796 - وعن أبي جري جابر بن سليم رضي الله عنه قال: رأيت رجلا يصدر الناس عن رأيه لا يقول شيئا إلا صدروا عنه قلت من هذا ؟ قالوا: رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: عليك السلام يا رسول الله مرتين قال: لا تقل عليك السلام، عليك السلام تحية الموتى قل السلام عليك قال: قلت: أنت رسول الله ؟ قال: أنا رسول الله الذي إذا أصابك ضر فدعوته كشفه عنك وإذا أصابك عام سنة فدعوته أنبتها لك وإذا كنت بأرض قفر أو فلاة فضلت راحلتك فدعوته ردها عليك قلت: اعهد لي قال: لا تسبن أحدا قال فما سببت بعده حرا ولا عبدا ولا بعيرا ولا شاة ولا تحقرن من المعروف شيئا وأن تكلم أخاك وأنت منبسط إليه وجهك، إن ذلك من المعروف وارفع إزارك إلى نصف الساق فإن أبيت فإلي الكعبين وإياك وإسبال الإزار فإنها من المخيلة وإن الله لا يحب المخيلة وإن امرؤ شتمك وعيرك بما يعلم فيك فلا تعيره بما تعلم فيه فإنما وبال ذلك عليه رواه أبو داود والترمذي فإسناد صحيح وقال الترمذي: حديث حسن صحيح
الشَّرْحُ
ذكر المؤلف رحمه الله في رياض الصالحين في ( كتاب اللباس ) عن جابر بن سليم رضي الله عنه أنه قدم المدينة فرأى رجلا يصدر الناس عن رأيه لا يقول شيئا إلا صدورا عنه يعني أنهم يأخذون بما يقول وبما يوجه لأنه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فسأل من هذا ؟ لأنه رجل لا يعرف النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: رسول الله فجاء إليه فقال: أنت رسول الله ؟ قال: نعم ولكنه قال: عليك السلام فقدم الخبر فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا تقل عليك السلام عليك السلام تحية الموتى ولكن قل السلام عليك ومعنى قوله عليه الصلاة والسلام: عليك السلام تحية الموتى يعني أنهم كانوا في الجاهلية يسلمون على الأموات هكذا كما قال الشاعر
عليك سلام الله قيس بن عامر ...
ورحمته ما شاء أن يترحم
فكانوا في الجاهلية إذا اسلموا على الأموات يقولون عليك السلام لكن الإسلام نسخ هذا وصار السلام يقال لمن ابتدئ به السلام عليك حتى الموتى كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يخرج إليهم إلى المقبرة يسلم فيقول السلام عليكم دار قوم مؤمنين ولا يقول: عليكم السلام وفي قوله عليه الصلاة والسلام: قل السلام عليك دليل على أن الإنسان إذا سلم على الواحد يقول: السلام عليك وهكذا جاء أيضا في حديث الرجل الذي يسمى المسيء في صلاته أنه جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليك بالإفراد وهذا هو الأفضل وقال بعض العلماء: تقول السلام عليكم، تريد بذلك أن تسلم على الإنسان الذي سلمت عليه ومن معه من الملائكة ولكن الذي وردت به السنة أولى واحسن أن تقول: السلام عليك إلا إذا كانوا جماعة فإنك تسلم عليهم بلفظ السلام عليكم ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم بين له أنه رسول رب العالمين الذي يكشف الضر ويجلب النفع فإذا ضاعت البعير في فلاة من الأرض فدعوت الله سبحانه وتعالى ردها عليك يقول: وإذا أصابك سنة يعني جدبا في الأرض وعدم نبات فدعوت الله كشفه عنك أنبت الأرض لك وكذلك إذا أصابك الضر فدعوت الله كشفه عنك كما قال الله تعالى: أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ حُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللهِ فبين له أنه أي الرب عز وجل يجلب لعباده الخير وأنه إذا دعاه عبده لم يخب وهكذا كل دعاء تدعو به ربك فإنك لا تخيب لو لم يأتك من هذا إلا أن الدعاء عبادة تؤجر عليه الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة لكفى وإذا لم يكن هناك موانع تمنع إجابة الدعاء فإن الله تعالى إما أن يعطيك ما سألت وتراه رأي العين تدعو الله بالشيء فيحصل وإما أن يكشف عنك من الضر ما هو أعظم وإما أن يدخر ذلك لك عنده وإلا فلن يخيب من دعا الله عز وجل أبدا ولكن إياك أن تستبطئ الإجابة فتقول دعوت ودعوت فلم يستجب لي فإن الشيطان قد يلقي في قلبك هذا ويقول: كم دعوت الله من مرة وما جاءك مطلوب ؟ ثم يقنطك من رحمة الله والعياذ بالله وهذه من كبائر الذنوب القنوط من رحمة الله من كبائر الذنوب ولا تقنط من رحمة الله ولو تأخرت إجابة الدعاء فأنت لا تدري ما هو الخير ؟ ما أمرك الله تعالى بالدعاء إلا وهو يريد أن يستجيب لك كما قال تعالى: { وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } لكنك تستعجل انتظر وألح على الله بالدعاء فربما أن الله عز وجل يؤخر إجابتك لأجل أن تكثر من الدعاء فتزداد حسناتك وتعرف قدر نفسك وتعرف قدر حاجتك إلى الله عز وجل فهذا خير فإياك أن تستعجل وألح على الله في الدعاء والله سبحانه وتعالى يحب الملحين في الدعاء المبالغين فيه لأن الإنسان يدعو من إليه المنتهى عز وجل من بيده ملكوت كل شيء وسواء كان ذلك في صلاتك أو في خلواتك ادع الله بما شئت حتى وأنت تصلي ادع الله بما شئت لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أما السجود فأكثروا فيه من الدعاء وقال حين ذكر التشهد ثم ليتخذ من الدعاء ما شاء الله فليس للإنسان أحد سوى الله فليلجأ إليه في كل دقيقة وجليل حتى إنه جاء في الحديث ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى يسأل شسع نعله إذا انقطع شراك النعل أدني شيء يسأله الله عز وجل لأن السؤال عبادة والتجاء إلى الله عز وجل وإنابة إليه وارتباط به سبحانه وتعالى يكون قلبك دائما مع الله سبحانه وتعالى فأكثر من الدعاء ثم إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر جابر بن سليم ألا يحقرن من المعروف شيئا كل معروف افعله سواء كان قولا أو فعلا أو جاها أو أي شيء لا تحقر شيئا من المعروف فإن المعروف من الإحسان والله سبحانه وتعالى يحب المحسنين فلو ساعدت إنسانا على تحميل متاعه في السيارة فهذا معروف لو أدنيت له شيئا يحتاج إليه فهذا من المعروف لو أعطيته القلم يكتب به فهذا من المعروف لو أعطيته حافظة من أجل أن يحفظ بها شيئا من الأشياء فهذا من المعروف أحسن فإن الله يحب المحسنين واعلم أن هناك قاعدة إذا ذكرها الإنسان سهل عليه الإحسان وهي ما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام من قوله: ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته وما ظنك إذا كان الله في حاجتك ؟ هل تتعثر الأمور ؟ الجواب: لا إذا كان الله في حاجتك يساعدك على حاجتك ويعينك عليها فلا شك أنها سوف تسهل فأنت كلما كنت في حاجة أخيك كان الله في حاجتك فأكثر من المعروف أكثر من الإحسان ولا تحقرن شيئا ولو كان قليلا قال النبي صلى الله عليه وسلم لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة أي لا تحقر ولو هذا الشيء القليل ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم لجابر بن سليم: وأن تكلم أخاك وأنت منبسط إليه وجهك إن ذلك من المعروف لما قال: لا تحقرن من المعروف شيئا بين أن من المعروف أن تلقي أخاك بوجه طلق لا معبس ولا مكفهر بل يكون منبسطا وذلك لأن هذا يدخل السرور على أخيك وكل أدخل السرور على أخيك فإنه معروف وإحسان والله يحب المحسنين وهذا لا شك أنه خير إلا أنه في بعض الأحيان قد يكون المرء الذي يخاطبك من المصلحة ألا تلقاه بوجه منبسط كأن يكون قد فعل شيئا لا يحمد عليه فلا تلقه بوجه منبسط تعزيزا له لأجل أن يرتدع ويتأدب ولكل مقام مقال ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يرفع إزاره إلي نصف الساق فإن أبي فإلى الكعبين وهذا يدل على أن رفع الإزار إلى نصف الساق أفضل ولكن لا حرج أن ينزل إلى الكعبين وذلك لأن هذا من باب الرخصة وليس بلازم أن يرفع الإنسان إزاره إلي نصف الساق أو يرى أن ذلك حتم عليه وأن الذي لا يرفع قد خالف السنة لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: فإن أبيت إلى الكعبين ولم يقل فإن أبيت فعليك كذا وكذا من الوعيد فدل ذلك على أن الأمر في هذا واسع وقد مر علينا أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم إن أحد شقي إزاري يسترخي علي إلا أن أتعاهده وقلنا إن هذا يدل على أن إزار أبي بكر رضي الله عنه كان نازلا عن نصف الساق وأن هذا لا بأس به فلا ينبغي للإنسان أن يشدد على نفسه أو على الناس بحيث يرى أنه لزام عليه أن يجعل سرواله أو ثوابه أو ( مشلحه ) إلى نصف الساق فالأمر في هذا واسع هو سنة ولكن مع ذلك الأمر فيه واسع ولله الحمد بترخيص النبي صلى الله عليه وسلم ثم حذر النبي صلى الله عليه وسلم جابر بن سليم من المخيلة يعني أن يختال في مشيته أو ثوبه أو عمامته أو ( مشلحه ) أو كلامه أو أي شيء يفعله خيلاء فإن الله لا يحب ذلك { إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } فالإنسان ينبغي له أن يكون متواضعا دائما في لباسه ومشيته وهيئته وكل أحواله لأن من تواضع لله رفعه الله فهذه الآداب التي علمها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمته ينبغي للإنسان أن يتأدب بها لأنه يحصل على أمرين أولا: امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال الله تعالى: { ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار } ثانيا: التحلي بحسن الخلق من خلال التأدب بهذه الآداب الراقية التي لا يستطيع أحد من البشر أن يوجه الناس إلى آداب مثلها أبدا لأن الآداب التي جاء بها الشرع هي خير الآداب ثم إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: وإن امرؤ شتمك وعيرك بما يعلم فيك فلا تعيره بما تعلم فإنما وبال ذلك عليه وذلك أن الإنسان ينبغي له أن يعفو ويصفح ولا يجعل كل كلمة يسمعها مقياسا له في الحكم على الناس تغاض عن الشيء واعف واصفح فإن الله تعالى يحب العافين عن الناس ويثيبهم على ذلك وأنت إذا عيرته أو سببته بما تعلم فيه طال النزاع وربما حصل بذلك العداوة والبغضاء فإذا كففت وسكت هدأت الأمور وهذا شيء مجرب أن الإنسان إذا ساب أحدا قد سبه طال السباب بينهما وحصل تفرق وتباغض وإذا سكت فإنه قد يكون أنفع كما قال الله تبارك وتعالى في وصف عباد الرحمن { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَمًا } يعني قالوا قولا يسلمون به إما أن يقولوا مثلا: جزاك الله خيرا أعرض عن هذا اترك الكلام وما أشبه ذلك وال الله عز وجل: { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } { خذ العفو } يعني ما عفى وسهل من أخلاق الناس ولا ترد من الناس أن يكونوا على أكمل حال بالنسبة لك الناس ليسوا على هواك لكن خذ منهم ما عفى وما سهل وما صعب فلا تطلبه ولهذا قال: { وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } الجاهل إذا سابك أو شتمك أو ما أشبه ذلك فأعرض عنه فإن هذا هو الخير وهو المصلحة والمنفعة
797 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما رجل يصلي مسبل إزاره قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهب فتوضأ فذهب وتوضأ ثم جاء، فقال اذهب وتوضأ فقال له رجل: يا رسول الله مالك أمرته أن يتوضأ ثم سكت عنه ؟ قال: إنه كان يصلي وهو مسبل إزاره وإن الله لا يقبل صلاة رجل مسبل رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط مسلم
الشَّرْحُ