231 - وعن أبي قتادة الحارث بن ربعي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لأقوم إلى الصلاة وأريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه رواه البخاري
232 - وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله فلا يطلبنكم الله في ذمته بشيء فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه ثم يكبه على وجهه في نار جنهم رواه مسلم
الشَّرْحُ
ذكر المؤلف رحمه الله تعالى في باب الرفق بالمسلمين فيما نقله عن أبي قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إني لأقوم إلى الصلاة وأريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز كراهية أن أشق على أمه هذا الحديث من النماذج التي تدل على رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بأمته كما وصفه الله تعالى به في قوله: لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم فهو يدخل في صلاة الجماعة يريد أن يطيل فيها والمراد الإطالة النسبية ليست الإطالة الزائدة عن ما كان يفعله من قبل فإذا سمع بكاء الصبي أوجز وخفف مخافة أن يشق على أمه لأن أمه إذا سمعت بكاءه فإنه يشق عليها أن تسمع بكاء ابنها وربما يشغلها كثيرا عن الصلاة فيخفف عليه الصلاة والسلام لأجل ذلك .
ففي هذا الحديث فوائد منها أولا رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بأمته وشفقته عليها ثانيا جواز حضور النساء إلى المساجد ليصلين مع الجماعة وهذا ما لم تخرج المرأة على وجه لا يجوز مثل أن تخرج متعطرة أو متبرجة فإن ذلك لا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهد معنا صلاة العشاء ثالثا جواز إدخال الصبيان للمسجد هذا إذا كان صبيها معها وإن كان خارج المسجد قريبا منه فليس فيه دلالة ولكنه يصعب أن تسمع المرأة بكاء صبيها في البيت وهي في المسجد فالظاهر أن صبيانهن كانوا معهن فيكون فيه دليل على جواز إدخال الصبيان المساجد لكن بشرط أن لا يحصل منهم أذية لا على المسجد ولا على المصلين فإن كان يخشى منهم أذية على المسجد كتلويثه بالبول والنجاسة فإنهم يمنعون وكذلك إذا كان يخشى منهم التشويش على الناس بالصراخ والركض والجلبة فإنهم يمنعون أيضا أما إذا لم يكن منهم بأس فإنه لا بأس أن يؤتى بهم إلى المساجد وإما حديث جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم فهو ضعيف رابعا أنه يجوز للمصلي أن يسمع ما حوله ولا يلزمه أن يسد أذنيه بل له أن يسمع لكن إذا كان ما حوله يشوش عليه إذا سمعه فلا يصلين حوله وإنما يبعد كما لو أراد الإنسان أن يصلي في المسجد وحوله حلقة ذكر أو حلقة قرآن ويخشى أن يشوشوا عليه إذا دنا منهم فليبعد وأما إذا لم يشوشوا فلا بأس أن يسمع بخلاف الاستماع فإن المصلي لا يستمع إلا إلى قراءة الإمام وعلى هذا إذا كنت تصلي وجاء القارئ يقرأ حديثا أو موعظة فلا تشد سمعك إليه لا تستمع إليه ولا تجعل تركيزك معه أما إذا سمعته ولكنك ماض في صلاتك لم تهتم به ولم تلفتت إليه فلا بأس خامسا ومن فوائد هذا الحديث أن يجوز للمصلي أن يغير نيته من تطويل إلى تقصير أو العكس إذا وجد سببا لذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل في الصلاة ناويا أن يطيلها فيوجز لما ذكره من السبب ثم ذكر المؤلف رحمه الله حديث جندب بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من صلى الفجر فهو في ذمة الله الفجر هي الصلاة الأولى عند بعض العلماء وعند بعض العلماء أن الصلاة الأولى هي صلاة الظهر ولكن الأصح أن الصلاة الأولى هي صلاة الفجر والثانية الظهر والثالثة العصر وهي الوسطى والرابعة المغرب والخامسة العشاء وصلاة الفجر تأتي وكثير من الناس نيام ولهذا يتكاسل عنها المنافقون كما قال النبي صلى الله عليه وسلم أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا وهي صلاة العصر أفضل الصلوات الخمس لقول النبي صلى الله عليه وسلم من صلى البردين دخل الجنة والبردان هما الفجر والعصر لأن الفجر براد الليل والعصر براد النهار وقوله من صلى الفجر ظاهره من صلى في جماعة أو غير جماعة .
وقوله فهو في ذمة الله أي في عهده يعني أنه دخل في عهد الله فكأنه معاهد لله عز وجل أن لا يصيبه أحد بسوء ولهذا قال عليه الصلاة والسلام فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء يعني لا يترك عهده على من صلى الفجر لأنه في ذمة الله وفي عهده فإياكم أن يطلبكم الله تعالى من ذمته بشيء فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه ثم يكبه على وجهه في النار ففي هذا دليل على أنه يجب احترام المسلمين الذي صدقوا إسلامهم بصلاة الفجر لأن صلاة الفجر لا يصليها إلا مؤمن فالمنافقون لا يشهدون الجماعة ولا يصلون الفجر أبدا لأنهم إنما يصلون مراءاة للناس فإذا لم يكن الناس ينتبهون لهم فإنهم لا يصلون والفجر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ليست كالفجر في يومنا بل كان الليل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ليلا حالكا لا يرى الناس فيه فيأتي الإنسان ويذهب وهو لا يعرف لكن الآن ليلنا والحمد كنهارنا بما أنعم الله علينا به من هذه الإضاءة بالكهرباء لكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لظلمة الليل وعدم وضوح الرؤية كان المنافقون لا يصلون الفجر والعشاء جماعة والمهم أن هذا الحديث يدل على وجوب احترام المسلمين الذين برهنوا على إسلامهم بصلاة الفجر وأنه لا يجوز لأحد أن يعتدي عليهم
233 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة متفق عليه
الشَّرْحُ
قال المؤلف رحمه الله تعالى فيما نقله عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المسلم أخو المسلم يعني في الدين كما قال الله تبارك وتعالى فأصبحتم بنعمته إخوانا وقال الله تعالى { فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين } وهذه الأخوة هي أوثق الأخوات أوثق من أخوة النسب فإن أخوة النسب قد يختلف مقتضاها فيكون أخوك من النسب عدوا لك كارها لك وذلك يكون في الدنيا وفي الآخرة قال الله تعالى { الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين } أما أخوة الدين فإنها أخوة ثابتة راسخة في الدنيا وفي الآخرة تنفع الإنسان في حياته وبعد مماته لكن هذه الأخوة لا يترتب عليها ما يترتب على إخوة النسب من التوارث ووجوب النفقة وما أشبه ذلك ثم قال: لا يظلمه ولا يسلمه لا يظلمه لا في ماله ولا في بدنه ولا في عرضه ولا في أهله يعني لا يظلمه بأي نوع من الظلم ولا يسلمه يعني لا يسلمه لمن يظلمه فهو يدافع عنه ويحميه من شره فهو جامع بين أمرين الأمر الأول أنه لا يظلمه والأمر الثاني أنه لا يسلمه لمن يظلمه بل يدافع عنه ولهذا قال العلماء رحمهم الله يجب على الإنسان أن يدافع عن أخيه في عرضه وبدنه وماله في عرضه يعني إذا سمع أحدا يسبه ويغتابه يجب عليه أن يدافع عنه وكذلك أيضا في بدنه إذا أراد أحد أن يعتدي على أخيك المسلم وأنت قادر على دفعه وجب عليك أن تدافع عنه وكذلك في ماله لو أراد أحد أن يأخذ ماله فإنه يجب عليك أن تدافع عنه ثم قال عليه الصلاة والسلام والله في حاجة العبد ما كان العبد في حاجة أخيه يعني أنك إذا كنت في حاجة أخيك تقضيها وتساعده عليها فإن الله تعالى يساعدك في حاجتك ويعينك عليها جزاء وفاقا ويفهم من ذلك أن الإنسان إذا ظلم أخاه فإن أخوته ناقصة وإذا أسلمه إلى من يظلمه فإن أخوته ناقصة وإذا لم يكن في حاجته فإن هذا يفوته الخير العظيم وهو كون الله تعالى في حاجته ثم قال ومن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة الكرب ما يضيق على الإنسان ويشق عليه ويجد له في نفسه هما وغما فإذا فرجت عن أخيك هذه الكربة فرج الله عنك كربة من كرب يوم القيامة وتفريج الكربات يكون في أمور متعددة إن كانت كربة مالية فبإعطائه المال الذي تزول به الكربة وإن كانت كربة معنوية فبالحرص على رد معنويته ورد اعتباره حتى تزول عنه الكربة وإذا كانت كربة هم وغم فبأن توسع عليه وتنفس له وتبين له أن الأمور لا تدوم وأن داوم الحال من المحال وتبين له ما في هذا من الأجر والثواب العظيم حتى تهون عليه الكربة ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة ستر يعني غطى عيبه ولم يبينه فإن الله يستره في الدنيا والآخرة وهذا ليس على إطلاقه فهناك نصوص تدل على أنه غير مطلق فالستر قد يكون مأمورا به محمودا وقد يكون حراما فإذا رأينا شخصا على معصية وهو رجل شرير منهمك في المعاصي لا يزيده الستر إلا طغيانا فإننا لا نستره بل نبلغ عنه حتى يردع ردعا يحصل به المقصود أما إذا لم تبدر منه بوادر سيئة ولكن حصلت منه هفوة فإن من المستحب أن تستره ولا تبينه لأحد لا للجهات المسئولة ولا لغيرها فإذا سترته ستر الله عليك في الدنيا والآخرة ومن ذلك أيضا أن تستر عنه العيب الخلقي إذا كان فيه عيب في خلقته كجروح مؤثرة في جلده أو برص أو بهق أو ما أشبه ذلك وهو يتستر ويحب ألا يطلع عليه الناس فإنك تستره إذا سترته سترك الله في الدنيا والآخرة وكذلك إذا كان سيئ الخلق لكنه يتظاهر للناس بأنه حسن الخلق وواسع الصدر وأنت تعرف عنه خلاف ذلك فاستره فمن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة فالستر كما قلت بالنسبة للأعمال السيئة التي يقول بها الإنسان ينقسم إلى قسمين قسم يكون من شخص منهمك في المعاصي مستهتر فهذا لا نستر عليه قسم آخر حصل منه هفوة فهذا هو الذي نستر عليه أما الأمور الأخرى فالستر فيها أكمل وأفضل والله المستعان
234 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلم أخو المسلم لا يخونه ولا يكذبه ولا يخذله كل المسلم على المسلم حرام عرضه وماله ودمه التقوى هاهنا بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم رواه الترمذي وقال: حديث حسن
الشَّرْحُ
قال المؤلف رحمه الله تعالى فيما نقله عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال المسلم أخو المسلم وقد تقدم الكلام على هذه الجملة وأن هذه الأخوة أخو الإيمان وأنها أقوى رابطة وأوثق من أخوة النسب وبينا وجه ذلك فيما سبق وبين هنا في هذا الحديث أنه لا يظلمه ولا يخونه ولا يكذبه لا يخونه يعني لا يغدر به في محل الائتمان إذا ائتمنه على شيء أو على مال أو على سر أو على غير ذلك فإنه لا يخونه والخيانة هي الغدر بالشخص في موضع الائتمان ولا يجوز لأحد أن يخون أخاه المسلم حتى وإن خانه يعني وإن خانك أخوك المسلم فلا تخنه لقول النبي صلى الله عليه وسلم أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك فلو فرضنا أن شخصا خانك في مال بأن أقرضته مالا أي سلفته ثم أنكر بعد ذلك وقال لم تقرضني شيئا فإنه لا يحل لك أن تخونه فتقترض منه ثم تنكره بل أد إليه أمانته واسأل الله الحق الذي لك لقوله عليه الصلاة والسلام لا تخن من خانك كذلك أيضا لا يكذبه أي لا يحدثه بكذب والكذب حرام وكلما كانت آثاره أسوأ كان أشد إثما وليس في الكذب شيء حلالا وأما ما ادعاه بعض العامة حيث يقولون إن الكذب نوعان أسود وأبيض فالحرام هو الأسود والحلال هو الأبيض فجوابه أن الكذب كله أسود ليس فيه شيء أبيض لكن يتضاعف إثمه بحسب ما يترتب عليه فإذا كان يترتب عليه أكل مال المسلم أو غرر على مسلم صار أشد إثما وإذا كان لا يترتب عليه أي شيء من الأضرار فإنه أخف ولكنه حرام لكن ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رخص في الكذب عند الإصلاح بين الناس وفي الحرب وفي حديث الرجل امرأته وحديثها إياه ولكن كثيرا من العلماء قال إن المراد بالكذب في هذا الحديث ليس الكذب الصريح وإنما هو التورية والتروية تسمى كذبا كما قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام حين يأتي الناس له يوم القيامة ليشفع لهم إنه كذب ثلاث كذبات وهو لم يكذب ولكنه ورى تورية يعني أظهر للمخاطب شيئا غير الذي يريده هو فبعض العلماء يقول إن هذا الحديث الذي فيه أن الكذب يجوز في هذه الأشياء الثلاثة يراد به كذب التورية لا الكذب الصريح وعلى هذا فلا يستثنى من الكذب شيء وكل الكذب حرام ثم اعلم أن الكذب يحار فيه الإنسان ويعجز عن معالجته كما قيل
لي حيلة في من ينم ...
وليس في الكذاب حيلة
من كان يخلق ما يقول ...
فحيلتي فيه قليلة
الذي ينم وهو الذي يلقي النميمة بين الناس لي فيه حيلة أي يمكن أن أحتال وأتخلص منه ومن شره لكن الذي يكذب يقول فعلت وفعلت وهو كاذب ليس لي فيه حيلة إذا كان يخلق ما يقول وما شاء قاله فهذا مشكل ليس لي فيه حيلة ولهذا قال هنا ولا يكذبه وفي لفظ ولا يحقره ولا يستصغره حتى وإن كان أكبر منه سنا وإن كان أكثر منه مالا وإن كان أغزر منه علما فلا يحقره واحتقار الناس من الكبر والعياذ بالله قال النبي صلى الله عليه وسلم الكبر بطر الحق وغمط الناس بطر الحق يعني رده وغمط الناس يعني احتقارهم وازدراءهم فالمسلم يرى أخاه بعين الإكبار ويحترمه ويعظمه والعامة يقولون احترم الناس يحترموك واحتقر الناس يحتقروك يعني من رأى الناس بعين الاحتقار رأوه بعين الاحتقار ومن رآهم بعين الإكبار والإجلال رأوه بعين الإكبار والإجلال وهذا شيء مشاهد ولهذا تجد الرجل المتواضع اللين الهين محترما عند الناس كلهم لا أحد يكرهه ولا أحد يسبه والإنسان الشامخ بأنه المستكبر المحتقر لغيره تجده مكروها مذموما عند الناس ولولا حاجة الناس إليه إذا كانوا يحتاجون إليه ما كلمه أحد لأنهم يحتقرونه ثم قال عليه الصلاة والسلام التقوى هاهنا أشار إلى صدره ثلاث مرات يعني أن التقوى في القلب فإذا اتقى القلب اتقت الجوارح وإذا لم يتق القلب لم تتق الجوارح وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب فإذا كان في قلب الإنسان تقوى لله عز وجل وخوف منه وخشية له استقامت أعماله الظاهرة لأن الأعمال الظاهرة تتبع القلب وقد مثل بعض العلماء ومنهم أبو هريرة رضي الله عنه القلب بالملك المطاع مع جنوده فالملك المطاع مع جنوده إذا أمرهم بشيء أطاعوه ولكن بعض العلماء قال: إن هذا المثال أنقص من قول النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلحت صلح الجسد كله وذلك لأن الملك مع جنوده وإن كان مطاعا فإنهم لا يصلحون بصلاحه لكن القلب إذا صلح صلح الجسد وإذا اتقى اتقى الجسد واعلم أن من الناس من يجادل بالباطل بهذا الحديث فإذا أمرته بمعروف أو نهيته عن منكر قال التقوى هاهنا تقول له لا تحلق لحيتك فحلق اللحية حرام وحلق اللحية من هدي المجوس والمشركين وإعفاء اللحية من هدي النبيين والمرسلين وأولياء الله الصالحين إذا قلت له هذا قال التقوى هاهنا التقوى هاهنا نقول له كذبت وإنه ليس في قلبك تقوى لو كان في قلبك تقوى لاتقيت الله لأن القلب إذا اتقى اتقت الجوارح وإذا انهمك في معصية الله انهمكت الجوارح وفي قوله التقوى هاهنا وإشارته إلى صدره دليل على أن العقل في القلب الذي في الصدر وهذا هو المطابق للقرآن تماما قال الله تعالى أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور فقال { قلوب يعقلون بها } ثم قال: { ولكن تعمي القلوب التي في الصدور } وليس القلب هو المخ كما يظنه بعض الجهال فالعقل في القلب ولكن المخ لا شك أن له أثرا في أعمال العبد في حركاته وفي سكناته لكنهم قالوا إن المخ مثل الخادم يهيئ الأشياء ويطبخها ثم يبعث بها إلى القلب ثم يصدر القلب الأوامر على المخ من أجل أن المخ يدبر الأعصاب وبقية الجسم فيكون هذا المخ خادما للقلب عند تصدير الأشياء إليه واستصدارها منه فالأشياء تمر من القلب ذاهبة وآتية إلى المخ والمخ هو الذي يحرك البدن ولذلك إذا اختل المخ اختل كل شيء ثم قال صلى الله عليه وسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه كل المسلم على المسلم حرام دمه فلا يعتدي على المسلم بقتل أو جرح أو غير ذلك وماله فلا يؤخذ ماله لا غصبا ولا سرقة ولا خيانة ولا دعوى ما ليس له ولا غير ذلك بأي طريق فلا يحل لك أن تأخذ مال أخيك بغير حق فإنه حرام عليك وعرضه بأن لا تنتهك عرضه وتتكلم فيه بين الناس سواء كنت صادقا فيما تقول أو كاذبا لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الغيبة فقال: ذكرك أخاك بما يكره قالوا: يا رسول الله أرأيت إن كان في أخي ما أقول قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته فالواجب على المسلم أن يحترم أخاه في ماله وعرضه ودمه كما قال صلى الله عليه وسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه
235 - وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله التقوى هاهنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه رواه مسلم النجش أن يزيد في ثمن سلعة ينادي عليها في السوق ونحوه ولا رغبة له في شرائها بل يقصد أن يغر غيره وهذا حرام والتدابر أن يعرض عن الإنسان ويهجره ويجعله كالشيء الذي وراء الظهر والدبر
الشَّرْحُ