636 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بال أعرابي في المسجد فقام الناس إليه ليقعوا فيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعوه وأريقوا على بوله سجلا من ماء، أو ذنوبا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين رواه البخاري . السجل بفتح السين المهملة وإسكان الجيم: وهي الدلو الممتلئة ماء كذلك الذنوب . ساق المؤلف - رحمه الله - في باب الحلم والأناة والرفق في كتابه رياض الصالحين حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن أعرابيا بال في المسجد أعرابي يعني بدوي والبدوي في الغالب لا يعرف أحكام الشرع لأنه يعيش في البادية في إبله أو في غنمه وليس له علم بشريعة الله كما قال الله تعالى: الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ يعني أقرب ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله لأنهم في باديتهم بعيدون عن الناس وعن العلم والشرع . فهذا الأعرابي دخل المسجد واحتاج إلى أن يبول فبال في طائفة المسجد أي تنحى وبال في المسجد فهم الناس أن يقعوا فيه وزجروه ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم دعوه أي يقضي بوله . وأريقوا على بوله سجلا من ماء أو ذنوبا من ماء فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين فتركه الناس . فلما قضى بوله صبوا عليه ذنوبا من الماء يعني دلوا من الماء فطهر المحل وزال المحذور ثم دعا بالأعرابي وقال له: إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من الأذى أو القذر وإنما هي للصلاة وقراءة القرآن والتكبير كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم . ففي هذا الحديث فوائد كثيرة . منها: العذر بالجهل وأن الإنسان الجاهل لا يعامل كما يعامل العالم لأن العالم معاند والجاهل متطلع للعمل فيعذر بجهله ولهذا عذره النبي صلى الله عليه وسلم ورفق به . ومنها أن الشرع يقتضي دفع أعلى المفسدتين بأدناهما، يعني إذا كان هناك مفسدتان لابد من ارتكاب أحدهما فإنه يرتكب الأسهل فهنا أمامنا مفسدتان: الأولى: استمرار هذا الأعرابي في بوله وهذه مفسدة . الثانية إقامته من بوله وهذه مفسدة أيضا لكن هذه أكبر لأن هذه يترتب عليها . أولا الضرر على هذا البائل لأن البائل إذا منع البول المتهيئ للخروج ففي ذلك ضرر فربما تتأثر مجاري البول ومسالك البول . ثانيا أنه إذا قام فإما أن يقطع رافعا ثوبه لئلا تصيبه قطرات البول وحينئذ تكون القطرات منتشرة في المكان وربما تأتي على أفخاذه ويبقى مكشوف العورة أمام الناس وفي المسجد وإما أن يدلي ثوبه وحينئذ يتلوث الثوب ويتلوث البدن وهذه أيضا مفسدة . فلهذا ترك النبي صلى الله عليه وسلم هذا الرجل يبول حتى انتهى ثم أمر بأن يصب عليه ذنوبا من ماء وعلى هذا فيكون لدينا قاعدة إذا اجتمعت مفسدتان لابد من ارتكاب إحداهما فإنه يرتكب الأسهل والأخف دفعا للأعلى كما إنه إذا اجتمعت مصالح ولا يمكن فعل جميعها فإنه يؤخذ الأعلى فالأعلى ففي المصالح يقدم الأعلى وفي المفاسد يقدم الأسهل والأدنى . ومن فوائد هذا الحديث وجوب تطهير المسجد وأنه فرض كفاية لقول الرسول صلى الله عليه وسلم أريقوا على بوله سجلا من ماء فيجب على من رأى نجاسة في المسجد أن يطهرها بنفسه أو يبلغ من هو معني بالمسجد ومسئول عنه حتى يقوم بتطهيرها ومنها اشتراط طهارة مكان المصلي فالمصلي يجب عليه أن يطهر ثوبه وبدنه ومكان صلاته لابد من ذلك سواء أرضا كانت أو فراشا أو غير ذلك المهم من طهارة مكان المصلي . ومنها أن الأرض يكفي تطهيرها أن يصب على النجاسة ماء مرة واحدة فإذا غمرت بالماء طهرت لكن إن كانت النجاسة ذات جرم كالغائط والروث وما أشبهها، فلابد من زوال هذا الجرم وبعدها يطهر المحل بصب ماء عليه . ومنها أنه لابد من الماء في تطهير النجاسة لقوله: أريقوا على بوله سجلا من ماء وأن النجاسة لا تطهر بغير الماء، وهذا ما عليه أكثر العلماء . والصحيح أن النجاسة تطهر بكل ما يزيلها من ماء أو بنزين أو غيره وإنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصب الماء على مكان البول لأنه أسرع في تطهير المكان، وإلا فمن الممكن أن يبقى المكان لا يصب عليه الماء ثم مع الرياح والشمس وتزول النجاسة ويطهر لكن هذا أسرع وأسهل ومن المعلوم أنه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم لا توجد هذه المزيلات الكيماوية أو البترولية فلذلك كانوا يعتمدون في إزالة النجاسة على الماء ولكن متى زالت النجاسة طهر المحل بأي مزيل كان لأن النجاسة عين خبيثة نجسة، متى زالت عاد المحل إلى طهارته بأي شيء كان . ولهذا يطهر البول والغائط بالأحجار يستجمر الإنسان بالحجر ثلاث مرات مع الإنقاء ويكفي . وثوب المرأة الذي تجره إذا مر بالنجاسة ثم مر بعد ذلك بأرض طاهرة طهرته وكان من عادة النساء في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أن المرأة إذا خرجت واتخذت ثوبا ضافيا يستر قدميها وينجر من ورائها إلى شبر أو شبرين أو ذراع ولكن لا يزاد على ذراع هذا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم عهد النساء الطاهرات في الزمن الطاهر، فما بالك اليوم ؟ لكن مع الأسف أن المسلمين اليوم لا ينظرون إلى من سلف من هذه الأمة ولكنهم ينظرون إلى من تأخر من هذه الأمة، إلى الخلف الذين قال الله فيهم: { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } صرنا ننظر الآن إلى من خلف بل ننظر إلى ما دون ذلك ننظر إلى أعدائنا إلى اليهود والنصارى والمجوس والوثنيين وما أشبه ذلك فنقتدي بهم في مثل هذه الألبسة فترى النساء الآن كلما جاءت المجلة التي يسمونها البردة ذهبن ينظرن إليها تذهب المرأة وتفعل مثل ما فعلوا . وأقول يجب على أولياء الأمور أن يمنعوا من تداول هذه المجلات وهذه البردات بين أيدي النساء لأن المرأة ضعيفة ضعيفة العقل وضعيفة الدين كما وصفها بهذا الرسول صلى الله عليه وسلم: ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن فتغتر وتنخدع بهذه المظاهر . وكثير من الرجال مع الأسف الشديد هم رجال في ثياب رجال وإلا فهم نساء التدبير للنساء عليهم وهن القوامات عليهم عكس ما أمر الله: { الرجال قوامون على النساء } لكن أصبح الآن بين كثير من الناس النساء قوامات على الرجال هي التي تدبر الرجل وهي التي تلبس ما شاءت وتفعل ما شاءت ولا تبالي بزوجها ولا بوليها . فالواجب على الأولياء أن يمنعوا من تداول هذه المجلات التي تأتينا بهذه الأزياء البعيدة عن الزي الإسلامي فالنساء في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إذا خرجن إلى السوق لبس ثيابا طويلة حتى لا تبدو أقدامهن . وأما في البيوت فكما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - المرأة في بيتها في عهد الرسول عليها لباس يستر من كف اليد إلى كعب الرجل وهي في البيت ما عندها إلا النساء أو رجال محارم ومع ذلك تتستر من الكف إلى الكعب فكلها متسترة . وبهذا نعرف فساد تصور من تصور قول الرسول صلى الله عليه وسلم: لا تنظر المرأة إلى عورة المرأة أن المرأة يجوز لها أن تقتصر في لباسها على لباس يستر ما بين السرة والركبة يردن أن تخرج المرأة كاشفة كل بدنها إلا ما بين السرة والركبة فمن قال هذا ؟ إن الرسول صلى الله عليه وسلم يخاطب الناظرة لا اللابسة يقول: لا تنظر المرأة إلى عورة المرأة يعني ربما تكون اللابسة قد كشفت ثوبها لقضاء حاجة من بول أو غائط فيقول لا تنظر لعورتها لم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم للمرأة أن تلبس ما يستر ما بين السرة والركبة فقط، ومن توهم هذا فإنه من وحي الشيطان ولننظر كيف كانت النساء في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم تلبس الثياب . لذلك يجب أن نصحح هذا المفهوم الذي تدندن به كل امرأة ليس عندها فهم وليس عندها نظر لمن سبق نقول لها هل تظنين أن الشرع الإسلامي يبيح للمرأة أن تخرج بين النساء ليس عليها إلا سروال قصير يستر ما بين السرة والركبة فمن قال إن هذا هو الشرع الإسلامي ؟ ومن قال إن هذا هو معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تنظر المرأة إلى عورة المرأة والرسول صلى الله عليه وسلم قال: ولا الرجل إلى عورة الرجل ومع ذلك كان الرجال في عهده يلبسون رداءا وإزارا أو يلبسون قميصا ولا يلبسون إزارا فقط . حتى أن الرجل الفقير الذي طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يزوجه المرأة التي وهبت نفسها له ولم يردها، قال: زوجنيها قال: ما معك من صداق ؟ قال: إزاري لأنه فقير كيف يكون الإزار مهرا للمرأة إن أعطيتها إياه بقيت بلا إزار وإن بقى عليك بقيت بلا مهر ؟ ارجع فالتمس ولو خاتما من حديد ولكنه لم يجد فلم يكونوا وهو رجال يقتصرون على ما بين السرة والركبة أبدا . والحاصل أن العلم يحتاج إلى فقه ويحتاج إلى نظر في حال الصحابة رضي الله عنهم كيف فهموا النصوص فنطبقها حتى دول الغرب الكافرة الآن أكثرهم يلبس ما يستر الصدر والفخذين ولم يفهم أحد من هذا الحديث أن المعنى للمرأة أن تبقى مكشوفة البدن إلا ما بين السرة والركبة ما فهم هذا أحد أبدا . فالحاصل أن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل ذيل المرأة أي طرف ثوبها الذي يمشي على الأرض إذا التقى بنجاسة ثم مرت على أرض طاهرة فإن الطاهر يطهره فدل ذلك على أن النجاسة تطهر بكل ما يزيلها من ماء وغيره . ومن فوائد حديث الأعرابي: حسن خلق الرسول صلى الله عليه وسلم وتعليمه ورفقه وأن هذا هو الذي ينبغي لنا إذا دعونا إلى الله أو أمرنا بمعروف أو نهينا عن منكر أن نرفق لأن الرفق يحصل به الخير والعنف يحصل به الشر ربما إذا عنفت أن يحصل من قبيلك ما يسمونه برد الفعل ولا يقبل منك شيئا يرد الشرع من أجلك لكن إذا رفقت وتأنيت فهذا هو الأقرب إلى الإجابة . ومنها أن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل هذه الأمة مبعوثة فقال: فإنما بعثتم مع أن المبعوث هو لكن أمته يجب أن تقوم مقامه في الدعوة إلى دينه صلى الله عليه وسلم وأن يكون الإنسان كأنه المبعوث وكأنه الرسول في تبليغ الشرع، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ليبلغ الشاهد منكم الغائب فنحن أمة محمد صلى الله عليه وسلم علينا أن نبلغ شرعه إلى جميع الناس ولهذا قال: إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين وفي هذا الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما كلم الأعرابي بهذا اللطف واللين وقال: إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من الأذى والقذر قال الأعرابي: اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا انظر كسف انشرح صدره بكلام محمد صلى الله عليه وسلم . أما الجماعة من الصحابة رضي الله عنهم لما أغضبوه وانتهروه رأى - وهو أعرابي لا يعرف . أن الجنة والرحمة تكون له ولمحمد وغيرهما لا يرحمون وليته قال اللهم ارحمني ومحمدا وسكت بل قال ولا ترحم معنا أحدا فتحجر الرحمة لكنه جاهل والجاهل له حكمه . فالحاصل أن الإنسان ينبغي له أن يرفق في الدعوة وفي الأمر وفي النهي وجربوا وانظروا أيهما أصلح ونحن نعلم علم اليقين أن الأصلح هو الرفق، لأن هذا هو الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم وهو الذي اتبعه في هديه صلى الله عليه وسلم
الشَّرْحُ
637 - وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا متفق عليه . هذا الحديث ذكره النووي - رحمه الله - في باب الحلم والرفق والأناة في كتابه رياض الصالحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا هذه أربع جمل الأولى قوله: يسروا يعني اسلكوا ما فيه اليسر والسهولة سواء كان فيما يتعلق بأعمالكم أو معاملاتكم مع غيركم ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم من هديه أنه ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما فإن كان إثما كان أبعد الناس عنه . فأنت اختر الأيسر لك حتى في كل أحوالك حتى في العبادات وفي المعاملات مع الناس، وفي كل شيء لأن اليسر هو الذي يريده الله عز وجل منا ويريده بنا: يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ فمثلا إذا كان لك طريقان إلى المسجد أحدهما صعب فيه حصى وأحجار وأشواك والثاني سهل فالأفضل أن تسلك الأسهل وإذا كان هناك ماءان وأنت في الشتاء وكان أحدهما بارد يؤلمك والثاني ساخن ترتاح له فالأفضل أن تستعمل الساخن لأنه أيسر وأسهل وإذا كان يمكن أن تحج على سيارة أو تحج على بعير والسيارة أسهل فالحج على السيارة أفضل . فالمهم أنه كل ما كان أيسر فهو أفضل ما لم يكن إثما لأن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تقول: كان الرسول صلى الله عليه وسلم ما خير بين شيئين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما أما إذا كان فعل العبادة لا يتأتى إلا بمشقة وهذه المشقة لا تسقطها عنك ففعلتها على مشقة فهذا أجر يزداد لك، فإن إسباغ الوضوء على المكاره مما يرفع الله به الدرجات ويكفر به الخطايا لكن كون الإنسان يذهب إلى أصعب مع إمكان الأسهل هذا خلاف الأفضل فالأفضل اتباع الأسهل في كل شيء . وانظر إلى الصوم قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر وفي حديث آخر وأخروا السحور لماذا ؟ لأن تأخير السحور أقوى على الصوم مما لو تقدم والمبادرة بالفطر أسهل وأيسر على النفس لاسيما مع طول النهار وشدة الظمأ فهذا وغيره من الشواهد يدل على أن الأيسر أفضل فأنت يسر على نفسك كذلك أيضا في مزاولة الأعمال فإذا رأيت أنك إذا سلكت هذا العمل فهو أسهل وأقرب ويحصل به المقصود فلا تتعب نفسك في أعمال أخرى أكثر من اللازم وأنت لا تحتاج إليها، بل افعل ما هو أسهل في كل شيء وهذه قاعدة أن اتباع الأسهل والأيسر هو الأرفق بالنفس والأفضل عند الله . ولا تعسروا يعني لا تسلكوا طرق العسر لا في عبادتكم ولا في معاملاتكم ولا في غير ذلك فإن هذا منهي عنه فلا تعسر ولهذا لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا واقفا في الشمس سأل عنه قالوا يا رسول الله هو صائم نذر أن يصوم ويقف في الشمس فنهاه وقال له لا تقف في الشمس لأن هذا فيه عسر على الإنسان ومشقة والرسول صلى الله عليه وسلم يقول لا تعسر . وبشروا يعني اجعلوا طريقكم دائما البشارة بشروا أنفسكم وبشروا غيركم يعني إذا عملت عملا فاستبشر وبشر نفسك فإذا عملت عملا صالحا فبشر نفسك بأنه سيقبل منك إذا اتقيت الله فيه لأن الله يقول: { إنما يتقبل الله من المتقين } وإذا دعوت الله فبشر نفسك أن الله يستجيب لك لأن الله سبحانه وتعالى يقول: { ادعوني أستجب لكم } ولهذا قال بعض السلف من وفق للدعاء فليبشر بالإجابة، لأن الله قال: { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } فأنت بشر نفسك في كل عمل . وهذا يؤيده النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره الطيرة ويعجبه الفأل لأن الإنسان إذا تفاءل نشط واستبشر وحصل له خير وإذا تشاءم فإنه يتحسر وتضيق نفسه ولا يقدم على العمل، ويعمل وكأنه مكره فأنت بشر نفسك كذلك بشر غيرك فإذا جاءك إنسان قال فعلت كذا وفعلت كذا وهو خائف فبشره وأدخل عليه السرور . لاسيما في عيادة المريض فإذا عدت مريضا فقل له أبشر بالخير وأنت على خير ودوام الحال من المحال والإنسان عليه أن يصبر ويحتسب ويؤجر على ذلك . وما أشبه ذلك وبشره قائلا أنت اليوم وجهك طيب وما أشبه ذلك لأنك بهذا تدخل عليه السرور وتبشره فأنت اجعل طريقك هكذا فيما تعامل به نفسك وفيما تعامل به غيرك الزم البشارة تدخل السرور على نفسك وتدخل السرور على غيرك فهذا هو الخير . ولا تنفروا يعني لا تنفروا الناس عن الأعمال الصالحة ولا تنفروهم عن الطرق السليمة بل شجعوهم عليها حتى في العبادات لا تنفروهم . ومن ذلك أن يطيل الإمام بالجماعة أكثر من السنة فإن معاذ بن جبل رضي الله عنه كان إذا صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء ذهب إلى قومه فصلى بهم تلك الصلاة فدخل يوما من الأيام في الصلاة فشرع في سورة طويلة فانصرف رجل وصلى وحده فقيل نافق فلان فذهب الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم ثم إن معاذا أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له أفتان أنت يا معاذ وكذلك الرجل الآخر قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: إن منكم منفرين فأيكم أم الناس فليخفف فالتنفير لا ينبغي فلا تنفر الناس بل لن لهم حتى في الدعوة إلى الله عز وجل لا تدعهم إلى الله دعوة منفر لا تقل إذا رأيت إنسانا على خطأ يا فلان أنت خالفت أنت عصيت أنت فيك .. . إلى آخره هذا ينفرهم ويزيدهم في التمادي في المعصية ولكن ادعهم بهون ولين حتى يألفك ويعرف ما تدعو إليه وبذلك تمتثل أمر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: بشروا ولا تنفروا فخذ هذا الحديث أيها الأخ رأس مال لك يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا سر إلى الله عز وجل على هذا الأصل، وعلى هذا الطريق، وسر مع عباد الله على ذلك تجد الخير كله .
الشَّرْحُ