640 - وعن أبي يعلى شداد بن أوس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته رواه مسلم . نقل المؤلف - رحمه الله - في كتابه رياض الصالحين في باب الحلم والرفق والأناة في سياق الأحاديث الواردة في ذلك نقل عن شداد بن أوس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة كتبه على كل شيء يعني كتب الإحسان في كل شيء أي أن الله عز وجل شرع الإحسان في كل شيء حتى في القتل وحتى في الذبح وفي غير ذلك من الأمور عليك أن تكون محسنا لما تقوم به . فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وذلك لأن إزهاق النفوس يكون بالقتل أحيانا وبالذبح أحيانا . فالذبح والنحر يكونان فيما يحل أي فيما يؤكل ويكون النحر للإبل والذبح فيما سواها والنحر يكون في أسفل الرقبة مما يلي الصدر، والذبح يكون في أعلى الرقبة مما يلي الرأس ولابد في الذبح والنحر من قطع الودجين وهما العرقان الغليظان اللذان يجري منهما الدم إلى بقية البدن، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ولا ينهر الدم إلا قطع الودجين فالشرط في حل المذكى أو المنحور أن يقطع الودجان أما الحلقوم الذي هو مجرى النفس، والمريء الذي هو مجرى الطعام فقطعهما أكمل في الذبح والنحر، ولكن ليس ذلك بشرط . أما القتل فيكون فيما لا يحل أكله فيما أمر بقتله وفيما أبيح قتله ومما أمر بقتله الفأر وكذلك العقرب وكذلك الحية وكذلك الكلب العقور فتقتل هذه الأشياء وكذلك كل مؤذ فإنه يقتل . وعند العلماء قاعدة تقول ما آذى طبعا قتل شرعا يعني ما كان طبيعته الأذى فإنه يقتل شرعا وما لم يؤذ طبعا ولكنه صار منه أذية فلك قتله، لكن هذا الأخير مقيد فلو آذاك النمل في البيت فصار يحفر البيت ويفسده فلك قتله وإن كان منهيا عنه في الأصل لكن إذا آذاك فلك قتله وكذلك غيره ما لا يؤذي طبعا ولكن تعرض منه الأذية فاقتله إذا لم يندفع إلا بالقتل . فمثلا إذا أردت أن تقتل فأرة وقتلها مستحب فأحسن القتلة اقتلها بما يزهق روحها حالا ولا تؤذها ومن أذيتها ما يفعله بعض الناس حيث يضع لها شيئا لاصقا تلتصق به، ثم يدعها تموت جوعا وعطشا وهذا لا يجوز فإذا وضعت هذا اللاصق فلابد أن تكرر مراجعته ومراقبته حتى إذا وجدت فيه شيئا لاصقا قتلته . أما أن تترك هذا اللاصق يومين أو ثلاثة وتقع فيه الفأرة وتموت عطشا أو جوعا فإنه يخشى عليك أن تدخل النار بذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: دخلت النار امرأة في هرة حبستها حتى ماتت لا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض المهم أن ما يشرع قتله فاقتله بأقرب ما يكون من إهلاكه وإتلافه، ومن ذلك الوزغ الذي يسمي السام الأبرص ويسمى البرصي أيضا اقتله واحرص على أن تقتله بأن يموت في أول مرة فهو أفضل وأعظم أجرا وأيسر له، وكذلك بقية الأشياء التي تقتل . ومن ذلك من يقتل قصاصا لكن الذي يقتل قصاصا فإنه يفعل به كما فعل بالمقتول ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع إليه قضية امرأة أتاها يهودي، وكان معها حلي فقتلها وأخذ الحلي لكن كيف قتلها ؟ وضع رأسها على حجر وقتلها بحجر ثان فرض رأسها بين حجرين . فأتى إليها وفيها رمق من حياة فقيل لها من قتلك حتى ذكروا اليهودي فأشارت برأسها أن نعم فأخذوا اليهودي فاعترف فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يرض رأسه بين حجرين فوضع رأسه على حجر ثم ضرب بالحجر الثاني حتى مات لأن هذا قصاص والله عز وجل يقول: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ لكن لو وجب قتله بالحرابة يعني أنه صار يقطع الطريق على الناس يأخذ الأموال ويقتل الناس فهذا يقتل لكن يقتل بالسيف إلا إذا كان قد مثل بمن قتله فيمثل به حسبما فعل فيفعل به كما فعل . فإن قال قائل ما تقولون في الرجل إذا زنا وهو محصن فإنه يرجم بالحصى أي الحجر الصغير حتى يموت وهذا يؤلمه ويؤذيه قبل أن يموت فهل يعارض ذلك هذا الحديث ؟ فالجواب لا . لا يعارضه لأنه يحمل على أحد أمرين: الأول: إما أن يراد بإحسان القتلة ما وافق الشرع وحينئذ يكون الرجم من إحسان القتلة لأنه موافق للشرع . والثاني: إما أن يقال هذا مستثنى دلت عليه السنة بل دل عليه القرآن الذي نسخ لفظه وبقى حكمه ودل عليه صريح السنة . فالزاني المحصن الذي تزوج وجامع زوجته إذا زنا - والعياذ بالله - فإنه يؤتى به وتؤخذ حجارة صغيرة أقل من البيضة ومثل التمرة تقريبا أو أكبر قليلا ويرجم حتى يموت ويتقي المقاتل يعني لا يضرب في موضع يموت به سريعا بل يضرب على ظهره وبطنه وما أشبه ذلك حتى يموت لأن هذا هو الواجب . والحكمة من هذا أن البدن الذي تلذذ بالشهوة المحرمة عمت الشهوة جميع بدنه فمن الحكمة أن تعم العقوبة جميع بدنه وهذا من حكمة الله عز وجل ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: وليحد أحدكم شفرته اللام هنا للأمر ويحد يعني يجعلها حديدة سريعة القطع والشفرة السكين . يعني إذا أردت أن تذبح فاذبح بسكين مشحوذة أي مسنونة بحيث يكون ذلك أقرب إلى القطع بدون ألم وليرح ذبيحته هذا أمر زائد على شحذ الشفرة وذلك بأن يقطع بقوة فيضع السكين على الرقبة ثم يجرها بقوة حتى يكون ذلك أسرع من كونه يجرها مرتين أو ثلاث وبعض الناس يوفقه الله من مرة واحدة يقطع الودجين والحلقوم والمريء لأنه يأخذ السكين بقوة وتكون السكين جيدة مشحوذة فيسهل على الذبيحة أو المنحورة الموت . ومن إراحة الذبيحة أن تضع رجلك على رقبتها وتمسك الرأس باليد اليسرى وتذبح باليمنى وحينئذ تكون مضطجعة على الجنب الأيسر ودع القوائم اليدين والرجلين وخلها تتحرك بسهولة لأنك إذا أمسكت بها فإن هذا ضغط عليها، وإذا تركتها تحرك يديها ورجليها كان هذا أيسر لها، وهناك أيضا فائدة من ذلك وهي تفريغ الدم بهذه الحركة، لأنه مع الحركة والاضطراب يتفرغ الدم أكثر وكلما تفرغ فهو أحسن . وأما ما يفعله بعض العامة من أنه يأخذها بيدها اليسرى ويلويها على عنقها ثم يبرك على قوائمها الثلاث رجل ويمسك بها حتى لا تتحرك أبدا فهذا خلاف السنة والسنة أن تضع الرجل على الرقبة ثم تدع القوائم تتحرك لأن ذلك أيسر لها وأشد تفريغا للدم فالشاهد من هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: إذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة فإن هذا من الرفق ولننتبه إلى أن الإنسان إذا قتل بحد يعني قتل وهو ذان أو قتل قصاصا فإنه يصلى عليه ويدعى له بالرحمة والعفو مثل سائر المسلمين لعل الله أن يعفو عنه ويرحمه أما من قتل كافرا مرتدا فإنه لا يدعى له بالرحمة ولا يغسل مثل أن يقتل إنسان لا يصلي فإنه يقتل مرتدا كافرا فلا يغسل ولا يكفن ولا يصلي عليه، ولا يدفن مع المسلمين ولا يدعى له بالرحمة ومن دعا بالرحمة فإنه آثم متبع غير سبيل المؤمنين ، لقول الله تعالى: { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ } .
الشَّرْحُ
641- وعن عائشة رضي اللَّه عنها قالت : مَا خُيِّر رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بَينَ أَمْرينِ قَطُّ إِلاَّ أَخذَ أَيْسَرَهُمَا ، مَا لَم يَكُن إِثماً ، فإنْ كانَ إِثماً كَانَ أَبعد النَّاسِ مِنْهُ . ومَا انتَقَمَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم لِنَفْسِهِ في شَيءٍ قَطُّ ، إِلاَّ أَن تُنتَهكَ حُرْمَةُ اللَّهِ ، فَينتَقِم للَّهِ تعالى . متفقٌ عليه.
642- وعن ابن مسعود رضي اللَّه عنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « أَلا أَخْبرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلى النَّارِ أَوْ بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّارُ ؟ تَحْرُمُ على كُلِّ قَرِيبٍ هَيِّنٍ ليِّنٍ سَهْلٍ».
رواه الترمذي وقال : حديثٌ حسنٌ .
باب العفو والإعراض عن الجاهلين
قال الله تعالى: { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } . وقال تعالى: { فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ } وقال تعالى: { وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ } . وقال تعالى: { وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } . وقال تعالى: { وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } . والآيات في الباب كثيرة معلومة .
643 - وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد ؟ قال: لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السلام، فناداني فقال: إن الله تعالى قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربي إليك لتأمرني بأمرك فما شئت إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا متفق عليه . الأخشبان الجبلان المحيطان بمكة والأخشب هو الجبل الغليظ . قال المؤلف النووي في كتابه رياض الصالحين باب العفو والإعراض عن الجاهلين ثم ساق آيات تكلمنا عليها سابقا في أبواب سبقت . ثم ذكر حديث عائشة رضي الله عنها أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم هل مر عليك يوم كان أشد من يوم أحد ؟ لأن يوم أحد كان شديدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم . ويوم أحد كان غزوة غزاها النبي صلى الله عليه وسلم حين تجمعت قريش لغزوه لينتقموا من النبي صلى الله عليه وسلم فيما حصل من قتل زعمائهم في بدر لأنه قتل في بدر - وهي في السنة الثانية من الهجرة - من زعمائهم أناس لهم شرف وجاه في قريش . وفي شوال من السنة التي تلتها وهي الثالثة من الهجرة اجتمعت قريش فجاءوا إلى المدينة ليغزوا النبي صلى الله عليه وسلم ولما سمع بهم النبي صلى الله عليه وسلم استشار أصحابه هل يخرج إليهم أم يبقى بالمدينة فإذا دخلوا المدينة قاتلهم فأشار عليه الشباب والذين لم يحضروا بدرا أن يخرج إليهم، فخرج إليهم صلى الله عليه وسلم في نحو ألف مقاتل . إلا أنه انخذل نحو ثلث الجيش لأنهم كانوا منافقين والعياذ بالله وقالوا لو نعلم قتالا لاتبعناك فبقى النبي صلى الله عليه وسلم في نحو سبعمائة نفر، ورتبهم النبي صلى الله عليه وسلم أحسن ترتيب في سفح جبل أحد وحصل القتال وانهزم المشركون في أول النهار وبدأ المسلمون يجمعون الغنائم . وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل على ثغر الجبل خمسين رجلا راميا يحمون ظهور المسلمين ولما رأى هؤلاء الرماة أن المسلمين هزموا المشركين وصاروا يجمعون الغنائم قالوا لننزل من هذا الجبل نساعد المسلمين على جمع الغنائم هكذا ظنوا فذكرهم أميرهم عبد الله بن جبير بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم لما وضعهم في هذا المكان قال لا تبرحوا مكانكم ولا تتعدوه سواء لنا أو علينا لكنهم - عفا الله عنهم - تعجلوا ونزل أكثرهم . فلما رأى فرسان قريش مكان الرماة خاليا كروا على المسلمين من الخلف ومنهم خالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل اللذان أسلما فيما بعد وصارا فارسين من فوارس المسلمين وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء . فدخلوا على المسلمين من خلفهم واختلطوا بهم، واستشهد من المسلمين سبعون رجلا على رأسهم أسد الله وأسد رسوله حمزة بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه ويجله . وحصل للنبي صلى الله عليه وسلم ما حصل ضربوا وجهه وشجوه وصار الدم ينزف على وجهه وفاطمة رضي الله عنها تغسل الدم حتى إذا لم يتوقف أحرقت حصيرا يعني خصيفا من سعف النخل ودرته عليه حتى وقف وكسروا رباعيته صلى الله عليه وسلم وحصل من البلاء ما حصل . حصل بلاء عظيم قال الله تعالى فيه: أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ فما دام الأمر بإذنه فهو خير وحصل في هذا ما حصل من الشدة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه وحملوا الشهداء إلى المدينة ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يردوا إلى مصارعهم إلى المكان الذي استشهدوا فيه ودفنوا هناك ليخرجوا يوم القيامة من هذا المكان الذي استشهدوا فيه رضي الله عنهم وأرضاهم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة لما سألته: هل مر عليك يوم أشد من يوم أحد ؟ قال: نعم وذكر لها قصة ذهابه إلى الطائف لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما دعا قريشا في مكة ولم يستجيبوا له خرج إلى الطائف ليبلغ كلام الله عز وجل ودعا أهل الطائف لكن كانوا أسفه من أهل مكة، حيث اجتمعوا هم وسفهاؤهم وصاروا صفين متقابلين في طريق النبي صلى الله عليه وسلم وجعلوا يرمونه بالحجارة يرمونه بالحصى حتى أدموا عقبه صلى الله عليه وسلم وخرج مغموما مهموما . ولم يفق صلى الله عليه وسلم إلا وهو في قرن الثعالب فأظلته غمامة فرفع رأسه، فإذا في هذه الغمامة جبريل عليه السلام وقال له هذا ملك الجبال يقرؤك السلام فسلم عليه وقال إن ربي أرسلني فإن شئت أن أطبق عليهم - يعني الجبلين - فعلت . ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لحلمه وبعد نظره وتأنيه في الأمر قال: لا، لأنه لو أطبق عليهم الجبلين هلكوا فقال: لا وإني لأرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا وهذا الذي حصل أن الله قد أخرج من أصلاب هؤلاء المشركين الذين آذوا الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الأذية العظيمة أخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئا . فهذا يبين أن الرسول صلى الله عليه وسلم حصل له أشد مما حصل له في أحد وحصل له أنواع من الأذى لكنه صابر . ومن أعظم ما كان أنه كان ذات يوم ساجدا تحت الكعبة يصلي لله - والمسجد الحرام لو يجد الإنسان فيه قاتل أبيه ما قتله - فقال بعض السفهاء من قريش والمعتدين منهم: اذهبوا إلى جزور آل فلان فأتوا بسلاها فضعوه على محمد وهو ساجد فذهبوا وأتوا بسلا الجزور والرسول صلى الله عليه وسلم ساجد تحت الكعبة فوضعوه على ظهره إهانة له وإعاظة له . فبقى الرسول صلى الله عليه وسلم ساجدا حتى جاءت بنته فاطمة رضي الله عنها وألقت السلا عن ظهره فقام من السجود ولما سلم رفع يديه يدعو الله تعالى على هؤلاء الملأ من قريش . فالشاهد أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يؤذى أشد الأذى ومع ذلك يعفو ويصفح ويتأنى ويترجى فبلغه الله - ولله الحمد - مراده وحصل النصر المبين المؤزر . وهكذا ينبغي للإنسان أن يصبر على الأذى لا سيما إذا أوذي في الله فإنه يصبر ويحتسب وينتظر الفرج وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا
الشَّرْحُ