تأمل الأهداب في القصبة الهوائية، وكيف أنها تتحرك لأعلى تُخرج ما يدخل من الطعام لو اختلَّ توازن اللهاة، فلم تُحكِم سدَّ القصبة الهوائية أثناءَ البلع.
تأمل حين تكون جالساً مطمئناً لا يقلقك شيء، ثم في لحظة تجد نفسك محتاجاً لدورة المياه، ماذا حدث؟ ذلك لأن في مجرى الأمعاء ما يشبه(السقاطة) التي تُخرج الفضلات بقدر، فإذا زادتْ عما يمكن لك تحمله، فلابد من قضاء الحاجة والتخلص من هذه الفضلات الزائدة.
تأمل الأنف وما فيه من شعيرات في مدخل الهواء ومُخَاط بالداخل، وأنها جُعلت هكذا لحكمة، فالشعيرات تحجز ما يعلَق بالهواء من الغبار، ثم يلتقط المخاط الغبارَ الدقيق الذي لا يعلق بالشعيرات ليدخل الهواء الرئتين نقياً صافياً، تأمل الأذن من الخارج وما فيها من تعاريج مختلفة الاتجاهات، لتصدَّ الهواء، وتمنعه من مواجهة فتحة الأذن.
والآيات في جسم الإنسان كثيرة وفوق الحَصْر، ولا سبيلَ إلى معرفتها إلا باستنباط العلماء لها، وكشفهم عنها، وهذا من نشاطات الذهن البشري، أما العلم الذي يخرج عن نطاق الذِّهْن البشري فهو نازل من أعلى، وهو قانون الصيانة الذي جعله الخالق سبحانه لحماية الخَلْق، فالذي يأخذ بالعلم الدنيوي التجريبي فقط يُحرَم من الخير الباقي؛ لأن قصارى ما يعطيك علم المادة في البشر أنْ يُرفه حياتك المادية، أمّا علم الآخرة فيُرفِّه حياتك الدنيا ويبقى لك في الآخرة.
إذن: فقوله تعالى: {ذلكم خَيْرٌ لَّكُمْ...} [العنكبوت: 16] أي: قانون الصيانة الرباني بافعل كذا ولا تفعل كذا، وإياك أنْ تنقل مدلول(افعل) في(لا تفعل) أو مدلول(لا تفعل) في(افعل)، وقد شبَّهنا هذا القانون(بالكتالوج) الذي يجعله الصانع لحماية الصنعة المادية لتؤدي مهمتها على أكمل وجه، كذلك منهج الله بالنسبة للخَلْق، فإنْ لم تعلموا هذه القضية فلن ينفعكم علم بعد ذلك.
يقول سبحانه: {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخرة نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدنيا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخرة مِن نَّصِيبٍ} [الشورى: 20].
إذن: فالخير الباقي هو الخير في الآخرة.
ثم يقول الحق سبحانه: {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله أَوْثَاناً...}.