638 - وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من يحرم الرفق يحرم الخير كله رواه مسلم .
639 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني قال: لا تغضب فردد مرارا قال: لا تغضب رواه البخاري . ذكر المؤلف - رحمه الله - حديثا فيه الأمر بالرفق والحث عليه حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: من يحرم الرفق يحرم الخير كله يعنى أن الإنسان إذا حرم الرفق في الأمور فيما يتصرف فيه لنفسه وفيما يتصرف فيه مع غيره فإنه يحرم الخير كله أي فيما يتصرف فيه فإذا تصرف الإنسان بالعنف والشدة فإنه يحرم الخير فيما فعل . وهذا شيء مجرب ومشاهد أن الإنسان إذا صار يتعامل بالعنف والشدة فإنه يحرم الخير ولا ينال الخير وإذا كان يتعامل بالرفق والحلم والأناة وسعة الصدر حصل على خير كثير وعلى هذا فينبغي للإنسان الذي يريد الخير أن يكون دائما رفيقا حتى ينال الخير . أما حديث أبي هريرة أن رجلا قال يا رسول الله أوصني قال: لا تغضب فردد مرارا وهو يقول أوصني فقال: لا تغضب والمعني لا تكن سريع الغضب يستثيرك كل شيء بل كن مطمئنا متأنيا لأن الغصب جمرة يلقيها الشيطان في قلب الإنسان حتى يغلي القلب ولهذا تنتفخ الأوداج - عروق الدم - وتحمر العين ثم ينفعل الإنسان حتى يفعل شيئا يندم عليه . وإنما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم هذا الرجل ألا يغضب دون أو يوصيه بتقوى الله أو بالصلاة أو بالصيام أو ما أشبه ذلك لأن حال هذا الرجل تقتضي ذلك، ولهذا أوصى غيره بغير هذا الشيء أوصى أبا هريرة أن يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، وأن يوتر قبل أن ينام وأوصى أبا الدرداء بمثل ذلك أما هذا فأوصاه ألا يغضب وأوصاه ألا يغضب لأن النبي صلى الله عليه وسلم علم من حاله أنه غضوب كثير الغضب فذلك قال: لا تغضب . والغضب يحمل الإنسان على أن يقول كلمة الكفر، أو أن يطلق زوجته، أو أن يضرب أمه، أو أن يعق أباه كما هو مشاهد ومعلوم، ثم تجد الإنسان من حين أن يتصرف يبرد ثم يندم ندما عظيما وما أكثر الذين يسألون: غضبت على زوجتي فطلقتها ثلاثا وما أشبه ذلك فأنت لا تغضب . لا تغضب فإن الغضب لا شك أنه يوثر على الإنسان حتى يتصرف تصرف المجانين . ولهذا قال بعض العلماء إن الإنسان إذا غضب غضبا شديدا حتى لا يدري ما يقول، فإنه لا عبرة بقوله لا أثر لقوله إن كان طلاقا فإن امرأته لا تطلق، وإن كان دعاء فإنه لا يستجاب لأنه يتكلم بدون عقل وبدون تصور نسأل الله لنا وللمسلمين العافية والسلامة .
الشَّرْحُ
640 - وعن أبي يعلى شداد بن أوس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته رواه مسلم . نقل المؤلف - رحمه الله - في كتابه رياض الصالحين في باب الحلم والرفق والأناة في سياق الأحاديث الواردة في ذلك نقل عن شداد بن أوس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة كتبه على كل شيء يعني كتب الإحسان في كل شيء أي أن الله عز وجل شرع الإحسان في كل شيء حتى في القتل وحتى في الذبح وفي غير ذلك من الأمور عليك أن تكون محسنا لما تقوم به . فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وذلك لأن إزهاق النفوس يكون بالقتل أحيانا وبالذبح أحيانا . فالذبح والنحر يكونان فيما يحل أي فيما يؤكل ويكون النحر للإبل والذبح فيما سواها والنحر يكون في أسفل الرقبة مما يلي الصدر، والذبح يكون في أعلى الرقبة مما يلي الرأس ولابد في الذبح والنحر من قطع الودجين وهما العرقان الغليظان اللذان يجري منهما الدم إلى بقية البدن، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ولا ينهر الدم إلا قطع الودجين فالشرط في حل المذكى أو المنحور أن يقطع الودجان أما الحلقوم الذي هو مجرى النفس، والمريء الذي هو مجرى الطعام فقطعهما أكمل في الذبح والنحر، ولكن ليس ذلك بشرط . أما القتل فيكون فيما لا يحل أكله فيما أمر بقتله وفيما أبيح قتله ومما أمر بقتله الفأر وكذلك العقرب وكذلك الحية وكذلك الكلب العقور فتقتل هذه الأشياء وكذلك كل مؤذ فإنه يقتل . وعند العلماء قاعدة تقول ما آذى طبعا قتل شرعا يعني ما كان طبيعته الأذى فإنه يقتل شرعا وما لم يؤذ طبعا ولكنه صار منه أذية فلك قتله، لكن هذا الأخير مقيد فلو آذاك النمل في البيت فصار يحفر البيت ويفسده فلك قتله وإن كان منهيا عنه في الأصل لكن إذا آذاك فلك قتله وكذلك غيره ما لا يؤذي طبعا ولكن تعرض منه الأذية فاقتله إذا لم يندفع إلا بالقتل . فمثلا إذا أردت أن تقتل فأرة وقتلها مستحب فأحسن القتلة اقتلها بما يزهق روحها حالا ولا تؤذها ومن أذيتها ما يفعله بعض الناس حيث يضع لها شيئا لاصقا تلتصق به، ثم يدعها تموت جوعا وعطشا وهذا لا يجوز فإذا وضعت هذا اللاصق فلابد أن تكرر مراجعته ومراقبته حتى إذا وجدت فيه شيئا لاصقا قتلته . أما أن تترك هذا اللاصق يومين أو ثلاثة وتقع فيه الفأرة وتموت عطشا أو جوعا فإنه يخشى عليك أن تدخل النار بذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: دخلت النار امرأة في هرة حبستها حتى ماتت لا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض المهم أن ما يشرع قتله فاقتله بأقرب ما يكون من إهلاكه وإتلافه، ومن ذلك الوزغ الذي يسمي السام الأبرص ويسمى البرصي أيضا اقتله واحرص على أن تقتله بأن يموت في أول مرة فهو أفضل وأعظم أجرا وأيسر له، وكذلك بقية الأشياء التي تقتل . ومن ذلك من يقتل قصاصا لكن الذي يقتل قصاصا فإنه يفعل به كما فعل بالمقتول ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع إليه قضية امرأة أتاها يهودي، وكان معها حلي فقتلها وأخذ الحلي لكن كيف قتلها ؟ وضع رأسها على حجر وقتلها بحجر ثان فرض رأسها بين حجرين . فأتى إليها وفيها رمق من حياة فقيل لها من قتلك حتى ذكروا اليهودي فأشارت برأسها أن نعم فأخذوا اليهودي فاعترف فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يرض رأسه بين حجرين فوضع رأسه على حجر ثم ضرب بالحجر الثاني حتى مات لأن هذا قصاص والله عز وجل يقول: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ لكن لو وجب قتله بالحرابة يعني أنه صار يقطع الطريق على الناس يأخذ الأموال ويقتل الناس فهذا يقتل لكن يقتل بالسيف إلا إذا كان قد مثل بمن قتله فيمثل به حسبما فعل فيفعل به كما فعل . فإن قال قائل ما تقولون في الرجل إذا زنا وهو محصن فإنه يرجم بالحصى أي الحجر الصغير حتى يموت وهذا يؤلمه ويؤذيه قبل أن يموت فهل يعارض ذلك هذا الحديث ؟ فالجواب لا . لا يعارضه لأنه يحمل على أحد أمرين: الأول: إما أن يراد بإحسان القتلة ما وافق الشرع وحينئذ يكون الرجم من إحسان القتلة لأنه موافق للشرع . والثاني: إما أن يقال هذا مستثنى دلت عليه السنة بل دل عليه القرآن الذي نسخ لفظه وبقى حكمه ودل عليه صريح السنة . فالزاني المحصن الذي تزوج وجامع زوجته إذا زنا - والعياذ بالله - فإنه يؤتى به وتؤخذ حجارة صغيرة أقل من البيضة ومثل التمرة تقريبا أو أكبر قليلا ويرجم حتى يموت ويتقي المقاتل يعني لا يضرب في موضع يموت به سريعا بل يضرب على ظهره وبطنه وما أشبه ذلك حتى يموت لأن هذا هو الواجب . والحكمة من هذا أن البدن الذي تلذذ بالشهوة المحرمة عمت الشهوة جميع بدنه فمن الحكمة أن تعم العقوبة جميع بدنه وهذا من حكمة الله عز وجل ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: وليحد أحدكم شفرته اللام هنا للأمر ويحد يعني يجعلها حديدة سريعة القطع والشفرة السكين . يعني إذا أردت أن تذبح فاذبح بسكين مشحوذة أي مسنونة بحيث يكون ذلك أقرب إلى القطع بدون ألم وليرح ذبيحته هذا أمر زائد على شحذ الشفرة وذلك بأن يقطع بقوة فيضع السكين على الرقبة ثم يجرها بقوة حتى يكون ذلك أسرع من كونه يجرها مرتين أو ثلاث وبعض الناس يوفقه الله من مرة واحدة يقطع الودجين والحلقوم والمريء لأنه يأخذ السكين بقوة وتكون السكين جيدة مشحوذة فيسهل على الذبيحة أو المنحورة الموت . ومن إراحة الذبيحة أن تضع رجلك على رقبتها وتمسك الرأس باليد اليسرى وتذبح باليمنى وحينئذ تكون مضطجعة على الجنب الأيسر ودع القوائم اليدين والرجلين وخلها تتحرك بسهولة لأنك إذا أمسكت بها فإن هذا ضغط عليها، وإذا تركتها تحرك يديها ورجليها كان هذا أيسر لها، وهناك أيضا فائدة من ذلك وهي تفريغ الدم بهذه الحركة، لأنه مع الحركة والاضطراب يتفرغ الدم أكثر وكلما تفرغ فهو أحسن . وأما ما يفعله بعض العامة من أنه يأخذها بيدها اليسرى ويلويها على عنقها ثم يبرك على قوائمها الثلاث رجل ويمسك بها حتى لا تتحرك أبدا فهذا خلاف السنة والسنة أن تضع الرجل على الرقبة ثم تدع القوائم تتحرك لأن ذلك أيسر لها وأشد تفريغا للدم فالشاهد من هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: إذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة فإن هذا من الرفق ولننتبه إلى أن الإنسان إذا قتل بحد يعني قتل وهو ذان أو قتل قصاصا فإنه يصلى عليه ويدعى له بالرحمة والعفو مثل سائر المسلمين لعل الله أن يعفو عنه ويرحمه أما من قتل كافرا مرتدا فإنه لا يدعى له بالرحمة ولا يغسل مثل أن يقتل إنسان لا يصلي فإنه يقتل مرتدا كافرا فلا يغسل ولا يكفن ولا يصلي عليه، ولا يدفن مع المسلمين ولا يدعى له بالرحمة ومن دعا بالرحمة فإنه آثم متبع غير سبيل المؤمنين ، لقول الله تعالى: { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ } .
الشَّرْحُ