604 - وعن أنس رضي الله عنه أنه مر على صبيان فسلم عليهم وقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله متفق عليه .
605- وعنه قال : إِنْ كَانَتِ الأَمَةُ مِن إِمَاءِ المَدِينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيثُ شَاءَتْ . رواه البخاري .
606-
606 - وعن الأسود بن يزيد قال: سئلت عائشة رضي الله عنها: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته ؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله - يعني: خدمة أهله - فإذا حضرت الصلاة، خرج إلى الصلاة رواه البخاري .
607 - وعن أبي رفاعة تميم بن أسيد رضي الله عنه قال: انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فقلت يا رسول الله رجل غريب جاء يسأل عن دينه لا يدري ما دينه ؟ فأقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك خطبته حتى انتهى إلي، فأتي بكرسي، فقعد عليه، وجعل يعلمني مما علمه الله، ثم أتى خطبته، فأتم آخرها رواه مسلم . هذه الأحاديث ذكرها الحافظ النووي - رحمه الله تعالى - في بيان تواضع النبي صلى الله عليه وسلم منها أنه كان يسلم على الصبيان إذا مر عليهم، يسلم عليهم مع أنهم صبيان غير مكلفين، واقتدى به أصحابه رضي الله عنه فعن أنس رضي الله عنه أنه كان يمر بالصبيان فيسلم عليهم، يمر بهم في السوق يلعبون فيسلم عليهم ويقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله أي يسلم على الصبيان إذا مر عليهم، وهذا من التواضع وحسن الخلق ومن التربية وحسن التعليم والإرشاد والتوجيه، لأن الصبيان إذا سلم الإنسان عليهم، فإنهم يعتادون ذلك ويكون ذلك كالغريزة في نفوسهم . إن الإنسان إذا مر على أحد سلم عليه، وإذا كان هذا يقع من النبي صلى الله عليه وسلم على الصبيان، فإننا نأسف لقوم يمرون بالكبار البالغين ولا يسلمون عليهم والعياذ بالله، قد لا يكون ذلك هجرا أو كراهة، لكن عدم مبالاة، عدم اتباع للسنة جهل، غفلة، وهم وإن كانوا غير آثمين لأنهم لم يتخذوا ذلك هجرا، لكنهم قد فاتهم خير كثير . فالسنة أن تسلم على كل من لقيت، وأن تبدأه بالسلام، ولو كان أصغر منك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبدأ من لقيه بالسلام، وهو عليه الصلاة والسلام أكبر الناس قدرا، ومع ذلك كان يبدأ من لقيه بالسلام . وأنت إذا بدأت من لقيته بالسلام حصلت على خير كثير، منه اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ومنه أنك تكون سببا لنشر هذه السنة التي ماتت عند كثير من الناس، ومعلوم أن إحياء السنن يؤجر الإنسان عليه مرتين مرة على فعل السنة ومرة على إحياء السنة . ومنه أنك تكون السبب في إجابة هذا الرجل وإجابته فرض كفاية، فتكون سببا في إيجاد فرض الكفاية من هذا الرجل . ولهذا كان ابتداء السلام أفضل من الرد، وإن كان الرد فرضا وهذا سنة، لكن لما كان الفرض ينبني على هذه السنة، كانت السنة أفضل من هذا لفرض، لأنه مبني عليها . وهذه من المسائل التي ألغز بها بعض العلماء وقال: عندنا سنة أفضل من الفريضة لأنه من المتفق عليه أن الفرض أفضل، مثلا صلاة الفجر وركعتان أفضل من راتبتها ركعتين لأنها فرض والراتبة سنة، لكن ابتداء السلام سنة، ومع ذلك صار أفضل من رده لأن رده مبني عليه . فالمهم أنه ينبغي لنا إحياء هذه السنة أعني إفشاء السلام، وهو من أسباب المحبة، ومن كمال الإيمان، ومن أسباب دخول الجنة، قال النبي عليه الصلاة والسلام: لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم . ومن تواضع النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان في بيته في خدمة أهله يحلب الشاة يخصف النعل، يخدمهم في بيتهم، لأن عائشة سئلت ماذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته ؟ قالت: كان في مهنة أهله يعني في خدمتهم عليه الصلاة والسلام . فمثلا الإنسان إذا كان في بيته فمن السنة أن يصنع الشاي مثلا لنفسه، ويطبخ إذا كان يعرف ويغسل ما يحتاج إلى غسله كل هذا من السنة أنت إذا فعلت ذلك تثاب عليه ثواب سنة، اقتداء بالرسول عليه الصلاة والسلام وتواضعا لله عز وجل، ولأن هذا يوجد المحبة بينك وبين أهلك، إذا شعر أهلك أنك تساعدهم في مهنتهم أحبوك وازدادت قيمتك عندهم، فيكون في هذا مصلحة كبيرة . ومن تواضع الرسول عليه الصلاة والسلام أنه جاءه رجل وهو يخطب الناس فقال: رجل غريب جاء يسأل عن دينه فأقبل إليه النبي وقطع خطبته حتى انتهى إليه ثم جيء إليه بكرسي، فجعل يعلم هذا الرجل، لأن هذا الرجل جاء مشفقا محبا للعلم، يريد أن يعلم دينه حتى يعمل به فأقبل إليه النبي عليه الصلاة والسلام وقطع الخطبة ثم بعد ذلك أكمل خطبته، وهذا من تواضع الرسول عليه الصلاة والسلام وحسن رعايته . فإن قال قائل أليست المصلحة العامة أولى بالمراعاة من المصلحة الخاصة ؟ وحاجة هذا الرجل خاصة، وهو صلى الله عليه وسلم يخطب في الجماعة ؟ قلنا: نعم لو كانت مصلحة العامة تفوت لكان مراعاة المصلحة العامة أولى، لكن مصلحة العامة لا تفوت بل إنهم سيستفيدون مما يعلمه الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل الغريب، والمصلحة العامة لا تفوت . وهذا الغريب الذي جاء يسأل عن دينه إذا أقبل إليه الرسول عليه الصلاة والسلام وعلمه كان في تأليف لقلبه على الإسلام، ومحبة للإسلام، ومحبة للرسول صلى الله عليه وسلم وهذا من حكمة رسول الله صلوات الله وسلامه عليه . وفق الله الجميع بما يحبه ويرضى .
الشَّرْحُ
608 - وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل طعاما لعق أصابعه الثلاث قال: وقال: إذا سقطت لقمة أحدكم، فليمط عنها الأذى، وليأكلها، ولا يدعها للشيطان وأمر أن تسلت القصعة قال: فإنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة رواه مسلم .
610 - وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو دعيت إلى كراع أو ذراع لقبلت . ولو أهدي إلي ذراع أو كراع لقبلت رواه البخاري .
611 - وعن أنس رضي الله عنه قال: كانت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء لا تسبق، أو لا تكاد تسبق فجاء أعرابي على قعود له فسبقها فشق ذلك على المسلمين حتى عرفه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه رواه البخاري . هذه الأحاديث ذكرها الحافظ النووي - رحمه الله تعالى - في باب التواضع فمنها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من الأكل لعق أصابعه الثلاث، لعقها: أي لحسها حتى يكون ما بقى من الطعام فيها داخلا في طعامه الذي أكله من قبل وفيه فائدة ذكرها بعض الأطباء أن الأنامل تفرز عند الأكل شيئا يعين على هضم الطعام . فيكون في لعق الأصابع بعد الطعام فائدتان: فائدة شرعية: وهي الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم . وفائدة صحية طبية: وهي هذا الإفراز الذي يكون بعد الطعام يعين على الهضم . والمؤمن لا يجعل همه فيما يتعلق بالصحة البدنية، أهم شيء عند المؤمن هو اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، والاقتداء به، لأن فيه صحة القلب وكلما كان الإنسان للرسول صلى الله عليه وسلم أتبع كان إيمانه أقوى . وكذلك قال عليه الصلاة والسلام: إذا سقطت لقمة أحدكم يعني على الأرض أو على السفرة فليمط عنها الأذى وليأكلها، ولا يدعها للشيطان فإذا سقطت اللقمة، أو التمرة، أو ما أشبه ذلك على السفرة، فخذها وأزل ما فيها من الأذى إن كان فيها أذى من تراب، أو عيدان وكلها، تواضعا لله عز وجل، وامتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وحرمانا للشيطان من الأكل معك، لأنك إذا تركتها أكلها الشيطان، والشيطان ربما يشارك الإنسان في أكله في مثل هذه المسألة، وفيما إذا أكل ولم يسم، فإن الشيطان يشاركه في أكله . والثالث: أمره بإسلات الصحن أو القصعة، وهو الإناء الذي فيه الطعام، فإذا انتهيت فأسلته، بمعنى أن تتبع ما علق فيه من طعام بأصابعك وتلعقها . فهذا أيضا من السنة التي غفل عنها كثير مع الأسف حتى من طلبة العلم أيضا، إذا فرغوا من الأكل وجدت الجهة التي تليهم ما زال الأكل باقيا فيها، لا يلعقون الصحفة، وهذا خلاف ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ثم بين الرسول عليه الصلاة والسلام الحكمة من ذلك فقال: فإنكم لا تدرون في أي طعام البركة قد تكون البركة من هذا الطعام في هذا الذي سلته من القصعة . وفي هذا الحديث: حسن تعليم الرسول عليه الصلاة والسلام وأنه إذا ذكر الحكم ذكر الحكمة منه، لأن ذكر الحكمة مقرونا بالحكم يفيد فائدتين عظيمتين . الفائدة الأولى: بيان سمو الشريعة، وأنها شريعة مبنية على المصالح، فما من شيء أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم إلا والمصلحة في وجوده، وما من شيء نهى عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم إلا والمصلحة في عدمه . الفائدة الثانية: زيادة اطمئنان النفس، لأن الإنسان بشر قد يكون عنده إيمان وتسليم بما حكم الله به ورسوله لكن إذا ذكرت الحكمة ازداد إيمانا وازداد يقينا، ونشط على فعل المأمور، أو ترك المحظور . ثم ذكر المؤلف حديث أنس بن مالك رضي الله عنهم في قصة الأعرابي الذي جاء بقعود له، ناقة ليست كبيرة، أو جمل ليس بكبير، وكانت ناقة النبي صلى الله عليه وسلم العضباء وهي غير القصواء التي حج عليها هذه ناقة أخرى، وكان من هدى الرسول عليه الصلاة والسلام أنه يسمي دوابه، وسلاحه، وما أشبه ذلك . فالعضباء هذه كان الصحابة رضي الله عنهم يرون أنها لا تسبق أو لا تكاد تسبق، فجاء هذا الأعرابي بعقوده فسبق العضباء، فكأن ذلك شق على الصحابة رضي الله عنهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لما عرف ما في نفوسهم: حق على الله ألا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه فكل ارتفاع يكون في الدنيا فإنه لابد أن يؤول إلى انخفاض، فإن صحب هذا الارتفاع ارتفاع في النفوس وعلم في النفوس فإن الوضع إليه أسرع، لأن الوضع يكون عقوبة، أما إذا لم يصحبه شيء فإنه لابد أن يرجع ويوضع، كما قال الله تبارك وتعالى: إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأنْعَامُ أي ظهر فيه من كل نوع . { حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأمْسِ } ذهبت كلها، كل هذه الزينة، وكل هذا النبات الذي اختلط من كل صنف كله يزول كأن لم يكن وهكذا الدنيا كلها تزول كأن لم تكن، حتى الإنسان نفسه يبدو صغيرا ضعيفا ثم يقوى فإذا انتهت قوته عاد إلى الضعف والهرم، ثم إلى الفناء والعدم فما من شيء ارتفع من الدنيا إلا وضعه الله عز وجل . وفي قوله عليه الصلاة والسلام: من الدنيا دليل على أن ما ارتفع من أمور الآخرة فإنه لا يضعه الله، فقوله: { يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } فهؤلاء لا يعضهم الله عز وجل ما داموا على وصف العلم والإيمان، فإنه لا يمكن أن يضعهم الله . بل يرفع لهم الذكر، ويرفع درجاتهم في الآخرة .
الشَّرْحُ