160 - الخامس عن أبي عبد الله النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم متفق عليه وفي رواية لمسلم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي صفوفنا حتى كأنما يسوى بها القداح حتى إذا رأى أنا قد عقلنا عنه ثم خرج يوما فقام حتى كاد أن يكبر فرأى رجلا باديا صدره فقال: عباد الله لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم .
الشَّرْحُ
قال المؤلف - رحمه الله تعالى - فيما نقله عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم الجملة الأولى مؤكدة بثلاث مؤكدات بالقسم المقدر واللام لتسون ونون التوكيد أو ليخالفن الله بين وجوهكم يعني إن لم تسون الصفوف خالف الله بين وجوهكم وهذه الجملة أيضا مؤكدة بثلاث مؤكدات بالقسم واللام والنون .
واختلف العلماء - رحمهم الله - في معنى مخالفة الوجه .
فقال بعضهم: إن المعنى أن الله يخالف بين وجوههم مخالفة حسية بحيث يلوي الرقبة حتى يكون وجه هذا مخالف لوجه هذا والله على كل شيء قدير فهو عز وجل قلب بعض بني آدم قردة قال لهم كونوا قردة فكانوا قردة فهو قادر على أن يلوي رقبة إنسان حتى يكون وجهه من عند ظهره وهذه عقوبة حسية .
وقال بعض العلماء المراد بالمخالفة المعنوية يعني مخالفة القلوب لأن القلب له اتجاه فإذا اتفقت القلوب على وجهة واحدة حصل في هذا الخير الكثير وإذا اختلفت تفرقت الأمة فالمراد بالمخالفة مخالفة القلوب وهذا التفسير أصح لأنه قد ورد في بعض الألفاظ أو ليخالفن الله بين قلوبكم وعلى هذا فيكون المراد بقوله: أو ليخالفن الله بين وجوهكم أي بين وجهات نظركم وذلك باختلاف القلوب وعلى كل حال ففي هذا دليل على وجوب تسوية الصفوف وأنه يجب على المأمورين أن تسوى صفوفهم وأنهم إن لم يفعلوا ذلك فقد عرضوا أنفسهم لعقوبة الله والعياذ بالله .
وهذا القول - أعني وجوب تسوية الصف - هو الصحيح والواجب على الأئمة أن ينظروا في الصف فإذا وجدوا فيه اعوجاجا أو تقدما أو تأخرا نبهوا على ذلك وكان النبي صلى الله عليه وسلم أحيانا يمشي على الصفوف ويسويها بيده الكريمة عليه الصلاة والسلام من أول الصف لآخره ولما كثر الناس في زمن الخلفاء أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلا يسوي الصفوف إذا أقيمت الصلاة فإذا جاء وقال إنها قد استوت كبر للصلاة وكذلك فعل عثمان رضي الله عنه كان قد وكل رجلا يسوي صفوف الناس فإذا جاء وقال: قد استوت كبر وهذا يدل على اعتناء النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين بتسوية الصف ولكن مع الأسف الآن تجد المأمورين لا يبالون بالتسوية يتقدم إنسان ويتأخر إنسان ولا يبالي وربما يكون مستويا مع أخيه في أول الركعة ثم عند السجود يحصل من الاندفاع تقدم أو تأخر ولا يساوون الصف في الركعة الثانية بل يبقون على ما هم عليه وهذا خطأ فالمهم أنه يجب تسوية الصف فإذا قال قائل إذا كان هناك إمام ومأموم فقط فهل يتقدم الإمام قليلا أو يساوي المأموم ؟ الجواب: أنه يساوي المأموم لأنه إذا كان إمام ومأموم فالصف واحد لا يمكن أن يكون الإمام خلف المأموم وحده بل هم صف واحد والصف الواحد يسوى فيه خلافا لما قاله بعض أهل العلم إنه يتقدم الإمام قليلا لأن هذا لا دليل عليه بل الدليل على خلافه وهو أن يسوى بين الإمام والمأموم إذا كانا اثنين ثم قال في رواية كان النبي صلى الله عليه وسلم يسوي صفوفنا كأنما يسوى بها القداح والقداح هي ريش السهم وكانوا يسوونها تماما بحيث لا يتقدم شيء على شيء مثل مشط البندق يكون مستويا فكان يسوي الصفوف كأنما يسوى بها القداح حتى إذا رأى أنا قد عقلنا عنه يعني فهمنا وعرفنا أن التسوية لابد منها خرج ذات يوم فرأى رجلا باديا صدره فقال عباد الله لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم فدل هذا على سبب قول الرسول صلى الله عليه وسلم لتسون صفوفكم لأن سببه التسوية أنه رأى رجلا باديا صدره فقط يعني ظاهرا صدره قليلا من على الصف فدل ذلك على أن من هدى النبي صلى الله عليه وسلم أنه يتفقد الصف وأنه يتوعد من يتقدم على الصف بهذا الوعيد لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم فعلينا أن نبين هذه المسألة لأئمة المساجد وكذلك للمأمومين حتى ينتبهوا لهذا الأمر الخطير ويعتنوا بشأن تسوية الصف .
161 - السادس عن أبي موسى رضي الله عنه قال احترق بيت بالمدينة على أهله من الليل فلما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم بشأنهم قال إن هذه النار عدو لكم فإذا نمتم فأطفئوها عنكم متفق عليه .
الشَّرْحُ