باب الرجاء
قال الله تعالى { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم } وقال تعالى { وهل نجازي إلا الكفور } وقال تعالى { إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى } وقال تعالى { ورحمتي وسعت كل شيء }
412 - وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأن الجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل متفق عليه وفي رواية لمسلم من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله حرم الله عليه النار
413 - وعن أبي ذر رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها أو أزيد ومن جاء بالسيئة فجزاء سيئة سيئة مثلها أو أغفر ومن تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا ومن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا ومن أتاني يمشي أتيته هرولة ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة لا يشرك بي شيئا لقيته بمثلها مغفرة رواه مسلم معنى الحديث من تقرب إلي بطاعتي تقربت إليه برحمتي وإن زاد زدت فإن أتاني يمشي وأسرع في طاعتي أتيته هرولة أي صببت عليه الرحمة وسبقته بها ولم أحوجه إلى المشي الكثير في الوصول إلى المقصود وقراب الأرض بضم القاف ويقال بكسرها والضم أصح وأشهر ومعناه ما يقارب ملأها والله أعلم
414 - وعن جابر رضي الله عنه قال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ما الموجبتان فقال من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ومن مات يشرك به شيئا دخل النار رواه مسلم
415 - وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ومعاذ رديفه على الرحل قال يا معاذ قال لبيك يا رسول الله وسعديك قال يا معاذ قال لبيك يا رسول الله وسعديك قال يا معاذ قال لبيك يا رسول الله وسعديك ثلاثا قال ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله صدقا من قلبه إلا حرمه الله على النار قال يا رسول الله أفلا أخبر بها الناس فيستبشروا قال إذا يتكلوا فأخبر بها معاذ عند موته تأثما متفق عليه وقوله تأثما أي خوفا من الإثم في كتم هذا العلم لما ذكر المؤلف رحمه الله باب الخوف ذكر باب الرجاء وكأنه رحمه الله يغلب جانب الخوف أو يقول إذا رأيت الخوف قد غلب عليك فافتح باب الرجاء ثم ذكر المؤلف آيات وأحاديث منها قول الله تعالى قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم هذه الآية نزلت في التائبين فإن من تاب تاب الله عليه وإن عظم ذنبه كما قال تعالى { والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما } فمن تاب من أي ذنب فإن الله يتوب عليه مهما عظم ذنبه لكن إن كانت المعصية في أمر يتعلق بالمخلوقين فلابد من إيفائهم حقهم في الدنيا قبل الآخرة حتى تصح توبتك أما غير التائبين فقد قال الله تعالى { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } فغير التائبين إن كان عملهم كفرا فإنه لا يغفر وإن كان سوى الكفر فإنه تحت المشيئة إن شاء الله عذب عليه وإن شاء غفر له لكن إن كان من الصغائر فإن الصغائر تكفر باجتناب الكبائر وببعض الأعمال الصالحة ثم ذكر المؤلف أحاديث متعددة في هذا الباب وكلها أحاديث توجب للإنسان قوة الرجاء بالله عز وجل حتى يلاقي الإنسان ربه وهو يرجو رحمته ويغلبها على جانب الخوف وفيها أحاديث مطلقة مقيدة بنصوص أخرى مثل ما ذكره رحمه الله في أن من لقي الله عز وجل لا يشرك به شيئا دخل الجنة ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار المراد بهذا الشرك وكذلك الكفر ككفر الجحود والاستكبار وما أشبه ذلك فإنه داخل في الشرك الذي لا يغفر نسأل الله أن يجعلنا ممن يرجون رحمته ويخافون عذابه
الشَّرْحُ
416- وعنْ أبي هريرة أَوْ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضيَ اللَّهُ عنهما : شَك الرَّاوِي ، وَلاَ يَضُرُّ الشَّكُّ في عَينِ الصَّحابي ، لأَنهم كُلُّهُمْ عُدُولٌ ، قال : لما كان يَوْمُ غَزْوَةِ تَبُوكَ، أَصابَ الناسَ مَجَاعَةٌ ، فَقالُوا : يا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَذِنْتَ لَنا فَنَحَرْنَا نَواضِحَنا ، فَأَكلْنَا وَادَّهَنَّا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « افْعَلُوا » فَجَاءَ عُمَرُ رضي اللَّهُ عنهُ ، فقالَ : يا رَسولَ اللَّهِ إِنْ فَعَلْتَ قَلَّ الظَّهْرُ ، وَلَكِنْ ادْعُهُمْ بفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ ، ثُمَّ ادْعُ اللَّهِ لَهُمْ عَلَيْهَا بِالبَرَكَةِ لَعَلَّ اللَّه أَنْ يَجْعَلَ في ذلكَ البَرَكَةَ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « نَعَمْ» فَدَعَا بِنِطْعٍ فَبَسَطهُ ، ثُمَّ دَعَا بِفَضْلِ أَزَاوَدِهِمْ ، فَجعلَ الرَّجُلُ يجيءُ بِكَفِّ ذُرَةٍ ويجيءُ الآخَرُ بِكَفِّ تَمْرٍ ، ويجيءُ الآخَرُ بِكِسرَةٍ حَتى اجْتَمَعَ عَلى النِّطْعِ مِنْ ذَلِكَ شَيءٌ يَسِيرٌ ، فَدَعَا رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِالبَرَكَةِ ، ثُمَّ قالَ « خُذُوا في أَوْعِيَتِكُمْ ، فَأَخَذُوا في أَوْعِيَتِهِمْ حتى ما تركُوا في العَسْكَرِ وِعاء إِلاَّ مَلأوهُ ، وأَكَلُوا حَتَّى شَبعُوا وَفَضَلَ فَضْلَةٌ ، فقالَ رَسُولُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ لاَ يَلْقَى اللَّه بهما عَبْدٌ غَيْرُ شاكٍّ ، فَيُحْجبَ عَنِ الجَنَّةِ» رواهُ مسلم .
417-
417 - وعن عتبان بن مالك رضي الله عنه وهو ممن شهد بدرا قال: كنت أصلي لقومي بني سالم وكان يحول بيني وبينهم واد إذا جاءت الأمطار فيشق على اجتيازه قبل مسجدهم فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له إني أنكرت بصري وإن الوادي الذي بيني وبين قومي يسيل إذا جاءت الأمطار فيشق علي اجتيازه فوددت أنك تأتي فتصلي في بيتي مكانا أتخذه مصلى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سأفعل فغدا رسول الله وأبو بكر رضي الله عنه بعد ما اشتد النهار واستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذنت له فلم يجلس حتى قال أين تحب أن أصلي من بيتك فأشرت له إلى المكان الذي أحب أن يصلي فيه فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبر وصففنا وراءه فصلى ركعتين ثم سلم وسلمنا حين سلم فحبسته على خزيرة تصنع له فسمع أهل الدار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي فثاب رجال منهم حتى كثر الرجال في البيت فقال رجل ما فعل مالك لا أراه فقال رجل ذلك منافق لا يحب الله ورسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقل ذلك ألا تراه قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله تعالى فقال الله ورسوله أعلم أما نحن فوالله ما نرى وده ولا حديثه إلا إلى المنافقين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله متفق عليه وعتبان بكسر العين المهملة وإسكان التاء المثناة فوق وبعدها باء موحدة والخزيرة بالخاء المعجمة والزاي هي دقيق يطبخ بشحم وقوله ثاب رجال بالثاء المثلثة أي جاءوا واجتمعوا قال المؤلف رحمه الله تعالى فيما نقله عن عتبان بن مالك رضي الله عنه وكان يؤم قومه بني سالم وكان بينه أي بين بيته وبين قومه واد يعني شعيب يجري فيه السيل فإذا جاء السيل شق عليه عبوره وأضف إلى ذلك أن بصره ضعف فصار يشق عليه مرتين من جهة المش ومن جهة البصر والنظر فجاء فأخبر النبي بذلك وطلب منه أن يأتي إلى بيته ليصلي في مكان من البيت يتخذه عتبان مصلي يصلي فيه وإن لم كن مسجدا فقال النبي صلى الله عليه وسلم سأفعل ثم خرج هو وأبو بكر رضي الله عنه حين اشتد النهار وكان أبو بكر رفيقه حضرا وسفرا لا يفارقه كثيرا ما يكون معه وكثيرا ما يقول الرسول عليه الصلاة والسلام جئت أنا وأبو بكر وعمر ذهبت أنا وأبو بكر وعمر رجعت أنا وأبو بكر وعمر فهما صاحباه ووزيراه رضي الله عنهما صاحباه في الدنيا وصاحباه في البرزخ وقريناه يوم القيامة هؤلاء الثلاثة يقومون لله رب العالمين من مكان واحد من البيت الذي دفن فيه الرسول عليه الصلاة والسلام والذي أصبح الآن في قرارة المسجد النبوي انظر إلى الحكمة اختار الله عز وجل أن يكون البيت الذي دفن فيه الرسول داخل المسجد ليقوم هؤلاء الثلاثة يوم القيامة من وسط المسجد مسجد النبي عليه الصلاة والسلام وعلى هذا لا تكره شيئا اختاره الله قد يختار الله شيئا فيه مصلحة عظيمة لا تدري عنها أنت كره الناس أن يكون بيت الرسول الذي دفن فيه في وسط المسجد وقالوا هذا شبهة لعباد القبور الذين يبنون المساجد على القبور ولكن ليس في ذلك شبهة لأن المسجد لم يبن على القبر وإنما امتد المسجد وبقي القبر في البيت مستقلا عن المسجد ليس فيه حجة لأي إنسان إلا رجلا مبطلا يقول كما قال إبليس أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين لكن انظر الحكمة أن يكون خروجهم يوم القيامة من مكان واحد من جوف المسجد النبوي سبحان الله العظيم حكمة تغيب عن كثير من الناس المهم أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج حين اشتد النهار يعني حين ارتفعت الشمس إلى دار بني مالك فاستأذن فأذن له فدخل ولم يجلس بل قال أين تريد أن أصلي لأنه جاء لغرض فأحب أن يبدأ بالغرض الذي جاء من أجله قبل أي شيء وهذا من الحكمة أنك إذا أردت شيئا لا تعرج إلى غيره حتى تنتهي منه من أجل أن تضبط الوقت ويبارك لك فيه كثير من الناس تضيع عليه الأوقات بسبب أنه يتلقف الأشياء وأضرب لهذا مثلا هب أنك تريد أن تراجع مسألة من مسائل العلم في كتاب من الكتب تقرأ الفهرس لأجل أن تعرف أين مكان هذه المسألة ثم تمر بك مسألة فتقول أريد أن أطلع على هذه المسألة ثم تطلع على الأخرى ويفوتك المقصود الذي من أجله راجعت هذا الكتاب لكن ابدأ أولا بما أردت قبل أي شيء ثم بعد ذلك ما زاد فهو فضل فصلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمكان وصلوا معه جماعة لأن هذه جماعة عارضة لا دائمة ثم لما فرغ من صلاته إذا هو قد أعد له طعاما زهيدا فسمع أهل الدار الدار هو ما نسميه عندنا بالحي والحارة سمع أهل الدار أن الرسول صلى الله عليه وسلم عند عتبان بن مالك فثاب إليه أناس يعني اجتمعوا يريدون أن يهتدوا بالنبي عليه الصلاة والسلام ويسمعوا من قوله ويأخذوا من سنته فاجتمعوا فقالوا أين فلان قالوا ذاك منافق ذاك منافق فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم على من قال ذلك وقال لا تقل ذلك ألا تراه قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله فقال الرجل الله ورسوله أعلم لأن من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله فهو مؤمن ليس منافقا والمنافق يقولها رياء وسمعة لا تدخل قلبه والعياذ بالله أما من قالها يبتغي بها وجه الله فإنه مؤمن بها مصدق تدخل قلبه ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله فكل من قالها يبتغي وجه الله فإن الله يحرمه على النار لماذا لأنه إذا قالها يبتغي بها وجه الله فإنه سيقوم بمقتضاها ويعمل بما تقتضيه هذه الكلمة العظيمة من أداء الواجب وترك المحرم والإنسان إذا أدى الواجب وترك المحرم أحل الحلال وحرم الحرام وقام بالفرائض واجتنب النواهي فإن هذا من أهل الجنة يدخل الجنة ويحرم الله عليه النار وليس في هذا الحديث دليل على أن تارك الصلاة لا يكفر لأننا نعلم اليقين مثل الشمس أن من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله لا يمكن أن يترك الصلاة هذا محال فالذي يقول أنا أقول لا إله إلا الله أبتغي بذلك وجه الله وهو لا يصلي فهو من أكذب الكاذبين لو كان يبتغي وجه الله ما ترك الصلاة التي هي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين وفي هذا الحديث فوائد منها أن من كانت حاله مثل حال عتبان بن مالك فإنه معذور بترك الجماعة وله أن يصلي في بيته مثل أن يكون بينه وبين المسجد واد لا يستطيع العبور معه فإنه معذور ومنها جواز قول الإنسان سأفعل في المستقبل إذا قال ستأتينا غدا قال سآتيك وإن لم يقل إن شاء الله فإن قال قائل ما الجمع بين هذا وبين قوله تعالى { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله } لشيء عام سواء من فعل الله أو من فعلك قلنا إن الذي يقول سآتيك غدا له نيتان النية الأولى أن يقول هذا جازما بالفعل فهذا لا يقوله إلا أن يقول إن شاء الله لأنه لا يدري أيأتي عليه الغد أو لا ولا يدري هل إذا أتى عليه الغد يكون قادرا على الإتيان إليه أو لا ولا يدري إذا كان قادرا يحول بينه وبينه مانع أو لا النية الثانية إذا قال سأفعل يريد أن يخبر عما في قلبه من الجزم دون أن يقصد الفعل فهذا لا بأس به لأنه يتكلم عن شيء حاضر مثل لو قيل لك هل ستسافر مكة قلت نعم سأسافر تريد أن تخبر عما في قلبك من الجزم هذا شيء حاضر حاصل أما إن أردت الفعل أنك ستفعل يعني سيقع منك هذا فهذا لا تقل فيه سأفعل إلا مقرونا بمشيئة الله ومنها أن الإنسان يعذر بترك الجماعة فيما إذا كان بينه وبين المسجد ما يشق عليه من وحل أو ماء أو غيره وقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان ينادي مناديه في الليلة المطيرة أن صلوا في رحالكم يعني في أماكنكم وذلك من أجل أن لا يشق على الناس فأما إذا كان ماء بلا مشقة وبلا دحر ووحل فإنه لا يعذر الإنسان بترك الجماعة ومن فوائد حديث عتبان بن مالك رضي الله عنه: أن المصلى الذي يكون في البيت لا يكون له حكم المسجد، فلو أن الإنسان اتخذ مصلى في بيته لا يصلى إلا فيه فليس بمسجد سواء حجره أو لم يحجره . وعلى هذا فلا تثبت له أحكام المسجد فيجوز للإنسان أن يبقى فيه وهو جنب وإذا جلس فيه لا يلزمه تحية المسجد فكل أحكام المساجد لا تثبت له وإذا أراد أن يعتكف فيه لم يصح اعتكافه حتى لو كانت امرأة ولها مسجد في بيتها فإنها لا تعتكف فيه ومن فوائد حديثه رضي الله عنه أنه يجوز أن تقام الجماعة من النوافل لكن ليس دائماً بل أحيانا فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراه عتبان المكان الذي يصلي فيه تقدم وصلى بهم ركعتين وصلوا خلفه فإذا صلى الإنسان الراتبة مثلا أو سنة الضحى إذا صلاها جماعة فلا بأس بذلك أحيانا . وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى معه ابن عباس رضي الله عنهما صلاة الليل وصلى معه ابن مسعود وصلى معه حذيفة لكن ليس دائماً فصلاة الجماعة نفلا أحيانا لا بأس بها . ومن فوائد هذا الحديث أنه لا بأس أن يتخذ الإنسان مصلى يعتاد الصلاة فيه في بيته ولا يقال إن هذا مثل اتخاذ مكان معين في المسجد لا يصلي إلا فيه فإن هذا منهي عنه يعني ينهي الإنسان أن يتخذ في المسجد مكان لا يصلي إلا فيه مثل أنه لا يصلي النافلة لا تحية المسجد ولا غيرها إلا فيه فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن استيطان كاستيطان البعير يعني عن اتخاذ موطن كأعطان الإبل تأوي إليه وتبيت فيه . ومنها أنه يجب على الإنسان أن يحبس لسانه عن الكلام في الناس بنفاق أو كفر أو فسق إلا ما دعت الحاجة إليه فإنه لابد أن يبينه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال رجل عن مالك إنه منافق قال: لا تقل هكذا أما علمت أنه قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله ؟ لكن هذا متى يحصل أن يشهد الرسول عليه الصلاة والسلام لرجل بالإخلاص هو ليس بحاصل بعد موت الرسول عليه الصلاة والسلام إنما ليس لنا إلا الظاهر فمن ظهر لنا من حالة الصلاح وجب علينا أن نحكم له بالصلاح وألا نغتابه ولا نسبه . ومن فوائد الحديث: محبة الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والجلوس إليه لأنهم لما علموا أنه عند عتبان بن مالك ثابوا إليه واجتمعوا عنده ليتعلموا منه، وينالهم من بركة علمه عليه الصلاة والسلام . ومنها: ما سبق أن أشرنا إليه أن الإنسان يبدأ بالشغل الذي يريد قبل كل شيء لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في المكان قبل أن يجلس وقبل أن ينظر إلى ما صنع له من الطعام . ومن فوائده أيضا: أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان على جانب كبير من التواضع لأنه لما انتهى من الصلاة يقول عتبان حبسته على خزيرة نوع من الطعام ليس بذاك الجيد حبسه: يعني قال له انتظر حتى ينتهي الطعام ويقدمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا لا شك أن فيه تواضعا من رسول الله صلى الله عليه وسلم . ومنها وهي من أكبر فوائد هذا الحديث أن من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله فإن الله يحرم عليه النار فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله يعني يطلب وجه الله . ومعلوم أن الذي يقول هذا طالبا وجه الله فسيفعل كل شيء يقربه إلى الله من فروض ونوافل فلا يكون هذا دليل للكسالى والمهملين يقولون نحن نقول لا إله إلا الله نبتغي بذلك وجه الله . نقول: لو كنتم صادقين ما أهملتم العبادات الواجبة عليكم
الشَّرْحُ
418 - وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبي فإذا امرأة من السبي تسعى إذ وجدت صبيا في السبي أخذته فألزقته ببطنها فأرضعته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار ؟ قلنا لا والله فقال: لله أرحم بعباده من هذه بولدها متفق عليه .
419 -