650 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم هتكه وتلون وجهه وقال: يا عائشة أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله متفق عليه . السهوة كالصفة تكون بين يدي البيت .. . والقرام بكسر القاف ستر رقيق وهتكه أفسد الصورة التي فيه .
651 - وعنها أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالوا من يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فكلمه أسامة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتشفع في حد من حدود الله تعالى ؟ ثم قام فاختطب ثم قال: إنما أهلك من قلبكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها متفق عليه . ثم نقل المؤلف - رحمه الله - في باب الغضب إذا انتهكت حرمات الشرع أحاديث عائشة رضي الله عنها والأول أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم من سفر فوجدها قد سترت سهوة لها بقرام فيه تماثيل يعني فيه صور فهتكه النبي صلى الله عليه وسلم وأخبر أن أشد الناس عذابا الذين يضاهئون بخلق الله يعني المصورين فهم أشد الناس عذابا لأنهم أرادوا أن يضادوا الله سبحانه وتعالى في خلقه وفي تصويره . وكانوا فيما سبق يصورون باليد لأنه ليس عندهم آلات وأجهزة تلتقط الصورة بدون عمل يدوي فكانوا يخططون بأيديهم فيأتي الحاذق منهم ويصور صورة بيده ويتقنها لتشابه صورة الله ليقال ما أشد مهارة هذا الرجل وما أعرفه كيف استطاع أن يقلد خلق الله عز وجل ؟ فهم يريدون بذلك أن يشاركوا الله سبحانه وتعالى في تصويره وهو سبحانه وتعالى لا شريك له: هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ و { صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } فهتكه يعني مزقه عليه الصلاة والسلام . وفي هذا دليل على مشروعية تمزيق الصور التي تصور باليد لأنه يضاهي بها خلق الله عز وجل وإقرار المنكر كفعل المنكر . وفيه: الغضب إذا انتهكت حرمات الله عز وجل لأن النبي صلى الله عليه وسلم غضب وهتكه وأما حديث عائشة في قصة المخزومية وهي امرأة من بني مخزوم كانت تستعير المتاع فتجحده يعني تأتي للناس تقول: أعرني قدرا أعرني إناء أعرني كذا أعرني كذا فإذا أعاروها جحدت وقالت لم آخذ منكم شيئا فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تقطع يدها لأن هذا نوع من السرقة . وكانت هذه المرأة من بني مخزوم من قبيلة من أشرف قبائل العرب ذات الأهمية والشأن فأهم قريشا شأنها وقالوا كيف تقطع يد مخزومية ثم طلبوا شفيعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم حبه يعني محبوبه يعني أنه يحبه . وأسامة هو ابن زيد بن حارثة وزيد بن حارثة كان عبدا وهبته خديجة للنبي صلى الله عليه وسلم فأعتقه وأسامة ابنه وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبهما فقالوا: ليس إلا أسامة بن زيد فتقدم أسامة بن زيد رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليشفع فأنكر عليه وقال: أتشفع في حد من حدود الله ؟ ثم قام فاختطب فخطب الناس وقال لهم عليه الصلاة والسلام: إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله - يعني أقسم بالله - لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها والشاهد من هذا أن الرسول عليه الصلاة والسلام غضب لشفاعة أسامة بن زيد في حد من حدود الله فالغضب لله عز وجل محمود وأما الغضب للانتقام وحظ النفس فإنه مذموم وقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم حين طلب أحد الصحابة أن يوصيه فقال: لا تغضب فالفرق بين الغضبين ظاهر . فالغضب لله ولشرائع الله محمود وهو من هدى الرسول صلى الله عليه وسلم ودليل على غيرة الإنسان وعلى محبته لإقامة شريعة الله، أما الغضب للنفس فينبغي للإنسان أن يكتمه وأن يحلم، وإذا أصابه الغضب فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم، وإذا كان قائما فليجلس وإن كان جالسا فليضطجع كل هذا مما يخفف عنه الغضب والله الموفق .
الشَّرْحُ
652 - وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في القبلة فشق ذلك عليه حتى رؤى في وجهه، فقام فحكه بيده فقال: إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنه يناجى ربه، وإن ربه بينه وبين القبلة فلا يبزقن أحدكم قبل القبلة ولكن عن يساره أو تحت قدمه ثم أخذ طرف ردائه فبصق فيه ثم رد بعضه إلى بعض فقال: أو يفعل هكذا متفق عليه . والأمر بالبصاق عن يساره أو تحت قدمه هو فيما إذا كان في غير المسجد، فأما في المسجد فلا يبصق إلا في ثوبه . هذا الحديث الذي ذكره النووي - رحمه الله - في باب الغضب إذا انتهكت حرمات الله عز وجل أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في القبلة أي في قبلة المسجد فغضب عليه الصلاة والسلام وحكها بيده وقال: إن أحدكم يناجي ربه يعني إذا كان يصلي فإنه يناجى الله أي يخاطبه والله عز وجل يرد عليه . فقد ثبت في الصحيح أن العبد إذا قال: الحمد لله رب العالمين أجابه الله فقال: حمدني عبدي وإذا قال: { الرحمن الرحيم } قال أثنى علي عبدي وإذا قال { مالك يوم الدين } قال: مجدني عبدي وإذا قال: { إياك نعبد وإياك نستعين } قال: هذا بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال: { اهدنا الصراط المستقيم } قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل فأنت تناجي الله عز وجل بكلامه وتدعوه سبحانه وتعالى، وتسبحه وتمجده وتعظمه فهو سبحانه وتعالى أمامك بينك وبين القبلة وإن كان الله سبحانه وتعالى في السماء فوق عرشه فإنه أمامك لأنه محيط بكل شيء { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر منع التنخم في قبله الإنسان ذكر الشيء المباح، لأن هذا هو الهدي وهذه هي الحكمة أنك إذا ذكرت للناس ما هو ممنوع أن تذكر لهم ما هو جائز، حتى لا تسد الأبواب عليهم فأمر الإنسان أن يبصق عن يساره أو تحت قدمه أو في ثوبه ويحك بعض ببعض ثلاثة أمور إما تحت قدمه يبصق ويطأ عليها، وإما عن يساره وهذا والذي قبله متعذر إذا كان الإنسان في المسجد لأنه يلوثه وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم البصاق في المسجد خطيئة وإما في ثوبه فيبصق في ثوبه ويحك بعضه ببعض وفي هذا دليل على أن النخامة ليست نجسة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يبصق المصلي تحت قدمه أو في ثوبه ولو كانت نجسة ما أذن له أن يبصق في ثوبه وفيه التعليم بالفعل لقول النبي صلى الله عليه وسلم: أو يقول هكذا، وبصق في ثوبه وحك بضعه في بعض وفيه أيضا إطلاق القول على الفعل في قوله: أن يقول هكذا وهو يريد الفعل وفيه أيضا أن الإنسان لا حرج عليه أن يبصق أمام الناس ولا سيما إذا كان للتعليم وفيه أيضا من المروءة أن لا يرى في ثوبك شيء يستقذره الناس - لأنه حك بعضها ببعض - لئلا تبقى صورتها في ثوبك وإذا رآها الناس تأذوا منك وكرهوك فالإنسان ينبغي أن يكون نظيفا في مظهره وفي ثيابه وفي غير ثيابه حتى لا يتقزز الناس مما يشاهدونه منه . والشاهد من هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم تأثر وعرف في وجهه الكراهية لما رأى النخامة في قبلة المسجد .
الشَّرْحُ
باب أمر ولاة الأمور بالرفق برعاياهم ونصيحتهم والشفقة عليهم والنهي عن غشهم والتشديد عليهم وإهمال مصالحهم والغفلة عنهم وعن حوائجهم
قال الله تعالى: { واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين } وقال تعالى: { إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون }
653 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته الإمام راع ومسئول عن رعيته والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته وكلكم راع ومسئول عن رعيته متفق عليه
654 -