226 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت قدم ناس من الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أتقبلون صبيانكم فقال: نعم قالوا: لكنا والله ما نقبل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أملك إن كان الله نزع من قلوبكم الرحمة متفق عليه
227 - وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لا يرحم الناس لا يرحمه الله متفق عليه
228 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا صلى أحدكم للناس فليخفف فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء متفق عليه وفي رواية وذا الحاجة
الشَّرْحُ
قال المؤلف رحمه الله تعالى فيما نقله عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاء قوم من الأعراب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألوا هل تقبلون صبيانكم قال النبي صلى الله عليه وسلم نعم والأعراب كما نعلم جميعا جفاة وعندهم غلظة وشدة ولاسيما رعاة الإبل منهم فإن عندهم من الغلظة والشدة ما يجعل قلوبهم كالحجارة نسأل الله العافية قالوا إنا لسنا نقبل صبياننا قال النبي عليه الصلاة والسلام أو أملك إن كان الله نزع من قلوبكم الرحمة يعني لا أملك لكم شيئا إذا نزع الله الرحمة من قلوبكم وفي هذا دليل على تقبيل الصبيان شفقة عليهم ورقة لهم ورحمة بهم وفيه دليل على أن الله تعالى قد أنزل في قلب الإنسان الرحمة وإذا أنزل الله في قلب الإنسان الرحمة فإنه يرحم غيره وإذا رحم غيره رحمه الله عز وجل كما في الحديث الثاني حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من لا يرحم الناس لا يرحمه الله نسأل الله العافية الذي لا يرحم الناس لا يرحمه الله عز وجل والمراد بالناس الناس الذين هم أهل للرحمة كالمؤمنين وأهل الذمة ومن شابههم وأما الكفار الحربيون فإنهم لا يرحمون بل يقتلون لأن الله تعالى في وصف النبي وأصحابه أشداء على الكفار رحماء بينهم وقال تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم { يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير } ذكر الله تعالى هذه الآية في سورتين من القرآن الكريم بهذا اللفظ نفسه { يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير } ذكرها الله في سورة التوبة وفي سورة التحريم وقال تعالى { ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح } وكذلك أيضا رحمة الدواب والبهائم فإنها من علامات رحمة الله عز وجل للإنسان لأنه إذا رق قلب المرء رحم كل شيء ذي روح وإذا رحم كل شيء ذي روح رحمه الله قيل يا رسول الله ألنا في البهائم أجر قال نعم في كل ذات كبد رطبة أجر ومن الشفقة والرحمة بالمؤمنين أنه إذا كان الإنسان إماما لهم فإنه لا ينبغي له أن يطيل عليهم في الصلاة ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام إذا أم أحدكم الناس فليخفف فإن من ورائه السقيم والضعيف وذا الحاجة والكبير يعني من ورائه أهل الأعذار الذين يحتاجون إلى التخفيف والمراد بالتخفيف ما وافق سنة النبي صلى الله عليه وسلم هذا هو التخفيف وليس المراد بالتخفيف ما وافق أهواء الناس حتى صار الإمام يركض في صلاته ولا يطمئن قال أنس بن مالك رضي الله عنه ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم صلاة من النبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك فكان يقرأ في فجر الجمعة ألم تنزيل السجدة كاملة في الركعة الأولى وهل أتى على الإنسان كاملة في الركعة الثانية وكان يقرأ بسورة الدخان في المغرب ويقرأ فيها بالمرسلات ويقرأ فيها بالطور وربما قرأ فيها بالأعراف ومع هذا فهي خفيفة قال أنس رضي الله عنه ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم صلاة من النبي صلى الله عليه وسلم وليس هذا الحديث حجة للذين يريدون من الأئمة أن يخففوا تخفيفا ينقص الأجر ويخالف السنة ثم اعلم أنه قد يكون التخفيف عارضا طارئا مثل ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل كان يدخل في الصلاة وهو يريد أن يطيل فيها فيسمع بكاء الصبي فيوجز مخافة أن تفتن أمه فإذا حصل طارئ يوجب أن يخفف الإنسان صلاته فليخفف لكن على وجه لا يخل بالواجب فالتخفيف نوعان تخفيف دائم وهو ما وافق سنة النبي صلى الله عليه وسلم وتخفيف طارئ يكون أخف وهو ما دعت إليه الحاجة وهو أيضا من السنة فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع بكاء الصبي خفف الصلاة حتى لا تفتن أمه والمهم أنه ينبغي للإنسان مراعاة أحوال الناس ورحمتهم
229 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم متفق عليه
230 - وعنها رضي الله عنها قالت نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمة لهم فقالوا: إنك تواصل قال: إني لست كهيئتكم إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني متفق عليه معناه يجعل في قوة من أكل وشرب
الشَّرْحُ
قال المؤلف رحمه الله تعالى فيما نقله عن عائشة رضي الله عنها في باب الرفق بالمسلمين والشفقة عليهم قالت عائشة رضي الله عنها إن كان النبي صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يفعله خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم قولها إن كان إن هذه مخففة من الثقيلة وأصلها إن ويقول النحويون إن اسمها محذوف ويسمونه ضمير الشأن وجملة كان ليدع خبرها فالجملة هنا ثبوتية وليست سلبية والمعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يترك العمل وهو يحب أن يفعله لئلا يعمل به الناس فيفرض عليهم فيشق عليهم ومن ذلك ما فعله في رمضان عليه الصلاة والسلام صلى في رمضان ذات ليلة فعلم به أناس من الصحابة فاجتمعوا إليه وصلوا معه وفي الليلة الثانية صلوا أكثر وفي الثالثة أكثر وأكثر ثم ترك الصلاة في المسجد فقال عليه الصلاة والسلام أما بعد فإنه لم يخف على مكانكم يعني ما جرى منهم من الاجتماع ولكني كرهت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها فترك هذا القيام جماعة خوفا من أن تفرض على الأمة وهذا من شفقته وكان يقول لولا أن أشق على أمتي لفعلت كذا وكذا أو لأمرت بكذا وكذا مثل قوله لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ومثله قوله صلى الله عليه وسلم حين تأخر في صلاة العشاء حتى ذهب عامة الليل فقال إنه لوقتها يعني آخر الوقت ثم قال لولا أن أشق على أمتي فهو عليه الصلاة والسلام كان يدع العمل ويدع الأمر بالعمل خوفا من أن يشق على الأمة ومن ذلك أيضا ما روته عائشة رضي الله عنها أنه نهاهم عن الوصال رحمة بهم يعني نهى الصحابة عن الوصال والوصال يعني أن يصل الإنسان يومين فأكثر في الصيام من غير فطر يعني يصوم الليل والنهار يومين أو ثلاثة أو أكثر فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ولكنهم رضي الله عنهم فهموا أنه نهاهم رحمة بهم لا كراهة للعمل فواصلوا ثم واصلوا حتى هل شهر شوال فقال صلى الله عليه وسلم لو تأخر الهلال لزدتكم يعني لأبقيتكم تواصلون قال ذلك تنكيلا لهم حتى يعرفوا ألم الجوع والعطش ويكفوا عن الوصال من أنفسهم المهم أنه نهاهم عن الوصال رحمة بهم فقالوا إنك تواصل ونحن نقتدي بك فقال: إني لست كهيئتكم إني يطعمني ربي ويسقيني يعني أنه عليه الصلاة والسلام ليس كالأمة بل هو يبيت عند ربه يطعمه ويسقيه ومعنى ذلك أنه عليه الصلاة والسلام يتهجد بالليل ويخلو بالله عز وجل بذكره وقراءة كلامه وغير ذلك مما يغنيه عن الأكل والشرب لأن الإنسان إذا اشتغل بالشيء نسي الأكل والشرب خصوصا إذا كان الشيء مما يحبه ويرضاه ولهذا قال الشاعر في محبوبته
لها أحاديث من ذكراك تشغلها ...
عن الشراب وتلهيها عن الزاد
يعني أنها إذا قعدت تتحدث عن هذا الرجل تكثر من ذكره حتى يلهيها ذلك عن الطعام والشراب وهو أمر واقع واضح حتى إن الإنسان قد يكون في الأشغال يشتغل بها فيلهو عن الأكل والشرب مثل طالب العلم الذي يكون منهوما بالعلم شغوفا به ربما يبقى في مكتبته يطالع من الصباح إلى السماء فينسى الأكل والشرب ينسى الغداء والعشاء وربما ينسى النوم وكذلك طالب الدنيا منهوم لا يشبع ربما يبقى في دفاتره وحساباته فينشغل عن الأكل والشرب ويذكر أن رجلا غنيا كان يشتغل بحساباته وبكتاباته وماله وله زوجة وكان له جار فقير متزوج وكانوا يشعرون بأن هذا الجار الفقير يعاشر زوجته بالمعروف فغارت زوجة الغني لأن الغني غافل عنها فقالت له ألا تنظر إلى جارنا يعاشر زوجته بالمعروف ويستأنس مع أهله ففطن الرجل العني لهذا فدعا الرجل الفقير وقال له إنك رجل فقير تحتاج إلى المال وأنا سأعطيك مالا تتجر به فأعطاه المال يتجر به فانشغل به الفقير عن أهله وصار لا يعاشرهم ولا يؤانسهم فصار مثل التاجر فالحاصل أن الإنسان إذا انشغل بالشيء المحبوب إليه أنساه كل شيء ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني فلست كهيئتكم وما زعمه بعض أهل العلم من أن المراد بالإطعام والإسقاء الإطعام من الجنة والإسقاء من الجنة فليس بصحيح لأنه لو طعم طعاما حسيا وشرب شرابا حسيا لم يكن واصلا وإنما المراد بالطعام والسقي ما يشتغل به صلى الله عليه وسلم من ذكر الله بقلبه ولسانه وجوارحه فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
231 - وعن أبي قتادة الحارث بن ربعي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لأقوم إلى الصلاة وأريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه رواه البخاري