700 - وعن أبي اليقظان عمار بن ياسر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن طول صلاة الرجل، وقصر خطبته، مئنة فقهه فأطيلوا الصلاة وأقصروا في الخطبة رواه مسلم مئنة بميم مفتوحة ثم همزة مكسورة ثم نون مشددة أي علامة دالة على فقهه
701 - وعن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال: بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عطس رجل من القوم فقلت يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم فقلت واثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إلي فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قلبه ولا بعده أحسن تعليما منه فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني قال إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن أنبأنا وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت يا رسول الله، إني حديث عهد بجاهلية، وقد جاء الله بالإسلام وإن منا رجالا يأتون الكهان ؟ قال: فلا تأتهم قلت ومنا رجال يتطيرون ؟ قال: ذاك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنهم رواه مسلم
الشَّرْحُ
ذكر المؤلف النووي رحمه الله تعالى في ( باب الوعظ والاقتصاد فيه وعدم إدخال الملل والسآمة على الناس فيما يعظ به ) وسبق الكلام عن الآية التي ذكرها المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب وهي قوله تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ثم ذكر المؤلف أحاديث منها: حديث عمار بن ياسر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه يعني: صلاة الجمعة فصلاة الجمعة لها خطبتان قبلها: فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: وإن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه وهذا وإن كان ظاهرا في خطبة الجمعة فهو عام أيضا حتى في الخطب العارضة لا ينبغي للإنسان أن يطيل على الناس كلما قصر كان أحسن لوجهين الوجه الأول: ألا يمل الناس الوجه الثاني: أن يستوعبوا ما قال لأن الكلام إذا طال ضيع بعضه بعضا فإذا كان قصيرا مهضوما مستوعبا انتفع به وكذلك لا يلحقهم الملل وأما طول الصلاة فالمراد أن تكون كصلاة النبي صلى الله عليه وسلم ليست طويلة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على معاذ إطالته في صلاة العشاء وأنكر على الرجل الآخر إطالته في صلاة الفجر وقال: أيها الناس إن منكم منفرين فالمراد بطول الصلاة هنا الطول الموفق لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا إذا كان الإنسان إماما أما إذا صلى لنفسه فليطول ما شاء ولا أحد يمنعه لأنه يعامل نفسه بنفسه ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة أطيلوها كما ورد وأقصروا الخطبة لكن لابد من خطبة تثير المشاعر ويحصل بها الموعظة والانتفاع .
ثم ذكر المؤلف حديث معاوية بن الحكم رضي الله عنه أنه بينما كان مع النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إذ عطس رجل من القوم فقال الحمد لله فقال له معاوية يرحمك الله لأنك إذا سمعت العاطس يحمد الله بعد عطاسه وجب عليك أن تشمته فتقول يرحمك الله حتى ولو كنت تقرأ أو تطالع أو تراجع أما في الصلاة فلا يجوز لأن الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ولهذا أنكر الناس بأعينهم على معاوية فرموه بأبصارهم فقال واثكل أمياه ماذا صنعت ؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم يسكتونه فسكت ومضى في صلاته فلما انصرف من الصلاة دعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما أحسن تعليما منه لا قبله ولا بعده والله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني وإنما خاطبه بلطف وقال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن أو كما قال عليه الصلاة والسلام فهذه موعظة قصيرة مفيدة انتفع بها معاوية ونقلها إلى من بعده وفي هذا الحديث دليل على أنه لا بأس أن يلتفت المصلى أو ينظر إذا كان ذلك لمصلحة أو حاجة، وإلا فالأفضل أن يكون نظره إلى موضع سجوده وفي حال الجلوس يكون نظرة إلى موضع إشارته لأن الجالس في التشهد أو بين السجدتين يرفع إصبعه قليلا ويشير بها عند الدعاء، فيكون نظره إلى موضع إشارته، وأما في حال القيام والركوع فينظر إلى موضع سجوده وقال بعض العلماء ينظر تلقاء وجهه، والأمر في هذا واسع، إن شاء نظر إلى موضع سجوده، وإن شاء نظر تلقاء وجهه، لكن إذا حصلت حاجة والتفت فإن ذلك لا بأس به وفيه أيضا: أن العمل اليسير في الصلاة لا يضر لأن الصحابة جعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم عليهم ذلك، إلا أنه صلى الله عليه وسلم قال في حديث آخر: إذا نابكم شيء فليسبح الرجال ولتصفق النساء وفيه دليل: على أن الكلام في الصلاة لا يجوز وأنه مبطل لها، إلا إذا كان الإنسان جاهلا أو ناسيا أو غافلا، فمثلا لو أن أحدا سلم عليك وأنت تصلي أو دق الباب وأن تصلي فقلت غافلا ادخل أو قلت: وعليكم السلام ناسيا أو غافلا، فصلاتك صحيحة لأن الله لا يؤاخذ الإنسان بالجهل أو النسيان أو بالغفلة { لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ } ومن فوائد الحديث: حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم وأنه يعلم بالرفق واللين وهذا هديه صلى الله عليه وسلم وهو أسوة أمته فالذي ينبغي للإنسان أن ينزل الناس منازلهم فالمعاند المكابر يخاطب بخطاب يليق به والجاهل الملتمس للعلم يخاطب بخطاب يليق به ومن فوائد هذا الحديث: أن الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين وإنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن أو كما قال عليه الصلاة والسلام، والصلاة كما نعلم فيها قراءة قرآن وفيها تكبير وفيها تسبيح وفيها دعاء وفيها تشهد وفي الحديث: الثناء على الوعظ إذا كانت عظته جيدة وليس عنده عنف وهذا يشجع أهل الوعظ على أن يلتزموا بهذه الطريقة التي التزم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي سياق حديث معاوية بن الحكم رضي الله عنه أنه قال: قلت: يا رسول الله إني حديث عهد بجاهلية وإن الله تعالى قد جاء بالإسلام قال هذا الكلام ليبين حاله من قبل وحاله من بعد وليتحدث بنعمة الله عليه حيث كانوا في جاهلية لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا إلا ما جرت به العادات بينهم وجاءنا الله بهذا الإسلام بالنور المبين والفرقان العظيم فبين الحق من الباطل وبين النافع من الضار وبين الإيمان من الكفر والتوحيد من الشرك إلى غير ذلك مما من الله به على هذه الأمة بالإسلام ثم قال رضي الله عنه وإن منا رجالا يأتون الكهان قال فلا تأتهم الكهان كانوا رجالا تنزل عليهم شياطين الجن بما يسمعون من خبر السماء ثم يحدثون الناس بما أخبرت به الشياطين ويضيفون إلى الخبر الحق أشياء كثيرة من الكذب فإذا صدقوا في واحد من مائة اتخذهم الناس حكاما ولهذا يأتون إليهم ويتحاكمون إليهم فالكاهن عبارة عن رجل يأتيه الشيطان يخبره بما سمع من خبر السماء ويضيف إلى هذا الخبر أشياء كثيرة من الكذب يأتيهم الناس فيسألونهم ما حالنا ؟ ما مستقبلنا ؟ يسألونهم عن أمور مستقبلة عامة أو خاصة فيخبرونهم بما وسمعوا من أخبار الشياطين قال النبي صلى الله عليه وسلم: فلا تأتهم كلمة واحدة لا تأت الكهان وهل تظن أن معاوية أو غيره من الصحابة إذا قال لهم الرسول عليه الصلاة والسلام لا تفعلوا أن يفعلوا ؟ لا، لا نظن ذلك فإنهم ليسوا كحال كثير من الناس اليوم يكرر عليه النهي ولكنه لا ينتهي أو يتأول ويقول: النهي للكراهة أو النهي للأدب أو لخلاف الأولي أو ما أشبه ذلك ثم اعلم أن الكاهن هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل وإذا أتاه الإنسان فله ثلاث حالات: الحلة الأولى: أن يأتيه يسأله ولا يصدقه فثبت في صحيح مسلم أن من فعل هذا لا تقبل له صلاة أربعين يوما الحالة الثانية: أن يأتيه يسأله ويصدقه فهذا كافر لقوله صلى الله عليه وسلم: من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ووجه كفره أن تصديقه إياه يتضمن تكذيب قول الله جل وعلا: { قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللهُ } لأن الكاهن يخبر عن الغيب في المستقبل فإذا صدقته فمضمونه أنك تكذب هذه الآية فيكون ذلك كفرا الحالة الثالثة: أن يسأل الكاهن ليكذبه وإنما يسأله اختبارا فهذا لا بأس به وقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم ابن صياد عما أضمر له فقال له: الدخ يعني: الدخان فقال له النبي عليه الصلاة والسلام اخسأ فلن تعدو قدرك فإذا سأله ليفضحه ويكشف كذبه وحاله للناس فإن هذا لا بأس به بل إن هذا يكون محمودا مطلوبا لما في ذلك من إبطال الباطل ثم سأل معاوية رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم سؤالا آخر قال ومنا رجال يتطيرون ؟ قال: ذاك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنهم و التطير: هو التشاؤم بالأشياء وكان العرب يتشاءمون أكثر ما يتشاءمون في الطيور فإذا طار يمينا فله حال وإن طار يسارا فله حال وإن اتجه أماما فله حال أو رجع فله حال حسب اصطلاحات العرب وخرافاتهم فكانوا يتطيرون فيجعلون الطيور هي التي تمضيهم أو تردهم إذا كان الطير مثلا عن اليسار قال هذا نذير سوء فلا أسافر إذا طار يمينا قال هذا سفر مبارك حيث اليمين من اليمن والبركة وهكذا اصطلاحات عندهم فكانوا يتشاءمون أكثر ما يتشاءمون في الطيور وربما تشاءموا من الأيام وربما تشاءموا من الشهور وربما تشاءموا فيما يصنعون من الأصوات وربما تشاءموا حتى من الأشخاص حتى إنه يوجد الآن أناس إذا خرج أحدهم من بيته ثم لاقاة شخص قبيح المنظر قال هذا اليوم سوء وتشاءم وإذا لقي رجلا جميل الوجه قال: هذا اليوم خير فتفاءل & فقال النبي عليه الصلاة والسلام: هذا شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنهم والإنسان إذا ركن إلى التطير تنغصت عليه حاله وربما يصنع الجني ما يكره ليبقى دائما في غم وهم ولكن لا تشاءم وكان العرب يتشاءمون من شهر شوال في النكاح يقولون الذي يتزوج في شهر شوال لا يوفق في زواجه هكذا كانوا يقولون فكانت عائشة رضي الله عنها تقول: تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم في شوال عقد عليها في شوال ودخل بها في شوال فتقول أيكم أحظى إليه مني ؟ لا شك أن عائشة أحب النساء إليه بعد أن تزوجها ومع ذلك عقد عليها في شوال ودخل عليها في شوال والعرب لجهلهم وسخافتهم يقولون: الذي يتزوج في شوال لا يوفق ونحن الآن نشاهد أناسا يتزوجون في شوال ولا يكون فيهم إلا الخير فالمهم أنه يجب عليك أن تمحو من قلبك التطير والتشاؤم وكن دائما متفائلا واجعل الدنيا أمامك واسعة واجعل الطريق أمامك دائما مفتوحا فإن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يكره الطيرة ويعجبه الفأل الحسن فاجعل نفسك دائما في تفاؤل والذي يريده الله سيكون لكن كن مسروا فرحا فالدنيا أمامك واسعة والطريق مفتوح ودائما كن في تفاؤل ودائما كن واسع الصدر فهذا هو الخير أما التشاؤم والانقباض وأن يجعل الإنسان باله في كل شيء فإن الدنيا ستضيق عليه فمن محاسن الإسلام أنه ألغى الطيرة وأثبت الفأل لأن الفأل خير والطيرة شر
702- وعن العِرْباض بن سَاريةَ رضي اللَّه عنه قال : وَعظَنَا رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مَوْعِظَةً وَجِلَتْ مِنهْا القُلُوب . وَذَرِفَتْ مِنْها العُيُون وَذَكَرَ الحدِيثَ ، وَقدْ سَبق بِكَمالِهِ في باب الأمر بالمُحافَظةِ على السُّنَّةِ ، وذَكَرْنَا أَنَّ التِّرْمِذيَّ قال إنه حديث حسنٌ صحيحٌ .
باب الوقار والسكينة
قال الله تعالى: { وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَمًا }
703 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعا قط ضاحكا حتى ترى منه لهواته وإنما كان يتبسم متفق عليه اللهوات جمع لهاة: وهي اللحمة التي في أقصى سقف الفم
الشَّرْحُ