211 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه متفق عليه
الشَّرْحُ
قال المؤلف رحمه الله فيما رواه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه والمسلم يطلق على معان كثيرة منها المستسلم فالمستسلم لغيره يقال له مسلم ومنه على أحد التفسيرين قوله تعالى قَالَتِ الأعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا أي قولوا استسلمنا ولم نقاتلكم والقول الثاني في الآية إن المراد بالإسلام الإسلام لله عز وجل وهو الصحيح والمعنى الثاني يطلق الإسلام على الأصول الخمسة التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل حين سأل عن الإسلام فقال أن تشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت ويطلق الإسلام على السلامة يعني أن يسلم الناس من شره فيقال أسلم بمعنى دخل في السلم أي المسالمة للناس بحيث لا يؤذي الناس ومن هذا الحديث المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده سلم المسلمون من لسانه فلا يسبهم ولا يلعنهم ولا يغتابهم ولا ينم بينهم ولا يسعى بينهم بأي نوع من أنواع الشر والفساد فهو قد كف لسانه وكف اللسان من أشد ما يكون على الإنسان وهو من الأمور التي تصعب على المرء وربما يستسهل إطلاق لسانه ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام لمعاذ بن جبل أفلا أخبرك بملاك ذلك كله ؟ قلت بلى يا رسول الله فأخذ بلسان نفسه وقال كف عليك هذا قلت يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به يعني هل نؤاخذ بالكلام فقال ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم فاللسان من أشد الجوارح خطرا على الإنسان ولهذا إذا أصبح الإنسان فإن الجوارح اليدين والرجلين والعينين كل الجوارح تكفر اللسان وكذلك أيضا الفرج لأن الفرج فيه شهوة النكاح واللسان فيه شهوة الكلام وقل من سلم من هاتين الشهوتين فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه أي كف عنهم لا يذكرهم إلا بخير ولا يسب ولا يغتاب ولا ينم ولا يحرش بين الناس فهو رجل مسالم إذا سمع السوء حفظ لسانه وليس كما يفعل بعض الناس والعياذ بالله إذا سمع السوء في أخيه المسلم طار به فرحا وطار به في البلاد نشرا وإذاعة فإن هذا ليس بمسلم الثاني من سلم المسلمون من يده فلا يعتدي عليهم بالضرب أو الجرح أو أخذ المال أو ما أشبه ذلك قد كف يده لا يأخذ إلا ما يستحقه شرعا ولا يعتدي على أحد فإذا اجتمع للإنسان سلامة الناس من يده ومن لسانه فهذا هو المسلم وعلم من هذا الحديث أن من لم يسلم الناس من لسانه أو يده فليس بمسلم فمن كان ليس له هم إلا القيل والقال في عباد الله وأكل لحومهم وأعراضهم فهذا ليس بمسلم وكذلك من كان ليس له هم إلا الاعتداء على الناس بالضرب وأخذ المال وغير ذلك مما يتعلق باليد فإنه ليس بمسلم هكذا أخبر النبي عليه الصلاة والسلام وليس إخبار النبي صلى الله عليه وسلم لمجرد أن نعلم به فقط بل لنعلم به ونعمل به وإلا فما الفائدة من كلام لا يعمل به إذن فاحرص إن كنت تريد الإسلام حقا على أن يسلم الناس من لسانك ويدك حتى تكون مسلما حقا أسأل الله أن يكفينا ويكف عنا ويعافنا ويعفو عنا أنه جواد كريم
212- وعنه رضي اللَّه عنه قال : كَانَ عَلَى ثَقَل النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ كِرْكِرةُ ، فَمَاتَ فقال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « هُوَ في النَّارِ » فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فوَجَدُوا عَبَاءَة قَدْ غَلَّهَا. رواه البخاري .
213-
213 - وعن أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاث متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب الذي بين جمادى وشعبان أي شهر هذا قلنا الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال أليس ذا الحجة ؟ قلنا بلى قال فأي بلد هذا ؟ قلنا الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال أليس البلدة ؟ قلنا بلى قال فأي يوم هذا ؟ قلنا الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال أليس يوم النحر قلنا بلى قال فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم ألا فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ألا ليبلغ الشاهد الغائب فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه ثم قال ألا هل بلغت ألا هل بلغت ؟ قلنا نعم قال اللهم اشهد متفق عليه
الشَّرْحُ
قال المؤلف رحمه الله تعالى فيما نقله عن أبي بكرة نفيل بن الحارث رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطبهم يوم النحر وذلك في حجة الوداع فأخبرهم عليه الصلاة والسلام أن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض يعني أن الزمان وإن كان قد غير وبدل فيه لما كانوا يفعلون في الجاهلية حيث كانوا يفعلون النسئ فيحلون الحرام ويحرمون الحلال يعني يجعلون الأشهر الحرم في أشهر أخرى فيحلون الشهر الحرام ويحرمون الشهر الحلال ولكن صادف في تلك السنة أن النسئ صار موافقا لما شرعه الله عز وجل في الأشهر الحرم ثم بين عليه الصلاة والسلام أن عدة الشهور اثنا عشر شهرا وهي المحرم وصفر وربيع الأول وربيع الثاني وجمادى الأولى وجمادى الثانية ورجب وشعبان ورمضان وشوال وذو القعدة وذو الحجة هذه هي الأشهر الاثنا عشر شهرا التي جعلها الله أشهرا لعباده منذ خلق السماوات والأرض كانوا في الجاهلية يحلون المحرم ويحرمون صفر وبين عليه الصلاة والسلام أن هذه الاثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاثة متوالية وواحد منفرد الثلاثة المتوالية هي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم جعلها الله تعالى أشهر محرمة يحرم فيها القتال ولا يعتدي فيها أحد على أحد لأن هذه الأشهر هي أشهر سير الناس إلى حج بيت الله فجعلها الله عز وجل محرمة لئلا يقع القتال في هذه الأشهر والناس سائرون إلى بيت الله الحرام وهذه من حكمة الله عز وجل والصحيح أن القتال مازال محرما وأنه لم ينسخ إلى الآن وأنه يحرم ابتداء القتال فيه يقول النبي عليه الصلاة والسلام ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان وهو الشهر الرابع وكانوا في الجاهلية يؤدون العمرة فيه فيجعلون شهر رجب للعمرة والأشهر الثلاثة للحج فصار هذا الشهر محرما يحرم فيه القتال كما يحرم في ذي القعدة وذي الحجة والمحرم إذن الأشهر السنوية التي جعلها الله لعباده اثنا عشر شهرا منها أربعة محرم كما في القرآن الكريم ذي القعدة وذي الحجة والمحرم ورجب ثم سألهم النبي عليه الصلاة والسلام أي شهر هذا وأي بلد هذا وأي يوم هذا ؟ سألهم عن ذلك من أجل استحضار همهم وانتباههم لأن الأمر أمر عظيم فسألهم أي شهر هذا ؟ قالوا الله ورسوله أعلم لأنهم استبعدوا أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهر وهو معروف أنه ذي الحجة ولكن من أدبهم رضي الله عنه أنهم لم يقولوا هذا شهر ذي الحجة لأن الأمر معلوم بل من أدبهم أنهم قالوا الله ورسوله أعلم ثم سكت لأجل أن الإنسان إذا تكلم ثم سكت انتبه الناس ما الذي أسكته ؟ وهذه طريقة متبعة في الإلقاء أن الإنسان إذا رأى من الناس الذين حوله عدم إنصات يسكت حتى ينتبهوا لأن الكلام إذا كان مسترسلا فقد يحصل للسامع غفلة لكن إذا توقف فإنهم سينتبهون لماذا وقف وسكت النبي عليه الصلاة والسلام يقول أبو بكر حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه ثم قال أليس ذا الحجة ؟ قالوا بلى ثم قال عليه الصلاة والسلام أي بلد هذا ؟ قالوا الله ورسوله أعلم هم يعلمون أنه مكة لكن لأدبهم واحترامهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقولوا هذا شيء معلوم يا رسول الله كيف تسأل عنه بل قالوا الله ورسوله أعلم ثم سكت حتى ظنوا أنه سيسميه بغير اسمه فقال أليس البلدة ؟ والبلدة اسم من أسماء مكة ثم قال أي يوم هذا قالوا الله ورسوله أعلم مثل ما قالوا في الأول قال أليس يوم النحر ؟ قالوا بلى يا رسول الله وهم يعلمون أن مكة حرام وأن شهر ذي الحجة حرام وأن يوم النحر حرام يعني كلها حرم محترمة فقال عليه الصلاة والسلام إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا وبلدكم هذا في شهركم هذا فأكد عليه الصلاة والسلام تحريم هذه الثلاثة الماء والأموال والأعراض فكلها محرمة والدماء تشمل النفوس وما دونها والأموال تشمل القليل والكثير والأعراض تشمل الزنى واللواط والقذف وربما تشمل الغيبة والسب والشتم فهذه الأشياء حرام على المسلم أن ينتهكها من أخيه المسلم فلا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاثة الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة الأموال أيضا حرام فلا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه وقال تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنْكُمْ والأعراض أيضا محترمة لا يحل للمسلم أن يغتاب أخاه أو أن يقذفه بل إن القاذف إذا قذف شخصا عفيفا بعيدا عن التهمة وقال يا زاني أو أنت زاني أو أنت لوطي أو ما أشبه ذلك فإما أن يأتي بأربعة شهداء يشهدون على الزنى صريحا وإلا فإن هذا القاذف يعاقب بثلاث عقوبات العقوبة الأولى أن يجلد ثمانين جلدة والعقوبة الثانية ألا تقبل له شهادة أبدا كلما شهد عند القاضي ترد شهادته سواء شهد بالأموال أو شهد بالدماء أو شهد برؤية الهلال أو شهد بأي شيء آخر يرفض القاضي شهادته ويردها العقوبة الثالثة الفسق أن يكون فاسقا بعد أن كان عدلا فلا يزوج ابنته ولا أخيه ولا يتقدم إماما في المسلمين عند كثير من العلماء ولا يولى أي ولاية لأنه صار فاسقا هذه عقوبة من يرمي شخصا بالزنى أو باللواط إلا أن يأتي بأربعة شهداء قال الله تعالى لَوْلاَ جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ حتى لو فرض أن هذا الرجل من أصدق الناس ولم يأت بالأربعة شهداء فإنه يجلد ثمانين جلدة ولهذا شهد أربعة من الرجال على رجل بأنه زنى عند عمر بن الخطاب فجاء بهم عمر فسألهم قال للأول تشهد أنه زنى قال نعم قال تشهد أنك رأيت ذكره في فرجها غائبا كما يغيب المرود في المكحلة قال نعم فجاء بالثاني قال نعم فجاء بالثالث قال نعم فجاء بالرابع فتوقف قال أنا لا أشهد بالزنى لكني رأيت أمرا منكرا قال رأيت رجلا على امرأة يتحرك كتحرك المجامع لكن لا أشهد فجلد الثلاثة الأولين على ثمانين جلدة لأنه تبين أنهم كذبة وأطلق الرابع فالأعراض من أشد الأشياء حرمة ولهذا كما سمعتم قال الله تعالى وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً هذه هي العقوبة الأولى وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وهذه هي الثانية وأولئك هم الفاسقون وهذه هي الثالثة إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ يعني لا يكونون فساقا لكن بشرط التوبة والإصلاح ما يكفي أن يقول أنا تائب حتى ننظر هل الرجل يصلح أم لم يصلح إذن جدير بمن كانت هذه حاله أن يؤكد النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الخطبة العظيمة في مشهد الصحابة في يوم النحر في منى يقول عليه الصلاة والسلام إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ثم قال ألا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض لأن المسلمين لو صاروا يضرب بعضهم رقاب بعض صاروا كفارا لأنه لا يستحل دم المسلم إلا الكافر فالمسلم لا يمكن أن يشهر السلاح على أخيه لكن لا أحد يشهر السلاح على المسلم إلا الكافر ولهذا وصف النبي الصلاة والسلام المسلمين إذا اقتتلوا بأنهم كفار قال ألا فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض وهذه المسألة بحسب النصوص فيها تفصيل إن قاتل المسلم مستحلا لقتله بغير إذن شرعي فهو كافر كفرا مخرجا عن الملة وإن قاتله بتأويل أو لقصد رئاسة أو لقصد سلطان فهذا لا يكفر كفر الردة ولكنه كفر دون كفر ودليل ذلك قوله تعالى وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِين إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وهذا هو الجمع بين هذه الآية وبين الحديث فيقال إن تقاتل المسلمون مستحلا كل واحد دم أخيه فهو كافر كفرا مخرجا عن الملة وإن كان لرئاسة أو عصبية أو حمية أو ما أشبه ذلك فإنه لا يكفر كفر ردة بل يكون كفره كفرا دون كفر وعليه أن يتوب ويستغفر ثم قال عليه الصلاة والسلام ألا هل بلغت ؟ ألا هل بلغت ؟ يسأل الصحابة رضي الله عنهم قالوا نعم أي بلغت فتأمل كيف يقرر النبي عليه الصلاة والسلام أنه بلغ في المواطن العظيمة الكثيرة الجمع في عرفة خطبهم عليه الصلاة والسلام قال ألا هل بلغت ؟ قالوا نعم فجعل يرفع أصبعه إلى السماء وينكتها إلى الناس يقول اللهم اشهد عليهم أنني بلغتهم وكذلك أشهد ربه على أنه بلغ أمته وأقروا بذلك يوم النحر ونحن نشهد ونشهد الله وملائكته ومن سمعنا من خلقه أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغ البلاغ المبين وأنه بلغ الأمانة وأدى الرسالة ونصح الأمة فما ترك خيرا إلا ودل أمته عليه ولا شرا إلا وحذرهم منه وأنه ترك أمته على المحجة البيضاء وأنه ما بقي شيء من أمور الدين أو الدنيا تحتاجه الأمة إلا بينه عليه الصلاة والسلام ولكن الخطأ ممن يبلغه الخبر فهو الذي قد يكون قاصرا في فهمه وقد يكون له نية سيئة فيحرم الصواب وقد يكون هناك أسباب أخرى وإلا فالرسول عليه الصلاة والسلام بلغ بلاغا تاما كاملا والصحابة رضي الله عنهم بلغوا جميع ما سمعوه منه عليه الصلاة والسلام ما كتموا من سنته شيئا وبلغوا ما جاء به من الوحي ولم يكتموا منه شيئا فجاءت الشريعة ولله الحمد كاملة من كل وجه بلغها النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه ثم بلغها الصحابة رضي الله عنهم ثم التابعون عمن قبلهم وهكذا إلى يومنا هذا ولله الحمد ثم أمر عليه الصلاة والسلام أن يبلغ الشاهد الغائب يعني يبلغ من شهده وسمع خطبته أن يبلغ باقي الأمة وأخبر عليه الصلاة والسلام أنه ربما يكون مبلغ أوعى للحديث من سامع وهذه الوصية من الرسول عليه الصلاة والسلام وصية لمن حضر في ذلك اليوم ووصية لمن سمع حديثه إلى يوم القيامة فعليتا إذا سمعنا حديثا عن الرسول عليه الصلاة والسلام أن نبلغه إلى الأمة ونحن محملون بأن نبلغ ومنهيون بأن نكون كاليهود الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها وقد وصفهم الله بأبشع وصف فقال مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا فالحمار إذا حمل أسفارا يعني كتبا فإنه لا ينتفع منها إذا كان الحمار يحمل أسفارا لا ينتفع منها فالذي يحمل القرآن والسنة ولا ينتفع منها كمثل الحمار يحمل أسفارا نسأل الله أن يرزقني وإياكم العلم النافع والعمل الصالح ويستفاد من هذا الحديث تحذير النبي عليه الصلاة والسلام أمته من قتال بعضهم بعضا ولكن مع الأسف أنه وقع بينهم السيف وصارت الفتن منذ عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى يومنا هذا وما زالت الفتن قائمة بين الناس لكن أحيانا تشتعل اشتعالا واسعا وأحينا تكون في مناطق معينة ولكن الواجب على المسلم أن يتقي دم أخيه ما استطاع نعم إذا بلى الإنسان بنفسه وصيل عليه يريد الصائل نفسه أو ماله أو حرمته فله أن يدافع عن نفسه ولكن بالأسهل فالأسهل فإن لم يندفع الصائل إلا بالقتل قتله فإن قتله فالصائل في النار وإن قتل الدافع فهو شهيد كما جاء ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي هذا الحديث تحذير من أعراض المسلمين وأنه لا يجوز للمسلم أن ينتهك عرض أخيه لا صادقا ولا كاذبا لأنه إن كان صادقا فقد اغتابه وإن كان كاذبا فقد بهته وأنت إذا رأيت من أخيك شيئا تنتقده فيه في عباداته أو في أخلاقه أو في معاملاته فعلك بنصيحته فهذه من واجبه عليك وتنصحه فيما بينك وبينه مشافهة أو مكاتبة وبهذا تبرئ ذمتك لكن هنا شيء لابد منه وهو أنك إذا أردت أن تناصحه بالمكاتبة فلابد أن تذكر اسمك ولا تخف ولا تكن جبانا اذكر وقل من فلان إلى أخيه فلان بن فلان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد فأنا أنتقد عليك كذا وكذا وكذا من أجل أنه إذا عرف اسمك دعاك أو أتى إليك وناقشك في الأمر أما أن تكون جبانا ترمي من وراء جدار فهذا لا يليق بالمسلم وليس هذا بنصح لأنك ستبقى حاملا عليه في قلبك فيما تراه أنه أخطأ فيه وهو سيبقى ويستمر على ما هو فيه لأن الذي كتب له بالنصيحة ليس أمامه حتى يشرح له وجهة نظره ويستفسر منه عن وجهة نظره هو الآخر فيبقى الشر على ما هو عليه والخطأ على ما هو عليه لكن إذا كتب اسمه كان مشكورا على هذا وكان بإمكان المكتوب إليه المنصوح أن يخاطبه وأن يبين له ما عنده حتى يقتنع أحد الرجلين بما عند الآخر
214- وعن أَبي أُمَامةَ إِيَاسِ بنِ ثعْلَبَةَ الْحَارِثِيِّ رضي اللَّه عنه أَن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: « مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْريءٍ مُسْلمٍ بيَمِينِهِ فَقدْ أَوْجَبَ اللَّه لَه النَّارَ ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ » فقال رجُلٌ : وإِنْ كَانَ شَيْئاً يسِيراً يا رسولَ اللَّه ؟ فقال : « وإِنْ قَضِيباً مِنْ أَرَاكٍ » رواه مسلم .
215- وعن عَدِي بن عُمَيْرَةَ رضي اللَّه عنه قال : سَمِعْتُ رسولَ اللَّه يَقُول : « مَن اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَل ، فَكَتَمَنَا مِخْيَطاً فَمَا فَوْقَهُ ، كَانَ غُلُولا يَأْتِي بِهِ يوْم الْقِيامَةِ » فقَام إَلْيهِ رجُلٌ أَسْودُ مِنَ الأَنْصَارِ ، كأَنِّي أَنْظرُ إِلَيْهِ ، فقال : يا رسول اللَّه اقْبل عني عملَكَ قال: « ومالكَ ؟ » قال : سَمِعْتُك تقُول كَذَا وَكَذَا ، قال : « وَأَنَا أَقُولُهُ الآن : من اسْتعْملْنَاهُ عَلَى عملٍ فلْيجِيء بقَلِيلهِ وَكِثيرِه ، فمَا أُوتِي مِنْهُ أَخَذَ ومَا نُهِِى عَنْهُ انْتَهَى » رواه مسلم .
216-
216 - وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لما كان يوم خيبر أقبل نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا فلان شهيد وفلان شهيد حتى مروا على رجل فقالوا فلان شهيد فقال النبي صلى الله عليه وسلم كلا إني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة رواه مسلم