باب الاستخارة والمشاورة
قال الله تعالى: { وشاورهم في الأمر } وقال تعالى: { وأمرهم شورى بينهم } أي يتشاورون بينهم فيه
718 - عن جابر رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كالسورة من القرآن يقول: إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل اللهم إني استخيرك بعلمك، واستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال: عاجل أمري وآجله فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال: عاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به قال: ويسمى حاجته رواه البخاري
الشَّرْحُ
قال النووي رحمه الله: ( باب الاستخارة والمشاورة ) والاستخارة مع الله، والمشاورة مع أهل الرأي والصلاح وذلك أن الإنسان عنده قصور أو تقصير والإنسان خلق ضعيفا فقد تشكل عليه الأمور وقد يتردد فيها فماذا يصنع ؟ لنفرض أنه هم بسفر وتردد هل هو خير أم شر أو هم أن يشتري سيارة أو بيتا أو أن يصاهر رجلا يتزوج ابنته أو ما أشبه ذلك ولكنه متردد فماذا يصنع ؟ نقول: له طريقتان: الطريق الأول: استخارة رب العالمين عز وجل الذي يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون الطريق الثاني: استشارة أهل الري والصلاح والأمانة واستدل المؤلف رحمه الله على المشاورة بآيتين من كتاب الله هما قوله تعالى: وشاوروهم في الأمر وهذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم .
قال الله تعالى: { فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ } وكان النبي صلى الله عليه وسلم وهو أسد الناس رأيا وأصوبهم صوابا يستشير أصحابه في بعض الأمور التي تشكل عليه وكذلك خلفاؤه من بعده كانوا يستشيرون أهل الري والصلاح ولا بد من هذين الشرطين فيمن تستشيره أن يكون ذا رأى وخبرة في الأمور وتأن وتجربة وعدم تسرع وأن يكون صالحا في دينه لأن من ليس بصالح في دينه ليس بأمين حتى وإن كان ذكيا وعاقلا ومحنكا في الأمور إذا لم يكن صالحا في دينه فلا خير فيه وليس أهلا لأن يكون من أهل المشورة لأنه إذا كان غير صالح في دينه فإنه ربما يخون والعياذ بالله ويشير بما فيه الضرر أو يشير بما لا خير فيه فيحصل بذلك من الشر والفساد ما الله به عليم ولنفرض أنه رجل من أهل الفسق والمجون والفجور فلا يجوز أن تستشيره لأن هذا يوقعك في هلاك كذلك ولو كان رجلا صالحا دينا أمينا لكنه مغفل ما يعرف الأمور أو متسرع لا خبرة له فهذا أيضا لا تحرص على استشارته لأنه ربما إذا كان مغفلا لا يدري عن الأمور يأخذ الأمور بظواهرها ولا يعرف شيئا مما وراء الظواهر وكذلك إذا كان متسرعا فإنه ربما يحمله التسرع على أن يشير عليك بما لا خير فيه فلابد من أن يكون ذا خبرة وذا رأي وصلاح في الدين وقال الله تبارك تعالى: { وأمرهم شورى بينهم } يعني أمرهم المشترك الذي هو للجميع كالجهاد مثلا فإنه شورى بينهم فإذا أراد ولى الأمر أن يجاهد أو أن يفعل شيئا عاما للمسلمين فإنه يشاورهم ولكن كيف تكون المشورة المشورة تكون إذا حدث له أمر يتردد فيه جمع الإمام من يرى أنهم أهل للمشورة برأيهم وصلاحهم واستشارهم أما الاستخارة فهي مع الله عز وجل يستخير الإنسان ربه إذا هم بأمر وهو لا يدري عاقبته ولا يدري مستقبله فعليه بالاستخارة والاستخارة معناها طلب خير الأمرين وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بأن يصلي الإنسان ركعتين من غير الفريضة في غير وقت النهي إلا في أمر يخشى فواته قبل خروج وقت النهي فلا بأس أن يستخير ولو في وقت النهي أما ما كان فيه الأمر واسعا فلا يجوز أن يستخير وقت النهي فلا يستخير بعد صلاة العصر وكذلك بعد الفجر حتى ترتفع الشمس مقدار رمح وكذلك عند زوالها حتى تزول لا يستخير إلا في أمر قد يفوت عليه يصلي ركعتين من غير الفريضة ثم يسلم وإذا سلم قال: اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم إن كان هذا الأمر ويسميه خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال: عاجل أمري وآجله يعني إما أن تقول هذا أو هذا فاقدره لي ويسره لي وإن كنت تعلم أنه شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال: عاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم ارضني به وينتهي ثم بعد ذلك إن انشرح صدره بأحد الأمرين بالأقدام أو الإحجام فهذا المطلوب يأخذ بما ينشرح به صدره فإن لم ينشرح صدره لشيء وبقى مترددا أعاد الاستخارة مرة ثانية وثالثة ثم بعد ذلك المشورة إذا لم يتبين له شيء بعد الاستخارة فإنه يشاور أهل الرأي والصلاح ثم ما أشير عليه به فهو الخير إن شاء الله، لأن الله تعالى قد لا يجعل في قلبه بالاستخارة ميلا إلى شيء معين حتى يستشير فيجعل الله تعالى ميل قلبه بعد المشورة وقد اختلف العلماء هل المقدم المشورة أو الاستخارة ؟ والصحيح أن المقدم الاستخارة فقدم أولا الاستخارة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا هم أحدكم بالأمر فليصل ركعتين ..
إلى آخره ثم إذا كررتها ثلاث مرات ولم يتبين لك الأمر فاستشر ثم ما أشير عليك به فخذ به وإنما قلنا: إنه يستخير ثلاث مرات لأن من عادة النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا دعا دعا ثلاثا والاستخارة دعاء وقد لا يتبين للإنسان خير الأمرين من أول مرة بل قد يتبين في أول مرة أو في الثانية أو في الثالثة وإذا لم يتبين فليستشر
باب استحباب الذهاب إلى العيد وعيادة المريض والحج والغزو والجنازة ونحوها من طريق الرجوع من طريق آخر لتكثير مواضع العبادة
719 - عن جابر رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق رواه البخاري قوله: خالف الطريق يعني ذهب في طريق ورجع في طريق آخر