لو تأملنا في كتاب الله لوجدنا أن الله تعالى أعطانا
صورة واضحة ونموذجا كاملا ووصفا دقيقا لصفات الذين استحقوا الفوز بالتعيم المقيم
باب بيان ما أعد الله تعالى للمؤمنين في الجنة
قال الله تعالى { إن المتقين في جنات وعيون ادخلوها بسلام آمنين ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين } وقال تعالى { الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأنْفُسُ وَتَلَذُّ الأعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِّنْهَا تَأْكُلُونَ } وقال تعالى { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ يَلْبَسُونَ مِن سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ فَضْلاً مِّن رَّبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } وقال تعالى { إِنَّ الأبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ } والآيات في الباب كثيرة معلومة
الشَّرْحُ
نقل النووي رحمه الله أحاديث كثيرة في كتابه ( رياض الصالحين ) حول الاستغفار والحث عليه منها أن الله سبحانه تعالى قال يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك يعني مهما دعوتني ورجوتني فإني أغفر لك لأن الله سبحانه وتعالى عند ظن عبده به كما ثبت ذلك عنه تبارك وتعالى في الحديث القدسي الذي رواه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه أن الله تعالى قال أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه وفيه أيضا أن الله سبحانه وتعالى قال يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم استغفرتني لغفرت لك فهذا يدل على أن الإنسان مهما عمل من الذنوب إذا استغفر الله تعالى ورجع إليه فإن الله تعالى يغفر له وكذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم النساء أن يكثرن من الصدقة والاستغفار حيث رآهن أكثر أهل النار فدل هذا على أن الاستغفار من موانع دخول النار فعليك يا أخي بكثرة الاستغفار أكثر من قول أستغفر الله اللهم اغفر لي وارحمني ..
.
وما أشبه ذلك وهو كلام يسير لا يضرك ولا يشق عليك ثم ختم المؤلف رحمه الله كتابه ( رياض الصالحين ) ببيان ما أعده الله للمؤمنين من النعيم المقيم جعلني الله إياكم منهم وهذا نرجو أن يكون تفاؤلا حسنا وأن الله يختم لنا ولكم بعمل أهل الجنة وأن يكون قد غفر لمؤلف الكتاب وختم له بعمل أهل الجنة ذكر الله تعالى في كتابه العظيم آيات كثيرة فيها بيان ما أعد الله لأهل الجنة ومن أجمع الآيات قول الله تبارك وتعالى ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلا من غفور رحيم كل ما يشتهي الإنسان من نعيم فإنه في الجنة كل ما يطلب فإنه في الجنة بل أكثر من ذلك قال الله تعالى { لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد } وقال جل ذكره { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون } يعني أنه لا يمكن للإنسان أن يحيط علما بحقيقة ما أعد الله لأهل الجنة فيها لأنه فوق ما يتصور الإنسان ما يوجد من نعيم الدنيا فإنه نموذج لا ينسب لشيء من نعيم الآخرة لكن الله تعالى أرى عباده شيئا من النعيم وشيئا من العذاب في الدنيا حتى يعتبروا به فقط وإلا فبين نعيم الدنيا ونعيم الآخرة فرق لا يمكن إدراكه والجنة هي الدار التي أعدها الله تعالى لأوليائه المتقين وقد بدأ المؤلف بقول الله تبارك وتعالى { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَّعُيُونٍ ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ } يعني يقال لهم ادخلوها بسلام آمنين من كل شيء من كل آفة من كل مرض من الهرم من الموت من كل شيء { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ } يعني أنهم إذا دخلوا الجنة نزع الله تعالى ما في صدورهم من غل وذلك أنهم يوقفون قبل دخول الجنة على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم من بعض حتى إذا هذبوا ونقوا وبقيت قلوبهم صافية ليس فيها غل دخلوا الجنة بعد أن ينزع الله ما في قلوبهم من غل وقوله { على سرر متقابلين } السرر جمع سرير وهو معروف ما يجلس عليه وقوله { متقابلين } يعني أنهم على جانب من الأدب العظيم في جلوسهم لا يستدبر بعضهم بعضا ولكنهم متقابلون قال بعض العلماء لأنهم يجلس بعضهم إلى بعض على حلقة واسعة والحلقة لا يتدابر فيها الجالسون كل واحد مقابل للآخر { لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين } يعني لا يمسهم تعب وإعياء ولا يخرجون منها بل هم ساكنوها أبد الآبدين الآية الثانية { يا عباد لا خوف عليكم اليوم } ينادي الله عز وجل عباده المؤمنين يوم القيامة إذا دخلوا الجنة يقول { يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون } الخوف مما يستقبل والحزن من الماضي ذلك لأنهم نالوا كمال النعيم فلا يخافون من مستقبل ولا يحزنون على ماض لأنه كمل لهم النعيم { الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين } آمنوا بقلوبهم وكانوا مسلمين بجوارحهم منقادين لأمر الله عز وجل لا يعصون الله لا بفعل محرم ولا بترك واجب { ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون } يعني تنعمون وأزواجكم هم الحور العين وزوجاتهم في الدنيا أيضا لقول الله تبارك وتعالى { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ } فهم وأزواجهم يحبرون أي في مكان حبر أي أنهم منعمون مترفون وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين { يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأنْفُسُ وَتَلَذُّ الأعْيُنُ } ولم يبين الله تعالى من يطوف عليهم في هذه الآية لكن بينها في آيات أخرى فقال { يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ لاَ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنْزِفُونَ } الآية الثالثة قوله تعالى { إن المتقين في مقام أمين } أي في مكان إقامة آمنين كما سبق آمنين من كل شيء { يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين } هذا لباسهم وهو أعلى أنواع الحرير وقال تعالى { إِنَّ الأبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ } الأبرار هم الذين فعلوا الخيرات وتركوا المحرمات مأخوذة من البر وهو القيام بطاعة الله { إن الأبرار لفي نعيم } يعني أنهم في نعيم في القلب وفي نعيم في البدن فهم في أسر ما يكون جعلنا الله وإياكم منهم { على الأرائك ينظرون } الأرائك جمع أريكة وهي السقف المغطاة المزخرفة المزينة وينظرون ما أعد الله لهم من النعيم في هذه الجنات ويشمل ذلك النظر إلى وجه الله عز وجل { تعرف في وجوههم نضرة النعيم } أي أنك إذا رأيتهم عرفت أنهم منعمون لأن وجوههم نضرة حسنة جميلة { يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ } أي يشربون من خير الشراب مختوم يعني له خاتمة وهي رائحة طيبة مسك وفي هذا الثواب والأجر والنعيم فليتسابق المتسابقون والله الموفق
1880 - وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأكل أهل الجنة فيها ويشربون ولا يتغوطون ولا يمتخطون ولا يبولون ولكن طعامهم ذلك جشاء كرشح المسك يلهمون التسبيح والتكبير كما يلهمون النفس رواه مسلم
1881 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر واقرؤوا إن شئتم { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } متفق عليه
1883 - وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتفلون ولا يمتخطون أمشاطهم الذهب ورشحهم المسك ومجامرهم الألوة عود الطيب أزواجهم الحور العين على خلق رجل واحد على صورة أبيهم آدم ستون ذراعا في السماء متفق عليه وفي رواية للبخاري ومسلم آنيتهم فيها الذهب ورشحهم المسك ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن لا اختلاف بينهم ولا تباغض قلوبهم قلب رجل واحد يسبحون الله بكرة وعشيا قوله على خلق رجل واحد رواه بعضهم بفتح الخاء وإسكان اللام وبعضهم بضمهما وكلاهما صحيح
1884 - وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سأل موسى صلى الله عليه وسلم ربه ما أدنى أهل الجنة منزلة قال هو رجل يجيء بعد ما أدخل أهل الجنة الجنة فيقال له ادخل الجنة فيقول أي رب كيف وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم فيقال له أترضى أن يكون لك مثل ملك ملك من ملوك الدنيا فيقول رضيت رب فيقول لك ذلك ومثله ومثله ومثله ومثله فيقول في الخامسة رضيت رب فيقول هذا لك وعشرة أمثاله ولك ما اشتهت نفسك ولذت عينك فيقول رضيت رب قال رب فأعلاهم منزلة قال أولئك الذين أردت غرست كرامتهم بيدي وختمت عليها فلم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر رواه مسلم
1885 - وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لأعلم آخر أهل النار خروجا منها وآخر أهل الجنة دخولا الجنة رجل يخرج من النار حبوا فيقول الله عز وجل له اذهب فادخل الجنة فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى فيرجع فيقول يا رب وجدتها ملأى يقول الله عز وجل له اذهب فادخل الجنة فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى فيرجع فيقول يا رب وجدتها ملأى فيقول الله عز وجل له اذهب فادخل الجنة فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها أو إن لك مثل عشرة أمثال الدنيا فيقول أتسخر بي أو تضحك بي وأنت الملك قال فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه فكان يقول ذلك أدنى أهل الجنة منزلة متفق عليه
الشَّرْحُ
هذه أحاديث كثيرة ذكرها المؤلف رحمه الله في كتابه ( رياض الصالحين ) في بيان نعيم أهل الجنة فمنها أن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر وهذه أول زمرة وهي أفضل الزمر وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن أول أهل الجنة دخولا هم هذه الأمة ثم الذين يلونهم على ألمع كوكب دري في السماء يعني مثل أضواء نجم في السماء ثم الذين يلونهم على حسب مراتبهم وفيه أيضا أن أهل الجنة يأكلون ويشربون لكنهم لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتمخطون لأن جميع فضلاتهم ليست كفضلات أهل الدنيا إنما فضلاتهم تخرج رشحا يعني كالعرق أطيب من ريح المسك وجشاء أطيب من رائحة المسك لأنهم في نعيم مقيم ثم ذكر أيضا أدنى أهل الجنة منزلة وأعلاهم وكلها تدل على فضل هذا النعيم نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهله أما أهل النار والعياذ بالله فهم أسفل من ذلك وحق لعين ترجوا الجنة ألا تنام وحق لعين تخشى النار ألا تنام لأن متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولكن حكمة من الله عز وجل وابتلاء وامتحان أن الناس في هذه الدنيا كأن لم يكن إلا الدنيا عند كثير من الناس كأنما خلقوا لها مع أن الدنيا هي التي خلقت لهم إن الإنسان إنما خلق للآخرة فهي الدار الباقية التي لا تفنى فإما في جحيم وسعير والعياذ بالله وإما في نعيم مقيم نسأل الله لنا ولكم أن نكون من الصالحين الذين أعد الله لهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر
1885 - وعن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها في السماء ستون ميلا للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضا متفق عليه الميل ستة آلاف ذراع
1886 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن في الجنة لشجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع مائة سنة ما يقطعها متفق عليه وروياه في الصحيحين أيضا من رواية أبي هريرة رضي الله عنه قال يسير الراكب في ظلها مائة سنة ما يقطعها
1887 - وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم قالوا يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم قال بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين متفق عليه
1888 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لقاب قوس في الجنة خير مما تطلع عليه الشمس أو تغرب متفق عليه
1889 - وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن في الجنة سوقا يأتونها كل جمعة فتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم فيزدادون حسنا وجمالا فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسنا وجمالا فيقول لهم أهلوهم والله لقد ازددتم حسنا وجمالا فيقولون وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا رواه مسلم
1890 - وعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن أهل الجنة ليتراءون الغرف في الجنة كما تتراءون الكوكب في السماء متفق عليه
1891 - وعنه رضي الله عنه قال: شهدت من النبي صلى الله عليه وسلم مجلسا وصف فيه الجنة حتى انتهى ثم قال في آخر حديثه فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ثم قرأ { تتجافى جنوبهم عن المضاجع } إلى قوله تعالى { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين } رواه البخاري
1892 - وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا دخل أهل الجنة الجنة ينادي مناد إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا إن لكم أن تنعموا فلا تبؤسوا أبدا رواه مسلم
الشَّرْحُ
هذه الأحاديث في بيان تفصيل ما لأهل الجنة من النعيم فيها فمنها أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن للمؤمن في الجنة خيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها في السماء ستون ميلا وأن له فيها أهلين لا يرى بعضهم بعضا وذلك والله أعلم لسعتها وحسن غرفها وسترها ومنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن أهل الجنة ينادي فيهم مناد إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا وذكر الحديث أي أنهم في نعيم دائم لا يخافون الموت ولا السقم ولا انقطاع ما هم فيه من النعيم كما قال تعالى وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة وأن لهم سوقا كل يوم جمعة يعيني في مقدار ذلك وإلا فالجنة ليس فيها صلاة ولا جمعة ولا غيرها وأنها تهب ريح الشمال فتزيدهم حسنا وجمالا والمراد ريح تشبه ريح الشمال في برودتها ولذاذتها وكل هذا المذكور في هذه الأحاديث توجب للإنسان الرغبة في العمل الصالح الذي يتوصل به إلى هذه الدار جعلنا الله وإياكم من أهله وأحسن ما فيها وأنعم ما فيها أنهم ينظرون إلى الله عز وجل نظرا حقيقيا كما قال الله تعالى { وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة } وقال تعالى { على الأرائك ينظرون } وقال تعالى { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة } والزيادة هي النظر إلى وجه الله تبارك وتعالى أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يجعلني وإياكم من أهلها
1893 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن أدنى مقعد أحدكم من الجنة أن يقول له تمن فيتمنى ويتمنى فيقول له هل تمنيت فيقول نعم فيقول له فإن لك ما تمنيت ومثله معه رواه مسلم
1894 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله عز وجل يقول لأهل الجنة يا أهل الجنة فيقولون لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك فيقول هل رضيتم فيقولون وما لنا لا نرضى يا ربنا وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك فيقول ألا أعطيكم أفضل من ذلك فيقولون وأي شيء أفضل من ذلك فيقول أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا متفق عليه
1895 - وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر وقال إنكم سترون ربكم عيانا كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته متفق عليه
1896 - وعن صهيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تبارك وتعالى تريدون شيئا أزيدكم فيقولون ألم تبيض وجوهنا ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم رواه مسلم قال تعالى { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد قال مؤلفه يحيى النووي غفر الله له فرغت منه يوم الاثنين رابع عشر شهر رمضان سنة سبعين وستمائة بدمشق
الشَّرْحُ
ذكر المؤلف في سياق الأحاديث الواردة في نعيم أهل الجنة في كتابه ( رياض الصالحين ) الذي ختم به الكتاب رحمه الله ونسأل الله تعالى أن يجعل هذا فألا طيبا فيدخله وإيانا جنة النعيم ذكر حديثين في رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة في الجنة وذكر أن الله تعالى يحل عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم بعد ذلك أبدا ورؤية المؤمنين لربهم في الجنة ثابتة بكتاب الله وسنة رسوله وإجماع الصحابة وأئمة الأمة ولم ينكرها إلا من أعمى الله قلبه والعياذ بالله ولهذا كانت هذه الأحاديث من الأحاديث المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ويقول سبحانه وتعالى { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة } وقد فسر أعلم الخلق بكتاب الله محمد رسول الله الزيادة أنها النظر إلى وجه الله وقال الله تبارك وتعالى { على الأرائك ينظرون } أي ينظرون ما أعد الله لهم من النعيم وأعلاه النظر إلى وجه الله وقال تعالى { لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد } والمزيد هو الزيادة التي قال الله تعالى فيها { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة } والتي فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بالنظر إلى وجه الله تعالى وقال تعالى { لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير } فقوله { لا تدركه الأبصار } يدل على أن الأبصار تراه ولكنها لا تدركه لأنه جل وعلا أعظم من أن تدركه الأبصار فهذه خمس آيات في كتاب الله كلها تدل على أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة ولا ينكر هذا إلا ظالم فنسأل الله تعالى أن يهديه إلى الحق أو أن يحرمه لذة النظر إلى وجهه لأنه لا ينكر هذا إلا معاند إذ إن الآيات واضحة أما الأحاديث فإنها متواترة كما قال الناظم
مما تواتر حديث من كذب ...
ومن بنى لله بيتا واحتسب
ورؤية وشفاعة والحوض ...
ومسح خفين وهذه بعض
رؤية يعني رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته وقال إنكم سترون ربكم كما ترون الشمس صحوا ليس دونها سحاب والأحاديث كثيرة جدا من أحب أن يطلع عليها فليرجع إلى كتاب حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح لابن القيم رحمه الله نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم النظر إلى وجهه الكريم في جنات النعيم إنه على كل شيء قدير والله الموفق
لو تأملنا في كتاب الله لوجدنا أن الله تعالى أعطانا
صورة واضحة ونموذجا كاملا ووصفا دقيقا لصفات الذين استحقوا الفوز بالتعيم المقيم