باب إصغاء الجليس لحديث جليسه الذي ليس بحرام واستنصات العالم والواعظ حاضري مجلسه
698 - عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: استنصت الناس ثم قال: لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض متفق عليه
الشَّرْحُ
ذكر المؤلف النووي رحمه الله تعالى هذا الباب في إصغاء الإنسان إلى جليسه إذا لم يكن يتكلم بشيء محرم، واستنصات العالم والمعلم الناس يعني ليستمعوا إلى كلامه، وقد سبق لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم سلم ثلاثا والمراد أنه لم يسمع المسلم عليه سلم ثلاثا، فإنه يسلم أول مرة، فإذا لم يجب سلم ثانية، فإذا لم يجب سلم الثالثة، فإذا لم يجب تركه أما إذا رد المسلم عليه من أول مرة فإنه لا يعيد السلام مرة ثانية أما هذا الباب ففيه أنه ينبغي للإنسان أن يكون حسن الإصغاء إلى كلام جليسه إذا لم يكن يتكلم بمحرم وحسن الإصغاء يكون بالقول وبالفعل أما القول: فبألا يتكلم إذا كان جليسه يتكلم، فيحصل بذلك التشويش بأن يكون الكلام كلاما واحدا حتى ينتفع الناس جميعا بما يتكلم به بعضهم وأما الإصغاء بالفعل: فينبغي إذا كان الإنسان يحدثك أن تقبل إليه بوجهك وألا تلتفت يمينا وشمالا، لأنك إذا التفت يمينا وشمالا وهو يحدثك نسبك إلى الكبرياء، وقد قال الله تعالى: وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا فينبغي أن تصغي إليه وأن تقابله بوجهك حتى يعرف أنك قد أحسست به، وأنك قد اهتممت بكلامه، إلا إذا كان يتكلم بشيء محرم، كغيبة، أو كلام لغو، أو ما أشبه ذلك من الأشياء المحرمة، فإنك لا تصغي إليه، بل انهه عن ذلك الشيء .
فإن استمر يتكلم بالكلام المحرم، ولم يضع إلى قولك وإلى نصحك، فالواجب عليك أن تقوم من مكانك وأن تفارقه، لأن الله يقول: { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا } ثم ذكر المؤلف رحمه الله حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له في حجة الوداع: استنصت الناس يعني: سكتهم حتى يستمعوا لما يقوله النبي صلى الله عليه وسلم .
ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض يضرب هنا بالرفع، ولا يجوز جزمها على أنها جواب النهي، بل هي بالرفع لأنها حال، يعني لا ترجعوا بعدي كفارا حال كونكم يضرب بعضكم رقاب بعض، وفي هذا دليل على أن قتال المؤمنين بعضهم كفر، وقد أيد هذا الحديث قوله عليه الصلاة والسلام: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر لكنه كفر لا يخرج من الملة، والدليل على أنه لا يخرج من الملة قوله تعالى: { وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا } إلى قوله تعالى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ }
باب الوعظ والاقتصاد فيه
قال الله تعالى: { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ }
699 - وعن أبي وائل شقيق بن سلمة قال: كان ابن مسعود رضي الله عنه يذكرنا في كل خميس مرة، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن لوددت أنك ذكرتنا كل يوم، فقال أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملكم وإني أتخولكم بالموعظة، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بها مخافة السآمة علينا متفق عليه .
يتخولنا: يتعهدنا .
الشَّرْحُ