وقوله تعالى: {لَهُ الأسمآء الحسنى} [طه: 8] الحُسْنى: صيغة تفضيل للمؤنث مثل: كُبْرى، تقابل (أحسن) للمذكر. إذن: فهناك أسماء حسنة هي أسماء الخَلْق، أما أسماء الله فحسنى؛ لأنها بلغتْ القمة في الكمال، ولأن الأسماء والصفات التي تنطبق عليها موجودة في الخالق الأعلى سبحانه، فحين تقول في أسماء الله تعالى(الرازق) فهي الصفة الحُسْنى لا الحسنة.
لذلك لما أراد رجل يُدْعى(سعد) أن يشاور أباه في خطبة ابنته حسنى وقد تقدم لها رجلان: حسن وأحسن. فقال له أبوه(فحسنى يا سعد للأحسن).
وقال تعالى: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26] فلم يقل: حسنة، لأنهم أحسنوا فاستحقوا الحُسْنى بل وزيادة.
وأسماء الله تعالى هي في الحقيقة صفات، إلا أنها لما أُطلِقت على الحق تبارك وتعالى أصبحتْ أسماء. ولَكَ أنْ تُسمَّى فتاة زنجية(قمر) وتسمى قِزْماً(الطويل) لأن الاسم إذا أُطلِق عَلَماً على الغير انحلَّ عن معناه الأصلي ولزم العَلَمية فقط، لكن أسماء الله بقيتْ على معناها الأصلي حتى بعد أنْ أصبحتْ عَلَماً على الله تعالى، فهي إذن أسماء حُسْنى.
وبعد أن تكلَّم الحق تبارك وتعالى عن الرسول الخاتم صاحب المنهج الخاتم فليس بعده نبي وليس بعد منهجه منهج أراد سبحانه أنْ يُسلّيه تسليةً تُبيّن مركزه في موكب الرسالات، وأنْ يعطيه نموذجاً لمن سبقوه من الرسل، وكيف أن كل رسول تعب على قَدْر رسالته، فإنْ كانت الرسالات السابقة محدودة الزمان محدودة المكان، ومع ذلك تعب أصحابها في سبيلها، فما بالك برسول جاء لكل الزمان ولكل المكان؟ لابد أنه سيواجه من المتاعب مثل هؤلاء جميعاً.
إذن: فوطَّن نفسك يا محمد على أنك ستلْقَى من المتاعب والصعاب ما يناسب عظمتك في الرسالة وخاتميتك للأنبياء، وامتداد رسالتك في الزمان إلى أنْ تقومَ الساعة، وفي المكان إلى ما اتسعتْ الأرض.
لذلك اختار الحق تبارك وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم نبياً من أُولي العزم؛ لأنه جاء لبني إسرائيل وجاء لفرعون، وقد كان بنو إسرائيل قوماً ماديين، أما فرعون فقد ادَّعى الألوهية، اختار موسى عليه السلام ليقصّ على رسول الله قصته ويُسلِّيه فيما يواجهه من متاعب الدعوة، كما قال تعالى: {وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرسل مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَآءَكَ فِي هذه الحق وَمَوْعِظَةٌ وذكرى لِلْمُؤْمِنِينَ} [هود: 120].
وقال تعالى: {قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ الرسل} [الأحقاف: 9].
فأنت يا محمد كغيرك من الرسل، وقد وجدوا من المشقة على قَدْر رسالاتهم، وسوف تجد أنت أيضاً من المشقة على قَدْر رسالتك. ونضرب لذلك مثلاً بالتلميذ الذي يكتفي بالإعدادية وآخر بالثانوية أو الجامعة، وآخر يسعى للدكتوراة، فلا شَكَّ أن كلاّ منهم يبذل من الجهد على قَدْر مهمته.
لذلك يقول تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ موسى}
{وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى(9)}
إذا جاء الاستفهام من الله تعالى فاعلم أنه استفهام على غير حقيقته، فلا يُرَاد هنا طب الفهم، لأن أخبار محمد تأتيه من ربه عز وجل فكيف يستفهم منه. إنما المراد بالاستفهام هنا التشويق لما سيأتي كما تقول لصاحبك: هل بلغك ما حدث بالأمس؟ فيُشوِّقه لسماع ما حدث.
والحديث: أي الخبر عنه سواء أكان بالوحي، أو بغير الوحي، كأن حكيت له قصة موسى عليه السلام.. فهل بلغتْك هذه القصة؟ اسمعها الآن مني: {إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لأَهْلِهِ}