باب بيان كثرة طرق الخير
قال الله تعالى: { وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ } وقال تعالى: { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ } وقال تعالى: { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ } والآيات في الباب كثيرة .
الشَّرْحُ
قال المؤلف - رحمه الله تعالى -: ( باب بيان كثرة طرق الخير ) الخير له طرق كثيرة، وهذا من فضل الله عز وجل على عباده، من أجل أن تتنوع لهم الفضائل والأجور والثواب الكثير .
وأصول هذه الطرق ثلاثة إما جهد بدني وإما بذل مالي وإما مركب من هذا وهذا هذه أصول طرق الخير .
أما الجهد البدني: فهو أعمال البدن مثل الصلاة والصيام والجهاد وما أشبه ذلك .
وأما البذل المالي: مثل الزكوات والصدقات والنفقات وما أشبه ذلك .
وأما المركب: فمثل الجهاد في سبيل الله بالسلاح فإنه يكون بالمال ويكون بالنفس ولكن أنواع هذه الأصول كثيرة جدا من أجل أن تتنوع للعباد والطاعات حتى لا يملوا لو كان الخير طريقا واحدا لمل الناس من ذلك وسئموا ولما حصل الابتلاء ولكن إذا تنوع كان ذلك أرفق بالناس وأشد في الابتلاء .
قال الله تعالى في هذا الباب: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ وقال تعالى { إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ } وهذا يدل على أن الخيرات ليست خيرا واحدا بل طرق كثيرة .
ثم ذكر المؤلف آيات تشير إلى أن الخير له طرق قال الله تعالى { وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ } { وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ } .
والآيات في هذا كثيرة تدل على أن الخيرات ليست صنفا واحدا أو فردا واحدا أو جنسا واحدا .
ويدل لما قلنا أن من الناس من تجده يألف الصلاة فتجده كثير الصلوات ومنهم من يألف قراءة القرآن فتجده كثيرا يقرأ القرآن ومنهم من يألف الذكر والتسبيح والتحميد وما أشبه ذلك فتجده يفعل ذلك كثيرا ومنهم الكريم الطليق اليد الذي يحب بذل المال فتجده دائما يتصدق ودائما ينفق على أهله ويوسع عليهم في غير إسراف .
ومنهم من يرغب العلم وطلب العلم الذي هو في وقتنا هذا قد يكون أفضل أعمال البدن لأن الناس في الوقت الحاضر في عصرنا هذا محتاجون إلى العلم الشرعي لغلبة الجهل وكثرة المتعالمين الذين يدعون أنهم علماء وليس عندهم من العلم إلا بضاعة مسجاه، فنحن في حاجة إلى طلبة علم يكون عندهم علم راسخ ثابت مبني على الكتاب والسنة من أجل أن يردوا هذه الفوضى التي أصبحت منتشرة في القرى والبلدان كل إنسان عنده حديث أو حديثان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتصدى للفتيا ويتهاون بها وكأنه شيخ الإسلام ابن تيمية أو الإمام أحمد أو الشافعي أو غيرهم من الأئمة وهذا ينذر بخطر عظيم إن لم يتدارك الله الأمة بعلماء راسخين عندهم علم قوي وحجة قوية .
ولهذا نرى أن طلب العلم اليوم أفضل الأعمال المتعدية للخلق أفضل من الصدقة وأفضل من الجهاد بل هو جهاد في الحقيقة لأن الله سبحانه وتعالى جعله عديلا للجهاد في سبيل الله وليس الجهاد الذي يشوبه ما يشوبه من الشبهات ويشك الناس في صدق نية المجاهدين لا الجهاد الحقيقي الذي تعلم علم اليقين أن المجاهدين يجاهدون لتكون كلمة الله هي العليا فتجدهم مثلا يطبقون هذا المبدأ في أنفسهم قبل أن يجاهدوا غيرهم فالجهاد الحقيقي في سبيل الله الذي يقاتل فيه المقاتلون لتكون كلمة الله هي العليا يعادله طلب العلم الشرعي .
ودليل ذلك قول الله تعالى { وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً } يعني ما كان ليذهبوا إلى الجهاد جميعا { فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ } يعني وقعدت طائفة وإنما قعدوا { لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } فجعل الله طلب العلم معادلا للجهاد في سبيل الله والجهاد الحق الذي يعلم بقرائن الأحوال وحال المجاهدين أنهم يريدون أن تكون كلمة الله هي العليا .
فالمهم أن طرق الخير كثيرة وأفضلها فيما أرى بعد الفرائض التي فرضها الله هو طلب العلم الشرعي لأننا اليوم في ضرورة إليها .
لقد سمعنا وجاءنا استفتاء عن شخص يقول من صلى في مساجد البلد الفلاني فإنها لا تصح صلاته لأن الذين تبرعوا لهذه المساجد فيهم كذا وكذا ومن صلى على حسب الأذان فإنه لا تصح صلاته لأنه مبني على توقيت وليس على رؤية الشمس والرسول صلى الله عليه وسلم يقول وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر أما الآن الأوقات مكتوبة في أوراق والناس يمشون عليها هؤلاء كلهم لا تصح صلاتهم يعني كل المسلمين على زعمه لا تصح صلاتهم مثل هذه البلبلة .
والمشكلة أن مثل هذا يقال إنه رجل عنده شيء من العلم لكن علم الأوراق الذي يعطي الإنسان فيه بطاقة تشهد بأنه متخرج من كذا وكذا .
فالحاصل أنه لابد للأمة الإسلامية من علماء راسخون في العلم أما أن تبقي الأمور هكذا فوضى فإنهم على خطر عظيم ولا يستقيم للناس دين ولا تطمئن قلوبهم ويصير كل واحد تحت شجرة يفتي وكل واحد تحت سقف يفتي وكل واحد على قمة جبل يفتي وهذا ليس بصحيح لابد من علماء عندهم علم راسخ ثابت مبني على الكتاب والسنة وعلى العقل والحكمة .
وأما الأحاديث فكثيرة جدا وهي غير منحصرة فنذكر طرفا منها:
117 - الأول: عن أبي ذر جندب بن جنادة رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله أي الأعمال أفضل ؟ قال الإيمان بالله والجهاد في سبيله قلت: أي الرقاب أفضل ؟ قال: أنفسها عند أهلها وأكثرها ثمنا قلت: فإن لم أفعل ؟ قال: تعين صانعا أو تصنع لأخرق قلت: يا رسول الله أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل ؟ قال: تكف شرك عن الناس فإنها صدقة منك على نفسك متفق عليه .
الصانع بالصاد المهملة هذا هو المشهور وروى ضائعا بالمعجمة: أي ذا ضياع من فقر أو عيال ونحو ذلك والأخرق: الذي لا يتقن ما يحاول فعله .
الشَّرْحُ
قال المؤلف رحمه الله تعالى في باب كثرة طرق الخير فيما نقله عن أبي ذر رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أفضل ؟ قال: الإيمان بالله والجهاد في سبيله والصحابة رضي اللهم عنهم يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال من أجل أن يقوموا بها وليسوا كمن بعدهم فإن من بعدهم ربما يسألون عن أفضل الأعمال ولكن لا يعملون أما الصحابة فإنهم يعملون فهذا ابن مسعود رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أحب إلى الله ؟ قال: الصلاة على وقتها قلت: ثم أي ؟ قال: بر الوالدين قلت: ثم أي ؟ قال الجهاد في سبيل الله .
وهذا أيضا أبو ذر يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال فبين له النبي صلى الله عليه وسلم أن أفضل الأعمال إيمان بالله وجهاد في سبيله ثم سأله عن الرقاب: أي الرقاب أفضل ؟ والمراد بالرقاب المماليك يعني ما هو الأفضل في إعتاق الرقاب ؟ فقال: أنفسها عند أهلها وأكثرها ثمنا وأنفسها عند أهلها يعني أحبها عند أهلها وأكثرها ثمنا أي أغلاها ثمنا فيجتمع في هذه الرقبة النفاسة وكثرة الثمن ومثل هذا لا يبذله إلا إنسان عنده قوة إيمان .
ومثال ذلك: إذا كان عند رجل عبيد ومنهم واحد يحبه لأنه قائم بأعماله ولأنه خفيف النفس ونافع لسيده وهو كذلك أيضا أغلى العبيد عنده ثمنا فإذا سأل أيما أفضل أعتق هذا أو ما بعده أو ما دونه ؟ قلنا: أن تعتق هذا لأن هذا أنفس الرقاب عندك، وأغلاها ثمنا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الرقاب أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها وهذا كقوله تعالى: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ .
وكان ابن عمر رضي الله عنهما إذا أعجبه شيء من ماله تصدق به اتباعا لهذه الآية .
وجاء أبو طلحة رضي الله عنه حين نزلت هذه الآية { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله أنزل قوله: { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } وإن أحب مالي إلي بيرحاء - وبيرحاء بستان نظيف قريب من مسجد النبي صلى الله عليه وسلم كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي إليه ويشرب من ماء فيه طيب عذب وهذا يكون غاليا عند صاحبه فقال أبو طلحة وإن أحب مالي إلي بيرحاء وإني أجعلها صدقة لله ورسوله فضعها يا رسول الله حيث شئت فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بخ بخ يعني يتعجب ويقول: مال رابح، مال رابح ثم قال: أرى أن تجعلها في الأقربين فقسمها أبو طلحة في قرابته والشاهد أن الصحابة يتبادرون الخيرات .
ثم سأل أبو ذر إن لم يجد يعني رقبة بهذا المعنى أنفسها عند أهلها وأغلاها ثمنا قال: تعين صانعا أو تصنع لأخرق يعني تصنع لإنسان معروفا أو تعين أخرق ما يعرف فتساعده وتعينه فهذا أيضا صدقة ومن الأعمال الصالحة .
قال: فإن لم أفعل قال: تكف شرك عن الناس فإنها صدقة منك على نفسك وهذا أدنى ما يكون أن يكف الإنسان شره عن غيره فيسلم الناس منه .
118 - الثاني: عن أبي ذر رضي الله عنه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة فكل تسبيحة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن المنكر صدقة ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى رواه مسلم .
السلامى بضم السين المهملة وتخفيف اللام وفتح الميم: المفصل .
الشَّرْحُ
قال المؤلف - رحمه الله - فيما نقله عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة السلامى هي العظام أو مفاصل العظام يعني أنه يصبح كل يوم على كل واحد من الناس صدقة في كل عضو من أعضائه في كل مفصل من مفاصله .
قالوا: والبدن فيه ثلاثمائة وستون مفصلا ما بين صغير وكبير فيصبح على كل إنسان كل يوم ثلاثمائة وستون صدقة .
وكل هذه الصدقات ليست صدقات مالية بل هي عامة كل أبواب الخير صدقة كل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة وكل تسبيحة صدقة وكل تحميدة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن المنكر صدقة كل شيء يقرب إلى الله عز وجل من قول أو فعل فإنه صدقة حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنك إذا أعنت الرجل في دابته وحملته عليها أو رفعت له عليها متاعه فهو صدقة كل شيء صدقة قراءة القرآن صدقة طلب العلم صدقة وحينئذ تكثر الصدقات ويمكن أن يأتي الإنسان بما عليه من الصدقات وهي ثلاثمائة وستون صدقة .
ثم قال ويجزئ من ذلك يعني عن ذلك ركعتان يركعهما من الضحى يعني أنك إذا صليت من الضحى ركعتين أجزأت عن كل الصدقات التي عليك وهذا من تيسير الله عز وجل على العباد .
وفي هذا الحديث: دليل على أن الصدقة تطلق على ما ليس بمال .
وفيه: أيضا دليل على أن ركعتي الضحى سنة، سنة كل يوم، لأنه إذا كان كل يوم عليك صدقة على كل عضو من أعضائك وكانت الركعتان تجزئ فهذا يقتضي أن صلاة الضحى سنة كل يوم من أجل أن تقضي الصدقات التي عليك .
قال أهل العلم: وسنة الضحى تبتدئ وقتها من ارتفاع الشمس قدر رمح يعني حوالي ربع إلى ثلث ساعة بعد الطلوع إلى قبيل الزوال أي إلى قبل الزوال بعشر دقائق كل هذا وقت لصلاة الضحى في أي وقت فيه تصلي ركعتي الضحى فإنه يجزئ لكن الأفضل أن تكون في آخر الوقت لقول النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الأوابين حين ترمض الفصال يعني حين تقوم الفصال من الرمضاء لشدة حرارتها ولهذا قال العلماء إن تأخير ركعتي الضحى إلى آخر الوقت أفضل من تقديمها كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يستحب أن تؤخر صلاة الضحى إلى آخر الوقت إلا مع المشقة .
فالحاصل أن الإنسان قد فتح الله له أبواب طرق الخير كثيرة وكل شيء يفعله الإنسان من هذه الطرق فإن الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة .
119 - الثالث: عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: عرضت علي أعمال أمتي حسنها وسيئها فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق ووجدت في مساوئ أعمالها النخاعة تكون في المسجد لا تدفن رواه مسلم .
الشَّرْحُ
قال المؤلف - رحمه الله - فيما نقله عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عرضت علي أعمال أمتي حسنها وسيئها عرضت علي يعني: بلغت عنها وبينت لي والذي بينها له هو الله عز وجل لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي يحلل ويحرم ويوجب .
فعرض الله عز وجل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم المحاسن والمساوئ من أعمال الأمة فوجد من محاسنها الأذى يماط عن الطريق ويماط: يعني يزال والأذى ما يؤذي المارة من شوك وأعواد وأحجار وزجاج وأرواث وغير ذلك كل ما يؤذي فإماطته من محاسن الأعمال .
وقد بين النبي عليه الصلاة والسلام أن إماطة الأذى عن الطريق صدقة فهو من محاسن الأعمال وفيه ثواب الصدقة وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان فإذا وجدت في الطريق أذى فأمطته فإن هذا من محاسن أعمالك وهو صدقة لك وهو من خصال الإيمان وشعب الإيمان .
وإذا كان هذا من المحاسن ومن الصدقات فإن وضع الأذى في طريق المسلمين من مساوئ الأعمال فهؤلاء الناس الذي يلقون القشور قشور البطيخ أو البرتقال أو الموز أو غيرها في الأسواق في ممرات الناس لا شك أنهم إذا آذوا المسلمين فإنهم مأزورون قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا .
قال العلماء: ولو زلق به حيوان أو إنسان فانكسر فعلي من وضعه ضمانه يضمنه بالدية أو بما دون الدية إذا كان لا يحتمل الدية المهم أن هذا من أذية المسلمين .
ومن ذلك أيضا ما يفعله بعض الناس من إراقة المياه في الأسواق فتؤذي الناس وربما تمر السيارات من عندها فتفسد على الإنسان ثيابه وربما يكون فيها فساد لا شك للأسفلت لأن الأسفلت كلما أتى عليه الماء وتكرر فإنه يذوب ويفسد .
فالمهم أننا مع الأسف الشديد ونحن أمة مسلمة لا نبالي بهذه الأمور وكأنها لا شيء، يلقي الإنسان الأذى في الأسواق ولا يهتم بذلك يكسر الزجاجات في الأسواق ولا يهتم بذلك الأعواد يلقيها لا يهتم بذلك حجر يضعه لا يهتم بذلك .
إذن يستحب لنا كلما رأينا ما يؤذي أن نزيله عن الطريق لأن ذلك صدقة ومن محاسن الأعمال .
ثم قال: ووجدت في مساوئ أعمالها النخاعة تكون في المسجد لا تدفن النخاعة يعني النخامة وسميت بذلك لأنها تخرج من النخاع النخامة تكون في المسجد لا تدفن لأن المسجد في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم مفروش بالحصى الصغار فالنخامة تدفن في التراب أما عندنا الآن فليس هناك تراب ولكن إذا وجدت فإنها تحك بالمنزل حتى تذهب واعلم أن النخامة في المسجد حرام فمن تنخم في المسجد فقد أثم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: البصاق في المسجد خطيئة فأثبت النبي صلى الله عليه وسلم أنها خطيئة وكفارتها دفنها يعني إذا فعلها الإنسان وأراد أن يتوب فليدفنها لكن في عهدنا فليحكها بمنديل أو نحوه حتى تزول .
وإذا كان هذه النخاعة فما بالك بما هو أعظم منها مثل ما كان فيما مضى حيث يدخل الإنسان المسجد بحذائه ولم يقلبها ويفتش فيها ويكون فيها الروث الذي ينزل إلى المسجد فيتلوث به فأنت اعتبر بالنخامة ما هو مثلها في أذية المسجد أو أعظم منها .
ومن ذلك أيضا أن بعض الناس تكون معه المناديل الخفيفة ثم ينتخع فيها ويرمي بها في أرض المسجد هذا أذى ولا شك أن النفوس تتقزز إذا رأت مثل ذلك فكيف إذا كان ذلك في بيت من بيوت الله فإذا تنخعت في المنديل فضعه في جيبك حتى تخرج فترمي به فيما أعد لذلك على ألا تؤذي به أحدا .
120 - الرابع عنه: أن ناسا قالوا يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم قال: أوليس قد جعل لكم ما تصدقون به إن بكل تسبيحة صدقة وكل تكبيرة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن المنكر صدقة وفي بضع أحدكم صدقة قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ ! قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر رواه مسلم .
الدثور: بالثاء المثلثة: الأموال واحدها: دثر .
الشَّرْحُ
قال المؤلف - رحمه الله تعالى - فيما نقله عن أبي ذر رضي الله عنه،