقد ذكر لنا أن الرجلين كانا يشقان التمرة بينهما، وكان النفر يتداولون التمرة بينهم يمصها هذا ثم يشرب عليها ثم يمصها هذا ثم يشرب عليها، فتاب الله عليهم وأقفلهم من غزوتهم، وقال ابن جرير: حدثني يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال عن عتبة بن أبي عتبة عن نافع بن جبير بن مطعم عن عبد الله بن عباس، أنه قيل لعمر بن الخطاب في شأن العسرة، فقال عمر بن الخطاب: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك في قيظ شديد، فنزلنا منزلاً فأصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع، وحتى إن كان الرجل ليذهب يلتمس الماء فلا يرجع حتى يظن أن رقبته ستنقطع، وحتى إن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ويجعل ما بقي على كبده، فقال أبو بكر الصديق: يا رسول الله إن الله عز وجل قد عودك في الدعاء خيراً فادع لنا، فقال «تحب ذلك ؟» قال نعم، فرفع يديه فلم يرجعهما حتى سالت السماء فأهطلت ثم سكنت، فملؤا ما معهم ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر، وقال ابن جرير: في قوله {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة} أي من النفقة والطهر والزاد والماء {من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم} أي عن الحق، ويشك في دين الرسول صلى الله عليه وسلم ويرتاب للذي نالهم من المشقة والشدة في سفرهم وغزوهم {ثم تاب عليهم} يقول: ثم رزقهم الإنابة إلى ربهم والرجوع إلى الثبات على دينه {إنه بهم رؤوف رحيم}





وَعَلَى الثّلاَثَةِ الّذِينَ خُلّفُواْ حَتّىَ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنّوَاْ أَن لاّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاّ إِلَيْهِ ثُمّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوَاْ إِنّ اللّهَ هُوَ التّوّابُ الرّحِيمُ * يَـَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصّادِقِينَ



قال الإمام أحمد: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا ابن أخي الزهري محمد بن عبد الله، عن عمه محمد بن مسلم الزهري أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، أن عبد الله بن كعب بن مالك وكان قائد كعب من بنيه حين عمي، قال: سمعت كعب بن مالك يحدث حديثه حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فقال كعب بن مالك: لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها قط إلا في غزاة تبوك، غيرأني كنت تخلفت في غزاة بدر ولم يعاتب أحد تخلف عنها، وإنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد، ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام، وما أحب أن لي بها مشهد بدر وإن كانت بدر أذكر في الناس منها وأشهر، وكان من خبري حين تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنه في تلك الغزاة، والله ما جمعت قبلها راحلتين قط حتى جمعتهما في تلك الغزاة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما يريد غزوة يغزوها إلا ورى بغيرها حتى كانت تلك الغزوة فغزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد واستقبل سفراً بعيداً ومفاوز، واستقبل عدواً كثيراً فخلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة عدوهم، فأخبرهم وجهه الذي يريد، والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير، لا يجمعهم كتاب حافظ ـ يريد الديوان ـ قال كعب: فقل رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن ذلك سيخفى عليه ما لم ينزل فيه وحي من الله عز وجل، وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزاة حين طابت الثمار والظلال وأنا إليها أصعر، فتجهز إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون معه، فطفقت أغدو لكي أتجهز معهم فأرجع ولم أقض من جهازي شيئا، فأقول لنفسي أنا قادر على ذلك إذا أردت، فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى شمّر بالناس الجد، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم غادياً والمسلمون معه ولم أقض من جهازي شيئاً وقلت أتجهز بعد يوم أو يومين ثم ألحقه فغدوت بعد ما فصلوا لأتجهز فرجعت ولم أقض من جهازي شيئاً، ثم غدوت فرجعت ولم أقض شيئاً، فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو فهممت أن أرتحل فألحقهم وليت أني فعلت، ثم لم يقدر ذلك لي فطفقت إذا خرجت في الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم يحزنني أني لا أرى إلا رجلاً مغموصاً عليه في النفاق أو رجلاً ممن عذره الله عز وجل، ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك، فقال وهو جالس في القوم بتبوك: «ما فعل كعب بن مالك» فقال رجل من بني سلمة: حبسه يا رسول الله برداه والنظر في عطفيه، فقال معاذ بن جبل: بئسما قلت والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيراً. فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال كعب بن مالك: فلما بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه قافلاً من تبوك، حضرني بثي وطفقت أتذكر الكذب، وأقول بماذا أخرج من سخطه غداً وأستعين على ذلك بكل ذي رأي من أهلي، فلما قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادماً، زاح عني الباطل وعرفت أني لم أنج منه بشيء أبداً، فأجمعت صدقه فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فصلى ركعتين ثم جلس للناس، فلما فعل ذلك جاءه المتخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له وكانوا بضعة وثمانين رجلاً، فيقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم ويستغفر لهم ويكل سرائرهم إلى الله تعالى، حتى جئت فلما سلمت عليه تبسم تبسم المغضب، ثم قال لي «تعال» فجئت أمشي حتى جلست بين يديه، فقال لي: «ما خلفك ألم تكن قد اشتريت ظهراً» فقلت يا رسول الله إني لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن أخرج من سخطه بعذر، لقد أعطيت جدلاً ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم بحديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخطك علي، ولئن حدثتك بصدق تجد علي فيه إني لأرجو عقبى ذلك من الله عز وجل والله ما كان لي عذر، والله ما كنت قط أفرغ ولا أيسر مني حين تخلفت عنك، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أما هذا فقد صدق فقم حتى يقضي الله فيك» فقمت وقام إلي رجال من بني سلمة واتبعوني فقالوا لي: والله ما علمناك كنت أذنبت ذنباً قبل هذا ولقد عجزت إلا أن تكون اعتذرت إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر به المتخلفون، فقد كان كافيك من ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لك، قال: فوالله ما زالوا يؤنبوني حتى أردت أن أرجع فأكذب نفسي، قال ثم قلت لهم هل لقي معي هذا أحد ؟ قالوا نعم لقيه معك رجلان قالا مثل ما قلت، وقيل لهما مثل ما قيل لك، فقلت فمن هما ؟ قالوا مرارة بن الربيع العامري وهلال بن أمية الواقفي، فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدراً لي فيهما أسوة، قال: فمضيت حين ذكروهما لي قال ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه، فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا حتى تنكرت لي في نفسي الأرض فما هي بالأرض التي كنت أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة فأما صاحباي فاستكانا وقعدافي بيوتهما يبكيان، وأما أنا فكنت أشد القوم وأجلدهم، فكنت أشهد الصلاة مع المسلمين وأطوف بالأسواق فلا يكلمني أحد، وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مجلسه بعد الصلاة فأسلم وأقول في نفسي أحرك شفتيه برد السلام عليّ أم لا ؟ ثم أصّلي قريباً منه وأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي نظر إليّ، فإِذا التفتُ نحوه أعرض عنّي، حتّى إِذا طال علّي ذلك من هجر المسلمين مشيت حتّى تسوّرت حائط أبي قتادة وهوابن عمي وأحب الناس إليّ، فسلمت عليه فوالله ما رد علي السلام، فقلت له: يا أبا قتادة أنشدك الله هل تعلم أني أحب الله ورسوله ؟ قال فسكت، قال فعدت له فنشدته فسكت، فعدت له فنشدته فسكت، فقال الله ورسوله أعلم

قال ففاضت عيناي وتوليت حتى تسورت الجدار، فبينا أنا أمشي بسوق المدينة إذا أنا بنبطي من أنباط الشام ممن قدم بطعام يبيعه بالمدينة يقول من يدل على كعب بن مالك، قال فطفق الناس يشيرون له إلي حتى جاء فدفع إلي كتاباً من ملك غسان وكنت كاتباً، فإِذا فيه: أما بعد فقد بلغنا أن صاحبك قد جفاك وإن الله لم يجعلك في دار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك، قال: فقلت حين قرأته وهذا أيضاً من البلاء، قال: فتيممت به التنور فسجرته به حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين، إذا برسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني يقول: يأمرك رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعتزل امرأتك، قال فقلت أطلقها أم ماذا أفعل ؟ فقال: بل اعتزلها ولا تقربها، قال وأرسل إلى صاحبيّ بمثل ذلك، قال فقلت لامرأتي الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر ما يشاء، قال فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن هلالاً شيخ ضعيف ليس له خادم فهل تكره أن أخدمه، قال «لا ولكن لا يقربنّك» قالت وإنه والله ما به من حركة إلى شيء، وإنه والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا، قال فقال لي بعض أهلي لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك فقد أذن لا مرأة هلال بن أمية أن تخدمه، قال فقلت والله لا أستأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أدري ما يقول فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استأذنته وأنا رجل شاب

قال: فلبثنا عشر ليال فكمل لنا خمسون ليلة من حين نهى عن كلامنا، قال: ثم صليت صلاة الصبح صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا، فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله تعالى منا قد ضاقت علي نفسي وضاقت علي الأرض بما رحبت، سمعت صارخاً أوفى على جبل سلع يقول بأعلى صوته: أبشر يا كعب بن مالك، قال: فخررت ساجداً وعرفت أن قد جاء الفرج من الله عز وجل بالتوبة علينا، فآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله علينا حين صلى الفجر، فذهب الناس يبشروننا وذهب قبل صاحبيّ مبشرون، وركض إلي رجل فرساً وسعى ساع من أسلم وأوفى على الجبل فكان الصوت أسرع من الفرس، فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبيّ فكسوتهما إياه ببشارته، والله ما أملك يومئذ غيرهما، واستعرت ثوبين فلبستهما وانطلقت أؤم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلقاني الناس فوجاً فوجاً يهنوني بتوبة الله، يقولون ليهنك توبة الله عليك حتى دخلت المسجد، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد والناس حوله، فقام إليّ طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني والله ما قام إلي رجل من المهاجرين غيره، قال: فكان كعب لا ينساها لطلحة، قال كعب: فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يبرق وجهه من السرور «أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك» قال: قلت أمن عندك رسول الله أم من عند الله ؟ قال «لا بل من عند الله» قال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر حتى يعرف ذلك منه، فلما جلست بين يديه قلت يا رسول الله إِن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله، قال «أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك» قال: فقلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر وقلت يا رسول الله: إنما نجاني الله بالصدق وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقاً ما بقيت، قال: فوالله ما أعلم أحداً من المسلمين أبلاه الله من الصدق في الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن مما أبلاني الله تعالى، والله ما تعمدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا، وإِني لأرجو أن يحفظني الله عز وجل فيما بقي

قال) وأنزل الله تعالى: {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤ وف رحيم * وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجاً من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم * يا أيها الذين آمنوا اتقوا لله وكونوا مع الصاديقين} إلى آخر الاَيات. قال كعب: فوالله ما أنعم الله علي من نعمة قط بعد أن هداني للإسلام أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ، أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوه، فإن الله تعالى قال للذين كذبوه حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد، فقال الله تعالى: {سيحلفون با لله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون * يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإِن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين} قال: وكنا أيها الثلاثة الذين خلفنا عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حلفوا فبايعهم واستغفر لهم، وأرجأ رسول الله أمرنا حتى قضى الله فيه، فلذلك قال عز وجل {وعلى الثلاثة الذين خلفوا} وليس تخليفه إِيانا وارجاؤه أمرنا الذي ذكر مما خلفنا بتخليفنا عن الغزو، وإنما هو عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه

هذا حديث صحيح ثابت متفق على صحته رواه صاحبا الصحيح البخاري ومسلم، من حديث الزهري بنحوه، فقد تضمن هذا الحديث تفسير هذه الاَية الكريمة بأحسن الوجوه وأبسطها، وكذا روي عن غير واحد من السلف في تفسيرها، كما رواه الأعمش عن أبي سفيان عن جابر بن عبد الله في قوله تعالى: {وعلى الثلاثة الذين خلفوا} قال: هم كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع، وكلهم من الأنصار، وكذا قال مجاهد والضحاك وقتادة والسدي وغير واحد وكلهم قال مرارة بن ربيعة، وكذا في مسلم ابن ربيعة في بعض نسخه، وفي بعضها مرارة بن الربيع، وفي رواية عن الضحاك مرارة بن الربيع كما وقع في الصحيحين وهو الصواب، وقوله فسموا رجلين شهدا بدراً قيل إنه خطأ من الزهري، فإِنه لا يعرف شهود واحد من هؤلاء الثلاثة بدراً، والله أعلم

ولما ذكر تعالى ما فرج به عن هؤلاء الثلاثة من الضيق والكرب من هجر المسلمين إياهم نحواً من خمسين ليلة بأيامها، وضاقت عليهم أنفسهم وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، أي مع سعتها فسدت عليهم المسالك والمذاهب فلا يهتدون ما يصنعون، فصبروا لأمر الله واستكانوا لأمر الله وثبتوا حتى فرج الله عنهم بسبب صدقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في تخلفهم، وأنه كان عن غير عذر فعوقبوا على ذلك هذه المدة ثم تاب الله عليهم، فكان عاقبة صدقهم خيراً لهم وتوبة عليهم، ولهذا قال {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} أي اصدقوا والزموا الصدق تكونوا من أهله وتنجوا من المهالك، ويجعل لكم فرجاً من أموركم ومخرجاً، وقد قال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن شقيق عن عبد الله هو ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «عليكم بالصدق فإِن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً» أخرجاه في الصحيحين، وقال شعبة عن عمرو بن مرة: سمع أبا عبيدة يحدث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: الكذب لا يصلح منه جد ولا هزل، اقروءا إن شئتم {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} هكذا قرأها، ثم قال فهل تجدون لأحد فيه رخصة، وعن عبد الله بن عمرو في قوله {اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} قال مع محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقال الضحاك مع أبي بكر وعمر وأصحابهما، وقال الحسن البصري إن أردت أن تكون مع الصادقين فعليك بالزهد في الدنيا والكف عن أهل الملة





مَا كَانَ لأهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مّنَ الأعْرَابِ أَن يَتَخَلّفُواْ عَن رّسُولِ اللّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنْفُسِهِمْ عَن نّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَأُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوّ نّيْلاً إِلاّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ



يعاتب تبارك وتعالى المتخلفين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك من أهل المدينة ومن حولها من أحياء العرب، ورغبتهم بأنفسهم عن مواساته فيما حصل له من المشقة، فإنهم نقصوا أنفسهم من الأجر لأنهم {لا يصيبهم ظمأ} وهو العطش {ولا نصب} وهو التعب {ولا مخمصة} وهي المجاعة {ولا يطئون موطئاً يغيظ الكفار}. أي ينزلون منزلاً يرهب عدوهم {ولا ينالون} منه ظفراً وغلبة عليه {إلا كتب لهم} بهذه الأعمال التي ليست داخلة تحت قدرهم وإنما هي ناشئة عن أفعالهم أعمالاً صالحة وثواباً جزيلاً {إن الله لا يضيع أجر المحسنين} كقوله {إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً}





وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلاّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ



يقول تعالى: {ولا ينفقون} هؤلاء الغزاة في سبيل الله {نفقة صغيرة ولا كبيرة} أي قليلاً ولا كثيراً {ولا يقطعون وادياً} أي في السير إلى الأعداء {إلا كتب لهم} ولم يقل ههنا به، لأن هذه أفعال صادرة عنهم، ولهذا قال: {ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون} وقد حصل لأمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه من هذه الاَية الكريمة حظ وافر ونصيب عظيم، وذلك أنه أنفق في هذه الغزوة النفقات الجليلة والأموال الجزيلة، كما قال عبد الله بن الإمام أحمد: حدثنا أبو موسى الغنزي، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، حدثني سليمان بن المغيرة، حدثني الوليد بن أبي هشام، عن فرقد أبي طلحة، عن عبد الرحمن بن خباب السلمي، قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فحث على جيش العسرة فقال عثمان بن عفان رضي الله عنه: عليّ مائة بعير بأحلاسها وأقتابها، قال ثم حث، فقال عثمان: عليّ مائة بعير أخرى بأحلاسها وأقتابها، قال ثم نزل مرقاة من المنبر ثم حث، فقال عثمان بن عفان: عليّ مائة أخرى بأحلاسها وأقتابها. قال: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بيده هكذا يحركها، وأخرج عبد الصمد يده كالمتعجب «ما على عثمان ما عمل بعد هذا» وقال عبد الله أيضاً: حدثنا هارون بن معروف، حدثنا ضمرة، حدثنا عبد الله بن شوذب، عن عبد الله بن القاسم عن كثير مولى عبد الرحمن بن سمرة عن عبد الرحمن بن سمرة، قال: جاء عثمان رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينار في ثوبه حتى جهز النبي صلى الله عليه وسلم جيش العسرة، قال: فصبها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقلبها بيده ويقول: «ما ضر ابن عفان ما عمل بعد اليوم» يرددها مراراً، وقال قتادة في قوله تعالى: {ولا يقطعون وادياً إلا كتب لهم} الاَية. ما ازداد قوم في سبيل الله بعداً من أهليهم إلا ازدادوا قرباً من الله





وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلّ فِرْقَةٍ مّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لّيَتَفَقّهُواْ فِي الدّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوَاْ إِلَيْهِمْ لَعَلّهُمْ يَحْذَرُونَ



هذا بيان من الله تعالى لما أراد من نفير الأحياء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فإنه قد ذهبت طائفة من السلف إلى أنه كان يجب النفير على كل مسلم إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذا قال تعالى: {انفروا خفاقاً وثقالاً} وقال {ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب} الاَية، قال فنسخ ذلك بهذه الاَية. وقد يقال إن هذا بيان لمراده تعالى من نفير الأحياء كلها وشرذمة من كل قبيلة إن لم يخرجوا كلهم، ليتفقه الخارجون مع الرسول بما ينزل من الوحي عليه وينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم بما كان من أمر العدو، فيجتمع لهم الأمران في هذا النفير المعين، وبعده صلى الله عليه وسلم تكون الطائفة النافرة من الحي إما للتفقه وإما للجهاد، فإنه فرض كفاية على الأحياء، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في الاَية {وما كان المؤمنون لينفروا كافة} يقول: ما كان المؤمنون لينفروا جميعاً ويتركوا النبي صلى الله عليه وسلم وحده {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة} يعني عصبة يعني السرايا ولا يسيروا إلا بإذنه، فإذا رجعت السرايا وقد أنزل بعدهم قرآن تعلمه القاعدون مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وقالوا إن الله قد أنزل على نبيكم قرآناً وقد تعلمناه فتمكث السرايا يتعلمون ما أنزل الله على نبيهم بعدهم ويبعث سرايا أخرى، فذلك قوله: {ليتفقهوا في الدين} يقول: ليتعلموا ما أنزل الله على نبيهم وليعلموا السرايا إذا رجعت إليهم، {لعلهم يحذرون} وقال مجاهد: نزلت هذه الاَية في أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، خرجوا في البوادي فأصابوا من الناس معروفاً، ومن الخصب ما ينتفعون به، ودعوا من وجدوا من الناس إلى الهدى، فقال الناس لهم: ما نراكم إلا وقد تركتم أصحابكم وجئتمونا ؟ فوجدوا في أنفسهم من ذلك تحرجاً وأقبلوا من البادية كلهم حتى دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال الله عز وجل: {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة} يبغون الخير {ليتفقهوا في الدين} وليستمعوا ما في الناس وما أنزل الله فعذرهم {ولينذروا قومهم} الناس كلهم إذا رجعوا إليهم {لعلهم يحذرون} وقال قتادة في الاَية: هذا إذا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الجيوش أمرهم الله أن يغزوا بنبيه صلى الله عليه وسلم ، وتقيم طائفة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تتفقه في الدين، وتنطلق طائفة تدعو قومها وتحذرهم وقائع الله فيمن خلا قبلهم

وقال الضحاك: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا بنفسه لم يحل لأحد من المسلمين أن يتخلف عنه إلا أهل الأعذار، وكان إذا قام وأسرى السرايا لم يحل لهم أن ينطلقوا إلا بإذنه، وكان الرجل إذا أسرى فنزل بعده قرآن وتلاه نبي الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه القاعدين معه، فإذا رجعت السرية قال لهم الذين أقاموا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله أنزل بعدكم على نبيه قرآناً فيقرئونهم ويفقهونهم في الدين، وهو قوله: {وما كان المؤمنون لينفروا كافة} يقول إذا أقام رسول الله {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة} يعني بذلك أنه لا ينبغي للمسلمين أن ينفروا جميعاً ونبي الله صلى الله عليه وسلم قاعد، ولكن إذا قعد نبي الله فسرت السرايا وقعد معه معظم الناس. وقال علي بن أبي طلحة أيضاً عن ابن عباس في الاَية، قوله {وما كان المؤمنون لينفروا كافة} إنها ليست في الجهاد، ولكن لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على مضر بالسنين، أجدبت بلادهم وكانت القبيلة منهم تقبل بأسرها، حتى يحلوا بالمدينة من الجهد ويعتلوا بالإسلام وهم كاذبون، فضيقوا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجهدوهم، فأنزل الله تعالى يخبر رسوله أنهم ليسوا مؤمنين، فردهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عشائرهم وحذر قومهم أن يفعلوا فعلهم، فذلك قوله: {ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم} الاَية

وقال العوفي عن ابن عباس في هذه الاَية: كان ينطلق من كل حي من العرب عصابة فيأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسألونه عما يريدون من أمر دينهم ويتقفهون في دينهم، ويقولون للنبي صلى الله عليه وسلم : ما تأمرنا أن نفعله ؟ وأخبرنا بما نأمر به عشائرنا إذا قدمنا عليهم، قال فيأمرهم نبي الله صلى الله عليه وسلم بطاعة الله ورسوله ويبعثهم إلى قومهم بالصلاة والزكاة، وكانوا إذا أتوا قومهم قالوا: إن من أسلم فهو منا وينذرونهم، حتى إن الرجل ليفارق أباه، وأمه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخبرهم وينذرهم قومهم، فإذا رجعوا إليهم يدعونهم إلى الإسلام وينذرونهم النار ويبشرونهم بالجنة، وقال عكرمة لما نزلت هذه الاَية {إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً} و{ما كان لأهل المدينة} الاَية، قال المنافقون: هلك أصحاب البدو الذين تخلفوا عن محمد ولم ينفروا معه، وقد كان ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خرجوا إلى البدو إلى قومهم يفقهونهم فأنزل الله عز وجل {وما كان المؤمنون لينفروا كافة} الاَية، ونزلت{والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد} وقال الحسن البصري في الاَية: ليتفقه الذين خرجوا بما يريهم الله من الظهور على المشركين والنصرة، وينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم





يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الّذِينَ يَلُونَكُمْ مّنَ الْكُفّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوَاْ أَنّ اللّهَ مَعَ الْمُتّقِينَ



أمر الله تعالى المؤمنين أن يقاتلوا الكفار أولاً، فأولاً الأقرب فالأقرب فالأقرب إلى حوزة الإسلام، ولهذا بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال المشركين في جزيرة العرب، فلما فرغ منهم وفتح الله عليه مكة والمدينة والطائف واليمن واليمامة وهجر وخيبر وحضرموت وغير ذلك من أقاليم جزيرة العرب، ودخل الناس من سائر أحياء العرب في دين الله أفواجاً، شرع في قتال أهل الكتاب، فتجهز لغزو الروم الذين هم أقرب الناس إلى جزيرة العرب وأولى الناس بالدعوة إلى الإسلام لأنهم أهل الكتاب، فبلغ تبوك ثم رجع لأجل جهد الناس وجدب البلاد وضيق الحال، وذلك سنة تسع من هجرته عليه السلام، ثم اشتغل في السنة العاشرة بحجة الوداع، ثم عاجلته المنية صلوات الله وسلامه عليه بعد حجته بأحد وثمانين يوماً، فاختاره الله لما عنده وقام بالأمر بعده وزيره وصديقه وخليفته أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وقد مال الدين ميلة كاد أن ينجفل فثبته الله تعالى به، فوطد القواعد وثبت الدعائم، ورد شارد الدين وهو راغم، ورد أهل الردة إلى الإسلام، وأخذ الزكاة ممن منعها من الطغاة، وبين الحق لمن جهله، وأدى عن الرسول ما حمله، ثم شرع في تجهيز الجيوش الإسلامية إلى الروم عبدة الصلبان، وإلى الفرس عبدة النيران، ففتح الله ببركة سفارته البلاد، وأرغم أنف كسرى وقيصر ومن أطاعهما من العباد. وأنفق كنوزهما في سبيل الله كما أخبر بذلك رسول الله، وكان تمام الأمر على يدي وصيه من بعده، وولي عهده الفاروق الأواب، شهيد المحراب، أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأرغم الله به أنوف الكفرة الملحدين، وقمع الطغاة والمنافقين واستولى على الممالك شرقاً وغرباً. وحملت إليه خزائن الأموال من سائر الأقاليم بعداً وقرباً. ففرقها على الوجه الشرعي. والسبيل المرضي. ثم لما مات شهيداً وقد عاش حميداً. أجمع الصحابة من المهاجرين والأنصار على خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه شهيد الدار

فكسى الإسلام رياسته حلة سابغة. وامتدت في سائر الأقاليم على رقاب العباد حجة الله البالغة. فظهر الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها. وعلت كلمة الله وظهر دينه. وبلغت الملة الحنيفية من أعداء الله غاية مآربها. وكلما علوا أمة انتقلوا إلى من بعدهم ثم الذين يلونهم من العتاة الفجار، امتثالاً لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار} وقوله تعالى: {وليجدوا فيكم غلظة} أي وليجد الكفار منكم غلظة في قتالكم لهم، فإن المؤمن الكامل هو الذي يكون رفيقاً لأخيه المؤمن غليظاً على عدوه الكافر، كقوله تعالى: {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين} وقوله تعالى: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم} وقوله تعالى: {يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم} وفي الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أنا الضحوك القتال} يعني أنه ضحوك في وجه وليه قتال لهامة عدوه، وقوله: {واعلموا أن الله مع المتقين} أي قاتلوا الكفار وتوكلوا على الله واعلموا أن الله معكم إِذا اتقيتموه وأطعتموه، وهكذا الأمر لما كانت القرون الثلاثة الذين هم خير هذه الأمة في غاية الاستقامة والقيام بطاعة الله تعالى لم يزالوا ظاهرين على عدوهم. ولم تزل الفتوحات كثيرة ولم تزل الأعداء في سفال وخسار، ثم لما وقعت الفتن والأهواء والاختلافات بين الملوك طمع الأعداء في أطراف البلاد وتقدموا إليها، فلم يمانعوا لشغل الملوك بعضهم ببعض، ثم تقدموا إلى حوزة الإسلام فأخذوا من الأطراف بلداناً كثيرة، ثم لم يزالوا حتى استحوذوا على كثير من بلاد الإسلام ولله الأمر من قبل ومن بعد، فكلما قام ملك من ملوك الإسلام وأطاع أوامر الله وتوكل على الله فتح الله عليه من البلاد واسترجع من الأعداء بحسبه وبقدر ما فيه من ولاية الله. والله المسؤول المأمول أن يمكن المسلمين من نواصي أعدائه الكافرين وأن يعلي كلمتهم في سائر الأقاليم إنه جوا
د كريم




الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://abubaker.jordanforum.net
 
تفسير سورة التوبة - من آية 113 - إلى نهاية الآية 123
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تفسير سورة التوبة - من آية 17 - إلى نهاية الآية 33
»  تفسير سورة التوبة - من آية 34 - إلى نهاية الآية 37
»  تفسير سورة التوبة - من آية 38 - إلى نهاية الآية 66
» تفسير سورة التوبة - من آية 67 - إلى نهاية الآية 74
»  تفسير سورة التوبة - من آية 75 - إلى نهاية الآية 99

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الأصدقاء :: هدايات وإرشادات وتوجيهات إسلامية :: تفسير القران الكريم "ابن كثير"-
انتقل الى: