وكلمة {جَلاَبِيبِهِنَّ...} [الأحزاب: 59] مفردها جلباب، وقد اختلفوا في تعريفه فقالوا: هو الثوب الذي يُلْبس فوق الثوب الداخلي، فتحت الجلباب مثلاً(فانلة) أو قميص وسروال، ويجوز أن تكون الملابس الداخلية قصيرة، أما الجلباب فيجب أن يكون سابغاً طويلاً قريباً من الأرض.
وقالوا: الجلباب هو الخمار الذي يغطي الرأس، ويُضرب على الجيوب- أي فتحة الرقبة- لكن هذا غير كافٍ، فلابد أنْ يُسدل إلى الأرض ليستر المرأة كلها؛ لأن جسم المرأة عورة، ومن اللباس ما يكشف، ومنه ما يصف، ومنه ما يلفت النظر.
وشرط في لباس المرأة الشرعي ألاَّ يكون كاشفاً، ولا واصفاً، ولا مُلْفِتاً للنظر؛ لأن من النساء مَنْ ترتدي الجلباب الطويل السَّابغ الذي لا يكشف شيئاً من جسمها، إلا أنه ضيِّق يصف الصَّدْر، ويصف الأرداف، ويُجسِّم المفاتن، حتى تبدوا وكأنها عارية.
لذلك من التعبيرات الأدبية في هذه المسألة قَوْل أحدهم- وهو على حق- إنَّ مبالغة المرأة في تبرُّجها إلحاح منها في عَرْض نفسها على الرجل. يعني: تريد أنْ تُلفت نظره، تريد أنْ تُنبِّه الغافل وكأنها تقول: نحن هنا. وإنْ تساهلنا في ذلك مع البنت التي لم تتزوج، ربما كان لها عُذْر، لكن ما عذر التي تزوجت؟
ثم يُبيِّن الحق تبارك وتعالى الحكمة من هذا الأدب في مسألة اللباس، فيقول: {ذلك...} [الأحزاب: 59] أي: إدناء الجلباب إلى الأرض، وسَتر الجسم، وعدم إبداء الزينة {أدنى...} [الأحزاب: 59] أي: أقرب {أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ...} [الأحزاب: 59].
فالمرأة المسلمة تُعْرف بزيِّها وحِشْمتها، فلا يجرؤ أحد على التعرض لها بسوء أو مضايقتها، فلباسها ووقارها يقول لك: إنها ليست من هذا النوع الرخيص الذي ينتظر إشارة منك، وليست ممَّنْ يَعْرض نفسه عَرْضاً مُهيِّجاً مستميلاً مُلْفتاً.
وقوله تعالى بعد ذلك وفي ختام الآية {وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً} [الأحزاب: 59] جاء وَصْف المغفرة والرحمة هنا ليشير إلى أن عقوبة الله ليست بأثر رجعي، فما سبق هذا الأمر من تجاوزات مغفور معفوٌّ عنه برحمة الله، والعبرة بسلوك المؤمنة بعد أنْ تسمع هذا الأمر بإدناء الجلباب والتستُّر.
والحق سبحانه بمثل هذا الأدب إنما يُؤمِّن حياة المرأة المسلمة، كيف؟ نقول: معنى التأمين أنْ نأخذ منك حال يُسْرك، وحين تكون واجداً، لنعطيك حينما تكون غير واجد.
كذلك الإسلام حين يستر جمال المرأة ومفاتنها حال شبابها ونضارتها يسترها حين تكبر، وحين يتلاشى الجمال، ويحلُّ محلَّه أمور تحرص المرأة على سترها، فالإسلام في هذه الحالة يحمي المرأة ويحفظ لها عِزَّتها.
ثم يقول الحق سبحانه: {لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ المنافقون...}.