abubaker
عدد المساهمات : 18649 تاريخ التسجيل : 23/12/2010 العمر : 74 الدولـة : jordan
| موضوع: عنتـرة بن شـداد العبسي السبت يوليو 18, 2015 4:20 am | |
| ما أقسى وما أمر حياة الإنسان، بين قومٍ يحبهم، ويجلهم، ويتفانى في خدمتهم، ورفعة شأنهم، والذب عنهم بلسانه ويده، ويبذل الغالي والنفيس من أجلهم، وهم يزدرونه ويحتقرونه ويسيئون إليه، ويقابلون حسناته ومعروفه بالنكران والحجود. هذا ما ينطبق على عنترة بن شداد. فقد كان عنترة بن شداد – كما هو معروف - فارس عبس وشاعرها، وصانع مجدها وعزها، ومع كل ذلك، فقد لقي من قومه أسوأ ألوان الاضطهاد الاجتماعي، والتمييز العنصري. وكل ذلك بسبب لونه الأسود الذي يحاكي لون أمه زبيبة الجارية الحبشية. بيد أن عنترة لم ييأس ولم يستسلم لتلك العادات والتقاليد الجائرة فكافح حتى نال حريته، التي انتزعها انتزاعا من أبيه لحاجته إليه. وبفضل جداراته وشجاعته وشدة بأسه وتنكيله بالأعداء . لكن لسوء حظ عنترة، فإن سادة القوم لم يغيروا نظرتهم إليه، فقد أبى كثير منهم - لطبيعة العادات الجاهلية المتأصلة في نفوسهم – إلا أن يروه لابسا جلباب العبودية بلونه الأسود البغيض في نظرهم، والذي يعتبر نقيصة عندهم وعقدة تزدريها أعينهم، كما تعتبر عارا في حد ذاتها ، وبالتالي، فإن عنترة لم يحصل على المكانة اللائقة التي يستحقها في قومه، فقد أعتبروا تلك الحرية التي نالها حرية شكلية لا ترفع ومقامه، ولا تزيد من قدره في شيء والأهم أنها لا تجعله منه مكافئا لعبلة بنت مالك في مكانتها وشرفها. وبناء على ذلك فلم يطرأ أي يتقدم يذكر في محاولته للزواج من عبلة، وظلت طريقه إليها مليئة بالأشواك والعقبات. وإزاء ذلك كان يتعين على عنترة أن يواصل الكفاح والنضال ومن ذلك أنه وظف شاعريته للتنديد بتلك العادات التي تحاكم المرء على لونه الخارجي الذي وهبه الله أياه ولا دخل له فيه ولا يمكن تغييره بأي حال من الأحوال ، خاصة أن بياض الجلد ليس ميزة يفتخر بها الإنسان، وإنما الفخر يكون بالتحلي بالفضائل والخصال الحميدة والترفع عن الدنايا والصفات الذميمة، يقول:
لأن أك أسودا فالمسك لوني ** وما لسواد جلـدي من دواء ولكن تبعـد الفحشاء عني ** كبعد الأرض عن جو السماء
وإذا كان بياض البشرة ليس ميزة في حد ذاته، فإن سواد البشرة، ليست نقيصة في حد ذاتها، كي يعاب الإنسان عليها، ولا مثلبة تحط من قدره، فقيمة الإنسان ليس في سواد جلده أو بياضه وإنما فيما يحسنه من أعمال وما يتصف به من سلوك، يقول:
وما عـاب الزمان علي لـوني ** ولا حـط السـواد رفيع قـدري إذ ذكر الفخـار بأرض قـوم ** فضرب السيف في الهيجاء فخري سموت إلى العلا وعلوت حتى ** رأيت النجـم تحتي وهـو يجري
ويمضي عنترة مقللا من قيمة السواد، وقيمة النسب، مقابل بياض الشمائل والفعل، لافتة سادة قومه إذا أرادوا تقييمه أن ينظروا إليه من من زواية الشمائل والمحامد التي يتحلى بها وأفعاله البطولية، ومواقفه الرجولية، التي اشتهر بها، والتي لاشك أنها ترقى به إلى مستوى عال من المجد والسؤدد، وفوق مستوى اللون والنسب، يقول:
سوادي بياض حين تبدو شمائلي ** وفعلي على الأنساب يـزهو ويفخر ألا فليعش جاري عزيزا وينثني ** عـدوي ذليــلا نادمـا يتحسـر
أما أن يتجاهلوا ذلك كله، ويجعلوا تقييمهم منصبا، على شكله الخارجي وجلده الأسود، فذلك تقييم خاطئ، فإن العبرة بالمضمون وليس بالشكل، ولأن المظهر، ليس بالضرورة أن يعبر عن الجوهر ، فهذا الأخير قد يكون أثمن وأنفس من ذلك بكثير، يقـول:
ما زلت أنصف خصمي وهو يظلمني ** حتى غدا من حسامي غير منتصفِ وأن يعيـبوا سـوادا قد كسيـت به ** فالدّر يستـره ثـوب من الصـدفِ
ومن هنا فعنترة أن تعييره قومه له بلونه الأسود يكشف عن جهلهم وقصر أنظارهم، وسطحيتهم في الحكم ، إضافة إلى قصور وعيهم وعدم إدراكهم لحقيقة الأشياء، يقول:
يعيبون لي لوني بالسواد جهالة ** ولولا سواد الليل ما طلع الفجر وإن كان لوني أسودا فخصائلي ** بياض ومن كفي يستنزل القطر والشمائل التي كان يتحلى بها عنترة ويفخر بها من ثم، شمائل كثيرة، لم تكن تقتصر على الشجاعة والكرم وحماية الجار ، وإنما تشمل أيضا العفة والمروءة ونجدة الملهوف وغيرها، ومراد عنترة من الفخر بهذه الصفات والشمائل، هو لفت إنتباه عبلة إليها، وترغيبها فيه، ولكي تتجاوز مشكلة اللون التي وقف قومها عندها، فتكون على بينة من أمرها فتوافق على الزواج منه باقتناع، يقول: ألا ياعبـل قد عاينـت فعلي ** وبان لك الضلال من الرشاد وإن أبصرت مثلي فاهجريني ** ولا يلحقك عار من سـوادي وأقسى ما عاناه عنترة من قومه، هو لؤمهم ونفاقهم وتلاعبهم بأعصابه. فقد كانوا قبيل احتدام الصدام واشتداد أوار المعارك أوعندما يحدق بهم الخطر وتصبح الخيول المغيره على أبواب القبيلة يأتون إليه متزلفين متوددين يعدونه ويمنونه ويشيدون بمحتده الكريم وشرفه الرفيع، فإذا انتهت المعركة، وتلاشى الخطر عنهم وأمنوا على نسائهم وأولادهم من السبي، وأموالهم من السلب، وأنفسهم من القتل أو الأسر، تنكروا لكل الوعود والعهود وجحدوا فضله ودوره في التصدي للأعداء، وقهرهم وإعادتهم مدحورين خائبين، ويصور ذلك فيقول: خدمت أناسا واتخـذت أقاربا ** لعـوني ولكن أصبحوا كالعقارب ينادونني في السلم يا بن زبيبة ** وعند صدام الخيل با بن الأطايب ولولا الهوى ماذل مثلي لمثلهم ** ولاخضعـت أسد الفـلا للثعالب والغريب ليس ذلك فحسب ، إنما في سرعة نسيانهم للجميل وعودتهم لسابق عهدهم في سوء معاملته له وتعييرهم أياه بالسواد وبامه الجارية الحبشية، بمجرد أن يحلوا لباس الحرب أو يعقدوا صلحا مع الأعداء ، وهكذا هو حالهم وسلوكهم دائما معه، يقول:
ينادوني وخيل الموت تجري ** محلك لا يعــادله محل وقد أمسوا يعيبــوني بأمي ** ولوني كلما عقدوا وحلوا
ولكنهم ورغم كل هذه الصفات السيئة التي طبعوا عليها من اللؤم والخسة والخبث، ماضون قدما في غيهم والمفاخرة بآبائهم وأجدادهم ، غير ناظرين لعيوبهم ودناءة أفعالهم والتي تعتبر، أشد سوادا من سواد جلده وأحق بالاستهجان والاستنكار، يقول: يعيـبون لوني بالسواد وإنما ** فعـالهم بالخبث أسود من جلـدي فواذل جيراني إذا غبت عنهم ** وطال المدى ماذا يلاقون من بعدي
http://www.startimes.com/f.aspx?t=26048787 | |
|