باب النفقة على العيال
قال الله تعالى: { وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف } وقال تعالى { لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها } وقال تعالى { وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه }
الشَّرْحُ
قال المؤلف رحمه الله تعالى باب النفقة على العيال العيال هم الذين يعولهم الإنسان من زوجة أو قريب أو مملوك وقد سبق الكلام على حقوق الزوجة أما الأقارب فلهم حق قال الله تعالى واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى فالقريب له حق في أن ينفق عليه يعني أن تبذل له من الطعام والشراب والكسوة والسكنى ما يقوم بكفايته كما قال تعالى { وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف } المولود له هو الأب عليه أن ينفق على أولاده وعلى زوجاته وعلى من أرضعت ولده ولو كانت في غير حباله لأنه قال { وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف } من أجل الإرضاع أما إذا كانت في حباله فلها النفقة من أجل الزوجية وقوله { وعلى المولود له } يشمل الأب الأدنى والأب الأعلى كالجد ومن فوقه فعليه أن ينفق على أولاد أولاده وإن نزلوا لكن يشترط لذلك شروط الشرط الأول أن يكون المنفق قادر على الإنفاق فإن كان عاجزا فإنه لا يجب عليه الإنفاق لقوله تعالى { لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها } أي إلا ما أعطاها { سيجعل الله بعد عسر يسرا } والشرط الثاني أن يكون المنفق عليه عاجزا عن الإنفاق على نفسه فإن كان قادرا على الإنفاق على نفسه فنفسه أولى ولا يجب على أحد أن ينفق عليه لأنه مستغن وإذا كان مستغنيا فإنه لا يستحق أن ينفق عليه والشرط الثالث أن يكون المنفق وارثا للمنفق عليه لقوله تعالى { وعلى الوارث مثل ذلك } فإن كان قريبا لا يرث فإنه لا يجب عليه الإنفاق فإذا تمت الشروط الثلاثة فإنه يجب على القريب أن ينفق على قريبه ما يحتاج إليه من طعام وشراب ولباس ومسكن ونكاح وإن كان قادرا على بعض الشيء دون بعض وجب على القريب الوارث أن يكمل ما نقص لعموم قوله تعالى { وعلى الوارث مثل ذلك } ثم ذكر المؤلف ثلاث آيات الآية الأولى قوله تبارك وتعالى { وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف } والآية الثانية { لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله } والآية الثالثة قوله تعالى { وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين } فقوله { وما أنفقتم من شيء } أي شيء قد أنفقتموه لله عز وجل { فهو يخلفه } أي يعطيكم خلفه وبدله وهو خير الرازقين
289 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة ودينار تصدقت به على مسكين ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك رواه مسلم
290 - وعن أبي عبد الله ويقال له أبي عبد الرحمن ثوبان بن بجدد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله ودينار ينفقه على دابته في سبيل الله ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله رواه مسلم
291 - وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله: هل لي في بني أبي سليمة أجر أن أنفق عليهم ولست بتاركتهم هكذا ولا هكذا إنما هم بني فقال نعم لك أجر ما أنفقت عليهم متفق عليه
292 - وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في حديثه الطويل الذي قدمناه في أول الكتاب في باب النية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها حتى ما تجعل في في امرأتك متفق عليه
293 - وعن أبي مسعود البدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أنفق الرجل على أهله نفقة يحتسبها فهي له صدقة متفق عليه
294 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت حديث صحيح رواه أبو داود وغيره ورواه مسلم في صحيحه بمعناه قال كفى بالمرء إثما أن يحبس عمن يملك قوته
295 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا متفق عليه
296 - وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال اليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله رواه البخاري
الشَّرْحُ
هذه الأحاديث التي ذكرها المؤلف في باب النفقة على الأهل كلها تدل على فضيلة الإنفاق على الأهل وأنه أفضل من الإنفاق في سبيل الله وأفضل من الإنفاق في الرقاب وأفضل من الإنفاق على المساكين وذلك لأن الأهل ممن ألزمك الله بهم وأوجب عليك نفقتهم فالإنفاق عليهم فرض عين والإنفاق على من سواهم فرض كفاية وفرض العين أفضل من فرض الكفاية وقد يكون الإنفاق على من سواهم على وجه التطوع والفرض أفضل من التطوع لقول الله تعالى في الحديث القدسي ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه لكن الشيطان يرغب الإنسان في التطوع ويزهده في الواجب فتجده مثلا يحرص على الصدقة ويدع الواجب يتصدق على مسكين أو ما أشبه ذلك ويدع الواجب لأهله يتصدق على مسكين أو نحوه ويدع الواجب لنفسه كقضاء الدين مثلا تجده مدينا يطالبه صاحب الدين بدينه وهو لا يوفي ويذهب يتصدق على المساكين وربما يذهب للعمرة أو لحج التطوع وما أشبه ذلك ويدع الواجب وهذا خلاف الشرع وخلاف الحكمة فهو سفه في العقل وضلال في الشرع والواجب على المسلم أن يبدأ بالواجب الذي هو محتم عليه ثم بعد ذلك ما أراد من التطوع بشرط ألا تكون مسرفا ولا مقطرا فتخرج عن سبيل الاعتدال لقول الله تعالى في وصف عباد الرحمن والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما يعني لا إقتار ولا إسراف بل قواما ولم يقل بين ذلك فقط بل بين ذلك قواما قد يكون الأفضل أن تزيد أو أن تنقص أو بين ذلك بالوسط على كل حال هذه الأحاديث كلها تدل على أنه يجب على الإنسان أن ينفق على من عليه نفقته وأن إنفاقه على من عليه نفقته أفضل من الإنفاق على الغير وفي هذه الأحاديث أيضا التهديد والوعيد على من ضيع عمن يملك قوته وهو شامل للإنسان وغير الإنسان فالإنسان يملك الأرقة مثلا ويملك المواشي من إبل وبقر وغنم فهو آثم إذا ضيع من يلزمه قوته من آدميين أو غير آدميين كفى بالمرء إثما أن يحبس عمن يملك قوتهم واللفظ الثاني في غير مسلم كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت وفي هذا دليل على وجوب رعاية من ألزمك الله بالإنفاق عليه
باب الإنفاق مما يحب ومن الجيد
قال الله تعالى { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } وقال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون }
297 - عن أنس رضي الله عنه قال: كان أبو طلحة رضي الله عنه أكثر الأنصار بالمدينة مالا من نخل وكان أحب أمواله إليه بيرحاء وكانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب قال أنس فلما نزلت هذه الآية { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } جاء أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن الله تعالى أنزل عليك: { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } وإن أحب مالي إلى بيرحاء وإنها صدقة لله تعالى أرجو برها وذخرها عند الله تعالى فضعها يا رسول الله حيث أراك الله .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بخ ذلك مال رابح ذلك مال رابح وقد سمعت ما قلت وإني أرى أن تجعلها في الأقربين .
فقال أبو طلحة أفعل يا رسول الله فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه متفق عليه وقوله صلى الله عليه وسلم مال رابح روى في الصحيحين رابح ورايح بالباء الموحدة وبالياء المثناة أي رايح عليك نفعه وببرحاء حديقة نخل وروى بكسر الباء وفتحها
الشَّرْحُ