باب الوفاء بالعهد وإنجاز الوعد
قال الله تعالى: { وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً } وقال تعالى: { وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ } وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ }
الشَّرْحُ
قال المؤلف رحمه الله تعالى ( باب الوفاء بالعهد وإنجاز الوعد ) العهد: ما يعاهد الإنسان به غيره وهو نوعان عهد مع الله عز وجل فإن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا فقد أخذ الله العهد على عباده جميعا أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا لأنه ربهم وخالقهم وعهد مع عباد الله ومنه العهود التي تقع بين الناس بين الإنسان وبين أخيه المسلم بين المسلمين وبين الكفار وغير ذلك من العهود المعروفة فقد أمر الله تعالى بالوفاء بالعهد فقال عز وجل: { وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً } يعني أن الوفاء بالعهد مسئول عنه الإنسان يوم القيامة يسأل عن عهده هل وفي به أم لا وقال تعالى: { وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ } يعني ولا تخلفوا العهد وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ } والإنسان إذا عاهد ولم يف فقد قال ما لا يفعل فمثلا لو قلت لشخص عاهدتك ألا أخبر بالسر الذي بيني وبينك أو عاهدتك ألا أخبر بما صنعت في كذا وكذا ثم نقضت وأخبرت فهذا من القول بما لا يفعل: { لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } وقوله: { كبر مقتا عند الله } يعني كبر بغضا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون فإن الله يبغض هذا الشيء ويحب الموفين بالعهد إذا عاهدوا
689 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان متفق عليه .
زاد في رواية لمسلم: وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم
689 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان متفق عليه .
زاد في رواية لمسلم: وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم
690 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا أؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر متفق عليه
691 - وعن جابر رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: لو قد جاء مال البحرين أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا فلم يجيء مال البحرين حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم فلما جاء مال البحرين أمر أبو بكر رضي الله عنه فنادى من كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة أو دين فليأتنا فأتيته وقلت له أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لي كذا فحثى لى حثية فعددتها فإذا هي خمسمائة فقال لي خذ مثيلها متفق عليه .
الشَّرْحُ
نقل المؤلف - رحمه الله في باب الوفاء بالعهد وإنجاز الوعد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: آية المنافق ثلاث آيته يعني علامته ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان يعني أن هذه من علامات المنافقين إذا رأيت الرجل يكذب وإذا حدث ويخلف إذا وعد ويخون إذا أؤتمن فهذه من علامات المنافقين لأن أصل المنافق مبني على التورية والستر يستر الخبيث ويظهر الطيب يستر الكفر ويظهر الإيمان .
والكاذب كذلك يخبر بخلاف الواقع والواعد الذي يعد ويخلف كذلك وكذلك الذي يخون إذا أؤتمن فهذه علامات النفاق والعياذ بالله .
وفي هذا التحذير من الكذب وأنه من علامات المنافقين فلا يجوز للإنسان أن يكذب لكن إن اضطر إلى التورية وهي التأويل فلا بأس مثل أن يسأله أحد عن أمر لا يحب أن يطلع عليه غيره فيحدث بشيء خلاف الواقع لكن يتأول فهذا لا بأس به وأما إخلاف الوعد فحرام يجب الوفاء بالوعد سواء وعدته مالا أو وعدته إعانة تعينه في شيء أو أي أمر من الأمور إذا وعدت فيجب عليك أن تفي بالوعد وفي هذا ينبغي للإنسان أن يحدد المواعيد ويضبطها فإذا قال لأحد إخوانه أواعدك في المكان الفلاني فليحدد الساعة الفلانية حتى إذا تأخر الموعود وانصرف الواعد يكون له عذر حتى لا يربطه في المكان كثيرا وقد اشتهر عند بعض السفهاء أنهم يقولون أنا واعدك ولا أخلفك وعدي إنجليزي يظنون أن الذين يوفون بالوعد هم الإنجليز ولكن الوعد الذي يوفى به هو وعد المؤمن ولهذا ينبغي لك أن تقول إذا وعدت أحدا وأردت أن تؤكد إنه وعد مؤمن حتى لا يخلفه لأنه لا يخلف الوعد إلا المنافق .
وإذا أؤتمن خان يعني إذا ائتمنه الناس على أموالهم أو على أسرارهم أو على أولادهم أو على أي شيء من هذه الأشياء فإنه يخون والعياذ بالله فهذه أيضا من علامات النفاق وأما حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ففيه أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كان فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها المراد به أن هذه الأربع لا تجتمع إلا في المنافق الخالص وإن كان المؤمن قد يحصل له واحدة منها لكنه لا يكون منافقا خالصا بل يكون فيه خصلة من نفاق حتى يدعها وهذه الأربع هي: إذا أؤتمن خان إذا حدث كذب وسبق الكلام على هاتين الجملتين والثالثة: قال ك إذا عاهد غدر وهو قريب من قوله فيما سبق إذا وعد أخلف أي إذا عاهد أحدا غدر به ولم يف بالعهد الذي عاهده عليه .
والرابعة: إذا خاصم فجر والخصومة: هي المخاصمة عند القاضي ونحوه فإذا خاصم فجر والفجور في الخصومة على نوعين أحدهما: أن يدعي ما ليس له والثاني: أن ينكر ما يجب عليه مثال الأول: ادعى شخص على آخر فقال عند القاضي أنا أطلب من هذا الرجل ألف ريال وهو كاذب وحلف على هذه الدعوى وأتى بشاهد زور فحكم له القاضي فهذا خاصم ففجر لأنه ادعى ما ليس له وحلف عليه مثال الثاني: أن يكون عند شخص ألف ريال فيأتيه صاحب الحق فيقول: أوفني حقي فيقول ليس لك عندي شيء فإذا اختصما عند القاضي ولم يكن للمدعى بينة حلف هذا المنكر الكاذب في إنكاره أنه ليس في ذمته له شيء فيحكم القاضي ببراءته فهذه خصومه فجور والعياذ بالله وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من حلف على يمين صبر ليقتطع بها حق امرئ مسلم لقى الله وهو عليه غضبان نعوذ بالله وهذه الخصال الأربع إذا اجتمعت في المرء كان منافقا خالصا لأنه استوفى خصال النفاق والعياذ بالله وإذا كان فيه واحدة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها وفي هذا الحديث: دليل على التحذير البليغ من هذه الصفات الأربع: الخيانة في الأمانة، والكذب في الحديث، والغدر بالعهد، والفجور في الخصومة وفيه أيضا دليل على أن الإنسان قد يجتمع فيه خصال إيمان وخصال نفاق لقوله كان فيه خصلة من النفاق هذا مذهب أهل السنة والجماعة أن الإنسان يكون فيه خصلة نفاق وخصلة فسوق وخصلة عدالة وخصلة عداوة وخصلة ولاية يعني أن الإنسان ليس بالضرورة أن يكون كافرا خالصا أو مؤمنا خالصا بل قد يكون فيه خصال من الكفر وهو مؤمن وخصال من الإيمان ثم ذكر حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو قد جاء مال البحرين لأعطيتك هكذا وهكذا وهكذا مال البحرين يعني مال الإحساء وما جاورها كلها تسمى البحرين في ذلك العهد يقول لو قد جاء لأعطيتك هكذا وهكذا وهكذا: يقول بيديه عليه الصلاة والسلام وهذا وعد من رسول الله صلى الله عليه وسلم لجابر بن عبد الله أن يعطيه من مال البحرين هكذا وهكذا وهكذا .
فلما توفي الرسول عليه الصلاة والسلام قبل أن يأتي مال البحرين وكان الخليفة أبا بكر الصديق رضي الله عنه بإجماع الصحابة بايعوه كلهم على أنه هو الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء مال البحرين في خلافة أبي بكر فقال رضي الله عنه من كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة أو دين عدة: يعني وعد أو دين يعني على الرسول عليه الصلاة والسلام لأنه ربما يكون الرسول اشترى من أحد شيئا فلزمه دين أو وعد أحدا شيئا وفعلا توفي الرسول عليه الصلاة والسلام ودرعه مرهونة عند رجل يهودي في المدينة بثلاثين صاعا من شعير اشتراها لأهله عليه الصلاة والسلام فهو صلى الله عليه وسلم ليس عنده مال ولم يبعث جابيا للمال ولا يبقى عنده المال إلا بمقدار ما يفرقه على المسلمين فالمهم أن أبا بكر نادى : من كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة أو دين فليأتنا فجاء جابر رضي الله عنه إلى أبي بكر وقال إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لو جاء مال البحرين لأعطيتك هكذا وهكذا وهكذا فقال خذ فأخذ بيديه فعدها فإذا هي خمسمائة فقال خذ مثيلها لأن الرسول قال هكذا وهكذا وهكذا ثلاث مرات فأعطاه أبو بكر رضي الله عنه العدة التي وعده إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي هذا الحديث من الفوائد: جواز تخصيص بعض المسلمين بشيء من بيت المال لأن النبي صلى الله عليه وسلم خصص جابرا ولكن بشرط ألا يكون ذلك لمجرد الهوى بل للمصلحة العامة أو الخاصة وفيه دليل على كرم النبي صلى الله عليه وسلم حيث يحثو المال حثيا ولا يعده عدا لأنه قال بيديه وهذا يدل على الكرم وأن المال لا يساوي عنده شيئا صلوات الله وسلامه عليه بخلاف الذي جمع مالا وعدده يعدد الهلل قبل الريالات من حرصه على المال .
وفي هذا دليل أيضا على النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب لأنه وعد وتوفى قبل أن يفي بالوعد لأن المال لم يأت وفيه أيضا دليل على فضيلة أبي بكر رضي الله عنه لمبايعة الصحابة له .
وفيه دليل أيضا على قبول دعوى المدعى إذا لم يكن له منازع يرد دعواه وكان هذا المدعى ثقة أما إذا كان له منازع فإن البينة على المدعى واليمين على من أنكر وفي هذه القصة لا منازع لجابر رضي الله عنه لأن أبا بكر هو المسئول عن بيت المال وقد عرض على الناس من كان له عدة أو دين فليأتنا فجاء جابر ولم يقل له أبو بكر أين البينة على أن الرسول صلى الله عليه وسلم وعدك ما طلب منه البينة لأنه واثق به ولا منازع له وفيه دليل أيضا على اعتبار الشيء بنظيره وأن الإنسان إذا وزن شيئا في إناء وكان وزنه مثلا مائة كيلو فله أن يملأ هذا الإناء مرة ثانية بشيء آخر ويعتبره مائة كيلو إذا تساوى الموزون في الخفة والثقيل لأن أبا بكر رضي الله عنه لما عد الحثية الأولى اعتبر الحثية الثانية والثالثة بمثلها في العدد فإذا فرضنا أن شخصا وجب عليه خمسمائة صاع مثلا ثم كان في إناء عشرة أصواع وأراد أن تعتبر الباقي بهذا الإناء فإن ذلك لا بأس به لأنه إذا تساوى الشيء فإنه لا بأس أن تعتبر هذا الاعتبار لفعل أبي بكر الصديق رضي الله عنه والله الموفق
باب المحافظة على ما اعتاده من الخير
قال الله تعالى: { إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } وقال تعالى: { وَلاَ تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا } و الأنكاث جمع نكث وهو الغزل المنقوض وقال تعالى: { وَلاَ يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ } وقال تعالى: { فما رعوها حق رعايتها }
692 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل متفق عليه
الشَّرْحُ