باب استحباب التبشير والتهنئة بالخير
قال الله تعالى: { فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } وقال تعالى: { يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ } وقال تعالى: { وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ } وقال تعالى: { فبشرناه بغلام حليم } وقال تعالى: { ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى } وقال تعالى: { وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ } وقال تعالى: { فَنَادَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى } وقال تعالى: { إِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ } والآيات في الباب كثيرة معلومة
الشَّرْحُ
قال المؤلف رحمه الله تعالى: ( باب استحباب التبشير والتهنئة بالخير ) والبشارة تكون في الأمور التي تسر وسميت بذلك لأن الإنسان كان إذا بشر بما يسره ظهر أثر ذلك في وجهه وفي بشرته وقد تكون البشارة فيما يسوء مثل قوله تعالى: فبشرهم بعذاب أليم والبشارة فيما يسر تكون فيما يسر في الآخرة، وفيما يسر في الدنيا، أما البشارة فيما يسر في الآخرة فكثيرة، ذكرها الله في القرآن في مواضع كثيرة مثل قوله تعالى: { وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ } وقوله: { لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ } وقوله: { يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } وقال الله تعالى: { وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّن اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ } هذا كله فيما يتعلق بأمور الآخرة ومن الأمور التي تبشر بالخير في أمور الآخرة: الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو ترى له، مثل أن يرى إنسان رؤيا فيقال له في المنام مثلا: بشر فلانا بأنه من أهل الجنة فبشره هذه بشرى كذلك أيضا الإنسان إذا رأى من نفسه أنه ينقاد للخير والعمل الصالح ويرغب فيه ويحبه وأنه يكره الشر فهذه أيضا بشرى لأن الله تعالى قال: { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى } وأما البشارة فيما يتعلق بأمر الدنيا فمثل قوله تعالى عن إبراهيم الخليل: { إنا نبشرك بغلام عليم } وفي آية أخرى: { فبشرناه بغلام حليم } والذي بشر به في الآية الأولى غير الذي بشر به في الآية الثانية التي فيها: إنا نبشرك بغلام عليم هذا إسحاق والتي فيها: فبشرناه بغلام حليم، هذا إسماعيل، عليهما السلام إسحاق أبو بني إسرائيل لأن ابنه يعقوب ويعقوب هو إسرائيل الذي من ذريته موسى وعيسى عليهم السلام وأكثر الأنبياء المذكورين في القرآن كلهم من ذرية إسرائيل أما التي ذكر الله فيها فبشرناه بغلام حليم وهي التي في سورة الصافات فهذا إسماعيل أبو العرب وليس في ذريته رسول إلا رسول واحد ولكنه ختم جميع الرسالات وبعث إلى الناس كافة من بعثته إلى يوم القيامة وغيره من الأنبياء كان يبعث إلى قومه خاصة هذا الرسول الذي من بني إسماعيل هو محمد صلوات الله وسلامه عليه وكذلك قال الله تعالى عن امرأة إبراهيم: { وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ } هذا أيضا بشارة للأنثى فالحاصل أن البشارة تكون في أمور الآخرة وفي أمور الدنيا وينبغي للإنسان أن يكون متفائلا مستبشرا بالخير، وألا يرى الدنيا أمامه كالحة مظلمة فيستحسر ويقنط وينبغي للإنسان أيضا إذا حصل له خير أن يهنئ به وأن يبشر به إذا كان مستقبلا يهنئ به بالخير إذا وقع ويبشر بالخير في المستقبل بشر أخاك السرور عليه حتى لو رأيت مثلا إنسانا مغتما قد ضاقت عليه الدنيا وتكالبت عليه الأمور فقل له أبشر: بالفرج لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسر هذا كلام الرسول عليه الصلاة والسلام ما ينطق عن الهوى فإذا رأيت أخاك مكروبا فقل له أبشر فالفرج قريب وإذا رايته في عسر فقل له اليسر القريب وكما قال ابن عباس رضي الله عنهما: لن يغلب عسر يسرين في سورة ألم نشرح لك صدرك { فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا } العسر ذكر مرتين واليسر ذكر مرتين لكن حقيقة الأمر أن العسر لم يذكر إلا مرة واحدة واليسر ذكر مرتين لماذا ؟ قال العلماء إذا تكررت الكلمة معرفة بأل فهي واحدة وإذا تكررت غير معرفة بأل فهي اثنان العسر كرر مرتين لكن بأل فيكون العسر الثاني هو الأول اليسر كرر مرتين لكن بدون أل فيكون اليسر الثاني غير اليسر الأول ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما لن يغلب عسر يسرين يقال إن الحجاج بن يوسف الثقفي وهو رجل معروف نسأل الله أن يعفو عنه رجل ظالم يقتل الناس بغير حق تكلم عنده أحد الناس وقال له كلمة استنكرها الحجاج وكان الحجاج جيدا في اللغة العربية فهو الذي شكل القرآن وهذه من حسناته وإن كان له سيئات كثيرة قال له الحجاج ليس هذا في اللغة العربية فعلة ما تأتي في اللغة العربية قال هكذا سمعت من الأعراب وكان يأخذون اللغة من الأعراب لأن الأعراب في البادية ليسوا في المدن والمدن دخل فيها الفرس والروم الذين أسلموا فتغير اللسان فقال الحجاج: اذهب عند الأعراب وائتني بشاهد من كلام العرب ما يدل على أن فعلة موجودة في اللغة العربية ولك كذا وكذا يوم فإن لم تأتني فأنا أضرب عنقك ذهب الرجل مكروبا والحجاج ينفذ ما يقول وذهب يطلب من الأعراب فسمع أعرابيا يقول ربما تكره النفوس من الأمر له فرجة كحل العقال ففرج بها فرحا عظيما وجاء بها إلى الحجاج فبينما هو في الطريق قيل له إن الحجاج قد مات فقال والله ما أدري هل أنا أشد فرحا بهذه الكلمة التي وجدتها عند الأعرابي أو بموت هذا الرجل فالحاصل أن الإنسان ينبغي له أن يدخل السرور والبشرى على إخوانه حتى يفرحوا وينشطوا ويؤملوا وينتظروا الفرج نسأل الله أن يجعلنا والمسلمين ممن له البشرى في الحياة الدنيا والآخرة
708 - عن أبي إبراهيم ويقال أبو محمد ويقال أبو معاوية عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر خديجة رضي الله عنها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب متفق عليه القصب هنا: اللؤلؤ المجوف والصخب: الصياح، واللغط والنصب: التعب
709 - وعن أبي موسى الشعري رضي الله عنه أنه توضأ في بيته ثم خرج فقال لألزمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأكونن معه يومي هذا فجاء المسجد، فسأل عن النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا وجه هاهنا قال فخرجت على آثره أسأل عنه حتى دخل بئر أريس فجلست عند الباب حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته وتوضأ فقمت إليه فإذا هو قد جلس على بئر أريس وتوسط قفها وكشف عن ساقه ودلاهما في البئر فسلمت عليه ثم انصرفت فجلست عند الباب فقلت لأكونن بواب رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم فجاء أبو بكر رضي الله عنه فدفع الباب فقلت من هذا ؟ فقال: أبو بكر فقلت: على رسلك ثم ذهبت فقلت يا رسول الله هذا أبو بكر يستأذن فقال: ائذن له وبشره بالجنة فأقبلت حتى قلت لأبي بكر ادخل ورسول الله يبشرك بالجنة فدخل أبو بكر حتى جلس عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم معه في القف ودلى رجليه في البئر كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكشف عن ساقيه ثم رجعت وجلست وقد تركت أخي يتوضأ ويلحقني فقلت إن يرد بفلان يريد أخاه خيرا يأت به فإذا إنسان يحرك الباب فقلت: من هذا ؟ فقال عمر بن الخطاب فقلت: على رسلك ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه وقلت: هذا عمر يستأذن ؟ فقال: ائذن له وبشره بالجنة فجئت عمر فقلت: أذن أدخل ويبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة فدخل فجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في القف عن يساره ودلى رجليه في البئر ثم رجعت فجلست فقلت إن يرد الله بفلان خيرا يعني أخاه يأت به فجاء إنسان فحرك الباب فقلت من هذا ؟ فقال عثمان بن عفان فقلت: على رسلك وجئت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: ائذن له وبشره بالجنة مع بلوي تصيبه فجئت فقلت ادخل ويبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة مع بلوى تصيبك فدخل فجد القف قد ملئ فجلس وجاههم من الشق الآخر قال سعيد بن المسيب: فأولتها قبورهم .
متفق عليه وزاد في رواية وأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ الباب وفيها: أن عثمان حين بشره حمد الله تعالى ثم قال: الله المستعان .
قوله: وجه بفتح الواو وتشديد الجيم، أي: توجه وقوله: بئر أريس هو بفتح الهمزة وكسر الراء وبعدها ياء مثناه من تحت ساكنة ثم سين مهملة وهو مصروف ومنهم من منع صرفه القفبضم القاف وتشديد الفاء: هو المبني حول البئر قوله على رسلك بكسر الراء على المشهور وقيل بفتحها أي: ارفق
الشَّرْحُ
ذكر المؤلف رحمه الله في باب استحباب التبشير بالخير والتهنئة به آيات سبق الكلام عليها، وبينا أن البشارة قد تكون بخير في الدنيا وقد تكون في الآخرة ثم ذكر حديثين حديث أبي إبراهيم عبد الله بن أبي أوفي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر خديجة رضي الله عنها ببيت في الجنة وكذلك حديث أبي موسى الأشعري وسيأتي إن شاء الله فقد بشر صلى الله عليه وسلم خديجة رضي الله عنه ببيت في الجنة من قصب ليس فيه صخب ولا نصب ولكن القصب الذي بني منه قصر خديجة في الجنة ليس كالقصب الذي في الدنيا الاسم هو الاسم والحقيقة غير الحقيقة كما أنه في الجنة نخل ورمان وفاكهة ولحم طير وغير ذلك لكن التشابه في الاسم فقط فالاسم هة الاسم والحقيقة غير الحقيقة وهذا باب يجب على الإنسان أن يتفطن له فإن أمور الغيب التي لها نظير في الدنيا لا تماثل نظيرها في الآخرة فمثلا في صفات الله عز وجل، لله عز وجل وجه كريم، موصوف بالجلال والإكرام، ونحن أيضا لنا وجه، الأمر لا يختلف في الاسم لكن قال تعالى: ليس كمثله شيء وهو السميع البصير فوجهه يليق بجلاله وعظمته ولا يمكن الإحاطة به لا وصفا ولا تصورا في الذهن ولا نطفا باللسان فهو أعظم وأجل من أن تحيط به الأوصاف وهكذا بقية صفاته عز وجل اسمها يوافق الاسم الذي نتصف به ولكن الحقيقة غير الحقيقة كذلك أيضا الجنة فيها عسل وماء وخمر ولحم ونساء وفاكهة ورمان وغير ذلك لكن ليست كالذي في الدنيا لأن الله سبحانه وتعالى قال في القرآن الكريم: { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين } ول كانت مثل ما في الدنيا لكنا نعلمها لكنها ليست مثلها ولا قريبا منها وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن الله أنه قال أعدت لعبادي الصالحين مالا عين رأت ولا أذان سمعت ولا خطر على قلب بشر نسأل الله أن يجعلنا والمسلمين ممن أعد الله لهم ذلك فخديجة رضي الله عنها بشرها النبي صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل هو الذي أخبر الرسول الله صلى الله عليه وسلم بشرها ببيت في الجنة من قصب ولكن ليس القصب الذي في الجنة مثل القصب الذي في الدنيا ثم قال: ليس فيه صخب ولا نصب والصخب: أي الأصوات المزعجة الشديدة أهل الجنة كلهم أهل ليس عندهم صخب ولا نصب ولا كلام لغو كما قال تعالى: { لا لغو فيها ولا تأثيم } { تحيتهم فيها سلام } فكلامهم طيب لأنهم جوار الطيب جل وعلا فهم طيبون في جنات عدن مساكن طيبة عند الطيب جل وعلا كما أن قلوبهم في الدنيا طيبة وأفعالهم طيبة لأن الله لا يقبل إلا الطيب وأفعالهم مقبولة فهم كذلك في الآخرة فقصر خديجة ليس فيه صخب وليس فيه نصب، وليس فيه تعب، لا يحتاج إلى كنس القمامة ولا غيره بل كله طيب وهذه بشارة لأم المؤمنين خديجة رضي الله عنها وأم المؤمنين خديجة هي أول امرأة تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو صلى الله عليه وسلم ابن خمس وعشرين سنة ولها أربعون سنة من زوج سابق قبله وولدت له بناته الأربع وأولاده الثلاثة أو الاثنان ولم يتزوج عليها أحدا حتى ماتت رضي الله عنها وكانت امرأة عاقلة ذكية حكيمة لها مآثر طيبة معروفة يجدها من يراجع ترجمتها في كتب التاريخ وكانت تسامى عائشة رضي الله عنها يعني أنها هي عائشة أفضل نساء الرسول عليه الصلاة والسلام وأحب نسائه إليه واختلف العلماء أيهما أفضل فقيل: عائشة وقيل: خديجة والصحيح أن لكل واحدة منهما مزية تختص بها، لا تشاركها فيها الأخرى فلعائشة رضي الله عنها في آخر الرسالة وبعد موت الرسول عليه الصلاة والسلام من نشر الرسالة والعلم والشريعة ما ليس لخديجة وخديجة لها في أول الرسالة ومناصرة الني صلى الله عليه وسلم ومعاضدته ما ليس لعائشة فلكل واحدة منهما مزية أما الفضيلة الكبرى فكفى لهما فخرا أنهما أحب نساء النبي صلى الله عليه وسلم إليه ويكفى هذا وأما الفضائل فكل واحدة لها فضيلة ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه في يوم من الأيام توضأ في بيته وخرج يطلب النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: لألزمن رسول الله صلى الله عليه وسلم يومي هذا ألزمن عني أكون معه ذاهبا وآتيا وفي هذا: دليل على أن الإنسان ينبغي إذا خرج من بيته أن يكون متوضئا لأجل أن يكون مستعدا للصلاة وهو خارج البيت فإذا جاء وقت الصلاة وهو في مكان لا يوجد فيه ماء كان على طهارة وصلي وإذا حضرت جنازة صلى عليها وهو خارج البيت أو على الأقل يكون على طهر، لأن كون الإنسان على طهور أفضل من أن يكون على غير طهر وربما أيضا يحصل له الموت في هذا الوقت فيكون على طهر فالإنسان يحرص ما استطاع أن يكون على طهر لا سيما إذا خرج من بيته فخرج رضي الله عنه يطلب النبي صلى الله عليه وسلم فأتى المسجد لأن الرسول عليه الصلاة والسلام إما في المسجد وإما في بيته في مهنة أهله وإما في مصالح أصحابه عليه الصلاة والسلام فلم يجده في المسجد فسأل عنه فقالوا وجه هاهنا وأشاروا إلى ناحية أريس وهي بئر حول قباء فخرج أبو موسى في إثره حتى وصل إلى البئر فوجد النبي صلى الله عليه وسلم هنالك فلزم الباب رضي الله عنه فقضى النبي صلى الله عليه وسلم حاجته وتوضأ ثم جلس على قف البئر يعني على حافته ودلى رجليه وكشف عن ساقيه والظاهر والله أعلم أنه كان في ذلك الوقت في حر وهذا البئر فيه ماء والماء قريب وحوله الأشجار والنخل والظلال وعادة أن الإنسان إذا حصل له مثل ذلك فعل مثل هذا الفعل فيكشف عن ساقيه ليبرد جسمه وتأتيه من برودة الماء الذي في البئر وفي هذا الظل فجلس عليه الصلاة والسلام متوسطا للقف أي حافة البئر ودلى رجليه وكشف عن ساقيه وكان أبو موسى على الباب يحفظ باب البئر فاستأذن أبو بكر رضي الله عنه لكنه لم يأذن له أبو موسى حتى يستشير النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم هذا أبو بكر يستأذن فقال: ائذن له وبشره بالجنة فأذن له وقال له يبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة ويا لها من بشارة يبشره بالجنة ثم يأذن له أن يدخل ليكون مع الرسول صلى الله عليه وسلم فدخل ووجد النبي صلى الله عليه وسلم متوسطا القف فجلس عن يمينه لأن النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيامن في كل شيء فجلس أبو بكر عن يمينه وضع مثل فعل النبي صلى الله عليه وسلم دلى رجليه في البئر وكشف عن ساقيه كراهة أن يخالف النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الجلسة وإلا فليس من المشروع أن يجلس الإنسان على بئر ويدلي رجليه ويكشف عن ساقيه لكنه لا يجب أن يجلس مع النبي صلى الله عليه وسلم على غير الهيئة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس عليها فقال أبو موسى وكان قد ترك أخاه يتوضأ ويلحقه إن يرد الله به خيرا يأت به وإذا جاءا واستأذن فقد حصل له أن يبشر بالحنة ولكن استأذن الرجل الثاني فجاء أبو موسى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وقال هذا عمر قال: ائذن له وبشره بالجنة فأذن له وقال له يبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة فدخل فوجد النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر على القف فجلس عن يسار الرسول عليه الصلاة والسلام والبئر ضيقة ليست واسعة كثرا فهؤلاء الثلاثة كانوا في جانب واحد ثم استأذن عثمان وصنع أبو موسى مثل ما صنع من الاستئذان فقال النبي صلى الله عليه وسلم ائذن له وبشره بالجنة مع بلوى تصيبه فأذن له وقال يبشرك الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة مع بلوى تصيبك فاجتمع في حقه نعمة وبلوى فدخل فوجد القف قد امتلأ لأنه ليس واسعا كثيرا فذهب إلى الناحية الأخرى تجاههم وجلس فيها ودلى رجليه وكشف عن ساقيه أولها سعيد بن المسيب أحد كبار التابعين على أنها قبور هؤلاء لأن قبور الثلاثة كانت في مكان واحد فالنبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر كلهم كانوا في حجرة واحدة دفنوا جميعا في مكان واحد وكانوا في الدنيا يذهبون جميعا ويرجعون جميعا ودائما يقول النبي صلى الله عليه وسلم ذهبت أنا وأبو بكر وعمر وجئت أنا وأبو بكر وعمر فهما صاحباه ووزيراه ويم القيامة يخرجون من قبورهم جميعا فجلس عثمان رضي الله عنه تجاههم وبشره صلى الله عليه وسلم بالجنة مع بلوى تصيبه وهذه البلوى هي ما حصل له رضي الله عنه من اختلاف الناس عليه وخروجهم عليه وقتلهم إياه في بيته رضي الله عنه حيث دخلوا عليه في بيته وقتلوه وهو يقرا القرآن وكتاب الله بين يديه ويذكر بعد المؤرخين أن قطرة من الدم نزلت على قوله تعالى { فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم } والله أعلم لكن على كل حال هو رضي الله عنه كان معروفا بكثرة القراءة والتهجد فدخل عيه أولئك المعتدون الظالمون فقتلوه فقتل شهيدا وبذلك تحقق قول الرسول عليه الصلاة والسلام حينما صعد على جبل أحد وهو جبل معروف كبير في المدينة هو وأبو بكر وعمر وعثمان وارتج بهم الجبل وهذا من آيات الله ليس هو ارتجاج نقمة وخسف لكنه ارتجاج فرح فلما ارتج بهم الجبل قال له النبي صلى الله عليه وسلم اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان فالنبي هو عليه الصلاة والسلام والصديق أبو بكر، والشهيدان: عمر وعثمان وكلاهما رضي الله عنهما قتل شهيدا أما عمر فقتل وهو متقدم لصلاة الفجر بالمسلمين قتل في المحراب وأما عثمان فقتل وهو يتجهد في بيته في صلاة الليل فرضى الله عنهما وألحقنا وصالح المسلمين بهما في دار النعيم المقيم فهذه القصة فيها بشارة لأبي بكر وعمر وعثمان ولذلك ذكرها المصنف رحمه الله في هذا الباب فرضى اله عنهم جميعا وجعلنا والمسلمين ممن يحشرون في زمرة محمد صلى الله عليه وسلم
710 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا قعودا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا أبو بكر وعمر رضي الله عنه في نفر فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين أظهرنا فأبطأ علينا وخشينا أن يقتطع دوننا وفزعنا فقمنا فكنت أول من فزع فخرجت أبتغي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتيت حائطا للأنصار لبني النجار فدرت به هل أجد له بابا فلم أجد فإذا ربيع يدخل في جوف حائط من بئر خارجه والربيع الجدول الصغير فاحتفرت فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أبو هريرة ؟ فقلت نعم يا رسول الله قال ما شأنك قلت كنت بين أظهرنا فقمت فأبطأت علينا فخشينا أن تقتطع دوننا ففزعنا فكنت أول من فزع فأتيت هذا الحائط فاحتفرت كما يحتفر الثعلب وهؤلاء الناس ورائي قال: يا أبا هريرة وأعطاني نعليه فقال اذهب بنعلي هاتين فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة وذكر الحديث بطوله رواه مسلم الربيع النهر الصغير وهو الجدول بفتح الجيم كما فسره في الحديث وقوله: احتفزت روى بالراء وبالزاي ومعناه بالزاي تضامنت وتصاغرت حتى أمكنني الدخول
الشَّرْحُ