باب استحباب زيارة القبور للرجال وما يقوله الزائر/0
581 - عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها رواه مسلم .
582 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما كان ليلتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وأتاكم ما توعدون غدا مؤجلون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد رواه مسلم . قال المؤلف - رحمه الله - في كتاب رياض الصالحين: باب استحباب زيارة القبور للرجال وما يقوله الزائر . زيارة القبور أي الخروج إليها امتثالا واتباعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم والقبور هي دور الأموات وذلك أن الإنسان له أربعة دور: الدار الأولى: في بطن أمه، والثانية: الدنيا، والثالثة: القبور، والرابعة: الآخرة وهي المقر وهي النهاية والغاية جعلنا الله من الفائزين فيها . هذه الدار - أعنى دار القبور - كان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن زيارتها، خوفا من الشرك بأهل القبور لأن الناس كانوا حديثي عهد بجاهلية، فنهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم سدا لذرائع الشرك، لأن الشرك لما كان أمره عظيما سد النبي صلى الله عليه وسلم كل ذريعة وكل باب يوصل إليه . وكلما كانت المعصية عظيمة كانت وسائلها أشد منعا . الزنى مثلا فاحشة فوسائله من النظر والخلوة وما أشبه ذلك محرمة . وكذلك فإن الشرك أعظم الظلم، كما سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم ؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك فلما كان الناس يعظمون القبور، نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فلما استقر الإيمان في قلوبهم أذن لهم فقال: كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكر الآخرة . فرفع النبي صلى الله عليه وسلم النهي وأباح الزيارة بل رغب فيها لقوله: فإنها تذكر الآخرة والذي يذكر الآخرة ينبغي للإنسان أن يعمل به لأن القلب إذا نسى الآخرة غفل واشتغل بالدنيا فأضاع الدنيا والآخرة لأن من أضاع الآخرة فقد أضاع الدنيا والآخرة . فينبغي أن نزور القبور، ولكن نزورها لنفعها أو للانتفاع بها ؟ نزورها لنفعها لندعو للأموات لا لندعوهم فيخرج الإنسان ويسلم على القبور كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقالت عائشة: إن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان عندها، خرج من آخر الليل فسلم على أهل البقيع وقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين وأتاكم ما توعدون، غدا مؤجلون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون . ثم يقول: اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد بقيع الغرقد هو مقبرة أهل المدينة، وهذه الدعوة يرجى أن تشمل من كان من أهل بقيع الغرقد إلى يوم القيامة، ويحتمل أن يراد بهم أهل بقيع الغرقد الذين كانوا أهله في عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام فقط، فلا يشمل من يأتي بعدهم . ولكن من كان من أهل الرحمة فهو من أهل الرحمة، سواء حصلت له هذه الدعوة أم لم تحصل ومن كان من أهل الشقاء فإنه لا تشمله هذه الدعوة ولا ينتفع بها . المهم أن الإنسان ينبغي له أن يزور القبور في كل وقت في الليل في النهار في الصباح في المساء في يوم الجمعة، في غير يوم الجمعة، ليس لها وقت محدد وكلما غفل قلبك واندمجت نفسك في الحياة الدنيا، فاخرج إلى القبور، وتفكر في هؤلاء القوم الذين كانوا بالأمس مثلك على الأرض يأكلون ويشربون ويتمتعون والآن أين ذهبوا ؟ صاروا مرتهنين بأعمالهم لم ينفعهم إلا ما قدموا كما أخبر بذلك النبي عليه الصلاة والسلام حيث قال: يتبع الميت ثلاثة: ماله وأهله وعمله، فيرجع اثنان ويبقى واحد، يرجع أهله وماله ويبقى عمله ففكر في هؤلاء القوم ثم سلم عليهم: السلام عليكم دار قوم مؤمنين والظاهر - والله أعلم - أنهم يردون السلام لأنه يسلم عليهم بصيغة الخطاب السلام عليكم ويحتمل أن يراد بذلك السلام مجرد الدعاء فقط، سواء سمعوا أم لم يسمعوا أجابوا أم لم يجيبوا . فعلى كل حال على الإنسان أن يدعو لهم ويقول مقررا المصير الحتمي: وإنا إن شاء الله بكم لاحقون إن شاء الله هذه تعود إلى وقت اللحوق وليس إلى اللحوق، لأن اللحوق متيقن والمتيقن لا يقيد بالمشيئة لكن تعود إلى وقت اللحوق، لأن كل واحد منا لا يدري متى يلحق فيكون معنى قوله: وإنا إن شاء الله بكم لاحقون أي وإنا متى شاء الله بكم لاحقون، كقوله تعالى: ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ، كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ ثم يدعو لهم بالدعاء الذي جاءت به السنة، فإن لم يعرف شيئا منه، دعا بما تيسر: اللهم اغفر لهم، اللهم ارحمهم، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لما ولهم، ثم ينصرف هكذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام يزور المقبرة . وأما ما يفعله بعض الجهال من البقاء هناك والتمرغ على التراب والطواف بالقبر وما أشبه ذلك، فكله أمر منكر وبدعة محظورة فإن اعتقد أن هؤلاء الأموات ينفعون أو يضرون كان مشركا والعياذ بالله خارجا عن الإسلام، لأن هؤلاء الأموات لا ينفعون ولا يضرون، لا يستطيعون الدعاء لك، ولا يشفعون لك إلا بإذن الله . وليس هذا وقت الشفاعة أيضا وقت الشفاعة يوم القيامة، فلا ينفعك شيء منهم إذا دعوتهم أو سألتهم الشفاعة أو قضاء الحاجات وتفريج الكربات . فالواجب على إخواننا الذين يوجد مثل هذا في بلادهم أن ينصحوا هؤلاء الجهال، وأن يبينوا لهم أن الأموات لا ينفعونهم حتى الرسول عليه الصلاة والسلام ما ينفع الناس وهو ميت، وكان الصحابة رضي الله عنهم إذا أصابهم الجدب في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وفي حياته جاءوا إليه وقالوا: استسق الله لنا فيستسقي الله لهم . لكن لما مات ما جاء الصحابة إلى قبره يقولون: ادع الله أن يسقينا وقبره إلى جانب المسجد ليس بعيدا لكن لما أجدبت الأرض في عهد عمر وحصل القحط قال: اللهم إنا كنا نستسقي إليك بنينا فتسقينا أي أنهم كانوا يسألون الرسول أن يدعو لهم بالسقيا فيسقون وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا ثم يقوم العباس فيدعو الله . ولم يقل: يا رسول الله ادع الله أن يسقينا ادع الله أن يرفع عنا القحط لأنه رضي الله عنه يعلم أن ذلك غير ممكن والإنسان إذا مات انقطع عمله، ولا يمكن أن يعمل أي عمل كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث فلا يستطيع الميت أن يستغفر لك ولا أن يدعو لك، لأنه انقطع عن العمل . فالحاصل أن زيارة القبور لمنفعة أهل القبور لا لمنفعة الزائر إلا فيما يناله من الأجر عند الله عز وجل أما أن ينتفع بهم بزيارته إياهم مثلا . لكن ينتفع بالأجر الذي يحصل له، وينتفع بالموعظة التي تحصل لقلبه إذا وفقه الله تعالى للاتعاظ .
الشَّرْحُ
باب كراهة تمنى الموت بسبب ضرر نزل به ولا بأس به لخوف الفتنة في الدين
585 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يتمن أحدكم الموت إما محسنا فلعله يزداد وإما مسيئا فلعله يستعتب متفق عليه، وهذا لفظ البخاري . وفي رواية لمسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يتمن أحدكم الموت ولا يدع به من قبل أن يأتيه، إنه إذا مات انقطع عمله، وأنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا قال المؤلف - رحمه الله تعالى - باب كراهية تمنى الموت لضر نزل به يعني من مرض أو نحوه، وأما إذا كان لخوف فتنة في الدين فلا بأس بتمني الموت، هكذا قال المؤلف رحمه الله، فالإنسان إذا نزل به الضر فلا يتمنين الموت فإن هذا خطأ وسفه في العقل، وضلال في الدين . أما كونه سفها في العقل فلأن الإنسان إذا بقي في حياته فإما محسنا فيزداد، وإما مسيئا فيستعتب ويتوب إلى الله عز وجل وكونه يموت فإنه لا يدري فلعله يموت على أسوأ خاتمة والعياذ بالله لهذا نقول لا تفعل فإن هذا سفه في العقل . أما كونه ضلالا في الدين فلأنه ارتكاب لما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: لا يتمن أحدكم الموت والنهي هنا للتحريم لأن تمني الموت فيه شيء من عدم الرضا بقضاء الله والمؤمن يجب عليه الصبر إذا أصابته الضراء، فإذا صبر على الضراء نال شيئين مهمين: الأول: تكفير الخطايا فإن الإنسان لا يصيبه هم ولا غم ولا أذى ولا شيء إلا كفر الله به عنه حتى الشوكة يشاكها فإنه يكفر بها عنه . الثاني: إذا وفق لاحتساب الأجر من الله وصبر يبتغي بذلك وجه الله فإنه يثاب وقد قال الله تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ أما كونه يتمنى الموت فهذا يدل على أنه غير صابر على ما قضى الله عز وجل ولا راض به وبين الرسول عليه الصلاة والسلام أنه إما أن يكون من المحسنين فيزداد في بقاء حياته عملا صالحا . ومن المعلوم أن التسبيحة الواحدة في صحيفة الإنسان خير من الدنيا وما فيها، لأن الدنيا وما فيها تذهب وتزول والتسبيح والعمل الصالح يبقى، قال الله عز وجل: { الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً } فأنت إذا بقيت ولو على أذى ولو على ضرر فإنك ربما تزداد حسنات . وإما مسيئا قد عمل سيئا فلعله يستعتب أي يطلب من الله العتبى أي الرضا والعذر، فيموت وقد تاب من سيئاته فلا تتمن الموت لأن الأمر كله مقضي وربما يكون في بقائك خير لك أو خير لك ولغيرك فلا تتمن الموت، بل اصبر واحتسب، فإن الله سيجعل بعد العسر يسرا .
الشَّرْحُ
586 - وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه فإن كان لابد فاعلا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي متفق عليه .
587 - وعن قيس بن أبي حازم قال: دخلنا على خباب بن الأرت رضي الله عنه نعوده وقد اكتوى سبع كيات فقال: إن أصحابنا الذين سلفوا مضوا، ولم تنقصهم الدنيا، وإنا أصبنا ما لا نجد له موضعا إلا التراب ولولا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به ثم أتيناه مرة أخرى وهو يبني حائطا له، فقال: إن المسلم ليؤجر في كل شيء ينفقه إلا في شيء يجعله في هذا التراب متفق عليه، وهذا لفظ رواية البخاري . ذكر المؤلف - رحمه الله تعالى - في باب كراهة تمني الموت لضر نزل به إلا أن يكون لفتنة في الدين: عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه مثل أن يصاب الإنسان بمرض شديد، أو بفقر شديد، أو بدين متعب، فيقول: اللهم أمتني حتى أستريح من هذه الدنيا فإن هذا حرام ولا يجوز لأنه لو مات فإنه لن يستريح ربما ينتقل من عذاب الدنيا إلى عذاب في الآخرة أشد وأشد . ولهذا نهى النبي عليه الصلاة والسلام أن تتمنى الموت للضر الذي ينزل بك ولكن قابل هذه المصائب بالصبر والاحتساب وانتظار الفرج، واعلم أن دوام الحال من المحال . والله عز وجل يقدر الليل والنهار، ويخلف الأمور على وجه لا يحتسبه الإنسان ولا يظنه لأن الله إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون فلا تتمن الموت لضر نزل بك . أما ما يتعلق بفتنة الدين، إذا افتتن الناس في دينهم وأصابتهم فتنة إما في زخارف الدنيا أو غيرها من الفتن أو أفكار فاسدة أو ديانات منحرفة أو غير ذلك فهذا أيضا لا يتمنى بسببه الإنسان الموت ولكن يقول: اللهم اقبضني إليك غير مفتون فيسأل الله أن يثبته وأن يقبضه إليه غير مفتون . وإلا فليصبر لأنه ربما يكون بقاؤه مع هذه الفتن خيرا للمسلمين يدافع عنهم ويناضل ويساعد المسلمين ويقوي ظهورهم، لكن يقول: اللهم إن أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون . قال النبي عليه الصلاة والسلام: فإن كان لابد فاعلا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي فأنت لا تدري وجه الخير في ذلك، فاجعل الأمر إلى الله: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي يعني إذا كانت وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي . فإذا دعوت الله بهذا الدعاء، فإن الله سبحانه وتعالى يستجيب دعاءك . وفي هذا الحديث دليل على جواز الشرط في الدعاء، أن تشترط على الله عز وجل فيالدعاء وقد جاء ذلك في نصوص أخرى مثل: آية اللعان فإن الزوج يقول في الخامسة: إن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين وهي تقول في الخامسة: إن غضب الله عليها إن كان من الصادقين فالشرط في الدعاء لا بأس به . ثم ذكر المؤلف حديث قيس بن حازم حين دخلوا على خباب بن الأرت رضي الله عنه وهو من الصحابة الأجلاء دخلوا يعودونه بعد أن فتحت الدنيا على المسلمين . والمسلمون كانوا في العهد الأول فقراء، ولكن الله أغناهم بالغنائم الكثيرة التي غنموها من الكفار بإذن الله كما قال تعالى: وَعَدَكُمُ اللهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا وقال: { وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا } فلما فتح الله على المسلمين كثرت الأموال عندهم فزادت ونمت فحصل لبعضهم ترف وصار بعضهم إذا قدم له الغداء أو العشاء يبكي على ما كانوا عليه من ضحالة العيش وقلة ذات اليد . دخلوا على خباب بن الأرت رضي الله عنه وهو مريض وقد اكتوى سبع كيات . والكي: أحد الأدوية النافعة بإذن الله ثلاثة أشياء نص عليها الرسول عليه الصلاة والسلام وبين أن بها الشفاء بإذن الله: الكي والحجامة والعسل هذه الثلاثة من أنفع ما يكون بإذن الله عز وجل وهناك بعض العلل ما ينفع فيها إلا الكي، فمثلا ذات الجنب وهو داء يصيب الرئة فتتجلط وتلصق بالصدر ويموت الإنسان منها إلا أن يشفيه الله عز وجل بأسباب . هذا النوع من الأمراض لا ينفع فيه إلا الكي كم من مريض يصاب بذات الجنب يذهب إلى الأطباء ويعطونه الإبر والأدوية وغيرها ولا ينفع فإذا كوى برئ بإذن الله . كذلك هناك أشياء تصيب الأمعاء تسمى عند أطباء العرب الطير، لأنها تتفرق في الجسد، هذه أيضا لا ينفع فيها إلا الكي، مهما أعطيت المريض من الأدوية لا ينفع فيها إلا الكي . هناك أيضا شيء ثالث يسمى عند الناس الحبة، ورم يظهر في الفم أو في الحلق، وإذا انفجر هلك الإنسان هذا أيضا لا ينفع فيه إلا الكي وأشياء كثيرة ما ينفع فيها إلى الكي . خباب بن الأرت رضي الله عنه كوى سبع كيات ثم جاءه أصحابه يعودونه فأخبرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الإنسان يؤجر على كل شيء أنفقه إلا في شيء يجعله في التراب يعني في البناء، لأن البناء إذا اقتصر الإنسان على ما يكفيه، فإنه لا يحتاج إلى كبير نفقة، يبني له حجرة تكفيه هو وعائلته كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أشرف الخلق كانت بيوته حجرا، لكل زوجة من زوجاته حجرة وليس فيها أكثر من ذلك، وعند قضاء الحاجة يخرجون إلى الخلاء ويقضون حاجتهم فيه . لكن تتطور الناس، ومن علامات الساعة: أن ترى الحفاة العراة العالة - يعني الفقراء - يتطاولون في البنيان، في علوه في السماء أو في تذويقه وتحسينه فهذا المال الذي يجعل في البناء لا يؤجر الإنسان عليه، اللهم إلا بناء يجعله للفقراء يسكنونه أو يجعل غلته في سبيل الله أو ما أشبه ذلك، فهذا يؤجر عليه، لكن بناء يسكنه، هذا ليس فيه أجر، بل ربما إذا زاد الإنسان فيه حصل له وزر، مثل ما يفعل بعض الفقراء الآن . الآن عندنا فقراء يستدين الإنسان منهم إلى عشر سنين أو خمسة عشر وإن طال الأجل إلى عشرين سنة، من أجل أن يرصع بنيانه بالأحجار الجميلة، أو من أجل أن يضع له أقواسا أو شرفات وهو مسكين يعمل هذا العمل المنهي عنه ويستدين على نفسه الديون الكثيرة . وأما البنيان الذي يكون على حسب العادة وليس فيه تفاخر ولا سرف ولا استدانة من أحد فهذا لا بأس به وليس فيه إثم إن شاء الله .
الشَّرْحُ
باب الورع وترك الشبهات