فأهم العدل في الإمام أن يحكم في الناس بشريعة الله ومن العدل أن يسوي بين الفقير والغني وبين العدو والولي وبين القريب والبعيد حتى العدو يسوي بينه وبين الولي في مسألة الحكم حتى إن العلماء رحمهم الله قالوا لو دخل على القاضي رجلان أحدهما كافر والثاني مسلم حرم عليه أن يميز المسلم بشيء فيدخلان جميعا ويجلسان ويتحدث القاضي إليهما جميعا فلا يتحدث لواحد دون الآخر ولا يبش في وجه المسلم ويكشر في وجه الكافر والآن هما في مقام الحكم يجب أن يسوي بينهما مع أن الكافر لا شك أنه ليس كالمسلم { أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون } لكن في باب الحكم الناس سواء ومن العدل أن يقيم الحدود التي فرضها الله عز وجل على كل أحد حتى على أولاده وذريته فإن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أعدل الأئمة لما شفع إليه في امرأة من بني مخزوم أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقطع يدها فشفع إليه أسامة فيها فقال له أتشفع في حد من حدود الله أنكر عليه ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد ..
فإنما أهلك من كان من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وايم الله أي أحلف بالله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها صلى الله عليك يا رسول الله فاطمة بنت محمد أشرف النساء سيدة نساء أهل الجنة بنت أفضل البشر لو سرقت لقطع يدها وهو أبوها وتأمل لقطعت يدها ولم يقل لأمرت بقطع يدها فظاهره أنه هو الذي يباشر قطعها لو سرقت هذا العدل وبهذا قامت السماوات والأرض ومن عدل الإمام أن يولي المناصب من هو أهل لها في دينه وفي قوته فيكون أمينا وقويا أهلا لما ولي عليه وأركان الولاية اثنان القوة والأمانة قال الله تعالى { إن خير من استأجرت القوي الأمين } { قال عفريت من الجن } لسليمان { أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك } أي بعرش بلقيس { وإني عليه لقوي أمين } فمن العدل أن لا يولي أحدا منصبا إلا وهو أهل له في قوته وفي أمانته فإن فعل فليس بعادل أي إن ولى من ليس أهلا ويوجد من هو خير منه فليس بعادل المهم أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الإمام العادل من الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وجعله أول هؤلاء السبعة لأن العدل في الرعية صعب جدا فإذا وفق المرء الذي يوليه الله على عباده للعدل نال في هذا خيرا كثيرا وانتفعت الأمة في عصره ومن بعده لأنه قدوة صالحة ثانيا شاب نشأ في طاعة الله الشاب ما بين الخمس عشرة سنة إلى الثلاثين ولا شك أن يكون للشاب اتجاهات وأفكار ولا يستقر على شيء لأنه شاب غض كل شيء يجذبه كل شيء يختطفه ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم في الحرب أمر أن تقتل شيوخ المقاتلين المشركين ويستبقى شبابهم لأن الشباب إذا عرض عليهم الإسلام ربما يسلمون فالشاب لما كان في سن الشباب يكون له أفكار وأهواء واتجاهات فكرية وخلقية وسلوكية صار الذي يمن الله عليه وينشأ في طاعته من الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وطاعة الله هي امتثال أمر الله واجتناب نهيه ولا امتثال للأمر واجتناب للنهي إلا بمعرفة أن هذا أمر وهذا نهي إذن لابد من سبق العلم فيكون هذا الشاب طالبا للعلم ممتثلا للأمر مجتنبا للنهي الثالث رجل قلبه معلق بالمساجد أي يحب المساجد وهل المقصود أماكن السجود ؟ أي أنه يحب كثرة الصلاة أو المقصود المساجد المخصوصة يحتمل هذا وهذا هذا رجل دائما قلبه معلق بالمساجد وهو مشغول في أماكن الصلاة وفي الصلاة إذا انتهى من صلاة انتظر الأخرى وهكذا وهناك فرق بين قول الإنسان اللهم أرحني بالصلاة، واللهم أرحني من الصلاة أرحني بالصلاة هذا خير أي اجعل الصلاة راحة لقلبي وأرحني من الصلاة أي فكني عنها الرابع رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه أي حب بعضهما بعضا لا لشيء سوى الله عز وجل فليس بينهما قرابة ولا صلة مالية ولا صداقة طبيعية إنما أحبه في الله عز وجل لأنه رآه عابدا لله مستقيما على شرعه فأحبه وإذا كان قريبا أو صديقا وما أشبه ذلك فلا مانع من أن يحبه من وجهين من جهة القرابة والصداقة ومن الجهة الإيمانية فهذان تحابا في الله وصارا كالأخوين لما بينهما من الرابطة الشرعية الدينية وهي عبادة الله سبحانه وتعالى اجتمعا عليه في الدنيا وتفرقا عليه أي لم يفرق بينهما إلا الموت هذان يظلهما الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ويكونان يوم القيامة على محبتهما وعلى خلتهما كما قال الله تعالى { الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين } تبقى الصداقة في الدنيا والآخرة الخامس ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله رجل قادر على الجماع دعته امرأة ليجامعها بالزنا والعياذ بالله ذات منصب أي أنها من حمائل معروفة ليست من سقط النساء وهي جميلة دعته إلى نفسها في مكان خال لا يطلع عليهما أحد وهو فيه شهوة ويحب النساء لكن قال إني أخاف الله لم يمنعه من فعل هذا إلا خوف الله عز وجل فانظر إلى هذا الرجل المقتضي موجود لأنه قادر على الجماع والمرأة جميلة وهي ذات منصب والمكان خال لكن معه مانع أقوى من هذا المقتضي وهو خوف الله قال إني أخاف الله ما قال إني لا أشتهي النساء وما قال ما أنت جميلة وما قال أنت من أسافل النساء ولا أتنازل أن أجامعك وما قال إن حولنا أحدا قال إني أخاف الله هذا ممن يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله .
وانظر إلى يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليه الصلاة والسلام وعمه إسماعيل لأن جده إسحاق بن إبراهيم وإسماعيل هو أبو العرب
تابع / ----