شرح رياض الصالحين
كتاب الأذكار
/0L2 باب فضل الذكر والحث عليه
قال الله تعالى { ولذكر الله أكبر } وقال تعالى { فاذكروني أذكركم } وقال تعالى { واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين } وقال تعالى { واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون } .
وقال تعالى { إن المسلمين والمسلمات } إلى قوله تعالى { والذاكرين الله كثيرا والذكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما } وقال تعالى { يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا } والآيات في الباب كثيرة معلومة .
الشَّرْحُ
قال المؤلف رحمه الله تعالى في كتابه رياض الصالحين كتاب الأذكار .
الأذكار جمع ذكر والمراد بذلك ذكر الله عز وجل ثم ذكر باب فضل الذكر والحث عليه وذكر آيات متعددة وليعلم أن ذكر الله تعالى يكون بالقلب ويكون باللسان ويكون بالجوارح أما القلب فهو التفكر ذكر الله تعالى بالقلب أن يتفكر الإنسان في أسماء الله وصفاته وأحكامه وأفعاله وآياته وأما الذكر باللسان فظاهر ويشمل كل قول يقرب إلى الله عز وجل من التهليل والتسبيح والتكبير وقراءة القرآن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقراءة السنة وقراءة العلم كل قول يقرب إلى الله فهو ذكر لله عز وجل .
وأما ذكر الله بالأفعال فهو ذكر الله بالجوارح فهو كل فعل يقرب إلى الله كالقيام في الصلاة والركوع والسجود والقعود وغير ذلك لكن يطلق عرفا على ذكر الله تعالى التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل وذكر المؤلف رحمه الله في ذلك آيات منها قول الله تعالى يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثير وسبحوه بكرة وأصيلا فخاطب الله المؤمنين وأمرهم أن يذكروا الله تعالى ذكرا كثيرا في كل وقت وفي كل حال وفي كل مكان اذكر الله ذكرا كثيرا { وسبحوه بكرة وأصيلا } أي قولوا سبحان الله في البكور والأصيل يعني في أول النهار وآخر النهار ويحتمل أن يراد بالنهار كله وفي الليل كله وقال الله تعالى { واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون } وهذا ذكره الله عز وجل في سياق لقاء العدو فقال تعالى { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون } فذكر الله تعالى من أسباب الثبات والفلاح والفلاح كلمة جامعة يراد بها حصول المطلوب والنجاة من المرهوب وقال الله تعالى { اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر } قيل المعنى ولما فيها من ذكر الله أكبر وقيل المعنى ذكر الله عموما أكبر وهو أن الإنسان إذا صلى كان ذلك سببا لحياة قلبه وذكره لله عز وجل كثيرا وقال تعالى في وصف الخلق من عباده { إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات } إلى قوله { والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما } وقال تعالى { فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون } والآيات في هذا كثيرة كلها تدل على فضيلة الذكر والحث عليه وقد أثنى الله تعالى على الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم وبين أنهم هم أصحاب العقول فقال تعالى { إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار } فالمهم أن نحث أنفسنا وإياكم على إدامة ذكر الله وهو لا يكلف باللسان واللسان لا يعجز ولا يتعب بل يبقي دائما لا إله إلا الله وسبحان الله والحمد لله والله أكبر ما تعب فهو سهل ولله الحمد وأجره عظيم جعلني الله وإياكم من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات إنه على كل شيء قدير .
1408 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم متفق عليه .
1409 - وعنه رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إلي مما طلعت عليه الشمس رواه مسلم .
1410 - وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه وقال من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر متفق عليه .
الشَّرْحُ
هذه الأحاديث الثلاثة عن أبي هريرة رضي الله عنه كلها تدل على فضل الذكر الأول قال النبي صلى الله عليه وسلم كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم كلمتان وهما أيضا ثقيلتان في الميزان إذا كان يوم القيامة ووزنت الأعمال ووضعت هاتان الكلمتان في الميزان ثقلتا به والثالث حبيبتان إلى الرحمن وهذا أعظم الثوابين أن الله تعالى يحبهما وإذا أحب الله العمل أحب العامل به فهاتان الكلمتان من أسباب محبة الله للعبد ما معنى سبحان الله وبحمده المعنى أنك تنزه الله تعالى عن كل عيب ونقص وأنه الكامل من كل وجه جل وعلا مقرونا هذا التسبيح بالحمد الدال على كمال إفضاله وإحسانه إلى خلقه جل وعلا وتمام حكمته وعلمه وغير ذلك من كمالاته .
سبحان الله العظيم يعني ذي العظمة والجلال فلا شيء أعظم من الله سلطانا ولا أعظم قدرا ولا أعظم حكمة ولا أعظم علما فهو عظيم بذاته وعظيم بصفاته جل وعلا سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم فيا عبد الله أدم هاتين الكلمتين قلهما دائما لأنهما ثقيلتان في الميزان وحبيبتان إلى الرحمن وهما لا يضرانك في شيء خفيفتان على اللسان سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم فينبغي للإنسان أن يقولهما ويكثر منهما .
ثم ذكر الحديث الثاني عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأن أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أربع كلمات أحب إلي مما طلعت عليه الشمس يعني أحب علي من كل الدنيا وهما أيضا كلمات خفيفة سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر الناس الآن يسافرون ويقطعون الفيافي والصحاري والمهالك والمفاوز من أجل أن يربحوا شيئا قليلا من الدنيا قد يتمتعون به وقد يحرمون إياه وهذه الأعمال العظيمة يتعاجز الإنسان عنها لأن الشيطان يكسله ويخذله ويثبطه عنها وإلا فهي كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إلي الإنسان مما طلعت عليه الشمس وإذا فرضنا أن عندك ملك الدنيا كلها كل الدنيا عندك ملكها ما طلعت عليه الشمس وغربت ثم مت ماذا تستفيد لا تستفيد شيئا لكن سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر هي الباقيات الصالحات قال الله تعالى المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا فينبغي لنا أن نغتنم الفرصة بهذه الأعمال الصالحة .
أما الحديث الثالث والرابع فهو من قال في يومه مائة مرة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير حصل له هذه الفضائل الخمسة .
أولا: كان كمن أعتق عشر رقاب وثانيا كتبت له مائة حسنة وحطت عنه مائة خطيئة وكانت له حرزا من الشيطان ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا من عمل أكثر مما عمل .
خمس فضائل إذا قلت لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وهذه مائة مرة وهذه سهلة يمكن وأنت تنتظر صلاة الفجر بعد أن تأتي للمسجد تقولها في طريقك أو بعد طلوع الفجر تقولها تنتفع بها وهذا أيضا من الأمور التي ينبغي للإنسان أن يداوم عليها وينبغي أن يقولها في أول النهار لتكون حرزا له من الشيطان .
أما سبحان الله وبحمده فمن قالها مائة مرة حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر وهذه سبحان الله وبحمده تقولها في آخر النهار لأجل أن تحط عنك خطايا النهار فانتهز الفرصة يا أخي انتهز الفرصة العمر يمضي ولا يرجع ما مضى من عمرك فلن يرجع إليك وهذه الأعمال أعمال خفيفة مفيدة ثوابها جزيل وعملها قليل نسأل الله أن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته .
1411 -