باب تعظيم حرمات المسلمين وبيان حقوقهم والشفقة عليهم ورحمتهم
قال الله تعالى: { ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ } وقال تعالى: { وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ } وقال تعالى: { وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ } وقال تعالى: { مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا }
الشَّرْحُ
قال المؤلف - رحمه الله تعالى - ( باب تعظيم حرمات المسلمين وبيان حقوقهم والشفقة عليهم ورحمتهم )، فالمسلم له حق على أخيه المسلم بل له حقوق متعددة، بينها النبي صلى الله عليه وسلم في مواضع كثيرة .
منها: إذا لقيه فليسلم عليه، يلقي عليه السلام، يقول: السلام عليك أو السلام عليكم، ولا يحل له أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيركما الذي يبدأ بالسلام .
ولكن لك أن تهجره لمدة ثلاثة أيام، إذا رأيت في هذا مصلحة، ولك أن تهجره أكثر إذا رأيته على معصية أصر عليها ولم يتب منها، فرأيت أن هجره يحمله على التوبة، ولهذا كان القول الصحيح في الهجر أنهم رخصوا فيه خلال ثلاثة أيام، وما زاد على ذلك فينظر فيه للمصلحة، إن كان فيه خير فليفعل، وإلا فلا، حتى لو جهر بالمعصية، فإذا لم يكن في هجره مصلحة فلا تهجره .
ثم ساق المؤلف عدة آيات منها قوله تعالى: وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ من يعظم حرماته: أي ما جعله محترماً من الأماكن أو الأزمان أو الأشخاص، فالذي يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه، ومن كان يكره أو يشق عليه تعظيم هذا المكان كالحرمين مثلاً والمساجد، أو الزمان كالأشهر الحرم ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب وما أشبه ذلك، فليحمل على نفسه وليكرهها على التعظيم .
ومن ذلك: تعظيم إخوانه المسلمين، وتنزيلهم منزلتهم، فإن المسلم لا يحل له أن يحقر أخاه المسلم، قال النبي عليه الصلاة والسلام: بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم بحسب الباء هنا زائدة والمعنى: حسبه من الشر أن يحقر أخاه المسلم بقلبه، أو أن يتعدى فوق ذلك بلسانه أو بيده على أخيه المسلم، فإن ذلك حسبه من الإثم والعياذ بالله، وكذلك أيضاً تعظيم ما حرمه الله عز وجل في المعاهدات التي تكون بين المسلمين وبين الكفار، فإنه لا يحل لأحد أن ينقض عهداً بينه وبين غيره من الكفار .
ولكن المعاهدون ينقسمون إلى ثلاثة أقسام: قسم: أتموا عهدهم فهؤلاء نتمم عهدهم .
وقسم آخر: خانوا أو نقضوا قال تعالى: { فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ } فهؤلاء ينتقض عهدهم كما فعلت قريش في الصلح الذي جرى بينها وبين النبي صلى الله عليه وسلم في الحديبية، فإنهم وضعوا الحرب بينهم عشر سنين، ولكن قريشاً نقضوا العهد فهؤلاء ينتقض عهدهم، ولا يكون بيننا بينهم عهد، وهؤلاء قال الله فيهم: { أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } والقسم الثالث: من لم ينقض العهد لكن نخاف منه أن ينقض العهد، فهؤلاء نخبرهم بألا عهد بيننا وبينهم، كما قال تعالي: { وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ } فهذه من حرمات الله عز وجل، وكل شيء جعله الله محترماً من زمان أو مكان أو عيان فهو من حرمات الله عز وجل، فإن الواجب على المسلم أن يحترمه، ولهذا قال تعالى: { وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ } وقال { وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ } الشعائر: العبادات الظاهرة سواء كانت كبيرة أم صغيرة، مثل الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، والأذان والإقامة وغيرهما من شعائر الإسلام، فإنها إذا عظمها الإنسان كان ذلك دليلاً على تقواه، فإن التقوى هي التي تحمل العبد على تعظيم الشعائر .
أما الآية الثالثة: فهي قوله تعالى: { وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ } وفي الآية الأخرى: { لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } والمعنى تذلل لهم ولن لهم في المقال والفعال ؛ لأن المؤمن مع أخيه المؤمن رحيم به، شفيق به، كما قال الله تعالى في وصف النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه: { أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ } وفي قوله: { واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين } دليل على أن الإنسان مأمور بالتواضع لإخوانه، وإن كان رفيع المنزلة، كما يرتفع الطير بجناحيه، فإنه وإن كان رفيع المنزلة فليخفض جناحه وليتذلل وليتطامن لإخوانه، وليعلم أن من تواضع لله رفعه عز وجل، والإنسان ربما يقول: لو تواضعت للفقير وكلمت الفقير، أو تواضعت للصغير وكلمته أو ما أشبه ذلك، فربما يكون في هذا وضع لي، وتنزيل من رتبتي، ولكن هذا من وساوس الشيطان، فالشيطان يدخل على الإنسان في كل شيء، قال تعالى عنه: { فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ( 16 ) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } فالشيطان يأتي الإنسان ويقول له: كيف تتواضع لهذا الفقير ؟ كيف تتواضع لهذا الصغير ؟ كيف تكلم فلاناً ؟ كيف تمشي مع فلان ؟ ولكن من تواضع لله رفعه الله عز وجل، حتى وإن كان عالماً أو كبيراً أو غنياً، فإنه ينبغي أن يتواضع لمن كان مؤمنا، أما من كان كافراً فإن الإنسان لا يجوز له أن يخفض جناحه، لكن يجب عليه أن يخضع للحق بدعوته إلى الدين، ولا يستنكف عنه، ويستكبر فلا يدعوه، بل يدعوه ولكن بعزة وكرامة، دون إهانة له فهذا معنى قوله: { وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ } .
وفي الآية الثانية: { واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين }، فهذه وظيفة المسلم مع إخوانه، أن يكون هيناً ليناً بالقول والفعل ؛ لأن هذا مما يوجب المودة والألفة بين الناس، وهذه الألفة والمودة أمر مطلوب للشرع، ولهذا نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن كل ما يوجب العداوة والبغضاء، مثل البيع على بيع المسلم، والسوم على سوم المسلم، وغير ذلك مما هو معروف لكثير من الناس والله الموفق .
وقال تعالى: { مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا }
222 - وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً وشبك بين أصابعه .
متفق عليه .
الشَّرْحُ
سبق ذكر عدة آيات في بيان تعظيم حرمات المسلمين، والرفق بهم والإحسان إليهم ومن جملة الآيات التي فيها بيان تعظيم حرمة المسلم قوله تعالى: مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا، بين الله في هذه الآية أن من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ؛ لأن حرمة المسلمين واحدة، ومن انتهك حرمة شخص من المسلمين، فكأنما انتهك حرمة جميع المسلمين، كما أن من كذب رسولاً واحداً من الرسل، فكأنما كذب جميع الرسل، ولهذا اقرأ قوله تعالى: { كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ }، مع أنهم لم يكذبوا إلا واحداً، فإنه، لم يبعث رسول قبل نوح، وما بعد نوح لم يدركه قومه، لكن من كذب رسولاً واحداً فكأنما كذب جميع الرسل، ومن قتل نفساً محرمة، فكأنما قتل الناس جميعاً ؛ لأن حرمة المسلمين واحدة، ومن أحياها - أي سعى في إحيائها وإنقاذها من هلكة - فكأنما أحيا الناس جميعاً .
وإحياؤها وإنقاذها من الهلكة تارة يكون من هلكة لا قبل للإنسان بها فتكون من الله، مثل أن يشب حريق في بيت رجل، فتحاول إنقاذه، فهذا إحياء للنفس، وأما القسم الثاني: فهو ما للإنسان فيه قبل، مثل أن يحاول رجل العدوان على شخص ليقتله، فتحول بينه وبينه وتحميه من القتل، فأنت الآن أحييت نفساً، ومن فعل ذلك فكأنما أحيا الناس جميعاً ؛ لأن إحياء شخص مسلم كإحياء جميع الناس .
وقوله عز وجل: { بِغَيْرِ نَفْسٍ } يستفاد منه أن من قتل نفساً بنفس فهو معذور ولا حرج عليه، قال الله تعالى: { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ }، فإذا قتل شخصاً بحق أي بنفس أخرى فلا لوم عليه ولا إثم، ويرث القاتل من المقتول إذا قتله بحق، ولا يرث القاتل من المقتول إذا قتله بغير حق .
ولنضرب لهذا مثلاً بثلاثة إخوة قتل الكبير منهم الصغير عمداً فالذي يرث الصغير أخوه الأوسط، وأخوه الكبير لا يرثه لأنه قتله بغير حق، ثم طالب الأوسط بدم أخيه الصغير فقتل أخاه الكبير قصاصا فهل يرث الأوسط من أخيه الكبير وهو قاتله ؟ نعم يرث لأنه قتله بحق والكبير الذي قتل الصغير لا يرث لأنه قتله بغير حق .
فالقتل بحق لا لوم فيه وليس له أثر لأنه قصاص والله تعالى يقول { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } .
وقوله عز وجل { أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ } والفساد في الأرض ليس معناه أن يسلط الإنسان الحفار فيهدم بيتا ولو كان ذلك بغير حق فهذا وإن كان فسادا لكن لا يحل به دم مسلم الفساد في الأرض إنما يكون بنشر الأفكار السيئة أو العقائد الخبيثة أو قطع الطريق أو ترويج المخدرات أو ما أشبه ذلك هذا هو الفساد في الأرض فمن أفسد في الأرض على هذا الوجه فدمه هدر حلال يقتل لأنه ساع في الأرض بالفساد .
بل إن الله قال في نفس السورة { إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ } .
على حسب جريمتهم إن كانت كبيرة فبالقتل وإن كانت دونها فبالصلب وإن كانت دونها فتقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف تقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى وإن كان دون ذلك فينفوا من الأرض إما بالحبس مدى الحياة كما قال بذلك بعض أهل العلم وإما بالطرد عن المدن كما قاله آخرون لكن إذا كان لا يندفع شرهم بطردهم من المدن حبسوا إلى الموت .
فالحاصل أن من قتل نفسا لإفسادها في الأرض فلا لوم عليه بل إن قتل النفس التي تسعى للإفساد واجب وقتل النفس بالنفس مباح إلا على رأي الإمام مالك - رحمه الله - وشيخ الإسلام ابن تيمية فإن قتل الغيلة واجب فيه القصاص يعني من غافل شخصا فقتله فإنه يقتل حتى ولو عفا أولياء المقتول لأن الغيلة شر وفساد ولا يمكن التخلص منها .
مثلا يجئ إنسان لشخص أثناء نومه فيقتله فهذا يقتل على كل حال حتى ولو قال أولياء المقتول عفونا عنه ولا نبغي شيئا هذا رأى الإمام مالك وشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - وهو القول الحق أنه إذا قتل إنسان غيلة فلابد من قتل القاتل ولا خيار لأولياء المقتول في ذلك فالحاصل أن الله بين في هذه الآية أن قتل نفس واحدة بغير نفس أو فساد في الأرض كقتل جميع الناس وإحياء نفس واحدة كإحياء جميع الناس وهذا يدل على عظم القتل ولو أن إنسانا أحصى كم قتل من بني آدم بغير حق لم يقدر ومع ذلك فكل نفس تقتل فعلى ابن آدم الأول الذي قتل أخاه كفل منها وعليه من إثمه نصيب وابن آدم الذي قتل أخاه قتله حسدا حيث كان أول ما جاء آدم من الأبناء اثنين من بني آدم أول ما جاء آدم من الأبناء في أول بطن وقد قربا قربانا قربة إلى الله فتقبل الله من واحد ولم يتقبل من الآخر فقال الثاني الذي لم يتقبل الله منه لأخيه لأقتلنك لماذا يتقبل اله منك ولا يتقبل مني حسده على فضل الله تعالى عليه فقال له ربه { إنما يتقبل الله من المتقين } يعني اتق الله ويقبل الله منك لكن من توعد أخاه بالقتل فليس بمتق لله في النهاية قتله والعياذ بالله { فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين } خسر والعياذ بالله بهذه الفعلة الشنيعة التي أقدم عليها ويقال إنه بقي يحمل أخاه الذي قتله أربعين يوما على ظهره ما يدري ماذا يفعل به لأن القبور ما عرفت في ذلك الوقت فبعث الله غرابا يبحث في الأرض يعني بأظافره ليريه كيف يواري سوءة أخيه وقيل إن غرابين اقتتلا فقتل أحدهما الآخر فحفر أحدهما للثاني فدفنه فاقتدى به هذا القاتل ودفن أخاه وهذا من العجائب أن تكون الغربان هي التي علمت بني آدم الدفن فالحاصل أن كل نفس تقتل بغير حق فعلى القاتل الأول من إثمها نصيب والعياذ بالله وهكذا أيضا من سن القتل بعد أمن الناس وصار يغتال الناس وما أشبه ذلك وتجرأ الناس على هذا من أجل فعله فإن عليه من الإثم نصيبا لأنه هو الذي كان سببا في هذا ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم الدين نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من دعاة الخير وفاعليه إنه جواد كريم
223 - وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مر في شيء من مساجدنا أو أسواقنا ومعه نبل فليمسك أو ليقبض على نصالها بكفه أن يصيب أحدا من المسلمين منها بشيء متفق عليه
224- وعن النُّعْمَانِ بنِ بشِيرٍ رضي اللَّه عنهما قال : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: « مثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وتَرَاحُمِهِمْ وتَعاطُفِهِمْ ، مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَداعَى لهُ سائِرُ الْجسدِ بالسهَرِ والْحُمَّى » متفقٌ عليه .
225-
225 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قبل النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي رضي الله عنهما وعنده الأقرع بن حابس فقال الأقرع إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من لا يرحم لا يرحم متفق عليه
الشَّرْحُ
ذكر المؤلف رحمه الله جملة من أحاديث الرفق بالمسلمين منها حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من مر في شيء من مساجدنا أو أسواقنا ومعه نبل فليمسك أو ليقبض على نصالها بكفه النبل السهام التي يرمى بها وأطرافها تكون دائما دقيقة تنفذ فيما تصيبه من المرمى فإذا أمسك الإنسان بها وقى الناس شرها وإذا تركها هكذا فربما تؤذي أحدا من الناس ربما يأتي أحد بسرعة فتخدشه أو يمر الرجل الذي يمسك بها وهي مفتوحة غير ممسكة فتخدشهم أيضا ومثل ذلك أيضا العصي إذا كان معك عصا فأمسكها طولا يعني اجعل رأسها إلى السماء ولا تجعلها عرضا لأنك إذا جعلتها عرضا آذيت الناس الذين وراءك وربما تؤذي الذين أمامك ومثله الشمسية أيضا إذا كان معك شمسية وأنت في السوق فارفعها لئلا تؤذي الناس فكل شيء يؤذي المسلمين أو يخشى من أذيته فإنه يتجنبه الإنسان لأن أذية المسلمين ليست بالهينة قال الله تعالى والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا ومن الأحاديث التي ذكرها المصنف حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل الحسن بن علي بن أبي طالب وكان عنده الأقرع بن حابس والحسن بن علي بن أبي طالب هو ابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجده من أمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوه علي بن أبي طالب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الحسن والحسين لأنهما سبطاه ويفضل الحسن على الحسين فالحسن قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين فكان الأمر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما حصلت الفتنة في زمن معاوية وآلت الخلافة إلى الحسن بعد أبيه علي بن أبي طالب رضي الله عنه تنازل عنها رضي الله عنه لمعاوية بن أبي سفيان حنا لدماء المسلمين لأنه يعلم أن في الناس أشرار وأنهم ربما يأتون إليه ويغرونه كما فعلوا بأخيه الحسين بن علي رضي الله عنهم غره أهل العراق وحصل ما حصل من المقتلة العظيمة في كربلاء وقتل الحسين أما الحسن رضي الله عنه فإنه تنازل عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان فصار ذلك مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين كان عند النبي صلى الله عليه وسلم الأقرع بن حابس من زعماء بني تميم والغالب أن أهل البادية وأشباههم يكون فيهم جفاء فقبل النبي صلى الله عليه وسلم الحسن فقال الأقرع إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحدا منهم أعوذ بالله من قلب قاس ما يقبلهم ولو كانوا صغارا فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: من لا يرحم لا يرحم يعني أن الذي لا يرحم عباد الله لا يرحمه الله ويفهم من هذا أن من رحم عباد الله رحمه الله وهو كذلك فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم الراحمون يرحمهم الرحمن ففي هذا دليل على أنه ينبغي للإنسان أن يستعمل الرحمة في معاملة الصغار ونحوهم وأنه ينبغي للإنسان أن يقبل أبناءه وأبناء بناته وأبناء أبنائه يقبلهم رحمة بهم واقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم أما ما يفعله بعض الناس من الجفاء والغلظة بالنسبة للصبيان فتجده لا يمكن صبيه من أن يحضر إلى مجلسه ولا أن يمكن صبيه من أن يطلب منه شيئا وإذا رآه عند الرجال انتهره فهذا خلاف السنة وخلاف الرحمة كان النبي عليه الصلاة والسلام يصلي بالناس إحدى صلاتي العشي إما العصر وإما الظهر فجاءته بنت بنته أمامة فكان النبي صلى الله عليه وسلم يحملها وهو يصلي بالناس إذا قام حلمها وإذا سجد وضعها أين هذا الخلق من أخلاقنا اليوم الآن لو يجد الإنسان صبيه في المسجد أخرجه فضلا عن كونه يحمله في الصلاة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يوما من الأيام ساجدا فجاءه الحسن أو الحسين فركب عليه أي جعله راحلة فأطال النبي صلى الله عليه وسلم السجود فلما سلم قال: إن ابني ارتحلني وإني كرهت أن أقوم حتى يقضي نهمته وكان صلى الله عليه وسلم يخطب الناس يوما على المنبر فأقبل الحسن والحسين وعليهما ثوبان جديدان يعثران بهما فنزل النبي صلى الله عليه وسلم وحملهما بين يديه وقال صدق الله { إنما أموالكم وأولادكم فتنة } نظرت إلى هذين الصبيين يعثران فلم أصبر يعني فما طابت نفسه حتى نزل وحملهما ففي هذا كله وأمثاله دليل على أنه ينبغي للإنسان أن يرحم الصغار ويلطف بهم وأن ذلك سبب لرحمة الله عز وجل نسأل الله أن يعمنا وإياكم برحمته ولطفه وإحسانه
226 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت قدم ناس من الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أتقبلون صبيانكم فقال: نعم قالوا: لكنا والله ما نقبل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أملك إن كان الله نزع من قلوبكم الرحمة متفق عليه