باب الإسراع بالجنازة
941 - عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه وإن تك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم متفق عليه .
وفي رواية لمسلم فخير تقدمونها عليه
942 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا وضعت الجنازة فاحتملها الرجال على أعناقهم فإن كانت صالحة قالت قدموني وإن كانت غير صالحة قالت لأهلها يا ويلها أين تذهبون بها يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان ولو سمع الإنسان لصعق رواه البخاري
الشَّرْحُ
قال المؤلف في كتابه رياض الصالحين باب الإسراع في الجنازة الإسراع في الجنازة يشمل الإسراع في تجهيزها والإسراع في تشييعها والإسراع في دفنها وذلك أن الميت إذا مات فإما أن يكون صالحا وإما أن يكون سوى ذلك فإن كان صالحا فإن حبسه حيلولة بينه وبين ما أعده له الله من النعيم في قبره لأنه ينتقل من الدنيا إلى خير منها وإلى أفضل لأنه حين احتضاره ومنازعته الموت يبشر يقال لروحه أبشري برحمة من الله ورضوان فيشتاق لهذه البشرى فيجب أن يتعجل وأن يعجل به فإذا حبس كان في هذا شيء من الجناية عليه والحيلولة بينه وبين ما أعده الله له من النعيم وإن كان غير صالح والعياذ بالله فإنه لا ينبغي أن يكون بيننا وينبغي أن نسارع بالتخلص منه ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم أسرعوا بالجنازة أسرعوا بها في تجهيزها وتشييعها ودفنها لا تؤخروها فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه يعني خير مما انتقلت منه تقدمونها إليه لأنها تقدم جعلنا الله وإياكم منهم إلى رحمة الله ونعيم وسرور ونور فتقدمونها إلى خير وإن تك سوى ذلك يعني ليست صالحة فشر تضعونه عن رقابكم تسلمون منه لأنه ما لا خير فيه لا خير في بقائه إذا يستفاد من هذا الحديث أنه يسن الإسراع بالجنازة وألا تؤخر وما يفعله بعض الناس اليوم إذا مات الميت قالوا انتظروا حتى يقدم أهله من كل فج وبعضهم ربما كان في أوربا أو في أمريكا وربما طال ذلك يوما أو يومين فهذا جناية على الميت وعصيان لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أسرعوا بالجنازة أهله إذا جاءوا وقد دفن يصلون على قبره الأمر واسع والحمد لله وهو إذا تأخر دفنه حتى يأتوا ماذا ينفعه من ذلك إنه لا ينفعه إلا الدعاء له بالصلاة عليه وهذا حاصل إذا صلوا عليه في قبره ولا وجه لهذا الحبس إطلاقا فإن قال قائل أليس النبي صلى الله عليه وسلم مات يوم الاثنين ولم يدفن إلا ليلة الأربعاء قلنا بلى لكن الصحابة رضي الله عنهم أرادوا ألا يدفنوا الرسول صلى الله عليه وسلم حتى يقيموا خليفة على عباد الله بعده لئلا تخلو الأرض عن خليفة لله فيها ولهذا لما تمت مبايعة أبي بكر رضي الله عنه دفنوا النبي صلى الله عليه وسلم وهذه علة ظاهرة واضحة .
وقوله صلى الله عليه وسلم إن تك صالحة فخير تقدمونها إليه وإن تك سوى ذلك ..
.
يستفاد منه أنه ينبغي أن يعبر عن الألفاظ السيئة بما يدل عليها بدون سوء لأن قسيم الصالحة الفاسدة ولكن النبي صلى الله عليه وسلم عدل عن كلمة فاسدة إلى قوله وإن تك سوى ذلك وهذا من باب التأدب في اللفظ وإلا فالمعنى واحد والتأدب في اللفظ له شأن عجيب انظر إلى قوله تعالى عن الجن وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا لما أرادوا الخير أضافوه إلى الله { أم أراد بهم ربهم رشدا } وفي الشر قالوا { أشر أريد } وما قالوا شر أراده الله مع أن الله مريد للخير والشر لكن الشر الذي يريده الله ليس شرا في فعله بل في مفعولاته أما فعله عز وجل فلا شك أنه خير لكن يقدر الشر للخير لحكمة يريدها عز وجل .
المهم أنه ينبغي للإنسان أن يتأدب في صياغة الألفاظ من غير إخلال بالمعنى ويذكر أن ملكا من الملوك رأى رؤيا وهي أن أسنانه قد سقطت واهتم لذلك فجمع الذين يعبرون الرؤيا أي يفسرونها فقال له واحد إن حاشيتك تموت وأهلك معهم ففزع الملك ولم يعجبه هذا التفسير فأمر بالرجل فجلد ثم دعا آخر وقال له ما أرى قال إن الملك يكون أطول أهله عمرا المعنى واحد فأكرمه وأجازه فالألفاظ لها تأثير ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم وإن تك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم .
ثم ذكر حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن الرجل إذا مات وحملت جنازته فإن كانت صالحة قالت قدموني قدموني تقول ذلك بصوت مسموع يسمعه كل شيء إلا الإنسان لا يسمعه نعمة من الله عز وجل لأننا لو سمعنا ما يقوله الأموات على نعوشهم لانزعجنا لكن الله أخفاه عنا لكن تسمعه الدواب يسمعه كل شيء تقول قدموني قدموني إلى أي شيء يقدمونها لما أعده الله لها من النعيم الذي بشرت به عند الاحتضار وإن لم تكن صالحة قالت يا ويلها أين تذهبون بها نعوذ بالله تدعو بالويل لأنها ستقدم نسأل الله العافية إلى عذاب في القبر يضيق عليها القبر حتى تختلف الأضلاع ويفتح لها باب إلى النار نسأل الله العافية ولا أحد من الأحياء البشر يعلم ويشعر بذلك ومن نعمة الله سبحانه وتعالى أن أخفاه علينا ولو علمنا بذلك ما تدافنا أبدا لكن الله يخفيه وهذا يدل على أن من حق الميت علينا أن نبادر به ولذلك قال أهل العلم يسن الإسراع في تجهيز الميت إلا إذا مات بغتة فإنه ينتظر حتى يتيقن أنه مات لأنه يحتمل أن يكون غشية وأنه حي فينتظر حتى يتيقن أنه مات ثم نبادر به والله الموفق
باب تعجيل قضاء الدين عن الميت والمبادرة إلى تجهيزه إلا أن يموت فجأة فيترك حتى يتيقن موته
943 - عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضي عنه رواه الترمذي وقال حديث حسن