تابع --- باب تعظيم حرمات المسلمين وبيان حقوقهم والشفقة عليهم ورحمتهم
تابع
قال المؤلف رحمه الله تعالى فيما نقله عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تحاسدوا أي لا يحسد بعضكم بعضا والحسد أن يكره الإنسان ما أنعم الله به على غيره هذا هو الحسد ومثاله أن تكره أن الله أنعم على هذا الرجل بالمال أو بالبنين أو بالزوجة أو بالعلم أو بالعبادة أو بغير ذلك من النعم سواء تمنيت أن تزول أم لم تتمن وإن كان بعض العلماء يقول إن الحسد أن يتمنى زوال نعمة الله على غيره لكن هذا أخبثه وأشده وإلا فمجرد كراهة الإنسان أن ينعم الله على شخص فهو حسد والحسد من خصال اليهود فمن حسد فهو متشبه بهم والعياذ بالله قال الله تعالى: ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم وقال تعالى فيهم { أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما } ولا فرق بين أن تكره ما أنعم الله به على غيرك ليعود هذا الشيء إليك أو ليرتفع عن أخيك وإن لم يعد إليك واعلم أن في الحسد مفاسد كثيرة منها أنه تشبه باليهود أخبث عباد الله وأخس عباد الله الذين جعل الله منهم القردة والخنازير وعبدة الطاغوت ومنها أن فيه دليل على خبث نفس الحاسد وأنه لا يحب إخوانه ما يحب لنفسه لأن من أحب لإخوانه ما يحب لنفسه لم يحسد الناس على شيء بل يفرح إذا أنعم الله على غيره بنعمة ويقول الله آتني مثلها كما قال الله تعالى { ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله } ومنها أن فيه اعتراضا على قدر الله عز وجل وقضائه وإلا فمن الذي أنعم على هذا الرجل الله عز وجل فإذا كرهت ذلك فقد كرهت قضاء الله وقدره ومعلوم أن الإنسان إذا كره قضاء الله وقدره فإنه على خطر في دينه نسأل الله العافية لأنه يريد أن يزاحم رب الأرباب جل وعلا في تدبيره وتقديره ومن مفاسد الحسد أنه كلما أنعم الله على عباده نعمة التهبت نار الحسد في قلبه فصار دائما في حسرة ودائما في غم لأن نعم الله على العباد لا تحصى وهو رجل خبيث كلما أنعم الله على عبده نعمة غلى ذلك الحسد في قلبه حتى يحرقه ومن مفاسد الحسد أنه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب كما قال صلى الله عليه وسلم إياكم والحسد فإنه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ومن مفاسده أنه يعرقل الإنسان عن السعي في الأشياء النافعة لأنه دائما يفكر ويكون في غم كيف جاء هذا الرجل مال كيف جاءه علم كيف جاءه ولد كيف جاءه زوجة وما أشبه ذلك فتجده دائما متحسرا منطويا على نفسه ليس له هم إلا تتبع نعم الله على العباد واغتمامه بها نسأل الله العافية ومن مفاسد الحسد أنه ينبئ عن نفس شريرة ضيقة لا تحب الخير وإنما هي نفس أنانية تريد أن يكون كل شيء لها ومن مفاسد الحسد أيضا أنه لا يمكن أن يغير شيئا مما قضاه الله عز وجل أبدا مهما عملت ومهما كرهت ومهما سعيت لإخوانك في إزالة نعم الله عليهم فإنك لا تستطيع شيئا ومن مفاسده أنه ربما يترقى بالإنسان إلى أن يصل إلى درجة العائن والعائن الذين تسميه النحوت يعين الناس لأن العائن أصله أن نفسه شريرة حاسدة حاقدة إذا رأى ما يعجبه انطلق من هذه النفس الخبيثة مثل السهم حتى يصيب بالعين فالإنسان إذا حسد وصار فيه نوع من الحسد فإنه يترقى به الأمر حتى يكون من أهل العيون الذين يؤذون الناس بأعينهم ولا شك أن العائن عليه من الوبال والنقمة بقدر ما ضر العباد إن ضرهم بأموالهم فعليه من ذلك إثم أو بأبدانهم أو بمجتمعهم ولهذا ذهب كثير من أهل العلم إلى تضمين العائن كل ما أتلف يعني إذا نحت أحدا وأتلف شيئا من ماله أو أولاده أو غيرهم فإنه يضمن كما أنهم قالوا إن من اشتهر بذلك فإنه يجب أن يحبس إلا أن يتوب يحبس اتقاء شره لأنه يؤذي الناس ويضرهم فيحبس كفا لشره ومن مفاسد الحسد أنه يؤدي إلى تفرق المسلمين لأن الحاسد مكروه عند الناس مبغض والإنسان الطيب القلب الذي يحب لإخوانه ما يحبه لنفسه تجده محبوبا من الناس الكل يحبه ولهذا دائما نقول والله فلان هذا طيب ما في قلبه حسد وفلان رجل خبيث حسود وحقود وما أشبه ذلك فهذه عشر مفاسد كلها في الحسد وبهذا نعرف حكمة النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال لا تحاسدوا أي لا يحسد بعضكم بعضا فإن قال قائل ربما يجد الإنسان في نفسه أنه يحب أن يتقدم على غيره في الخير فهل هذا من الحسد فالجواب أن ذلك ليس من الحسد بل هذا من التنافس في الخيرات قال الله تعالى { لمثل هذا فليعمل العاملون } وقال تعالى { وفي ذلك فليتنافس المتنافسون } فإذا أحب الإنسان أن يتقدم على غيره في الخير فهذا ليس من الحسد في شيء الحسد أن يكره الخير لغيره واعلم أن للحسد علامات منها أن الحاسد يحب دائما أن يخفي فضائل غيره فإذا كان إنسان ذو مال ينفق ماله في الخير من صدقات وبناء مساجد وإصلاح طرق وشراء كتب يوقفها على طلبة العلم وغير ذلك فتجد هذا الرجل الحسود إذا تحدث الناس على هذا المحسن يسكت وكأنه لم يسمع شيئا هذا لا شك أن عنده حسدا لأن الذي يحب الخير يحب نشر الخير للغير فإذا رأيت الرجل إذا تكلم عن أهل الخير بإنصاف وأثنى عليهم وقال هذا فيه خير وهذا محسن وهذا كريم فهذا يدل على طيب قلبه وسلامته من الحسد نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من الحسد ومن منكرات الأخلاق والأعمال أما قوله ولا تناجشوا فالنجش هو أن يزيد في السلعة على أخيه وهو لا يريد شراءها وإنما يريد أن يضر المشتري أو ينفع البائع أو الأمرين جميعا مثال ذلك عرضت سلعة في السوق فصار الناس يتزايدون فيها فقام رجل فجعل يزيد فيها وهو لا يريد الشراء تسام بمائة فقال بمائة وعشرة وهو لا يريد أن يشتري ولكنه يريد أن يزيد الثمن على المشتري أو يريد أن ينفع البائع فيزيد الثمن له أو الأمرين جميعا فهذا حرام ولا يجوز لما فيه من العدوان أما إذا زاد الإنسان في الثمن عن رغبة في السلعة ولكن لما ارتفعت قيمتها تركها فهذا لا بأس به فإن كثيرا من الناس يزيد في السلعة لأنه يرى أنها رخيصة فإذا زادت قيمتها تركها فهذا ليس عليه بأس كما أن من الناس من يزيد في السلعة يريدها ويزيد في ثمنها حتى تخرج عن قيمتها كثيرا فالناس على زيادتهم في السلعة على ثلاثة أقسام القسم الأول نجش وهو حرام الثاني يزيد فيها لأنه يرى أنها رخيصة وأنها ستكسبه وليس له قصد في عين السلعة ولا يريدها بعينها لكن لما رأى أنها رخيصة وأنها ستكسبه جعل يزيد فلما ارتفعت قيمتها تركها فهذا أيضا لا بأس به الثالث أن يكون له غرض في السلعة يريد أن يشتري هذه السلعة فيزيد حتى يطيب خاطره ويظفر بها فهذا أيضا لا بأس به وقوله صلى الله عليه وسلم ولا تباغضوا أي لا يبغض بعضكم بعضا وهذا بالنسبة للمؤمنين بعضهم مع بعض فلا يجوز للإنسان أن يبغض أخاه أي يكرهه في قلبه لأنه أخوه ولكن لو كان هذا لأخ من العصاة الفسقة فإنه يجوز لك أن تبغضه من أجل فسقه لا تبغضه بغضا مطلقا لكن أبغضه على ما فيه من المعصية وأحبه على ما فيه من الإيمان ومن المعلوم أننا لو وجدنا رجلا مسلما يشرب الخمر ويشرب الدخان ويجر ثوبه خيلاء فإننا لا نبغضه كما نبغض الكافر فمن أبغضه كما يبغض الكافر فقد انقلب على وجهه كيف تسوي بين مؤمن عاص فاسق وبين الكافر هذا خطأ عظيم ربما بعض الناس يكره المؤمن الذي عنده هذا الفسق أكثر مما يكره الكافر وهذا والعياذ بالله من انقلاب الفطرة فالمؤمن مهما كان خير من الكافر فأنت أبغضه على ما فيه من المعصية وأحبه على ما معه من الإيمان فإن قلت كيف يجتمع حب وكراهية في شيء واحد فالجواب أنه يمكن أن يجتمع حب وكراهية في شيء واحد أرأيت لو أن الطبيب وصف لك دواء مرا منتن الرائحة ولكنه قال اشربه وتشفى بإذن الله فإنك لا تحب هذا الدواء على سبيل الإطلاق لأنه مر وخبيث الرائحة ولكنك تحبه من جهة أنه سبب للشفاء وتكرهه لما فيه من الرائحة الخبيثة والطعم المر هكذا المؤمن العاصي لا تكرهه بالمرة بل تحبه على ما معه من الإيمان وتكرهه على ما معه من المعاصي ثم إن كراهتك إياه لا توجب أن تعرض عن نصيحته بأن تقول أنا ما أتحمل أن أواجه هذا الرجل لأني أكره منظره بل اغصب نفسك واتصل به وانصحه ولعل الله أن ينفعه على يديك ولا تيأس كم من إنسان استبعد الإنسان أن يهديه الله فهداه الله عز وجل والأمثلة على هذا كثيرة في وقتنا الحاضر وفيما سبق في وقتنا الحاضر يوجد أناس فسقة يسر الله لهم من يدعوهم إلى الحق فاهتدوا وصاروا أحسن من الذي دعاهم وفيما سبق من الزمان أمثلة كثيرة فهذا خالد بن الوليد رضي الله عنه كان سيفا مسلولا على المسلمين ومواقفه في أحد مشهورة حيث كر هو وفرسان من قريش على المسلمين من عند الجبل وحصل ما حصل من الهزيمة ثم هداه الله تعالى وعمر بن الخطاب رضي الله عنه كان من أكره الناس لما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام فهداه الله وكان من أولياء الله فكان الثاني في هذه الأمة لذلك فلا تيأس ولا تقل إنني لا أطيق هذا الرجل لا منظرا ولا مسمعا ولا يمكن أن أذهب إليه بل اذهب ولا تيأس فالقلوب بيد الله عز وجل نسأل الله أن يهدينا وإياكم صراطه المستقيم فإن قال قائل البغضاء هي انفعال في النفس والأشياء الانفعالية قد لا يطيقها الإنسان كالحب مثلا فالحب بما يملك الإنسان أن يحب شخصا أو أن يقلل من محبته أو أن يزيد في محبته إلا بأسباب ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام وهو يقسم بين زوجاته اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلومني فيما لا أملك يعني في المحبة ومن المعلوم أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يحب عائشة رضي الله عنها أكثر من غيرها من زوجاته لكن هذا بغير اختبار فإذا قال قائل الغضب انفعال لا يمكن للإنسان أن يسيطر عليه فالجواب الانفعال يحصل بفعل فأنت مثلا لا تحب شخصا إلا لأسباب إيمانه نفعه للخلق حسن خلقه خدمته لك أو غيرها من الأشياء الكثيرة تذكر هذه الأسباب فتحبه ولا تكره شخصا إلا لسبب تذكر الأسباب التي توجب الكراهة فتكرهه لكن مع ذلك ينبغي للإنسان أن يعرض عن الأسباب التي توجب البغضاء مع أخيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تباغضوا لكن أقول إن البغضاء لها أسباب والمحبة لها أسباب فإذا عرضت عن أسباب البغضاء وتناسيتها وغفلت عنها زالت بإذن الله وهذا هو الذي أراده النبي عليه الصلاة والسلام بقوله لا تباغضوا وهو نظير قوله للرجل الذي قال يا رسول الله أوصني قال: لا تغضب قال: أوصني قال: لا تغضب قال: أوصني قال: لا تغضب ردد مرارا قال: لا تغضب قد يقول الإنسان إن الغضب جمرة يلقيها الشيطان في قلب ابن آدم كما جاء في الحديث فلا سبيل له إلى إخماده ونقول بل له سبيل افعل الأسباب التي تخفف الغضب حتى يزول عنك الغضب قال ولا تدابروا فهل المراد ألا يولي بعضكم دبر بعض من التدابر الحسي بمعنى مثلا أن تجلس وتخلي الناس وراءك في المجالس نعم هذا من المدابرة ومن المدابرة أيضا المقاطعة في الكلام حين يتكلم أخوك معك وأنت قد صددت عنه أو إذا تكلم وليت وخليته فهذا من التدابر وهذا التدابر حسي وهناك تدابر معنوي وهو اختلاف الرأي بحيث يكون كل واحد منا له رأي مخالف للآخر وهذا التدابر في الرأي أيضا نهى عنه الرسول عليه الصلاة والسلام وعندي أن من التدابر ما يفعله بعض الأخوة إذا سلم من الصلاة تقدم على الصف مقدار شبر أو نحوه فهذا فيه نوع من التدابر ولهذا شكا إلى بعض الناس هذه الحال قال بعض الناس إذا سلمنا تقدم قليلا ثم يحول بيني وبين الإمام لاسيما إذا كان هناك درس فإنه يحول بيني وبين مشاهدة الإمام ومعلوم أن الإنسان إذا كان يرى المدرس كان أنبه له وأقرب للفهم والإدراك فبعض الناس يكره هذا الشيء لذا أيضا ينبغي للإنسان أن يكون ذا بصيرة وفطنة فلا تتقدم على إخوانك وتلقيهم وراءك إذا كان بودك أن تتوسع فقم وتقدم بعيدا واجلس إذا كنت في الصف الأول وإن كنت في الصف الثاني تأخر أما أن تتقدم على الناس وتبقى لهم ظهرك فهذا فيه نوع من سوء الأدب وفيه نوع من التدابر فينبغي في هذه المسألة وفي غيرها أن يتفطن الإنسان لغيره بل لا يكون أنانيا يفعل فقط ما طرأ على باله فعله دون مراعاة للناس ودون حذر من فعل ما ينتقد عليه أما الجملة الخامسة فهي قوله ولا يبع بعضكم على بيع بعض لا يبع بعضكم على بيع بعض لأن هذا يؤدي إلى الكراهية والعداوة والبغضاء ومثال بيع الإنسان على بيع أخيه أن يذهب لمن اشترى سلعة من شخص بمائة فيقول أنا أعطيك مثلها بثمانين أو أعطيك أحسن منها بمائة فيرجع المشتري ويفسخ العقد الأول ويعقد مع الثاني ففي هذا عدوان ظاهر على حق البائع الأول وهذا العدوان يوجب العداوة والبغضاء بين المسلمين ومثل ذلك الشراء على شرائه مثل أن يذهب إلى شخص باع سلعة بمائة فيقول له أنا اشتريها منك بمائة وعشرين فيذهب البائع ويفسخ العقد ويبيع على الثاني فهذا أيضا حرام لأنه بمعنى البيع على البيع ولكن هل هذا خاص في زمن الخيار أو عام الحديث عام أنه لا يحل لك أن تبيع على بيع أخيك سواء في زمن الخيار أو لا وقال بعض العلماء إنه محمول على ما إذا كان ذلك في زمن الخيار لأنه إذا انتهى زمن الخيار فإنه لا يستطيع أن يفسخ العقد ومثال ذلك رجل باع على شخص سيارة بعشرة آلاف ريال وجعل له الخيار ثلاثة أيام فذهب شخص إلى المشتري وقال أنا أعطيك أحسن منها بعشرة آلاف ريال يسهل على المشتري أن يذهب للبائع ويقول فسخت العقد أو يذهب شخص إلى البائع يقول سمعت أنك بعت سيارتك على فلان بعشرة آلاف ريال أنا أعطيك أحد عشر ألفا فيفسخ البيع ويرد ويبيعها على الثاني أما إذا كان بعد انتهاء المدة فقال بعض العلماء أنه لا بأس يعني بعد أن باعه وجعل له الخيار ثلاثة أيام وانتهت الأيام الثلاثة فلا بأس أن يذهب إلى الشخص الذي اشتراها ويقول أنا أعطيك مثلها بأقل أو أحسن منها بالثمن الذي اشتريت به وعللوا ذلك بأنه لا يمكنه حينئذ أن يفسخ البيع لانتهاء زمن الخيار ولكن ظاهر الحديث العموم لأنه وإن كان لا يمكنه أن يفسخ البيع لانتهاء زمن الخيار فإنه قد يحاول أن يوجد مفسدا للعقد أو على الأقل يندم على شرائه ويعتقد أن البائع غبنه وأنه لعب عليه فيحدث له بذلك العداوة والبغضاء وهذا مع قرب المدة أما إذا طالت المدة فلا بأس بها لأنه إذا طالت المدة فإنه من المتعذر أو المتعسر كثيرا أن يفسخ العقد والحاصل أن لدينا ثلاث حالات الحال الأولى أن يكون البيع أو الشراء على أخيه في زمن الخيار فلا شك في أنه حرام والحال الثانية أن يكون بعد انتهاء زمن الخيار بمدة قريبة ففيه خلاف بين العلماء والصحيح أنه حرام والحال الثالثة أن يكون بعد زمن بعيد كشهر أو شهرين أو أكثر فهذا لا بأس به ولا حرج فيه لأن الناس يتبادلون السلع فيما بينهم على هذا الوجه وعلى وجوه أخرى ومثل ذلك: الإجازة على إجارته مثل أن يذهب شخص إلى آخر استأجر بيتا من إنسان السنة بألف ريا، وقال له: أنا عندي لك أحسن منه بثمانمائة ريال، فهذا حرام لأنه عدوان كالبيع على بيعه، ومثل ذلك أيضا السوم على سومه وقد جاء صريحا فيما رواه مسلم ويسوم عل سومه كما إذا سام شخص سلعة من آخر وركن إليه صاحب السلعة ولم يبق إلا العقد مثل أن يقول بعها على بألف فيركن إليه البائع ولكن لم يتم العقد بل يجزم أن يبيع عليه فيأتي إنسان آخر ويقول: أنا أعطيك بها ألفا ومائة فإن هذا لا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يسم على سوم أخيه ومثل ذلك أيضا في النكاح إذا خطب شخص من آخر فلا يحل لأحد أن يخطب على خطبته لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ولا يخطب على خطبة أخيه وكل هذا احتراما لحقوق المسلمين بعضهم على بعض فلا يحل للإنسان أن يعتدي على حق إخوانه لا ببيع ولا شراء ولا إجازة ولا سوم ولا نكاح ولا غير ذلك من الحقوق بقى الكلام على قوله عليه الصلاة والسلام: التقوى هاهنا ويسير إلى صدره وقد سبق لنا أن المعنى أن التقوى في القلب فإذا اتقى القلب اتقت الجوارح وإذا زاغ القلب زاغت الجوارح والعياذ بالله قال تعالى: { ذَلِكَ أَدْنَى أَن يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاسْمَعُوا وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } وأعلم أن زيغ القلب لا يكون إلا بسبب الإنسان فإذا كان الإنسان يريد الشر ولا يريد الخير فإنه يزيغ قلبه والعياذ بالله ودليل هذا قوله تعالى: { فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم } وقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَنْ فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأسْرَى إِن يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُّؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } فإذا علم الله من العبد نية صالحة وإرادة للخير يسر الله له ذلك وأعانه عليه قال: الله تعالى: { فأما من أعطى وأتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى } وقوله عليه الصلاة والسلام: بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم يعني لو لم يكن للإنسان من الشر إلا أن يحقر أخاه المسلم لكان كافيا وهذا يدل على كثرة إثم من حقر إخوانه المسلمين لأن الواجب على المسلم أن يعظم إخوانه المسلمين ويكبرهم ويعتقد لهم منزلة في قلبه وأما احتقارهم وازدراؤهم فإن في ذلك من الإثم ما يكفى نسأل الله السلامة ثم قال صلى الله عليه وسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه يعني أن المسلم حرام على المسلم في هذه الأمور الثلاثة أي في كل شيء لأن هذه الأمور الثلاثة تتضمن كل شيء الدم: كالقتل والجراح وما أشبهها والعرض كالغيبة والمال كأكل المال وأكل المال له طرق كثيرة منها السرقة ومنها الغصب وهو أخذ المال قهرا ومنها أن يجحد ما عليه من الدين لغيره ومنها أن يدعي ما ليس له، وغير ذلك وكل هذه الأشياء حرام ويجب على المسلم أن يحترم أخاه في ماله ودمه وعرضه
236 - وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه متفق عليه
237 - وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انصر أخاك ظلما أو مظلوما فقال: رجل يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوما أرأيت إن كان ظالما كيف أنصره ؟ قال: تحجزه - أو تمنعه - من الظلم فإن ذلك نصره رواه البخاري
الشَّرْحُ
ذكر المؤلف - رحمه الله تعالى - فيما نقله وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه لا يؤمن يعني لا يكون مؤمناً حقا تام الإيمان إلا بهذا الشرط أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير وما يحب لنفسه من ترك الشرك يعني ويكره لأخيه ما يكره لنفسه هذا هو المؤمن حقا وإذا كان الإنسان يعامل إخوانه هذه المعاملة فإنه لا يمكن أن يغشهم أو يخونهم ولا يكذب عليهم ولا يعتدي عليهم كما أنه لا يحب أن يفعل به مثل ذلك وهذا الحديث يدل على أن من كره لأخيه ما يحبه لنفسه أو أحب لأخيه ما يكرهه لنفسه فليس بمؤمن يعني ليس بمؤمن كامل الإيمان ويدل على أن ذلك من كبائر الذنوب إذا أحببت لأخيك ما تكره لنفسك أو كرهت له ما تحب لنفسك وعلى هذا فيجب عليك أخي المسلم أن تربي نفسك على هذا على أن تحب لإخوانك ما تحب لنفسك حتى تحقق الإيمان وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر ويحب أن يأتي إلى الناس ما يؤتى إليه الأول حق الله والثاني: حق العباد تأتيك المنية وأنت تؤمن بالله وباليوم الآخر نسأل الله أن يجعلنا وإياكم كذلك وأن تحب أن يأتي لأخيك ما تحب أن يؤتى إليك أما حديث أنس الثاني من قول النبي صلى الله عليه وسلم: انصر أخاك ظالما أو مظلوما النصر بمعنى الدفاع عن الغير أي دفع ما يضره انصر أخاك أي ادفع ما يضره سواء كان ظالما أو مظلوما فقال رجل يا رسول الله: أرأيت إن كان ظالما فكيف أنصره ؟ ولم يقل فلا أنصره بل قال: كيف أنصره يعني سأنصره ولكن أخبرني كيف أنصره قال: تمنعه أو قال تحجزه من الظلم فإن ذلك نصره فإذا رأيت هذا الرجل يريد أن يعتدي على الناس فتمنعه فهذا نصره أي: بأن تمنعه أما إذا كان مظلوما فنصره أن تدفع عنه الظالم وفي هذا دليل على وجوب نصر المظلوم وعلى وجوب نصر الظالم على هذا الوجه الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم
238 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض واتباع الجنائز وإجابة الدعوة وتشميت العاطس متفق عليه .
وفي رواية لمسلم: حق المسلم ست إذا لقيته فسلم عليه وإذا دعاك فأجبه وإذا استنصحك فانصح له وإذا عطس فحمد الله فشمته وإذا مرض فعده وإذا مات فاتبعه
الشَّرْحُ