والإعجاز في القرآن الكريم لا تنتهي، لأن القرآن كلام الله. والكلام صفة من صفات المتكلم..
والقرآن الكريم لا يؤخذ على نسق واحد حتى نتنبه ونحن نتلوه أو نكتبه.
لذلك تجد مثلا بسم الله الرحمن الرحيم مكتوبة بدون ألف بين الباء والسين. ومرة تجدها مكتوبة بالألف في قوله تعالى: {اقرأ باسم رَبِّكَ الذي خَلَقَ} [العلق: 1] وكلمة تبارك مرة تكتب بالألف ومرة بغير الألف.. ولو أن المسألة رتابة في كتابة القرآن لجاءت كلها على نظام واحد. ولكنها جاءت بهذه الطريقة لتكون كتابة القرآن معجزة وألفاظه معجزة.
ونحن نقول للذين يتساءلون عن الحكمة في بداية بعض السور بحروف.. نقول إن لذلك حكمة عند الله فهمناها أو لم نفهمها.. والقرآن نزل على أمة عربية فيها المؤمن والكافر.. ومع ذلك لم نسمع أحداً يطعن في الأحرف التي بدأت بها السور. وهذا دليل على أنهم فهموها بملكاتهم العربية.. ولو أنهم لم يفهموها لطعنوا فيها.
وأنا أنصح من يقرأ القرآن الكريم للتعبد.. ألا يشغل نفسه بالتفكير في المعنى. أما الذي يقرأ القرآن ليستنبط منه فليقف عند اللفظ والمعنى.. فإذا قرأت القرآن لتتعبد فاقرأه بسر الله فيه.. ولو جلست تبحث عن المعنى.. تكون قد حددت معنى القرآن الكريم بمعلوماتك أنت. وتكون قد أخذت المعنى ناقصا نقص فكر البشر.. ولكن اقرأ القرآن بسر الله فيه.
إننا لو بحثنا معنى كل لفظ في القرآن الكريم فقد أخرجنا الأمي وكل من لم يدرس اللغة العربية دراسة متعمقة من قراءة القرآن. ولكنك تجد أميا لم يقرأ كلمة واحدة ومع ذلك يحفظ القرآن كله. فإذا قلت كيف؟ نقول لك بسر الله فيه.
والكلام وسيلة إفهام وفهم بين المتكلم والسامع. المتكلم هو الذي بيده البداية، والسامع يفاجأ بالكلام لأنه لا يعلم مقدما ماذا سيقول المتكلم.. وقد يكون ذهن السامع مشغولا بشيء آخر.. فلا يستوعب أول الكلمات.. ولذلك قد تنبهه بحروف أو بأصوات لا مهمة لها إلا التنبيه للكلام الذي سيأتي بعدها. وإذا كنا لا نفهم هذه الحروف. فوسائل الفهم والإعجاز في القرآن الكريم لا تنتهي، لأن القرآن كلام الله. والكلام صفة من صفات المتكلم.. ولذلك لا يستطيع فهم بشري أن يصل إلى منتهى معاني القرآن الكريم، إنما يتقرب منها. لأن كلام الله صفة من صفاته.. وصفة فيها كمال بلا نهاية.
فإذا قلت إنك قد عرفت كل معنى للقرآن الكريم.. فإنك تكون قد حددت معنى كلام الله بعلمك.. ولذلك جاءت هذه الحروف إعجازا لك. حتى تعرف إنك لا تستطيع أن تحدد معاني القرآن بعلمك.
إن عدم فهم الانسان لأشياء لا يمنع انتفاعه بها.. فالريفي مثلا ينتفع بالكهرباء والتليفزيون وما يذاع بالقمر الصناعي وهو لا يعرف عن أي منها شيئا.