باب تحريم الظلم والأمر برد المظالم
قال الله تعالى { مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ } وقال تعالى { وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِير } وأما الأحاديث فمنها حديث أبي ذر رضي الله عنه المتقدم في آخر باب المجاهدة
203 - وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم رواه مسلم
الشَّرْحُ
قال المؤلف رحمه الله تعالى ( باب تحريم الظلم والأمر برد المظالم ) يعني إلى أهلها هذا الباب يشتمل على أمرين الأمر الأول تحريم الظلم والأمر الثاني وجوب رد المظالم واعلم أن الظلم هو النقص قال الله تعالى كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئًا يعني لم تنقص منه شيئا والنقص إما أن يكون بالتجرؤ على ما لا يجوز للإنسان وإما بالتفريط فيما يجب عليه وبذلك يدور الظلم على هذين الأمرين إما ترك واجب وإما فعل محرم والظلم نوعان ظلم يتعلق بحقوق الله عز وجل وظلم يتعلق بحقوق العباد وأعظمهما المتعلق بحدود الله والإشراك به فإن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الذنب أعظم فقال أن تجعل لله ندا وهو خلقك ويليه الظلم في الكبائر ثم الظلم في الصغائر أما في حقوق الله فالظلم يدور على ثلاثة أشياء بينها النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الودائع فقال إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا الظلم في النفس هو الظلم في الدماء يكون بأن يعتدي الإنسان على حق غيره يسفك الدماء أو الجروح أو ما أشبه ذلك الظلم في الأموال بأن يعتدي الإنسان ويظلم غيره من الأموال إما بعد بذل الواجب وإما بإتيان محرم وإما بأن يمتنع من واجب عليه وإما بأن يفعل شيئا محرما في مال غيره وأما الظلم في الأعراض فيشمل الاعتداء على الغير بالزنى واللواط والقذف وما أشبه ذلك وكل الظلم بأنواعه محرم ولن يجد الظالم من ينصره أمام الله تعالى قال الله تعالى { مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ } أي أنه يوم القيامة لا يجد الظالم حميما أي صديقا ينجيه من عذاب الله ولا يجد شفيعا يشفع له فيطاع لأنه منبوذ بظلمه وغشمه وعدوانه وقال تعالى { وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ } يعني لا يوجدون أنصارا ينصرونهم ويخرجونهم من عذاب الله سبحانه وتعالى في ذلك اليوم ثم ذكر المؤلف رحمه الله حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال اتقوا الظلم اتقوا يعني احذروا والظلم هو كما سبق أن بينا يكون في حق الله ويكون في حق العباد فقوله صلى الله عليه وسلم اتقوا الظلم أي لا تظلموا أحدا لا أنفسكم ولا غيركم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ويوم القيامة ليس هناك نور إلا من أنار الله تعالى له وأما من لم يجعل الله له نورا فما له من نور الإنسان إن كان مسلما فله نور بقدر إسلامه ولكن إن كان ظالما فقد من هذا النور بمقدار ما حصل من الظلم لقوله صلى الله عليه وسلم اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ومن الظلم مطل الغنى يعني أن لا يوفي الإنسان ما عليه وهو غني به لقوله صلى الله عليه وسلم مطل الغنى ظلم وما أكثر الذين يماطلون في حقوق الناس يأتي إليه صاحب الحق فيقول يا فلان أعطني حقي فيقول غدا فيأتيه من غد فيقول بعد غد وهكذا فإن هذا الظلم يكون ظلمات يوم القيامة على صاحبه واتقوا الشح الشح الحرص على المال فإنه أهلك من كان قبلكم لأن الحرص على المال نسأل الله السلامة يوجب للإنسان أن يكسب المال من أي وجه كان من حلال أو حرام بل قال النبي عليه الصلاة والسلام حملهم أي حمل من كان قبلنا على على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم يسفك الشحيح الدماء إذا لم يتوصل إلى طعمه إلا بالدماء كما هو الواقع عند أهل الشح يقطعون الطريق على المسلمين ويقتلون الرجل ويأخذون متاعه ويأخذون بعيره وكذلك أيضا يعتدون على الناس في داخل بيوتهم ويهتكون حجب بيوتهم فيأخذون المال بالقوة والغلبة فحذر النبي صلى الله عليه وسلم من أمرين من الظلم ومن الشح فالظلم هو الاعتداء على الغير والشح هو الطمع فيما عند الغير فكل ذلك حرام ولهذا قال الله تعالى في كتابه { وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } فدلت الآية على أن من لم يوق شح نفسه فلا فلاح له المفلح من وقاه الله شح نفسه نسأل الله السلامة أن يعيذنا وإياكم من الظلم وأن يقينا شح أنفسنا وشرورها
204 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى اله عليه وسلم قال لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء رواه مسلم
الشَّرْحُ