1209 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله متفق عليه .
1210 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو بكر رضي الله عنه وكفر من كفر من العرب فقال عمر رضي الله عنه كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله ؟ فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه، قال عمر رضي الله عنه: فوالله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق متفق عليه ..
الشَّرْحُ
هذه الأحاديث التي ساقها المؤلف رحمه الله في كتابه رياض الصالحين في باب تأكيد وجوب الزكاة وبيان فضلها ذكر منها ما سبق الكلام عليه وذكر منها حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة .
قوله ( أمرت ) الآمر له هو الله عز وجل وفي هذا دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم عبد مأمور مكلف يؤمر وينهى كما يؤمر وينهى سائر الناس لأنه عبد من عباد الله عليه الصلاة والسلام ليس ربا ولا يملك شيئا من حقوق الربوبية بل هو عبد يؤمر وينهى وربما يحصل له أكبر من ذلك لقول الله تبارك وتعالى له عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين وكقوله تعالى { لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم } يعاتبه ربه عز وجل ويقول له سبحانه وتعالى { واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه } فمن زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم له شيء من الربوبية وأن ينفع ويضر ويجيب الدعوة ويكشف السوء فقد أشرك بالله وكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم .
يقول عليه الصلاة والسلام: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة يقاتل من امتنع عن واحدة من هذه الأربع: من شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ومن إقامة الصلاة ومن إيتاء الزكاة يقاتلهم حتى يذعنوا ويرضخوا لهذه الأربع فإذا فعلوا ذلك يعني شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله عز وجل يعني: إذا فعلوا ذلك فقد استسلموا ظاهرا فيعصمون دماءهم وأموالهم وحسابهم على الله، لأن من الناس من يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة وقلبه منطوي على الكفر ولهذا قال: حسابهم على الله فالمنافقون يقولون: لا إله إلا الله لكن لا يذكرون الله إلا قليلا ويقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم نشهد إنك لرسول الله ويقيمون الصلاة ولكن لا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ويتصدقون ولكن لا ينفقون إلا وهم كارهون ومع ذلك قلوبهم منطوية على الكفر نسأل الله العافية ولهذا قال: وحسابهم على الله عز وجل .
ثم ذكر رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه في تحاور أبي بكر الصديق رضي الله عنه الخليفة الأول لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر بن الخطاب الخليفة الثاني لرسول الله صلى الله عليه وسلم في مسألة دينية مع أن كل واحد منهما يحب الآخر حبا عظيما لكن هذه المحبة لا تمنع من المحاورة والمراجعة الدينية لأن الدين فوق كل شيء لما كان أبو بكر رضي الله عنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم باختيار الصحابة له أن يكون الخليفة بعد الرسول وكذلك بإشارة الرسول صلى الله عليه وسلم إليه حيث خلفه عنه في الحج وهي إمامة كبرى بالنسبة للناس وفي الصلاة وهي إمامة صغرى لأن أمير الحج يؤم من الناس أكثر ما يؤمه أمير المسجد خلفه النبي صلى الله عليه وسلم إماما للمسجد حين مرض وخلفه في الحج بالناس عام تسع من الهجرة واتفق الصحابة بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم على أن الخليفة من بعده أبو بكر ارتد من ارتد من العرب والعياذ بالله وقد أشار الله إلى ذلك في قوله { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم } وقد حصل ارتد من ارتد من العرب ومنعوا الزكاة وكفروا بالله فقاتلهم أبو بكر رضي الله عنه فحاوره عمر قال: كيف تقاتل الناس ؟ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وهذا هو الذي سمعه عمر من النبي صلى الله عليه وسلم وإلا فإن ابنه سمع من الرسول أكثر من ذلك، سمع من الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة لكن عمر روى ما سمع: ( حتى يقولوا لا إله إلا الله ) فقال أبو بكر: ( والله لأقاتلن من فرق بين الزكاة والصلاة، الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالا يعني عقال بعير كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على ذلك ) وهذا دليل على حزمه رضي الله عنه حزم أبي بكر مع أنه ألين من عمر لكن في مواقف الشدة والضيق يكون أبو بكر أحزم من عمر .
نضرب لكم أمثلة منها هذا المثال: عمر رأى ألا يقاتل الناس لكن بعد مراجعة أبي بكر له علم أنه الحق لما رأى أن الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال وهو الخليفة من بعد الرسول عرف أنه الحق إذ إن الله سبحانه وتعالى لم يشرح صدر هذا الخليفة الراشد ( أول خليفة في الأمة الإسلامية ) إلا لحق عرف أنه الحق لما شرح الله صدر أبي بكر له هذا موقف صار أبو بكر أجلد من عمر وأشد وأثبت .
والموضع الثاني: لما مات الرسول صلى الله عليه وسلم أظلمت المدينة واضطرب الناس وصار يوما عظيما واجتمع الناس في المسجد وقام عمر وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت ولكنه صعد يعني غشي عليه وليبعثنه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم اهتز قلبه يقولها بجد وحزم وكان أبو بكر رضي الله عنه حين مات الرسول صلى الله عليه وسلم خارج المدينة في حائط له فذهبوا فأخبروه أخبروا أبا بكر فجاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وكشف عن وجهه وقد غطي عليه الصلاة والسلام كشف عن وجهه وقبله وقال: بأبي أنت وأمي طبت حيا وميتا والله لا يجمع الله عليك موتتين أما الموتة الأولى فقد متها ثم خرج إلى الناس وإذا عمر يتكلم ينكر ويقول: ( ما مات غشي عليه وليبعثنه الله ) فقال أبو بكر: ( على رسلك ) يعني أرفق فجلس عمر أو بقي قائما فصعد أبو بكر المنبر وخطب الناس خطبة عظيمة بليغة في هذا المقام الضنك قال: ( أما بعد أيها الناس من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات رضي الله عنه وهو أشد الناس فجيعة به ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ثم تلا قوله تعالى: { إنك ميت وإنهم ميتون } وقوله تعالى: { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا } يقول عمر: ( حتى عثرت فما تقلني رجلاي يعني: لا يقدر أن يقف فجلس لأنه علم أن هذا هو الحق فانظر إلى ثبات أبي بكر في هذا المقام .
أما الموضع الثالث: فهو في صلح الحديبية صلح الحديبية فيه شروط ظاهرها أنه فيه غضاضة على المسلمين منها: أن من جاء من قريش مسلما انتبه من جاء من قريش مسلما رده الرسول إلى قريش ومن ذهب من المسلمين إلى قريش فلا يلزمهم رده .
هذا الشرط ظاهره أنه إجحاد عجز عمر فلا يقدر على هذا فقال: ( يا رسول الله كيف ؟ كيف ؟ من خرج منهم مسلما وجاء مهاجرا إلينا نرده، ومن ذهب منا لا يردونه كيف نعطي الدنية في ديننا ألسنا على الحق وعدونا على الباطل قال: بلى لكن هذا أمر الله وأنا عبد الله ورسوله ولن أعصي الله وسينصرنا الله عز وجل فعجز عمر فذهب إلى أبي بكر يستنجد به لعله يشير على الرسول صلى الله عليه وسلم بعدم الموافقة فكان جواب أبي بكر رضي الله عنه كجواب الرسول صلى الله عليه وسلم حرفا بحرف مواقف عظيمة في هذا المقام الضنك قال: إنه لرسول الله وإن الله ناصره فاستمسك بغرزه يقول لعمر يعني: احذر أن تخالفه فإنه على الحق .
في هذه المواقف الثلاثة العظيمة تبين ثبات أبي بكر رضي الله عنه وأنه أثبت الصحابة وأحق الصحابة بالخلافة وأحزمهم وأعقلهم وهكذا يتبين حال الإنسان الثابت الذي ينظر إلى الأمور من بعيد ويسبر غورها والإنسان الذي عنده غيرة لكنه لا يريد أن يتعجل فالتعجل قد يكون فيه غرر .
المهم من هذا الحديث أو الفائدة منه في هذا الباب الذي بوبه النووي رحمه الله في رياض الصالحين أن من امتنع عن الزكاة وجب على الإمام قتاله حتى يؤدي الزكاة والله الموفق .
1211 -