جماعه التبليغ: نشاتها و أصولها والمواقف المتعددة منها
جماعه التبليغ: نشاتها و أصولها والمواقف المتعددة منها
د.صبري محمد خليل/ أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه بجامعه الخرطوم
sabri.m.khalil@hotmail.comأولا: النشاه: تأسست جماعة التبليغ عام 1926م ، على يد الشيخ/ محمد إلياس الكاندهلوي (1303 – 1364 هـ)،وقد انتشرت الجماعة سريعا في الهند ثم في باكستان وبنغلاديش، وانتقلت إلى العالم الإسلامي والعالم العربي، وبعد ذلك انتشرت دعوتها في معظم بلدان العالم، ولها جهود في دعوة غير المسلمين إلى الإسلام في أوروبا وأمريكا.( ويكيبيديا ).
ثانيا:أصولها:
الصفات الستة: يرى مؤسسو الجماعة أن سيرة النبي(صلى الله عليه وسلم) وأصحابه (رضي الله عنهم) لا تخرج عن الأوصاف الستة:
أولا:شهادة لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وفي ذلك صدق اليقين على الله والاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته بالصورة والسيرة والسريرة.
ثانيا:الصلاة ذات الخشوع والخضوع.
ثالثا:تعلم العلم الشرعي حتى يُعرف الله حق المعرفة، وذكر الله حتى تُطرد الغفلة من القلوب.
رابعا:إكرام المسلمين جميعا وبذل ما يحتاجون الية بسخاء وطيب نفس، مع التعفف والزهد عما في ايديهم، ويدخل في إكرام المسلمين المحافظة على أعراضهم وأموالهم والكف عن النظر في عوراتهم وتتبع مساوئهم بقصد إحراجهم أو الشماتة فيهم.
خامسا:أخلاص الأعمال والنوايا لله وحده لا شريك له ومراقبة النفس ومحاسبتها وتعديل مسارها في الحياة، وردها إلى الله كلما غفلت عن ذكره وشكره وحسن عبادته.
سادسا:الخروج في سبيل الله لنشر الدعوة ، وقد اشترطوا لهذا الخروج أربعة أشياء: الخروج بالنفس، المال الحلال، الوقت الحلال، وبالافتقار إلى الله.
ثالثا: المواقف المتعددة منها: تعددت المواقف من الأصول الفكرية لجماعه التبليغ ،غير انه يمكن تحديد ثلاثة مواقف أساسيه منها:
أولا: الرفض المطلق: فهناك أولا موقف الرفض المطلق لهذه الأصول ، باعتبار أنها تخالف أصول الدين والفهم الصحيح للدين لها كما حدده السلف الصالح وعلماء أهل السنة.
ثانيا: القبول المطلق: وهناك ثانيا موقف القبول المطلق لهذه الأصول الفكرية باعتبار أنها تتطابق مع الدين.
ثالثا: الموقف التقويمي(النقدي): وهناك ثالثا الموقف الذى يتجاوز موقفي الرفض أو القبول المطلقين، إلى الموقف التقويمي أو النقدي ، والذي مضمونه تناول هذه الأصول الفكرية من حيث اتفاقها أو اختلافها مع أصول الدين ، المتمثلة في القواعد اليقينية الورود القطعية الدلالة، وطبقا للفهم الصحيح لها ، كما حدده السلف الصالح وعلماء أهل السنة. هذا الموقف يرى أن بعض هذه الأصول الفكرية تتسق مع أصول الدين ، وطبقا للفهم الصحيح لها ( كما حدده السلف الصالح وعلماء أهل السنة) ، كما أن بعضها يتناقض معها، ومن هذه الأصول الفكرية التي تتناقض مع أصول الدين :
تفسير الآية (كنتم خير أمه أخرجت للناس): وضع الشيخ / محمد إلياس مؤسس الجماعة تفسيرا للايه (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) ، يتعارض مع تفسير السلف الصالح وأهل السنة لها ،حيث يقول في تفسير الايه (انكشفت علي هذه الطريقة للتبليغ ، وألقي في روعي في المنام تفسير آية ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران/110] .إنك أخرجت للناس مثل الأنبياء ، وفي تعبير هذا المعنى ب( أخرجت ) إشارة إلى أن العمل لا يكون في مكان واحد بل يحتاج فيه إلى رحلات إلى البلاد ، وعملك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . وأشير بقوله (تؤمنون) : أن نفس إيمانك يرقى ويزدهر ، وإلا فحصول نفس الإيمان معلوم من ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ ﴾ الأعاجم سوى عرب، لأنه قيل فيهم ﴿ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ ﴾[الغاشية/22] و ﴿ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ ﴾ [الأنعام/107] ، والمراد من كنتم خير أمة العرب ،والمراد من الناس غيرهم من الأعاجم ، والقرينة على هذا قوله ﴿ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ﴾ [آل عمران/110] ،فقال هناك خيراً لهم بدل خير لكم ،لأن تكميل الإيمان المبلغ والداعي يحصل بالتبليغ سواء قبل المخاطب دعوته أم لم يبلغه ، وإن تأمر المخاطب بالتبليغ فاشتغل بأمر الدعوة والتبليغ استفاد شخصياً فلا تتوقف فائدة المبلغ على قبول الدعوة وعدم قبوله ) (انظر ملفوظات إلياس ص 57) [ نقلاً عن جماعة التبليغ عقيدتها وأفكارها ومشايخها ص14] . أما تفسير السلف الصالح وأهل السنة الايه فقد ورد في تفسير ابن كثير ( يخبر تعالى عن هذه الأمة المحمدية بأنهم خير الأمم فقال” كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ” ﴾ . و روى البخاري: ، عن أبي هريرة(” كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ” قال: خَيْرَ الناس للناس، تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام) .وهكذا قال ابن عباس، ومُجاهد، وعِكْرِمة، وعَطاء، والربيع بن أنس، وعطية العَوْفيّ: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ يعني: خَيْرَ الناس للناس.والمعنى: أنهم خير الأمم وأنفع الناس للناس؛ ولهذا قال: ﴿ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ .
إمكان القيام بما لم يستطيع أن يقوم به الأنبياء: كما يؤخذ على الشيخ محمد إلياس مؤسس الجماعة انه يرى إمكان قيام أعضاء جماعه التبليغ بما لم يستطيع أن يقم به الأنبياء ، حيث يقول في خطاب أرسله لأعضاء جماعته(إذا لم يُرِد الله أن يقوم أحد بعمل فلا يمكن حتى للأنبياء أن يبذلوا جهدهم فيقوموا به ، وإذا أراد الله أن يقوم الضعفاء أمثالكم بالعمل الذي لم يستطع أن يقوم به الأنبياء فإنه يفعل ذلك، فعليكم أن تقوموا بما يطلب منكم ولا تنظروا إلى ضعفكم). [ مكاتب إلياس ص 107ـ108] [ نقلا عن جماعة التبليغ عقيدتها وأفكارها ومشايخها] ،وان كان البعض يرى أن قوله من باب الإمكان العقلي لا الإمكان الشرعي، وبغرض حث إتباعه على الاجتهاد في الدعوة ، لكن هذا التفسير يقوم على أن هناك تعارض بين الإمكان العقلي والإمكان الشرعي.
الاستناد إلى الأحاديث الموضوعة: ويؤخذ على جماعه التبليغ الاستناد إلى الأحاديث الموضوعة في بعض المواضع ،وعلى سبيل المثال يستدل محمد زكريا الكاندهلوي في سياق حثه على شد الرحال لزيارة قبر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) للحاج ، بما روي عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) “( من حج ولم يزرني فقد جفاني ) ( تبليغي نصاب / فضائل الحج /ص 124 )، وهو حديث موضوع قال الشيخ الألباني ( قاله الحافظ الذهبي في ” الميزان ” ” 3 / 237 ” ، وأورده الصغاني في ” الأحاديث الموضوعة ” ” ص 6 ” وكذا الزركشي والشوكاني في ” الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة ” ” ص 42″ ) (السلسلة الأحاديث الضعيفة /ج 1 / ص 119)
القول ان الأنبياء أحياء: وينقل عن بعض شيوخ جماع التبليغ القول بان الأنبياء أحياء حياه حقيقية غير برزخيه ، حيث ينقل محمد أسلم عن الشيخ حسين أحمد قوله : إن الأنبياء أحياء عندنا حياة حقيقية غير برزخية (الشيخ التويجري / القول البليغ ص80 ـ 82 ). كذلك يؤكد الشيخ /محمد زكريا رواية خروج يد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من قبره تلبية لطلب أحمد الرفاعي لتقبيلها (تبليغي نصاب /ص 167).
مسالة اعاله الأهل:كما يؤخذ على جماع التبليغ أن بعض أعضائها يخرج ويترك أهله وأولاده من غير عائل ، وهو ما يتعارض مع الحديث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ( كفى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوت- أو من يعول)) أخرجه أحمد (14 / 180) ، وأبو داود، برقم (1694 (
بين الاجتهاد والتقليد: كما يؤخذ عليها أنها ترى بأن التقليد في المذاهب واجب، وتمنع، الاجتهاد متعلله بأن شروط المجتهد الذي يحق له الاجتهاد مفقودة في علماء هذا الزمان.
المنامات:كما يؤخذ عليها إنها تقيم المنامات مقام الحقائق،وتتوسع في الاستناد إلى المنامات.
العلم كشرط للدعوة: كما يؤخذ عليها أنها ترى إيجاب الدعوة على العالم وطالب العلم على السواء، بينما العلم هو شرط من شروط الدعوة لقوله تعالى (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ) ( يوسف:108).
الدعوة بين التقييد والإطلاق: كما أن تقييد جماع التبليغ للدعوة بزمان معين لا أصل له،حيث أن الاصل أن الدعوة تكون في كل زمان حسب طاقه المسلم ،أما حكم هذا التقييد فيختلف بين الاعتقاد انه أصل من أصول الدين وهو بالتالي واجب ، وهو هنا يكون بدعه، آو الاعتقاد انه اجتهاد في فيما ليس فيه نص ، وهو هنا يكون مباحا .وهنا يؤخذ على جماعه التبليغ أيضا أنها لم تستفيد كثيرا من وسائل الاتصال الحديثة في مجال الدعوة.
أساليب التغيير بين الوحدة والتعدد: كما أن جماعه التبليغ في أحيان كثيرة تطرح التزامها بأسلوب التغيير الدعوى من باب الانفراد لا التخصص، اى تطرحه كأنه أسلوب التغيير الوحيد ،وهو ما يتضح من خلال رفضها لأساليب التغيير الأخرى، وهو ما قد يؤدى إلى تعطيل واجبات شرعيه أخرى كالجهاد والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر… وهو ما يتعارض مع إن منهج التغير الاسلامى يقوم على تعدد أساليب التغيير (كأساليب التغيير الفكري و السياسي و الاجتماعي و التربوي…)،وبالتالي فان التزام جماعه معينه بأسلوب تغيير معين يجب أن يكون من باب التخصص لا الانفراد، ،اى دون إنكارها لأساليب التغيير الأخرى التي قد تلتزم بها جماعات أخرى . وهو ما أقرته العديد من النصوص، كقوله تعالى (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)(التوبة:122).
https://drsabrikhalil.wordpress.com/2013/01/18/%D8%AC%D9%85%D8%A7%D8%B9%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A8%D9%84%D9%8A%D8%BA-%D9%86%D8%B4%D8%A7%D8%AA%D9%87%D8%A7-%D9%88-%D8%A3%D8%B5%D9%88%D9%84%D9%87%D8%A7-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%A7%D9%82/