460 - وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة متفق عليه .
461 - وعنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يتبع الميت ثلاثة: أهله وماله وعمله: فيرجع اثنان ويبقى واحد: يرجع أهله وماله ويبقى عمله متفق عليه .
462 - وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يؤتي بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة ثم يقال: يا ابن آدم هل رأيت خيرا قط ؟ هل مر بك نعيم قط ؟ فيقول: لا والله يا رب ويؤتي بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة فيقال له: يا ابن آدم هل رأيت بؤسا قط ؟ هل مر بك شدة قط ؟ فيقول: لا والله ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط رواه مسلم .
463 - وعن المستورد بن شداد رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بم يرجع ؟ روه مسلم .
464 - وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بالسوق داخلا من بعض العالية، والناس والناس كنفتيه فمر بجدي أسك ميت فتناوله فأخذ بأذنه ثم قال: أيكم يحب أن يكون هذا له بدرهم ؟ فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيء وما نصنع به ؟ ثم قال: أتحبون أنه لكم ؟ قالوا: والله لو كان حيا كان عيبا، إنه أسك فكيف وهو ميت فقال: فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم رواه مسلم . ذكر المؤلف - رحمه الله - أحاديث في بيان الزهد في الدنيا، وأن النعيم هو نعيم الآخرة، منها عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة يعني . العيشة الهنية الراضية الباقية هو عيش الآخرة أما الدنيا فإنه مهما طاب عيشها فمآلها للفناء وإذا لم يصحبها عمل صالح فإنها خسارة ولهذا ذكر في ضمن هذه الأحاديث أنه يؤتي بأنعم أهل الدنيا في الدنيا يعني: أشدهم نعيما في بدنه وثيابه وأهله ومسكنه ومركوبه وغير ذلك فيصبغ في النار صبغة يعني يغمس في النار غمسة واحدة، ويقال له: يا ابن آدم هل رأيت خيرا قط ؟ هل مر بك نعيم قط ؟ فيقول: لا والله يا رب لأنه ينسى كل هذا النعيم هذا وهو شيء يسير فكيف بمن يكون مخلدا فيها والعياذ بالله أبد الآبدين . وذكر أيضا في حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم مر في السوق بجدي أسك . والجدي من صغار الماعز وهو أسك: مقطوع الأذنين فأخذه النبي عليه الصلاة والسلام ورفعه وقال: أيكم يحب أن يكون هذا له بدرهم ؟ قالوا: يا رسول الله، ما نحب أنه لنا بشيء وما نصنع به . ثم قال صلى الله عليه وسلم: أتحبون أنه لكم ؟ فقالوا: والله لو كان حيا كان عيبا إنه أسك، فكيف وهو ميت ؟ فقال: فوالله إن الدنيا أهون على الله تعالى من هذا عليكم . فهذا جدي ميت لا يساوي شيئا، ومع ذلك فالدنيا أهون وأحقر عند الله تعالى من هذا الجدي الأسك الميت فهي ليست بشيء . ومع ذلك فإن من عمل فيها عملا صالحا صارت مزرعة له في الآخرة ونال السعادتين سعادة الدنيا وسعادة الآخرة . أما من غفل وتغافل وتهاون ومضت الأيام عليه وهو لم يعمل فإنه يخسر الدنيا والآخرة قال تعالى: قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلاَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ وقال تعالى: { وَالْعَصْرِ، إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } . وكل بني آدم خاسر إلا هؤلاء الذين جمعوا هذه الأوصاف الأربعة آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر جعلنا الله والمسلمين منهم .
الشَّرْحُ
465 - وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرة بالمدينة فاستقبلنا أحد فقال: يا أبا ذر قلت: لبيك يا رسول الله فقال: ما يسرني أن عندي مثل أحد هذا ذهبا تمضي علي ثلاثة أيام وعندي منه دينار إلا شيء أرصده لدين إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا عن يمينه وعن شماله ومن خلفه . ثم سار فقال: إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال بالمال هكذا وهكذا وهكذا عن يمينه وعن شماله ومن خلفه وقليل ما هم ثم قال لي: مكانك لا تبرح حتى آتيك . ثم انطلق في سواد الليل حتى توارى فسمعت صوتا قد ارتفع فتخوفت أن يكون أحد عرض للنبي صلى الله عليه وسلم فأردت أن آتيه فذكرت قوله: لا تبرح حتى آتيك فلم أبرح حتى أتاني . فقلت لقد سمعت صوتا تخوفت منه فذكرت له فقال: وهل سمعته ؟ قلت: نعم قال: ذاك جبريل أتاني فقال: من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، قلت: وإن زنى وإن سرق ؟ قال: وإن زنى وإن سرق متفق عليه . وهذا لفظ البخاري .
466 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو كان لي مثل أحد ذهبا لسرني أن لا تمر علي ثلاث ليال وعندي منه شيء إلا شيء أرصده لدين متفق عليه .
467 - وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم متفق عليه، وهذا لفظ مسلم .
468 - وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة إن أعطى رضى، وإن لم يعط لم يرض رواه البخاري .
469 - وعنه رضي الله عنه قال: لقد رأيت سبعين من أهل الصفة ما منهم رجل عليه رداء إما إزار وإما كساء قد ربطوا في أعناقهم فمنها ما يبلغ نصف الساقين ومنها ما يبلغ الكعبين فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته رواه البخاري .
470 - وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر رواه مسلم . هذه الأحاديث التي ساقها المؤلف - رحمه الله - كلها تدل على الزهد في الدنيا . فمنها حديث أبي ذر وأبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما يسرني أن عندي مثل أحد هذا ذهبا تمضي علي ثلاثة أيام وعندي منه دينار، إلا شيء أرصده لدين إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا عن يمينه وعن شماله ومن خلفه . وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أزهد الناس في الدنيا، لأنه لا يريد أن يجمع المال إلا شيئا يرصده لدين وقد توفي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي في شعير أخذه لأهله . ولو كانت الدنيا محبوبة إلى الله عز وجل ما حرم منها نبيه صلى الله عليه وسلم: فالدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما ولاه وعالما ومتعلما وما يكون في طاعة الله عز وجل . ثم ذكر في حديث أبي ذر أن المكثرين هم المقلون يوم القيامة يعني: المكثرين من الدنيا هم المقلون من الأعمال الصالحة يوم القيامة، وذلك لأن الغالب على من كثر ماله في الدنيا أن يستغني ويتكبر ويعرض عن طاعة الله، لأن الدنيا تلهيه فيكون مكثرا في الدنيا مقلا في الآخرة، وقوله: إلا من قال بالمال هكذا وهكذا وهكذا يعني في المال وصرفه في سبيل الله عز وجل . وفي حديث أبي ذر أن من مات لا يشرك بالله دخل الجنة وإن زنى وإن سرق، وهذا لا يعني أن الزنى والسرقة من الأمور السهلة، بل هي صعبة، ولهذا استعظمها أبو ذر وقال: وإن زنى وإن سرق ؟ قال: وإن زنى وإن سرق وذلك لأن من مات على الإيمان وعليه معاص من كبائر الذنوب فإن الله يقول: إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَّشَاءُ قد يعفو الله عنه ولا يعاقبه وقد يعاقبه، لكن إن عاقبه فمآله إلى الجنة لأن كل من كان لا يشرك بالله ولم يأت شيئا مكفرا فإن مآله على الجنة . أما من أتى مكفرا كالذي لا يصلي والعياذ بالله فهذا مخلد في النار لأنه كافر مرتد حتى ولو قال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، وآمنت بالله وباليوم الآخر وهو لا يصلي فإنه مرتد لأن المنافقين كانوا يقولون للرسول عليه الصلاة والسلام: { نشهد إنك لرسول الله } وكانوا يذكرون الله ولكن لا يذكرون الله إلا قليلا ويصلون ولكن: { وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاَةِ قَامُوا كُسَالَى } ومع ذلك فهم في الدرك الأسفل من النار . وكذلك الأحاديث التي تلت ما رواه أبو ذر رضي الله عنه كلها تدل على الزهد في الدنيا وأن الإنسان لا ينبغي أن تتعلق نفسه بها وأن تكون الدنيا بيده لا بقلبه، حتى يقبل بقلبه على الله عز وجل، فإن هذا هو كمال الزهد وليس المعنى أنك لا تأخذ شيئا من الدنيا بل خذ من الدنيا ما يحل لك، ولا تنس نصيبك منها، ولكن اجعلها في يديك ولا تجعلها في قلبك وهذا هو المهم، نسأل الله لنا وللمسلمين العافية والسلامة .
الشَّرْحُ
471 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول إذا أمست فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك رواه البخاري . قالوا في شرح هذا الحديث معناه لا تركن إلى الدنيا ولا تتخذها وطنا، ولا تحدث نفسك بطول البقاء فيها، ولا بالاعتناء بها، ولا تتعلق منها إلا بما يتعلق به الغريب في غير وطنه ولا تشتغل فيها بما لا يشتغل به الغريب الذي يريد الذهاب إلى أهله , وبالله التوفيق . ذكر المؤلف - رحمه الله - في باب الزهد في الدنيا حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بمنكبي وأخذ بمنكبه من أجل أن يستعد لما يلقيه عليه فينتبه فقال: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل يحتمل أن هذا من باب الشك، أي أن الراوي شك هل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الأول أو الثاني . ويحتمل أنه من باب التنويع يمعني كن كالغريب الذي يداخل الناس ولا يهتم بهم، ولا يعرف بينهم، أو كأنك عابر سبيل تريد أن تأخذ ما تحتاجه في سفرك وأنت ماش . وهذا التمثيل الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم هو الواقع، لأن الإنسان في هذه الدنيا مسافر فالدنيا ليست دار مقر بل هي دار ممر، سريع راكبه لا يفتر ليلا ولا نهارا، فالمسافر ربما ينزل منزلا فيستريح ولكن مسافر الدنيا لا ينزل هو دائما في سفر كل لحظة فإنك تقطع بها شوطا من هذه الدنيا لتقرب من الآخرة . فما ظنكم بسفر لا يفتأ صاحبه يمشي ويسير أليس ينتهي بسرعة ؟ بلى ولهذا قال الله سبحانه وتعالى: كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا والإنسان عليه أن يقيس ما يستقبل من عمره بما مضى فالذي مضي كأنه لا شيء حتى أمسك الأدنى كأنك لم تمر به أو كأنه حلم، وكذلك فما يستقبل من دنياك فهو كالذي تقدم، ولهذا لا ينبغي الركون إلى الدنيا ولا الرضى بها، وكأن الإنسان مخلد فيها . ولذلك كان ابن عمر رضي الله عنه يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك
الشَّرْحُ